المكروه منهي عنه حقيقة :
سنتكلم في هذا عن المراد بهذه المسألة وصلتها بمسألة المندوب . هل هو مأمور به حقيقة ؟ نتكلم عن آراء الأصوليين في هذه المسألة ونوع الخلاف وثمرته إن وجدت في هذا المقال .
الأصوليون يعرضون لهذه المسألة وهي مسألة كون المكروه منهي عنه حقيقة . يعرضون لها في باب المكروه كما تعرضوا لنظيرها في المندوبات . فقالوا هل المندوب مأمور به حقيقة ومر بنا الكلام على هذه المسألة .
لتشابه الموضوع بين مسألتين فإن كثيرا من الأصوليين يعرض عن الكلام في المسألة . وهي مسألة كون المكروه منهي عنه حقيقة . كأن يرى أن بحث مسألة المندوب هل هم ينظرون بحقيقته يغني عن بحث هذه المسألة هنا . فيجعل الخلاف الجاري بالمندوب هل هو منظور به حقيقة يجري أيضاً في المكروه ومنهم فمن قال أيضاً هو منهي عنه حقيقة ومنهم من قال المكروه غير منهي عنه أو بعبارة مرادفة منهي عنه مجازا
.
** هناك من قال المكروه منهي عنه حقيقة وهناك من قال المكروه غير منهي عنه بمعنى منهي مجازا.
· من يقول المكروه منهي عنه حقيقة . يستدل بأن استعمال النهي في المكروه شائع في لسان اللغة والشرع والأصل في الاستعمال الحقيقة فيقول إن كلمة النهي تطلق على ما كان النهي فيه لحرمته كما تطلق على ما كان النهي فيه لكراهته وعدم استحسانه . فإذا كان الإطلاق لهذه الصورة فإذن ينبغي المكروه منهي عنه حقيقة كما أن المحرم منهي عنه حقيقة .
· من يقول أن المكروه غير منهي عنه أو يقول المكروه منهي عنه مجازا فيستدل بقوله تعالى: "وما نهاكم عنه فانتهوا" فيقول إن هذا النهي إلى أن الانتهاء لازم عن المنهي عنه أما المكروه فمعلوم أن الانتهاء عنه غير لازم فلذلك لا يدخل في مصطلح النهي . طيب النهي هنا مقصود الانتهاء اللازم والمكروه لا يلزم الانتهاء منه . ومعنى هذا لا يدخل في مصطلح النهي الوارد في الآية . ومعنى هذا أن المكروه غير منهي عنه أو بعبارة أخرى منهي عنه مجازا .
الراجح في هذه المسألة . يعني حقيقة كما رجحنا في المندوب الذي يترجح هنا أن المكروه غير منهي عنه أو بعبارة أخرى مرادفة منهي عنه مجازا
فهو غير منهي عنه حقيقة بل منهي عنه مجازا .
وجه الترجيح هو ما سبق في ترجيح كون المندوب مأمور به مجازا وليس حقيقة فهو يجري نظير الترجيح هنا يجري هناك حيث أن هذا الترجيح الذي رجحنا فيه أن المكروه منهي عنه مجازا هذا الترجيح هو من لوازم الترجيح في مسألة في باب النواهي وهو أن لفظ النهي عنه جمهور العلماء حقيقة في التحريم مجاز في الكراهة كما سيأتي .
ç ثمرة الخلاف الواردة هنا الحقيقة هي ثمره الخلاف الواردة في نظيرها في المندوب .
õ فمن ثمرات الخلاف هنا أن نقول لو ورد عن الراوي أن قال أحد الرواة عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال (نهينا عن كذا) أو قال (نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كذا)
فعلى المذهب الأول يكون النهي في هذا اللفظ مترددا بين إرادة التحريم و إرادة الكراهة فيكون النهي مجملا بينهما ولا بد من دليل يرجح المقصود . وعلى المذهب الثاني يكون النهي منصرفا في هذا اللفظ إلى التحريم ويكون ظاهرا في التحريم حتى يرد دليل يدل على أن المراد به الكراهة .
õ
من ثمرات الخلاف هنا لو ورد لفظ النهي في الشرع ثم دل دليل على أنه لا يراد به التحريم فهنا يحصل الخلاف هل نحمله على الكراهة دون حاجه إلى دليل؟ من يقول أن المكروه منهي عنه حقيقة يقول نحمله على الكراهة لأن النهي كما أنه للتحريم حقيقة فهو للكراهة حقيقة فدل دليل على عدم حمله على التحريم نحمله مباشرة على الكراهة لأنه لا حاجة إلى دليل في هذه الحالة لأن كلا الاستعمالين حقيقة .
ومن قال إن المكروه منهي عنه مجازا ثم جاء دليل يدل على عدم تحريمه فيقول لا نحمله على الكراهة إلا بدليل لأن الحمل على الكراهة مجاز والحمل على المجاز يحتاج إلى دليل .