معوقات العمل الاغاثي المشكلات التي يتصدى لها العمل الاغاثي

تعريف العمل الاغاثي:
   أولاً: تعريف الإغاثة في اللغة.
 قال ابن فارس: (غوث) الغين والواو والثاء كلمة واحدة، وهي الغوث من الإغاثة، وهي الإغاثة والنصرة عند الشدة[1]. والإغاثة:  مصدر فِعله أغاث, والغَوث: الإعانة, يُقال: غاث الله فلاناً يُغيثه إذا أعانه على شدة[2], أوهي: طلب الإعانة والنصرة لذي حرج واضطرار[3].
وفي التنزيل: ]إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ[[سورة الأنفال:9], أي تطلبون منه المعونة والغوث[4] والنصر[5] والخلاص والإنقاذ من الهلاك والشدة.
ثانياً: التعريف الاصطلاحي للإغاثة.
   لا يكاد يخرج مفهوم الإغاثة في المعنى الاصطلاحي عنه في المعنى اللغوي, إذ تُعَرف الإغاثة في الاصطلاح على أنها تقديم الغوث: وهو التخليص من الشدة والنقمة، والعون على الفكاك من الشدائد[6].
ولا نرى أن لمعنى الإغاثة في القوانين الدولية أو الوضعية خروج عن هذا المعنى الذي ذكره الفقهاء في الاصطلاح والذي يدور حول تقديم العون ودفع البلاء, وبناءً على ذلك من الممكن تعريف العمل الاغاثي على أنه: "سلوك أدائي يقوم به ويقدمه مجموعة من الأشخاص أو الجهات بهدف التواصل مع الأشخاص المنكوبين لتوفير كل ما يلزمهم ويسد حاجاتهم  نتيجة ما لحق بهم من أضرار أثر تعرضهم للكوارث والنكبات والظروف القاسية من زلازل ومجاعات وحروب وغير ذلك".

المطلب الثاني: المشكلات التي يتصدى لها العمل الاغاثي.
نظراً لاختلاف وتنوع المشكلات التي تواجه المنكوبين من الجماعات الإنسانية والبيئات المكانية, فإنه يترتب على القائمين بتلك الأعمال الإغاثية مواجهة تلك المشكلات والصعوبات والتصدي لها، والتي من أهمها:
أولاً: المشكلات الاجتماعية
      تعد المشكلات الاجتماعية من أهم التي تواجه العمل الاغاثي ؛ وذلك لتنوعها،  وتكرار حدوثها، بالإضافة لكثرتها، وعدم إيجاد الحلول الناجعة للقضاء عليها أو التخفيف من حدتها وذلك كعدم رعاية الأيتام والأطفال المحرومين وذوي القدرات الخاصة رعاية شاملة فكرياً وتربوياً ومهنياً وصحياً. وضعف مستوى الرعاية والعون للعجزة، والأرامل، وذوي الاحتياجات الخاصة بتأمين حياة كريمة لهم. وقلة  الدعم والمساعدة للأسر المحتاجة وأسر السجناء وتوفير الحماية لهم، وتوفير مصدر رزق دائم لهم،  بالإضافة إلى التصدي إلى بعض الظواهر الاجتماعية الخطيرة؛ كتفشي ظاهرة البطالة، والفقر، والإدمان، والانتحار، والعنف، التي تستنبت في أحضان الكوارث والحروب [7] [8] .
     
ثانياً: المشكلات الصحية

     كما تبرز أمام المعنيين بالعمل الاغاثي المشكلات الصحية على اختلافها وتنوعها: فهناك ندرة  في البرامج  التوعوية والصحية والوقائية اللازمة لرفع مستوى الوعي الصحي للأفراد والجماعات، وضعف المساهمة في مكافحة الأمراض الوبائية الناتجة عن الكوارث الطبيعية والحروب. وعدم توافر المراكز المجهزة خصيصاً لعلاج المصابين [9].

