تاريخ الوقف
الوقف في الاسلام
انواع الوقف
تعريف الوقف
ما هو الوقف الخيري
الوقف في الاسلام
بحث عن الوقف في الاسلام
امثلة على الوقف
الوقف الاهلي

مفهوم الوقف:
أ – تعريف الوقف لغة:
الوقف لغة مصدر الفعل وقف، ويراد به الحبس ومنه وقفت الأرض على المساكين ووقفت الدابة أي حسبتها. ولا يقال أوقفت وقفاً إلا في لغة رديئة. وقيل وقف وأوقف سواء( ) ويطلق المصدر ويراد به اسم المفعول – الموقوف – من باب إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول فتقول هذا البيت وقف أي موقوف ولهذا جمع على أوقاف( ).
ب – تعريف الوقف اصطلاحاً:
اختلف الفقهاء رحمهم الله في كثير من مسائل الوقف ولذلك جاءت تعريفاتهم له مختلفة أيضاً تبعاً لما يراه كل فريق في هذه المسألة أو تلك. ولا يتسع المقام لبسط القول في هذا، ولكن من أشهر وأخصر تعريفاتهم: أن الوقف هو تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة( ).
ولكن هذه التعريف يحتاج إلى شرح وبيان، ولذا لا بد من إيراد بعض التعريفات التي ذكرها المتأخرون والتي جاء فيها بعض التفصيل المبين       لماهية الوقف وكيفيته وجهة الانتفاع به، وما إلى ذلك على سبيل المثال لا الحصر فيما يلي:
1 – الوقف: هو التنازل لله تعالى – مؤبداً – عن ملكية المال من أجل أن ينتفع به الناس وذلك كوقف المساجد ليصلي فيها الناس ووقف المدارس على طلبة العلم ووقف مياه الشرب في الطرقات والشوارع والأسواق( ).
2 – الوقف يعني التصرّف في ربع العين وما تدّره من مال مع بقاء ذاتها وجعل منفعتها  لجهة من جهات البر، وهي بهذا تخرج من ملك صاحبها، وسبل منفعتها يجعلها مبذولة على وجه القرب لله ( ).
3 – الوقف هو حبس العين عن تمليكها لأحد من العباد والتصدّق بالمنفعة ابتداء وانتهاء أو انتهاء فقط أي أن التصدق بالمنفعة قد يكون من أول الأمر على جهة من جهات البر التي لا تنقطع كالفقراء والمساجد والمستشفيات، وقد يكون على من يحتمل الانقطاع واحداً كان أو أكثر ثم لجهة بر لا تنقطع كجعل الربع للواقف ما دام حياً ثم لأولاده من بعده ثم وثم … إلخ فإذا انقرضت الذرية يصرف الربع لجهة خيرية يعينها الواقف( ).
ومما سبق يتبين أن الوقف صدقة جارية مستمر نفعها يتصدق بها مالكها قربة لله تعالى ويحدد مصارفها، وأنه يمتنع بيع أصلها أو تملكه أو إرثه لأحد من الناس. كما يتبين لنا من التعريف الأخير أن الوقف يمكن أن يكون على جهة من جهات البر ابتداء وانتهاء وقد يكون على أحد من الناس سواء الذرية أو الأقربين وعند انقطاعهم يكون لجهة من جهات البر يعينها الواقف. وهو ما عبر عنه الفقهاء بتقسيم الوقف إلى نوعين هما:
1 – الوقف الخيري.
2 – الوقف الذري أو الأهلي.
والوقف الخيري هو أكثر فائدة وأشمل نفعاً وهو ذك النمط الفاعل من الوقف الذي أسهم إسهاماً واضحاً في مسيرة المجتمع الإسلامي عبر العصور فبواسطته شيدت المدارس والمعاهد والمستشفيات ومهدت الطرق وأوجدت مصادر المياه، وأنشأت الملاجئ والأربطة، وأنفق على العلماء وطلبة العلم ووفرت المكتبات، مما أدى إلى ازدهار الحضارة وتقدم المجتمع الإسلامي عموماً. هذا كله بالإضافة إلى الوقف على المساجد وخاصة الحرمين من عمارتها وصيانتها والإنفاق على الأئمة والمؤذنين وغير ذلك.
