الضوابط والمحددات محاسبة ورقابة الوقف:
استثمار الوقف دراسة فقهية تطبيقية
استثمار أموال الوقف
حكم استثمار الوقف
استثمار الوقف
هل يجوز استثمار الوقف
استثمار الأوقاف - دراسة فِقهيَّة تطبيقيَّة
الاستثمار أحكامه وضوابطه في الفقه الإسلامي

الضوابط والمحددات لمحاسبة ورقابة الوقف:
      تدور فكرة الوقف حول حفظ الأصل، والإنفاق من الدخل على أوجه معينة بما في ذلك إدامة الأصل، وهو ما بينه الرسول e بأنه الوقف أو الحبس، فقد ورد أن عمر بن الخطاب t أصاب أرضاً بخيبر، فأتى النبي e فقال: "أصبت أرضاً لم أصب مالاً أنفس منه، فكيف تأمرني به"،  فقال عليه الصلاة والسلام: "حبس الأصل وسبل الثمرة" أي أوقفها واحفظها عن التداول، فلا يمتلكها أحد بأي سبب من الأسباب الناقلة للملكية، وإنما ينتفع بريعها وما تدره من أموال فقط على الوجوه التي حددها الواقف، دون امتلاك للعين ذاتها (القحطاني، 1994).
      أي أن نظام الوقف يقوم بمجموعة من الأنشطة بعيدة عن الدوافع الربحية للقطاع الخاص والدوافع السيادية للقطاع العام, إذ إن طبيعة هذه الأنشطة تدخل في إطار البر والإحسان والتعاون، لا في قصدِ الربح الفردي، ولا ممارسة السلطة وقوة القانون كما هو الحال في القطاع الخاص أو العام، فالوقف هو إخراجٌ لجزء من الثروة الإنتاجية في المجتمع من دائرة المنفعة الشخصية، وتخصيصُ ذلك الجزء لأنشطة الخدمة الاجتماعية العامة. ومن هنا فالوقف وظيفياً يشبه القطاع الحكومي من حيث الخدمات التي يقدمها للمجتمع إذ إنه يقدم سلعاً وخدمات للمجتمع أو لفئات محددة منه، كما أن هذه السلع والخدمات قد تتصف بكونها سلعاً عامة، وهو بذلك يختلف عن الشكل التنظيمي للقطاع الحكومي بعدم شموليته للإيرادات والنفقات، إذ إن كل وقف له إيراداته وأوجه الإنفاق المحددة له ضمن شروط يضعها الواقفون.
      الوقف يشبه منشآت الأعمال من حيث إنه شكل تنظيمي لمجموعة من الأموال في الإنتاج تنفصل فيه الإدارة عن الملكية، كما أن إدارة أموال الأوقاف لا يمكنها أن تتبع بمبادئ اقتصاديات السوق، وذلك لانعدام الحافز الذاتي الذي نجده في سلوك المنشأة الإنتاجية في السوق وهو حافز الربح أو المنفعة، إذ إنه يقدم خدماته للمجتمع دون النظر إلى الربح، أما على المستوى الجزئي أي وحدة الوقف الواحدة، فلابد من استثمارها وتعظيم الإيرادات المتأتية منها ليتم توزيع المنافع على أكبر عدد من المستفيدين، وبالتالي فإن التحدي الذي نواجهه في اختيار شكل إدارة الأوقاف هو أن نوجد توازنًا مؤسسيًا يؤدي إلى ربط هدف الإدارة بأهداف الوقف دون الإخلال بمبدأ الرقابة, أي أن إدارة الوقف أقرب ما تكون كإدارة المنشآت الاقتصادية في القطاع الخاص واستبدال رقابة الجمعية العمومية والمالكين بجهات رقابية تضم جهات حكومية أو شعبية.
      والقطاع الوقفي يتكون من جزأين هامين متكاملين ومترابطين، الأول كلي وهو الإدارة أو الهيئة أو المؤسسة التي تشرف وتدير وتستثمر أموال الوقف على المستوى الوطني، وعادة ما تنشأ هذه المؤسسات بموجب قوانين وأنظمة تحدد سياساتها العامة والمبادئ والأسس التي تسير عليها بما في ذلك الأسس المحاسبية والرقابية، والتي تكون في الأغلب تلك التي تطبق على المؤسسات العامة. أما الجزء الثاني وهو الوحدة الوقفية (الوقف) وعادة ما تحدد شروط الواقف أوجه استثمارها وطريقة إدارتها والرقابة عليها وأوجه إنفاق إيراداتها. وعندما نتحدث عن النظم المحاسبية والرقابية للوقف فلا بد أن نأخذ بعين الاعتبار هذين المستويين من القطاع الوقفي، وعدم الخلط بينهما لأن مثل هذا الخلط قد يؤدي إلى خطأ في تصميم النظم المحاسبية ومعالجة العمليات الاقتصادية وأساليب الرقابة عليها.