      ثالثاً: المشكلات البيئية:
وهي من أهم المشاكل التي يتصدى لها العمل الاغاثي, وأهمها[10]:
1.      الحروب الدولية والأهلية وفقدان الأمن والاستقرار.
2.      النزاعات الطائفية أو الإقليمية المسلحة والتي تلحق أضرارا واسعة في البنى التحتية.
3.      الزلازل والبراكين والهزات الأرضية المدمرة وغيرها من الكوارث الطبيعية كالحرائق والسيول.
4.      انتشار الجفاف والتصحر وانعدام البيئة الزراعية وضعف الثروة الحيوانية.
5.      تلوث المياه وقلة مصادر المياه الصالحة للشرب.
6.      الأعاصير والفيضانات المدمرة والتي ينجم عنها آلاف المشردين بلا مأوى .

وبعد هذا العرض السريع لأبرز المشكلات التي يتصدى لها العمل الاغاثي, نلحظ شمولية هذا العمل وتغطيته لكثير من المشكلات الإنسانية, التي تعد عقبة في تقدم الدول والشعوب وازدهارها واستقرارها, ومن هنا ندرك ضرورة دعم تلك الأعمال الاغاثية وتمويلها بشتى الصيغ من أجل ديمومتها واستمرارها لتحقيق أهدافها المنشودة.

المطلب الثالث: معوقات العمل الاغاثي.
يواجه العمل الاغاثي شأنه في ذلك شأن الكثير من الأعمال الخيرية عقبات وصعوبات تحد من فاعليته وتتطلب المزيد من الموارد المالية والكوادر البشرية اللازمة لتجاوزها أو للتخفيف من حدتها, ومن أبرز تلك العقبات التي نعرض لها بإيجاز على النحو الآتي: 

1.        تعدد الهيئات والجمعيات العاملة في ميدان العمل الاغاثي، وعدم توحيد جهودها, وشيوع التفرقة نتيجة أنشطة المستعمرين والمنصّرين أو التعصب القبلي والمذهبي[11].
2.        الافتقار للدعم المادي اللازم لتغطية المشاريع والأعمال الاغاثية، ففي أحيان كثيرة تتصف المساعدات والمعونات التي تقدمها الدول المتفاعلة مع الكارثة بالضآلة، وذلك قياساً بحجم وهول الكارثة، مما يؤثر على عمليات الإغاثة، وضعف التحرك الاغاثي للمؤسسات الخيرية[12].
3.        ضعف نفوذ المسلمين لدى السلطات, والحد من جهودهم ونفوذهم في العمل الاغاثي خاصة في البلاد ذات الأقليات المسلمة[13] .
4.        صعوبة الإغاثة في مناطق الحروب والحروب الأهلية، نظراً لأن عمليات الإنقاذ والإغاثة تتم تحت خطر قذائف الطائرات، ونيران المدفعية، ورصاص الرشاشات، الأمر الذي قد يؤدي إلى فقدان فرق الإغاثة وتعرضهم للهلاك[14].
5.        في مناطق الزلازل والبراكين يستدعي الأمر إجلاء المناطق وأخلاؤها من السكان لفترات قد تصل إلى ثلاثين عاماً، مما يستلزم معه توطين السكان في مناطق أخرى وإعادة تأسيس البنية الأساسية من جديد، الأمر الذي يزيد من كلفة الأعباء المالية على الهيئات الاغاثية.
6.        تدمير الكوارث للمستشفيات مما يؤثر على عمليات الإغاثة داخل المناطق المنكوبة، وعدم كفاية الفرق الصحية المصاحبة لفرق الإنقاذ والإغاثة[15].
7.        النقص الحاد في وجود المستلزمات الأساسية للحياة في بعض المناطق المنكوبة مثل " الغذاء، الكساء، والدواء"، الأمر الذي لا يوجد معه أي احتياطي إستراتيجي للتصدي للأزمة، مما يجعل جل اعتماد المؤسسات الخيرية على المعونات الواردة من الخارج، وهو بلا شك يؤثر على عنصر الوقت في عملية الإغاثة، وما يصاحبه من تبعات في غير صالح المتضررين المنكوبين[16] .
8.        عدم وجود خطة مسبقة لمواجهة الكارثة؛ نظراً لعنصر المفاجأة الذي تتسم به الكارثة، ومن ثم فقد تواجه المؤسسة الاغاثية أمور فجائية غير مرتب لمواجهتها مسبقاً، تنعكس على تحركاتها في عمليات الغوث بالسلب والعرقلة[17].  
9.        قلة عدد العاملين المدربين في الميدان الاغاثي؛ وكذلك الندرة الملحوظة في متطوعي الإغاثة، فتقع المؤسسة الخيرية الإسلامية في إشكالية محيرة فهي لديها معونات عينية ومالية كبيرة، فضلاً عن المعدات والأدوات اللازمة للعمليات الاغاثية، ولكنها تعاني عجزاً في العتاد البشري الفني مما يجعلها تستعين بالمؤسسات المضادة، وهو الأمر المصحوب بتبعات غير محمودة هي في غنى عنها من الأساس[18]. 
10.  وجود المتضررين في مناطق جبلية نائية وطرق وعرة غير ممهدة، فضلاً عن فساد الطرق بتأثير الكارثة مما ينعكس على نقل الإمدادات؛ الأمر الذي يدفع بعض الهيئات الاغاثية إلى الاستعانة بالطائرات لإسقاط المعونات العينية على المشردين، مما يولد العشوائية في التوزيع، وتلف بعض المعونات أحياناً [19] .
11.  كثرة الأزمات والصدمات النفسية المزمنة والتي تصيب الناجين من الكوارث، نظراً لعظم وهول الكارثة وفقدان الأهل والأحباب والمسكن والمال، مما يثقل العبء على المؤسسات الخيرية الإسلامية ولا يجعل مجهوداتها إغاثية فقط؛ وإنما يضاف إليها مجهود كبير في التأهيل العقدي لتقبل البلاء والكارثة، ويعظُم هذا المجهود في حالة أهل المناطق الذين لا يدينون بالإسلام، مما يتطلب دعاة مؤهلين تأهيلاً عالياً في التعامل مع هذا الصنف من المكروبين، فضلاً عن تدريب أعضاء الفرق الاغاثية الإسلامية على هذا النوع من التدريب[20]  .
12.  يضاف إلى النقطة السابقة أن الرعاية المستقبلية للمشردين تخضع في ظل وجود المنظمات الكنسية والعلمانية المضادة إلى عمليات تنصيرية وتغريبية، وتكون مصحوبة بترغيبات قد تتفوق على الترغيبات الإسلامية من حيث الكم، مما يعقّد مجهودات المنظمات الإسلامية ويجعلها تعمل في حقل عقدي تنافسي لا تكاملي، وهو في نهاية الأمر يأتي على حساب المشردين[21].


