آثار الدفاع الشرعي
ـ للدفاع الشرعي عدة آثار نبينها في الآتي:
1ـ الدفاع الشرعي يبرر فعل المدافع، ويمحو عنه الصفة الجرمية. وهذا معناه انعدام مسؤوليتي المدافع الجزائية والمدنية، وانعدام عقابه. ولا محل أيضاً عند وجود حالة الدفاع الشرعي لفرض التدابير الاحترازية، لأن هذه التدابير لا تفرض إلا على الشخص الذي يرتكب جريمة، والمدافع لا يرتكب جريمة، لأن فعله مبرر  .
2ـ والاستفادة من الدفاع الشرعي لا يحتاج دائماً إلى حكم قضائي. فإذا لم تكن الدعوى قد رفعت فإن على النيابة العامة أن تحفظ الأوراق، وإذا تم رفع الدعوى أمام قاضي التحقيق تعين عليه أن يقرر منع محاكمة المدافع، وإذا تم رفع الدعوى أمام المحكمة تعين عليها أن تقرر براءة المدافع.
3ـ ونظراً لشمول حق الدفاع الشرعي وموضوعيته، فإن كل من يساهم في أعمال الدفاع، من فاعل وشريك ومحرض ومتدخل، يستفيد من هذا الحق.
4ـ والدفاع الشرعي تستظهره المحكمة من تلقاء نفسها، حتى لو لم يدفع به المتهم، أو ينكر قيامه بالفعل. وهذا الحق معطى لقاضي التحقيق وقاضي الإحالة أيضاً.
وكذلك فإن من واجب المحكمة أن تناقش طلب المتهم عدّه في حالة دفاع شرعي وترد عليه، لأن هذا الطلب من الطلبات الأساسية التي يترتب على إهمالها نقض الحكم. ولكن المحكمة لا تعد مسؤولة عن مناقشة حالة الدفاع الشرعي إذا لم تطرح أمامها من قبل المتهم أو النيابة العامة.
5ـ وأخيراً فإن تقدير الدفاع الشرعي مسألة موضوعية تدخل في سلطة قاضي الموضوع. إلا أن تطبيق شروط الدفاع الشرعي مسألة قانونية تخضع لرقابة محكمة النقض.
تجاوز حدود الدفاع الشرعي
يتجاوز المتهم حدود الدفاع الشرعي حينما يخل بالشرط الأخير من شروط الدفاع، وهو شرط التناسب بين الدفاع والاعتداء. ويقع هذا التجاوز على سبيل المثال عندما يرد المتهم بالضرب على مجرد التهديد، أو يطعن المعتدي الذي يحمل عصا خفيفة بسكين ويقتله، أو يطلق النار على شخص يسرق ثماراً من بستان، أو يضرب راع تدخل أغنامه أرض الغير ضرباً مبرحاً يخلف له عاهة دائمة….
وحكم تجاوز حدود الدفاع الشرعي هو فقد المتهم حقه في التمسك بالدفاع الشرعي، مثله مثل عدم توافر أي شرط من شروط الدفاع الشرعي الأخرى. 
ولكن المشرع السوري نظر إلى تجاوز حدود الدفاع الشرعي نظرة خاصة، وعالج قضاياه كما تظهر في الحالات الأربع الآتية:
الحالة الأولى ـ وهي حالة تجاوز الفاعل حدود الدفاع الشرعي نتيجة سورة انفعال شديد انعدمت معها قوة وعيه أو إرادته.
هذه الحالة عالجها المشرع السوري صراحة في المادة 183 من قانون العقوبات التي جاء فيها ما يأتي:
«إذا وقع تجاوز في الدفاع أمكن إعفاء فاعل الجريمة من العقوبة في الشروط المذكورة في المادة 227».
ونص المادة 227 من قانون العقوبات هو التالي:
«إذا أفرط فاعل الجريمة في ممارسة حق الدفاع المشروع لا يعاقب إذا أقدم على الفعل في سورة انفعال شديد انعدمت معها قوة وعيه وإرادته».
وواضح من صريح هاتين المادتين أن تجاوز حدود الدفاع الشرعي يحرم المدافع من حقه في الاستفادة من الدفاع الشرعي، وبالتالي فإن فعله يظل جريمة. ولكن إذا تم التجاوز نتيجة لسورة انفعال شديد انعدمت معها قوة وعي الفاعل أو إرادته، فإن الفاعل لا يعاقب. وعبارة «لا يعاقب» الواردة في المادة 227 من قانون العقوبات، تعني أن الفاعل لا يُسأل جزائياً، ويعامل وكأنه في حالة من حالات انعدام المسؤولية، أو حالات موانع العقاب.
وهذه الحالة كان بالإمكان استخلاصها في تقديرنا من القواعد العامة دون حاجة إلى نص خاص بها، لأن انعدام الوعي أو حرية الاختيار متعلق بشروط المسؤولية الجزائية، وهذه الشروط معينة في القانون.
الحالة الثانية ـ وهي حالة تجاوز الفاعل حدود الدفاع الشرعي نتيجة سورة غضب شديد أنقصت قوة وعيه أو حرية اختياره.
وهذه الحالة تطبيق لعذر الإثارة (أو الاستفزاز) المنصوص عليه في المادة 242 من قانون العقوبات. فإذا أثار فعل المعتدي غضب المتهم الشديد، فأنقص بذلك قوة وعيه أو حرية اختياره، وتجاوز حدود الدفاع الشرعي، فإنه يستفيد من عذر قانوني مخفف.
الحالة الثالثة ـ وهي حالة خطأ الفاعل في تقدير حجم الاعتداء أو في تقدير حجم الدفاع، وبالتالي تفريطه في استعمال حقه نتيجة لهذا الخطأ.
ويكون في هذه الحالة من يحسب أن الاعتداء صادر عن عدة أشخاص في وقت واحد والواقع أنه صادر عن شخص واحد فقط، ومن يصوب سلاحه الناري نحو قدمي المعتدي فلا يحكم التسديد فيصيبه في صدره، ومن يطلق النار في الهواء ليخيف المهاجم فيصيبه في رأسه، ومن يقدر بأن رده سيحدث بالمعتدي جرحاً بسيطاً فإذا به يحدث فيه عاهة دائمة.
ويُسأل من يتجاوز حدود الدفاع الشرعي في هذه الحالة عن جريمة غير مقصودة، شريطة توافر عناصر الخطأ عنده.
الحالة الرابعة ـ وهي حالة تجاوز المدافع حدود الدفاع الشرعي قصداً.
وتحدث هذه الحالة عندما يُقدَّر المدافع جسامة الخطر المحدق به والوسيلة المناسبة لرده، ولكنه مع ذلك يتجاوز حدود الدفاع الشرعي قصداً، مهتبلاً الفرصة للانتقام من المعتدي أو تأديبه.
ولا خلاف في أن من يتجاوز حدود الدفاع الشرعي قصداً يُسأل عن جريمة مقصودة، وإن ساغ للمحكمة أن تخفف العقوبة ـ حسب سلطتها التقديرية ـ إذا وجدت في ظروف المتهم ما يستوجب مثل هذا التخفيف.
Previous Post Next Post