تكليف الجن
اتفق العلماء على تكليفهم في الجملة واختلفوا في تكليفهم بفروع الدين
قال بعض المحققين: أنهم مكلفون بالفروع جملة لا على حد تكليف الإنس بها لأنهم يخالفون الإنس بالحد والحقيقة , فبالضرورة يخالفونهم في بعض التكاليف , وضربوا لذلك مثالا فقالوا : أن الجن قد أعطي بعضهم قوة الطيران في الهواء فهو مخاطب بقصد البيت الحرام للحج طائرا والإنسان لعدم تلك القوة لا يخاطب بذلك , فكل تكليف يتعلق بخصوص طبيعة الإنس ينتفي في حق الجن لعدم تلك الخصوصية فيهم .
استدل الجمهور على تكليف الجن بفروع الدين ، وليس بأصول العقائد بما يأتي :
أولا ً : الإجماع على أن النبي عليه الصلاة والسلام أرسل بالقرآن إلى الإنس والجن وجميع أوامره ونواهيه تتوجه إلى الجنسين.
الثاني : استدلوا بقوله تعالى +يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين" وهذا وجه الدلالة منها واضح بمخاطبة الجن والإنس بخطابات الشرع وأوامره ونواهيه .
الثالث : قوله تعالى"فيومئذ ٍ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان" ومعنى هذا أنهم قبل ذلك يسألون ومعنى سؤالهم أي لابد أن يكون هناك تكليف حتى يسألوا .
الرابع : قوله تعالى : +وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" فالعبادة في هذه الآية تشمل جميع أنواع العبادة من أصوله وفروعه ولا دليل على تخصيصها بالإيمان وقد نقل جماعة من العلماء أحكام خاصة في فروع الدين في أحكام الفقه تتعلق بالجن يمكن أيضاً مراجعتها كما ذكر ذلك ابن جيم في كتابه " الأشباه والنظائر " وأيضا ً السيوطي في كتابه " الأشباه والنظائر " هذا فيما يتعلق بالشرط الثاني المتعلق بالمكلف وهو كونه من الثقلين .
الشرط الثالث / البلوغ
المراد به الوصول إلى الحد الذي إذا وصله الشخص فإنه تحسب له الحسنات وتحسب عليه السيئات والبلوغ يكون بعلامات معينه منها :
أن يبلغ الشخص خمسة عشر سنة أو أن يحتلم وينزل المني أو بأن ينبت له شعر حول القبل هذا بالنسبة للذكر والمرأة معا ً وتزيد المرأة على هذه الثلاث بالحيض فإذا وجد لديها الحيض دل على بلوغها هذا فيما يتعلق بعلامات البلوغ .
استغنى بعض العلماء عن هذا الشرط بشرط آخر وهو شرط العقل الذي سيأتي الكلام عنه إن شاء الله تعالى وقالوا إن شرط العقل يمكن صاحبه من فهم الخطاب ويهيئه للطاعة والامتثال وقالوا إن البلوغ وضعه الشارع حدا ً للعقل الذي يتفاوت الناس فيه لكن الأولى حقيقة أن نفرد شرط العقل عن شرط البلوغ لوجود اختلاف لحكم الصبي والمجنون وغيرهما ولذلك لابد من أن نضع البلوغ شرطا ً خاصا ً نتكلم فيه عن أحكام تكليف الصبي والصغير وأن نضع للمجنون شرطا ً يتعلق به وهو العقل ونتكلم فيه عن أحكام تكليف المجنون .
هنا إذا قلنا باشتراط البلوغ وهو بهذه العلامات فنفهم من هذا الكلام أن غير البالغ غير مكلف وغير البالغ هو الصبي الصغير هنا تكلم العلماء عن موضوع تكليف الصبي وتناولوه بالتفصيل وعلى كل حال فرق العلماء بين تكليف الصبي غير المميز وبين تكليف الصبي المميز .
فالصبي غير المميز حدده العلماء بما كان دون السابعة وقالوا فيه هو الذي لا يميز ولا يفرق بين الأشياء فلا يميز بين الحق والباطل وبين الطيب والخبيث وبين الجيد والرديء .
والسبب في هذا التحديد ما رواه بن عمر رضي الله عنهما عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهما في المضاجع) فقد أمر الشارع هنا الولي بأن يأمر الصبي الذي بلغ سبع سنوات بالصلاة للتمرين والتدريب ويفهم من أن الصبي الذي لم يبلغ سن سبع سنوات لا يأمر ولا ينهى لأنه لا يفرق بين هذه الأمور .
لما جاء العلماء إلى الصبي غير المميز قالوا أنه غير مكلف وهذا تقريبا ً باتفاق ومعنى أن الصبي غير المميز غير مكلف أنه لا يؤمر بعبادة فلا يؤمر بفعلها ولا ينهى عن تركها إذا كانت من حقوق الله تعالى لكنه لو تعلق بأن أتلف شيئا ً يتعلق بحقوق الآدميين كمن أتلف مالا ً يتعلق بشخص آدمي أو قتل (ضرب شخصا ً فقتله كبيرا ً كان أو صغيرا) فمثل هذه الحالة ليس مكلفا ً من جهة انه لا يلحقه إثم لكنه مكلف من جهة أخرى
فهو ليس مكلف بتكليف الأداء ولكنه مكلف بتكليف الوجوب بالذمة فيلزمه الضمان المالي من ماله أو من مال وليه .
فلو أن الصبي غير المميز قتل شخصا ً فإنه في هذه الحالة لا نقول نقتص منه وإنما عليه الدية والدية من ماله أو من مال وليه فتكون هنا تأخذ حكم القتل خطأ فالصبي الصغير غير المميز متفق على عدم تكليفه .
الصبي المميز وهو الذي بلغ سن السابعة فأكثر إلى سن البلوغ الذي يتحدد بعلامات معروفه وبعضهم حددوه بسن السادسة لكن الترجيح بأنه من سن السابعة فأعلى فهذا يدرك كما قال العلماء أنه يدرك حقائق الأمور ويميز بين الأفعال والأقوال الجيد والرديء والحق والباطل