أما الوقف الذري أو الأهلي فهو أقل منفعة من الوقف الخيري حيث تنحصر منفعته في فئة قد لا تكون بحاجة ماسة إليها ثم إنه قد يكون له جوانب سلبية تتمثل فيما يحدث بين ذرية الواقف من شقاق وخلافه وقد شهدت المحاكم في كثير من البلاد الإسلامية قضايا كثيرة تتعلق بالأوقاف الذرية وخاصة مع تقادم الزمن وتفرق الذرية مما زاد في تعقيد قضايا تلك الأوقاف. وهو ما كان مشجعاً لمن يعارضون نظام الوقف بالهجوم عليه في مصر وفي غيرها من بلاد الإسلام( ).


ثانياً: لمحة تاريخية:
لكي نستوضح مكانة الوقف كنظام إسلامي ساهم في بناء المجتمع الإسلامي وتقدمه، لا بد من الإشارة ولو بشيء من الإيجاز إلى تاريخ الوقف في الإسلام، مع  الإلماح إلى الوقف عند غير المسلمين قديماً وحديثاً وذلك لبيان الفرق وأخذ العبرة والاستفادة من تجارب الغير وأخطائهم، في تبني الخطط المستقبلية لأحياء دور الوقف في المجتمع الإسلامي المعاصر والاستفادة من إمكانات وموارد الأوقاف في بناء ودعم مؤسسات الرعاية الاجتماعية والصحية وغيرها.
هذا وسوف نوجز الحديث في هذا من خلال النقاط التالية:
1 – الوقف قبل الإسلام.
إن وقف الأموال والثروات على أعمال الخير وخاصة دور العبادة وما يتصل بها، كان من الأمور الشائعة والمعروفة عند كثير من المجتمعات القديمة، ويشير التاريخ إلى أن الأوقاف وإن لم تكن تسمى بهذا الاسم قد وجدت في جميع الحضارات التي عرفتها البشرية، فعلاوة على ما كان يوقف على المعابد والكنائس عرفت الأوقاف على المدارس والمكتبات فعلى سبيل المثال عرفت الحضارة اليونانية مدرسة أفلاطون التي استمرت ستة قرون مدعومة بما أوقف مؤسسوها. وفي مصر كانت مكتبة الإسكندرية الشهرية محل إعجاب وتقدير واستمرت عدة قرون أيضاً، وذلك بما أوقف عليها من الأحباس( ) وعرفت الأوقاف الذرية أو الأهلية عند قدماء المصريين وعند الرومان في الحضارة البابلية في العراق وكان للألمان نظام يشبه الوقف يخصص المالك فيه الأعيان لأسرة معينة مدة محدودة أو إلى انقراضها، وقد يكون الاستحقاق فيه لجميع العائلة أو لبعضها، والأصل عندهم أن الوقف لا يباع ولا يوهب ولا تورث رقبته وليس للمستحق فيه سوى المنفعة( ).
ومما سبق يتضح أن الوقف قد عرف قبل الإسلام حيث أنه نوع من أنواع الصدقة وفعل الخير الذي لم يخل منه مجتمع، وقد جاءت الأديان السماوية كلها ترغب في بذل المعروف وفعل القربات وإن اختلفت التشريعات وانحرف الناس في أخذهم وتطبيقهم لتعاليم تلك الشرائع، فالأصل هو التنازل عن ملكية المال لمصلحة الغير دون عوض دنيوي مباشر. ومع تقاوم الزمن وبعد الناس عن الدين ظهرت دوافع أخرى للوقف مثل التفاخر بين السلاطين وأصحاب الأملاك وحب الذكر والإطراء وغير ذلك كما سيتبين لاحقاً.
2 – الوقف في الإسلام (نشأته وتطوره)
اختلفت الروايات حول نشأة الوقف في الإسلام، ومن أشهرها أن أول وقف في الإسلام هو مسجد قباء. وأول من أوقف لأعمال البر هو عمر بن الخطاب >، حيث جاء في صحيح مسلم عن ابن عمر > قال: (أصاب عمر أرضاً بخيبر فأتى النبي @ يستأمره فيها فقال: يا رسول الله إني أصبت أرضاً بخيبر لم أ صب مالاً قط هو أنفس عندي منها فما تأمرني به؟ قال: "إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها " فتصدق بها عمر على ألا يباع أصلها ولا يبتاع ولا يورث ولا يوهب، قال فتصدق عمر في الفقراء وفي القربى وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل والضعيف..) الحديث( ).