التأسيس الفقهي لنظام الوقف:
      تعتبر الشروط والأسس الفقهية للوقف السياسة العامة والخطوط العريضة التي تحكم نظام الوقف وبالتالي تستند إليها وتعتمد عليها النظم المحاسبية والرقابية وكافة الخدمات المساندة للنظام الوقفي.
الشروط العامة:
      تحدث الفقهاء بالتفصيل عن أركان الوقف وشروطه وأنواعه بتوسع، ويمكن إجمال اجتهادات الفقهاء والباحثين في هذه المسائل في ثلاثة أسس رئيسية (المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة 2004، غانم، 2005) هي:
‌أ-       احترام شرط الواقف وإرادته: وتستند إلى القاعدة الفقهية التي تقول: (شَرْطُ الَوَاقِفِ كَنَصِّ الشَّاِرعِ) يعني أنه لا يجوز تغييره أو انتهاكه.
‌ب-   اختصاص القضاء بالولاية على الأوقاف: قرر الفقهاء أن الولاية العامة على الأوقاف من اختصاص القضاء, لأنه أكثر الجهات استقلالاً. ثم بدأ إخراجها تدريجياً من ولاية القضاء وإدماجه في الجهاز الإداري الرسمي في سياق التحولات التي حدثت في مجالي التشريع والقضاء، وتنظيم مؤسسات وإدارات الدولة الحديثة.
‌ج-    الشخصية الاعتبارية: أن الوقف يعتبر محلاً لتحمل الالتزامات متى انعقد بإرادة صحيحة واستوفى أركانه وشروطه، فتصير له أهلية وذمة مستقلة. ولذلك قرر الفقهاء ثبوت حق التقاضي للوقف، وقرروا وجوب الزكاة في غلته، وصحة الاستدانة على ذمته من أجل إصلاح أعيانه، أي للوقف شخصية اعتبارية مستقلة بالمعنى القانوني المتداول.
شروط أركان الوقف:
      للوقف أربعة أركان ذكرها الفقهاء هي الواقف والموقوف والموقف عليه والصيغة، وهذه الشروط فيما يأتي (المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، 2004)، ويهمنا منها في البحث ما يأتي:
‌أ-        أن تكون صيغة العقد جازمة، بمعنى أن تكون الألفاظ المعبرة عنها بصيغة تفيد الجزم والقطع وعدم التردد.
‌ب-   اشترط الفقهاء شروطاً للموقوف ليكون صالحًا لعقد الوقف، هي أن يكون الموقوف مالاً متقوَّمًا، أي مالا مباحًا يجوز الانتفاع به شرعًا، وفي حيازة شخص معين، وأن يكون معلومًا ومحددًا، وأن يكون ملكًا للواقف, فلابد أن يكون الواقف مالكا لحق التصرف إما بالأصالة بأن يكون الموقوف  ملكًا تامًا له، أو بالإنابة بأن يكون الموقوف ملكًا للغير ولكن له حق التصرف فيه بالوكالة، كما يجب أن يكون قابلاً للوقف بطبيعته، واشترط الفقهاء ضرورة أن يكون محل الوقف مالاً قابلاً للمنفعة والاستفادة من ريعه وأرباحه، حتى يؤدي الغرض الذي وقف من أجله.
أهم المشكلات والصعوبات التي يواجهها الوقف في الاسلام وتقديم التوصيات اللازمة لتحسين أسلوب إدارته ورقابته ومحاسبته.
الدراسات السابقة:  
1)    دراسة الدغمي (1991): حيث هدفت الدراسة إلى توثيق بعض جوانب أنشطة وزارة الأوقاف الأردنية حتى عام 1988، وذلك بالرجوع إلى الوثائق المتوافرة في الوزارة، وأظهرت نتائج الدراسة أن الأوقاف في الأردن تركزت أغراضه على المساهمة في بناء المساجد ودعم بعض الجمعيات الخيرية والمدارس والاهتمام بالمقامات الإسلامية، وتعتبر هذه الدراسة دراسة توثيقية لجوانب 
الوقف في الأردن.
2)    دراسة العمري (1992): تناولت التطبيقات العملية المعاصرة لاستثمار الأملاك الوقفية، وبيان صيغ الاستثمار المستخدمة وبينت الدراسة أنه يوجد نوعان من هذه الصيغ، الأول المصادر الذاتية من ريعه، وهي الاستبدال والإجارة. والنوع الثاني الاستثمار الخارجي، كالمضاربة والمشاركة وغيرهما. وقد أوصت الدراسة بضرورة استحداث جهاز متخصص في استثمار وتنمية الأوقاف الإسلامية.