المطلب الرابع: مصادر تمويل العمل الاغاثي.
تسعى مؤسسات ومنظمات العمل الاغاثي إلى تأمين مواردها المالية وتنميتها, من أجل تمويل البرامج والأنشطة والمشاريع الاجتماعية والتنموية المنوي تحقيقها, وهناك العديد من الجهات الداعمة المتمثلة في قطاعات حكومية، وقطاعات خاصة، وجهات فردية، ومنظمات دولية تُشكل روافد في خدمة العمل الاغاثي, ومن أهم تلك المصادر الداعمة:
أولاً: مؤسسات القطاع الحكومي[22]:  
تقوم مؤسسات القطاع الحكومي بدعم وتشجيع مؤسسات العمل الاغاثي باعتبارها شكلاً من أشكال الخدمة الاجتماعية، ولكن بنسبة ضئيلة جداً بالمقارنة مع مصادر التمويل الأخرى, فضلاً عن أن هذه المؤسسات لا تأخذ الدعم المالي  الكافي من الحكومات, الأمر الذي أدى إلى بروز إشكالية أحادية التمويل لمشاريع وبرامج وأنشطة العمل الاجتماعي الإغاثي، وضعف المصادر التمويلية الأخرى مما انعكس بالتالي على فاعلية مؤسسات العمل الاغاثي  وحال دون تنمية مواردها وتفعيل مساهماتها الاجتماعية التنموية.