فالوقف في الإسلام نوع من أنواع الصدقات التي رغب الشارع فيها وندب إليها، وهو وسيلة من وسائل القرب التي يتقرب بها العبد إلى ربه. ولا فرق في ذلك بين الوقف على جهة عامة كالفقراء وطلبة العلم ونحو ذلك، أو الوقف على القرابة والذرية، إلا أن السلف الأول من هذه الأمة يفضلون أن يكون آخره للمساكين.
وقد توالت أوقاف الصحابة الكرام لا يبتغون من ذلك إلا مرضاة الله تعالى، والتقرب إليه، واستمر الناس من بعدهم يوقفون أموالهم تقربا إلى الله تعالى( ).
ولقد كثرت الأوقاف في العصر الأموي كثرة عظيمة بمصر والشام وغيرهما من البلاد المفتوحة، بسبب ما أغدقه الله على المسلمين بعد الفتوحات الإسلامية، فتوافرت لديهم الأموال والدور والحوانيت، كما امتلك كثير منهم المزارع والحدائق وتيسرت لهم سبل الوقف لأعمال البر المختلفة( ).
وقد ظهر الاتجاه نحو تنظيم الوقف وضبط شؤونه في عهد الخليفة هشام ابن عبدالملك (ت87هـ) وذلك نتيجة التوسع في استخدامه مما أدى إلى تكاثر ظواهره في المجتمع في ذلك الحين، وقد عمد الخليفة هشام إلى تخصيص إدارة مستقلة به عرفت بـ(ديوان الوقف) تولاه القاضي توبة بن نمر بن حوقل الحضرمي، الذي وضع سجلاً خاصاً للأحباس لحماية مصالح الموقوف عليهم( ) ومع انتشار هذه الظاهرة وتعدد أنماطها، تطور الوضع الإداري للأوقاف بتطور المجتمع الإسلامي حيث أنه في عهد المماليك أصبح للأوقاف ثلاثة دواوين: ديـوان لأحباس المساجد، وديوان لأحباس الحرمين وجهات البر الأخرى المختلفة، وديوان للأوقاف الأهلية( ).
ولما تولى العثمانيون مقاليد السلطة في معظم البلاد الإسلامية اتسع نطاق الوقف لإقبال السلاطين وولاة الأمور في الدولة العثمانية على الوقف، وصارت له تشكيلات إدارية تعنى بالإشراف عليه، وصدرت تعليمات متعددة لتنظيم شؤونه وبيان أنواعه وكيفية إدارته، ولا زال الكثير من هذه الأنظمة معمولا به في كثير من بلاد المسلمين اليوم( ).
هذا وقد كان اهتمام العثمانيين بالأوقاف شديداً وعنايتهم بها فائقة، وقد توسعوا فيها حتى تعددت أغراض الوقف في عصرهم وكثرت أهدافه حتى شمل الكثير من الأعمال التي تساعد على بنيان المجتمع وتكافله وما يحتاج إليه من خدمات عامة، كبناء الحصون والقلاع وتسليح الجيوش ومن ذلك أيضاَ وقف الأربطة على عابري السبيل وعلى طلبة العلم، وغير ذلك من المقاصد الحسنة، التي كان لها  الأثر الأكبر في توفير كثير من متطلبات الحياة للناس وتمكين المسلمين من اتصال بعضهم ببعض، ودفع الحركة العلمية والثقافية حتى أعجب بأفعالهم كثير من غير المسلمين وتأثروا بهم في هذا( ).
والحقيقة أن الوقف لدى المسلمين خلال تاريخه الطويل وخاصة في العصور المتأخرة قد صاحبه وارتبط بسوء التعامل معه بعض المشكلات الناتجة عن عدة أسباب، منها عدم كفاية القائمين على بض الأوقاف أو عدم أمانتهم ومنها تقادم العهد بالنسبة لبعض الأوقاف وضياعها، ومنها طمع بعض الولاة والسلاطين في الأوقاف واستيلائهم عليها، وقد كان للأوقاف  الذرية أو الأهلية نصيباً كبيراً من هذه المشكلات، علاوة على ما قد ينشب بين الذرية والورثة من خلافات حول الأوقاف وخاصة كلما تقادم العهد وتفرعت الذرية وطمع كل منهم في القيام على الوقف وتوليه، فيأكل القوي حق الضعيف في كثير من الأحيان إلا من رحم الله، وترفع الشكاوي إلى المحاكم وتطول إجراءاتها ويستمر الخصام بين الأهل لسنوات أو عقود من الزمان بسبب ذلك.
