تحليل نص ملازمة العولمة للتاريخ الإنساني
يختزن النص مجموعة من الرسائل موجهة إلى المتلقي منها: أن العولمة التي كثر حولها اللغط والعويل ليست ظاهرة جديدة ، وأن الإنسان صانع التعولم هو المتحكم في أسباب التقدم ونتائجه، وقادر على تغيير واقعه متى أراد ذلك، وكون الإنسان سيؤول إلى آلة ليس سوى خرافة مبتدلة.
- النص لطه عبد الرحمن، الفيلسوف و المنطقي المغربي، المشتغل بماهية الإنسان المعاصر في عالم رقمي يتسم بالانفجار المعلوماتي وتدخل التكنولوجيا في صنع واقع البشر.
- يضعنا عنوان النص بمؤشراته اللفظية، التي جمعت بين خاصيات العولمة و الخاصية التاريخية للانتقال المعرفي للإنسان خارج الحدود الضيقة للزمان والمكان، يضعنا أمام افتراض كون النص يعالج العلاقة بين الخاصيتين .
العولمة ظاهرة ملازمة للتاريخ الإنساني بل ظاهرة جديدة لا علاقة لها بطبيعة صراع النماذج الحضارية فانقسمت بحكم هذا الموقف اللامحلل والناتج عن الانهزام الروحي إلى خيار وحيد بين: الاندماج في عولمة تدعي أنها ممثلة للمستقبل الإنساني وهي في الحقيقة عولمة تسد كل آفاق الإنسان (عولمة المافيات المحلية في خدمة المافيا العالمية: فالعالم تحكمه أوليغاركيات مافياوية تستعبد بقية البشر) والانكماش في الخصوصية حصراً للمثال في بعض اللحظات الوهمية من الماضي ظناً أنها قد أتمت تحقيق العالمية الإسلامية لكأن هذه العالمية يمكن أن تحقق في تعين واحد. وبذلك بات ممتنعاً التفكير في العولمة البديل أعني الثورة على هذه المافيات، باسم نموذج حضاري يلغي منبع الأسباب التي يؤول إليها وجود هذه المافيات.
1- العولمة ، حسب تعريف الكاتب، ظاهرة حضارية قديمة \جديدة ، ملازمة لللإنسان، يفرزها انتشار ثقافة وحضارة ما انتشارا واسعا بفعل شروط محددة توجه حركة التاريخ وتصنع لحظاته، وليست من مخرجات الحداثة الغربية الراهنة، وتتخذ عبر الأزمان أشكال متعددة .
2- في النص إشارات إلى أن العولمة من صنع الأمم القوية لأنها تمتلك الأدوات اللازمة لتوجيه دفة التاريخ السياسي والثقافي الوجهة التي تريدها.
3- اعتبر الكاتب العولمة ظاهرة إنسانية طبيعية، غير أنها ظاهرة معقدة تلتبس بعوامل متعددة ، يبرز من ضمنها عامل مهيمن ، وتتلون بألوان سياسية أو عسكرية أو اقتصادية تبعا للسياق الثقافي والتاريخي الذي يحضّرها ويكتنفها.
4- أسس الكاتب على الأطروحة التي أطلقها في بداية النص وضمنها تصوره الجديد للعولمة مجموعة مجموعة من النتائج، منها أن العولمة ليست شبحا مرعبا وأنها غير منفلتة من قبضة الإنسان باعتبارها عرض وهو الأصل القادر على خلق عولمات أخرى.
5- ما يميز العولمة المعاصرة أنها رهينة عامل مزدوج يتداخل فيه الاقتصاد بالإعلام، ويستند إلى أدوات الثقافة والسياسة بشكل يلغي الحدود بين هذه المجالات، ويحقق أهداف مهندسي العولمة الكبار ( مصالح الدول الصناعية الكبرى و رؤاها السياسية و الإيديولوجية).
6- رتب الكاتب على النتائج التي بناها عبر استدلالاته المتعددة نتيجة أخرى مدارها أن العولمة ظاهرة عادية، وأن الإنسان بطبعه كائن معقد من القيم والمقاصد والقدرات والطاقات والنجاحات والإخفاقات تنأى به عن اختزاله في مجرد آلة للإنتاج والاستهلاك توجه بوحدة تحكم.
7- توصل الكاتب إلى نتيجة نهائية تقرر أن الإنسان أقوى من العولمة المعاصرة وأنه غير خاضع لها إلا بقدر ما تقتضيه إرادته ومصلحته و مستلزمات واقعه وما يصطلح عليه باللغة الكونية والثقافة الواحدة وقيم العالم الحر واقتصاد المعرفة ليست سوى أشكال نظرية ظاهرها مقنع رصين و باطنها خرافات يكذبها الواقع و يلعنها منظرو العولمة وصانعوها الأقوياء قبل المستهلكين الضعفاء.
القراءة التحليلية
1- يمكن تصنيف معجم النص إلى ثلاثة حقول دلالية كبرى يوضحها الجدول الآتي.
حقل الثقافة الإسلامية
العامل العقدي- المقاصد - القيم - الاستدراج - المكر ...
حقل الثقافة العامة
العامل الإقتصادي،الثقافي
- الإعلام - الحداثة - الحضارة...
حقل التاريخ
التاريخ الإنساني- الأقوام البائدة -التعولم المعاصر- أولى الحضارات الشرقية- فعل التاريخ ...
والملاحظ أن طبيعة موضوع النص ونوع التصور الذي يتبناه الكاتب يفرضان انتشارا كميا و نوعيا متوازنا لهذه الحقول الدلالية الثلاثة على امتداد النص.
2- أسلوب النص تقريري مباشر مشحون بطاقة حجاجية هائلة تتجلى في توالي الجمل الخبرية المتعددة الوظائف من تعريف وتفسير وتفصيل وتأكيد ونفي واستنتاج وغيرها مدجحة بعدة أسلوبية وإقناعية متنوعة من إضراب واستدراك وشرط واستفهام وقصر واستتناء لمحاصرة تردد المتلقي ودفعه إلى التسليم بمعقولية التصور الذي يبثه النص ومقبوليته، كل ذلك ضمن خطة منهجية حجاجية بدأت بردم التصور القديم وبناء تصور نقيض مفاده أن العولمة قديمة حديثة، تغير ألوانها بتغير الحضارات المهيمنة عبر التاريخ ، واستمرت هذه الخطة عبر إجراأت تحليلية ومتواليات استدلالية انتهت إلى تقرير كون الإنسان أقوى من العولمة .
3- يرى طه عبد الرحمان أنه يمكن الاندماج في العولمة دون الذوبان فيها ، وذلك من خلال توظيف قدرات الإنسان وطاقاته للتحكم في مسار العولمة، وتوجيه دفتها بما يعكس جوهر الإنسان الذي ليس سوى جملة من القيم و المقاصد التي تتجاوز حاجاته المادية ، وبما يمكنه من تصحيح أخطائها ودرء مساوئها وملئ ثغراتها.
4- عرف عبد الإله بلقزيز العولمة بأنها استثمار ثقافي وظف في ميدان الاتصال و التواصل، تتحكم في رأسماله قوى عظمى بهدف إخضاع بقية العالم ، أما طه عبد الرحمان فيرى أنها ظاهرة ناجمة عن التصادم بين الإمم و التدافع بين الثقافات تدافعا مشروطا بعوامل متعددة تفرز هيمنة قوة وثقافة تمتلك وسائل الغلبة.