الصلة بين مستوى الذكاء والسلوك الإجرامي


بحث عن السلوك الاجرامي


         توزع الباحثون في مجال الدراسات الإجرامية حول تأصيل العلاقة بين الضعف أو التخلف العقلي Arriération mentale والظاهرة الإجرامية على رأيين. فقد اتجه البعض من التقليديين إلى التقرير بوجود علاقة مطلقة ووثيقة بينهما ، في حين أنكر البعض الآخر من أنصار الاتجاه الحديث وجود مثل هذه العلاقة المطلقة.


    الاتجاه التقليدي :

         ينادي هذا الاتجاه بوجود علاقة وثيقة ومباشرة بين الضعف العقلي والظاهرة الإجرامية. فقد كان السائد في القرن التاسع عشر لدى بعض  الباحثين الأمريكيين أن ثمة علاقة وثيقة ومباشرة بين الضعف العقلي والسلوك الإجرامي. فجميع المجرمين والمنحرفين وفقاً لهذا الاتجاه لديهم دونية عقلية ، وإن تفاوتت درجة هذه الدونية. ويترتب على ذلك أن سياسة التعقيم أو عزل ضعاف العقول هي الوسيلة الفعالة والوحيدة للوقاية من الجريمة ومعاملة المجرمين. ولقد أحصي فقط في الولايات المتحدة عام 1956 نحو خمسون ألفاً من حالات التعقيم الخاصة بمرضى العقول.


    وهناك من الدراسات ما قطعت بوجود هذه الصلة. ففي مطلع القرن العشرين ذهب العالم الأمريكي هنري جودارد Goddard – على ما سنرى حين دراسة الوراثة الإجرامية - إلى التأكيد على أن معظم الأفراد الجانحين من ذوي العقليات الضعيفة وأن 89% من نزلاء المؤسسات العقابية الأمريكية من الأغبياء أو ناقصي العقول. الأمر الذي أثبتته دراسة العالم جلوك Gluek على نحو 608 من نزلاء سجن Sing Sing ، إذ قرر أن ما يزيد على 59% هم من المصابين بمرض وشذوذ عقلي ، وحوالي 28.1% من المصابين بالهوس ، و18.9% من السيكوباتيين.


    وبين عامي 1930 و1940 أجرى العالم بانالي Banaly دراسة على نزلاء ذات السجن أثبت خلالها أن 1% منهم مصابون بالهوس ، ونحو 20% غير ناضجين عاطفياً ، و17% منهم من السيكوباتيين. 

    وهي ذات الملاحظة التي أيدها المستشار محمد بك فتحي والذي لفت نظره من زيارته المتكررة للسجون أن أكثرهم من المصابون بأمراض نفسية وعقلية.


    والحق أن هذا الاتجاه معيب ومنتقد . فقد تبين أن النتائج التي أسفرت عنها هذه الإحصاءات لم تكن دقيقة ، إلا أنها استخلصت على أساس عدد الذين تم القبض عليهم وإدانتهم ، وليس على أساس عدد الجرائم المرتكبة بالفعل. فضلاً عن أن كثيراً من المجرمين الأذكياء هم الذين يفلتون من أيدي رجال العدالة ، أما ضعاف العقول فيكونون عرضة للقبض عليهم .


    وبالتالي فإنهم يكونون نسبة كبيرة من نزلاء المؤسسات العقابية ، الأمر الذي يلقي ظلالا من الشك حول مدى قيمة النتائج المستخلصة من هذه الإحصاءات. يضاف إلى ذلك أن هذا الاتجاه لم يقدم لنا تفسيراً لعدم ارتكاب كثير من ضعاف العقول للجرائم ، ولو صح الربط الحتمي بين الضعف العقلي والسلوك الإجرامي لوجب أن يندفع كل ضعاف العقول إلى تيار الجريمة وهو ما يناقضه الواقع.


    الاتجاه الحديث :

         ذهب أنصار هذا الاتجاه إلى أن العلاقة بين الضعف العقلي والظاهرة الإجرامية علاقة غير مباشر ولا تتسم بالحتمية ؛ وأن نسبة الذكاء بين المجرمين لا تختلف عن نسبته بين الأسوياء ، فيما عدا الحالات القليلة التي يقف فيها الضعف العقلي وراء السلوك الإجرامي بشكل مباشر .


     وقد خلص العالم الأمريكي سذرلاند Sutherland إلى عدم الربط بين معدل الذكاء والسلوك الإجرامي من خلال دراسة شملت حوالي 175000 مجرم بين عامي 1925 و1928. وقد ذكر أن نسبة ضعاف العقول بين عينة الدراسة لم تتعدى 20% ، وأن المسجونين ضعاف العقول لا يختلفون عن غيرهم من المسجونين فيما يصدر عنهم من أخطاء داخل السجن أو في نسبة من يطلق سراحهم بناءً على الإفراج الشرطي.


    كذلك فإن نسبة العائدين إلى ارتكاب الجريمة من المجرمين ضعاف العقول لا تختلف عن نسبة العائدين المجرمين.

    وقد أجرى هيلي Healy بعد ذلك دراسات على أربعة آلاف من الشبان المجرمين في شيكاغو وبوسطن وخلص إلى أن 72.5% منهم يتمتعون بملكات ذهنية معتادة ، وأن نسبة ضعاف العقول منهم لا تزيد على 13.5%. وهي ذات النتيجة التي توصل إليها كل من Weiss وSamoliner في دراسة شملت 189 شاباً مجرماً ما بين 16 و21 سنة.


Previous Post Next Post