ثانياً: مؤسسات القطاع الخاص[23]:
وتضم مؤسسات القطاع الخاص الشركات العائلية المملوكة لشخص وعائلته، والشركات المساهمة مثل شركات التأمين، والبنوك، والشركات المساهمة العامة وغير ذلك, وتعتبر الشركات العائلية أو الفردية من أهم الروافد الداعمة للأعمال الخيرية الإغاثية من خلال تمويلها للعديد من نشاطات العمل الخيري بموجب الصيغ التبرعية المختلفة؛ كالزكاة، والأوقاف، والأضاحي، والكفّارات وغيرها من أنواع الصدقات. في حين أنّ الشركات المساهمة يعد دورها ضعيفاً جداً في دعم العمل الخيري الاغاثي رغم ما تملكه من رأس مال كبير, وهذا يتطلب تكثيف الجهود على تلك المؤسسات والشركات المساهمة لإقناعها وإقناع مجالس إدارتها والمساهمين فيها بضرورة القيام بدورهم المجتمعي بشكل أكبر ويتماشى مع دورهم الاقتصادي والمالي[24],  وبذلك نكون قد ضمنا موارد مالية كبيرة تدعم الأعمال الاغاثية الخيرية بصورة واسعة و بشكل كبير ولأمد طويل.
ثالثاً: مصادر دولية[25]:
تعتبر المصادر الدولية من مصادر تمويل الأعمال الاغاثية, ولا شك أن هذه المصادر تقع تحت تأثير المتغيرات الدولية والسياسية، كما تقع تحت نفوذ الدول العظمى والدول الصناعية الكبرى والتي تعتبر من المساهمين الرئيسين في تمويل الصناديق الدولية, وهو ما يشير إلى السلبيات الكبيرة التي ينطوي عليها اللجوء إلى هذه المصادر ويجعل القائمين على شؤون العمل الإغاثي لا يعوّلون عليه كثيرا؛ً فالمصدر المتاح اليوم قد لا يتاح غداً لتغير المواقف السياسية, بالإضافة للصعوبات وطول الإجراءات وتعقيدها للحصول على المنح من الصناديق الدولية المانحة.

([1]) ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، ج4ص322.
([2]) ابن منظور, محمد بن مكرم بن علي جمال الدين, لسان العرب, ج2, ص175.
([3]) قلعجي, محمد رواس, حامد صادق قنيبي, معجم لغة الفقهاء, بيروت ص56.
([4]) الواحدي، الوسيط في تفسير القرآن المجيد، ج2ص455.
([5]) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، ج 7ص370.
([6]) الزبيدي, تاج العروس من جواهر القاموس, ج5, ص214.
([7]) على شبكة الإنترنت, 27/5/2014,  www.egatha.org/portal.
([8]) قلة أو انعدام الموارد المالية الكافية لتغطية حاجات العملية التعليمية, من توفير المناهج والمقررات الدراسية, وتأهيل المعلمين، وعدم توافر مدارس مؤقتة للاجئين والنازحين من الكوارث والحروب.
على شبكة الإنترنت, 27/5/2014,  www.egatha.org/portal.
([9]) على شبكة الإنترنت, 27/5/2014,  www.egatha.org/portal.
([10]) المرجع السابق.
([11]) بكر, سيد عبد المجيد, الأقليات المسلمة في أفريقيا, هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية, ص67، 96، 97، 206.
([12]) المرجع السابق.
([13]) خليل، عماد الدين، مأساتنا في أفريقيا " الحصار القاسي"، بيروت، مؤسسة الرسالة، ص 57، 234.
([14]) على شبكة الإنترنت, 82/5/2014, http://islamselect.net/mat/88155.
([15]) المرجع السابق.
([16]) المرجع نفسه.
([17]) المرجع نفسه.
([18])على شبكة الإنترنت, 82/5/2014, http://islamselect.net/mat/88155.
([19]) المرجع نفسه.
([20]) المرجع نفسه.
([21]) المرجع نفسه.
([22]) حيدر, محمد بكّار, تمـويل العمـل الخيـري العربي المعاصـر ومؤسساتـه, مؤتمر الخير العربي الثالث, الأمانة العامة لمؤتمر الخير العربي, لبنان, الاتحاد العام للجمعيات الخيرية في المملكة الأردنية الهاشمية, عمان 22-24 يونيو / حزيران 2002، بتصرف يسير.
([23]) المرجع نفسه.
([24]) في حين أن ما يميز الغرب هو الاعتماد على الشركات المساهمة الكبيرة في دعم النشاط الخيري، المرجع السابق، ص23.
([25]) حيدر, محمد بكّار, تمـويل العمـل الخيـري العربي المعاصـر ومؤسساتـه، مرجع سابق، ص23.


Previous Post Next Post