وليس العيب في الوقف نفسه كسنة حسنة أو كنظام إسلامي، بل الناس هم الذين قد ينحرفون وتغريهم الدنيا والطمع وينسون الأهداف النبيلة التي من أجلها أوقف الوقف. وانحراف الناس في التطبيق لا يعيب النظام نفسه أياً كان هذا النظام، اجتماعياً أو اقتصادياً أو سياسياً أو غيره، فعلى سبيل المثال: تقصير الناس في أداء الزكاة وبخلهم بها لا يمكن أن يكون مدخلاً للطعن في الزكاة كنظام إسلامي اجتماعي تكافلي هادف.
وقد تعرض الوقف خلال العصور المتأخرة إلى حملات واسعة تهدف إلى إلغائه وخاصة الأهلي منه، وقد تذرع أصحابها بما سبق ذكره من مشكلات حصلت بين بعض الورثة، أو بعض ممارسات القائمين على بعض الأوقاف الخيرية ومن المؤسف أن معارضي الوقف قد نجحوا في إقناع الحكام بإلغاء الوقف الأهلي والسيطرة على كثير من الأوقاف الخيرية، في كثير من بلاد المسلمين كما سوف يأتي بيانه في الفقرة التالية.
3 – الوقف عند المسلمين في الوقت الحاضر.
شهدت بدايات القرن العشرين وأواخر القرن التاسع عشر تراجعاً لدور الوقف في حياة المسلمين وذلك لأسباب عديدة من أهمها الحملات التي شنها المعارضون لنظام الوقف من الكتاب والمثقفين والزعماء السياسيين في كثير من بلاد المسلمين، وخاصة في مصر حيث قاد قاسم أمين وغيره حملات فكرية وسياسية تهدف إلى إلغاء فكرة الوقف والاستيلاء على الأوقاف القائمة من قبل الدولة، ورغم مواجهة العلماء لمثل هذه الحملات ومحاولتهم التصدي لها إلا أن أوضاع الأوقاف أخذت تتدهور في عالمنا الإسلامي شيئاً فشيئاً.ولا يتسع المجال هنا لبسط القول في ذلك، إلا أنه يمكن تلخيص وضعية الأوقاف في بلاد المسلمين في الوقت الحاضر – كما أوردها الدكتور شوقي أحمد دنيا – في النقاط التالية:
1 – يخضع معظمها للإشراف الحكومي من قبل وزارت الأوقاف.
2 – حظرت بعض أنواعه القوانين في بلدان كثيرة.
3 – قل بدرجة ملاحظة إقبال الناس عليه بالمقارنة بما كان عليه الوضع في الماضي.
4 – لم يعد يمارس الآثار الاقتصادية والاجتماعية بهذه القوة والاتساع الذي كان يمارسه في الماضي.
5 – في الكثير الغالب من الأوقاف التي مازالت قائمة تحت إشراف وزارات الأوقاف وإدارتها فإن استغلالها واستثمارها ليس على درجة عالية من الكفاءة. بل في بعض الحالات تنحرف تصرفات هذه الوزارات عن الضوابط الشرعية إما في عمارة الوقف وإما في استثماره أو توزيع عوائده على مستحقيه.
6 – لم نعد نشاهد تلك المدارس والجامعات العملاقة، وكذلك المكتبات والمستشفيات التي قامت وازدهرت في الماضي على أموال الوقف، بل ما ظل منها قائماً مثل الجامع الأزهر وغيره، مما استولت وزارات الأوقاف على أوقافه، فإنه قد  تدهورت أوضاعه عن ذي قبل رغم تولي الحكومات الإنفاق عليه من خزانتها.
7 – لعل الملاحظة النهائية هو غياب نظام الوقف كظاهرة اقتصادية واجتماعية كانت لها بصماتها الإيجابية البارزة في نهضة العالم الإسلامي في ماضية الطويل( ).