3)    دراسة العبادي (1996): وتناولت إدارة الأوقاف الإسلامية في المجتمع المعاصر، وبينت أن أهم المشكلات التي تعترض الأوقاف هي عدم إقبال الأفراد على وقف أموالهم لجهات الخير المتعددة، وتوجههم نحو بناء المساجد فقط، بسبب الاعتداءات التي تتعرض لها الأوقاف، وقلة الدخل السنوي المحقق من الأوقاف، وقد بينت الدراسة أهم المشكلات التي تتعرض لها إدارة الوقف واقترحت إنشاء 
إدارة مستقلة للوقف.
4)    دراسة أبو قطيش (2002): وهدفت إلى التعرف على واقع الأوقاف في الأردن من حيث أنواع الوقف وأهدافه وقطاعاته, والتعرف على خصائص المتبرعين بالوقف وإدارته والمشكلات التي تعترض مؤسسة الوقف في الأردن، كما تعرضت الدراسة لمفهوم التنمية وتطوره والتنمية البشرية المستدامة، ومكوناتها، ودور الوقف فيها. وقد اعتمدت الدراسة على منهج تحليل المضمون والمسح الوصفي التحليلي من خلال استبيان خاص أعد لغايات الدراسة، وقد شملت عينة الدراسة (52) متبرعاً و(36) موظفاً من موظفي وزارة الأوقاف، بالإضافة إلى البيانات عن الأراضي الوقفية الموجودة في وزارة الأوقاف، وتعرضت الدراسة لمفاهيم أساسية حول الوقف, وأصل مشروعيته، وأنواعه من حيث الأهداف والإغراض، وقارن بين نظام الوقف الإسلامي والصيغ المعاصرة للعمل التطوعي، وعرض لدراسته العملية التطبيقية وأظهرت نتائج الدراسة أن أنواع الوقف في الأردن هي الأراضي والعقارات والأموال المنقولة كما أظهرت الدراسة أن أهم المشكلات التي تعترض تنمية الوقف تتمثل في عدم وجود مؤسسة له وعدم وجود برامج اجتماعية واضحة له.
5)    دراسة جناحي (2002): وهدفت إلى التعرف على مدى الاستفادة من الأوقاف الخيرية في دولة البحرين وأثرها في الحياة الاقتصادية والتعرف على المشكلات والصعوبات التي تواجه الوقف وتطوير كفاءة استثماره وتوزيع ريعه. وقد اعتمدت الدراسة على البيانات الميدانية التي جمعت بواسطة الاستبيان، وتضمنت الدراسة توصيات بحثية وتثقيفية وإدارية تنظيمية ومالية استثماريه تمثلت في ضرورة تعيين أصحاب الاختصاص في مجال الاقتصاد وإدارة الأعمال لإدارة الأصول الوقفية واستثمارها مع مراعاة الطبيعة الخاصة التي يتميز بها نظام الوقف، والاهتمام بالرقابة الشرعية في مؤسسات الوقف لطمأنة ذوي العلاقة بحسن سير هذه المؤسسات حسب الأصول الشرعية والقواعد الاستثمارية الحديثة، كالاستثمار في الأسواق المالية والشركات الناجحة، وإيجاد صيغ تنظيمية عصرية جديدة كالصناديق الوقفية، بحيث يزيد استثمار الأموال الوقفية واقتصار دور مؤسسة الوقف على توزيع ريع الوقف حسب الاستحقاقات، أما في مجال الرقابة على الوقف فأوصت الدراسة بضرورة وجود مدققين قانونيين وماليين لتدقيق حسابات الوقف لتحقيق الشفافية وتعزيز الثقة في إداراته.
      نلاحظ من استعراض الدراسات السابقة أنها ركزت على النواحي الاقتصادية والاجتماعية للوقف، والصعوبات والمشكلات التي تعترض القطاع الوقفي بصورة عامة، وفي الأردن بصورة خاصة، كما أنها لم تأخذ بعين الاعتبار تأثير الجوانب الرقابية والمحاسبية وأثرها في تحقيق أهداف القطاع الوقفي، كما أن هذه الدراسات لم تتعرض للمبادئ والأسس والفروض والنظم والمعالجات المحاسبية للوقف على المستويين الفردي والكلي المتمثل في وزارة الأوقاف. وكذلك تعدد الدراسات الفقهية والتاريخية والوثائقية في مجال الوقف وندرة الدراسات في المجالات المحاسبية والجوانب الإدارية والرقابية للوقف، كما أن الدراسات التي أجريت في الأردن لم تتعرض إلى هذه المضامين على الرغم من أهميتها لتطوير نظام الوقف كونها أدوات مساعدة وقد تكون من العوامل التي تحد من تطوير نظام الوقف وما يميز هذه الدراسة أنها تركز على النظم المحاسبية والرقابية والإدارية والتشريعات الحكومية ومقارنة بين هذه النظم في القطاعين العام والخاص مع تلك التي يمكن أن تطبق في الوقف.

Previous Post Next Post