تصور أوغست كونت Auguste Comte انطلاقا من نص : الغيرية. 

يرى أوغست كونت، أن تاريخ الإنسانية مر بثلاث مراحل أساسية هي المرحلة اللاهوتية، المرحلة الميتافيزيقية و المرحلة الوضعية. فإذا كانت المرحلة الأولى تميزت بسيادة الأساطير و الديانات، و بالتالي لم يكن الإنسان فيها قد بلغ مرحلة الرشد لأنه كان يعيش تحت حجر الآلهة،و المرحلة الميتافيزيقية تميزت بسيادة العقل المجرد و الكلي و المتعالي عن الواقع، و الذي يكرس فكرة الفردانية و العزلة و الاستقلال و بالتالي الأنانية و البحث فقط عن مصلحة الذات و احتقار الآخرين،فإن المرحلة الوضعية، و التي تصادف خروج الإنسان من حالة الوصاية سواء لإله أو لعقل متعال،و بلوغه مرحلة النضج و الاعتماد على نفسه، و ذلك بسن قوانين و ضعية تسير حياته تماشيا مع قوانين العلم التي أصبحت تسيطر على كل مناحي الحياة، ستتميز بكونها المرحلة التي يعيش فيها الإنسان من أجل الآخرين و ليس فقط من أجل ذاته.فالإنسان يدين بكل وجوده للإنسانية، لذلك فهو مطالب برد و لو القليل من هذا الدين الذي عليه، و ذلك بالعمل لما فيه مصلحة الجميع و ليس التركيز فقط على ما فيه مصلحة الذات، فالنزوع نحو الذاتية و الأنانية هو سلوك منحط و نكران للجميل، في حين أن الإيثار و الغيرية تجعل الإنسان يشعر بسعادة غامرة،  لذلك فالأخلاق الوضعية لا تتأسس لا على أساس ديني كما هو الأمر في الديانات السماوية و لا على أساس عقلي كما هو الشأن في الفلسفة عموما، وعند كانط على وجه الخصوص، بل إن أساسها هو التجربة الإنسانية الواقعية التي تبين بوضوح أن تقدم الإنسانية و تطورها لا يحصل إلا عندما يضحي الإنسان بمصلحته و يتجاوز أنانيته نحو ما فيه الخير للإنسانية جمعاء. 
لكن هل هذه الغيرية التي يتحدث عنها أوغست كونت ممكنة حين يتعلق الأمر بالغير الغريب ؟
Previous Post Next Post