وقد كانت ظاهرة تراجع الوقف وإحجام كثير من الناس والموسرين خاصة في كثير من البلاد الإسلامية عن وقف أموالهم لأغراض الخير، والتي نتجت عن الأسباب التي أشرنا إليها، كانت هذه الظاهرة مثار اهتمام العلماء والمفكرين والمهتمين بشؤون السياسة والتخطيط والمسؤولين عن النواحي الاجتماعية، وخاصة في أواخر هذا القرن، فبدأ البحث في أسبابها وتدارس الخطط والسبل الكفيلة بإحياء دور الوقف في الحياة الاجتماعية والاقتصادية، وعقدت لذلك المؤتمرات والندوات وشكلت اللجان في عدد من الدول الإسلامية وقد أنشئ في دولة الكويت – على سبيل المثال – مركز باسم (مركز أبحاث الوقف والدراسات الاقتصادية).
وفي المملكة العربية السعودية حيث تكثر الأوقاف وخاصة على الحرمين الشريفين، تقوم وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، بجهود كبيرة في مجال تنظيم الوقف وإجراء الدراسات المتعلقة به وتعقد من أجل ذلك الندوات والحلقات الدراسية من  وقت لأخر.
هذا ولا يزال الأمر بحاجة إلى المزيد من الجهد والتنسيق وتكامل الجهود لتنظيم الأوقاف ورعايتها وحث الناس على الوقف لأعمال البر وترغيبهم فيه كل بحسب قدرته وذلك لحاجة المجتمعات الإسلامية للنهوض وتخطي الصعوبات والمشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي تمر بها والتي كانت سبباً في تخلف كثير من مجتمعاتنا الإسلامية عن غيرها في هذا العصر الذي شهدت فيه المجتمعات غير الإسلامية ازدهار العمل الخيري والتطوعي وشموله لكثير من مناحي الحياة الاجتماعية والثقافية والنفسية والصحية وغيرها كما سيتضح في الفقرة التالية.
4 – الوقف عند غير المسلمين في الوقت الحاضر.
إن من المؤسف أن تراجع دور الوقف في حياة المسلمين قد جاء في الوقت الذي ازدهر فيه وتطور نظام الوقف والتبرع لأعمال الخير في شتى صوره وأشكاله لدى غير المسلمين، وعلى وجه الخصوص في دول غرب أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، برغم سيطرة الفكر المادي وضعف التدين لدى شعوبها. ولكن الأنظمة والقوانين المالية التي صدرت في بداية هذا القرن في كثير من تلك الدول كانت مشجعة على الوقف والتبرع لأعمال الخير وذلك بالإعفاء من الضرائب وتسهيل الإجراءات الخاصة بتسجيل الجمعيات الخيرية وإعطائها الأولويات في تقديم الخدمات وغير ذلك.
وقد ازدهر العمل الخيري في تلك الدول بشكل ملفت للنظر بعد الحرب العالمية الثانية وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية حيث بلغ عدد  المؤسسات الخيرية حتى عام 1989م أكثر من (3200) مؤسسة خيرية نشطة بلغت ممتلكاتها أكثر من 137.5 مليار دولار( ) وفي الواقع أن المجالس الكنائسية قد استفادت من هذا التوجه ودعمته، وقد تطورت تلك المجالس في أوروبا وأمريكا في الوقت الحاضر حتى صارت تضاهي الدول من حيث الإمكانات والوسائل( ) وبواسطة تلك الأموال والأوقاف وصل التنصير والمنصرون إلى معظم دول العالم ومنها الدول الإسلامية، مستغلين الأزمات والكوارث والمجاعات في كثير من دول أفريقيا وآسيا عبر هذه الجمعيات والمؤسسات الخيرية.
إن تجربة الغرب في مجال العمل الخيري وتنظيمه وتوظيفه لخدمة مجتمعاتهم وتحقيق أهدافهم، لحرية بالدراسة والتأمل والإفادة من إيجابياتها في إطار خصوصيتنا الإسلامية وبما لا يتنافى مع تعاليم ديننا، فالوقف في الإسلام ينبع من عقيدة وإيمان بالله واليوم الآخر ورجاء ما عند الله، وإقبال المسلمين عليه وتسابقهم إليه لا يرتبط بمصالح دنيوية، مثل خفض الضرائب على الممتلكات أو إلغائها أو طلب الشهرة أو السمعة، فهو دين يتقربون به إلى الله. فإذا أحسن تنظيم الأوقاف واطمأن الناس إلى سلامة التعامل معها ووصول نفعها إلى مستحقيها، فقد يكون للوقف عندنا شأن يفوق ما وصلت إليه الجمعيات والمؤسسات الغربية العاملة في هذا المجال.
Previous Post Next Post