مشروعية الوقف على العمل الاغاثي

السمات التمويلية للوقف وأثرها في تفعيل دوره في العمل الاغاثي


المطلب الأول: تعريف الوقف وبيان حقيقته الفقهية.
اختلفت أنظار الفقهاء في تحديد ماهيّة الوقف وبيان حقيقته، ومرد اختلافهم هذا إنما يعود للاختلاف الدائر بينهم حول كيفية إنشائه والشروط التي يجب مراعاتها أثناء قيامه، وقد انعكس ذلك على تحديد معنى الوقف عندهم، حيث تعددت تعاريفهم وتنوعت اتجاهاتهم حتى وصل الأمر إلى أن مستوى الخلاف لم يقتصر بين المذاهب الفقهية المختلفة وإنما تعدى ذلك إلى داخل بعض المذاهب نفسها.
ولعل ما يفسّر سبب هذا الخلاف أن مجمل أحكام الوقف هي اجتهادية محضة[1] قام الفقهاء باستنباطها من عدد محصور من بعض الآيات القرآنية والنصوص الحديثية، مع ملاحظة ما رافق عمليات الاستنباط تلك من ظروف محيطة واكبت الممارسة الوقفية تمحضت عن ظهور العديد من التعريفات[2] أفرزت اتجاهين لتكييف الوقف عند فقهاء المذاهب هما:
 الاتجاه الأول: يقرر أن الوقف هو: تبرع بمنفعة المال مجرد عن المال نفسه؛ بمعنى أن التبرع يرد على المنفعة فقط ولا يمسّ عين المال الموقوف بل تبقى على ملك صاحبها؛ مما يقتضي أن للواقف إنهاء الوقف متى شاء وعودته إلى ما كان عليه قبل عملية الوقف. وممن ذهب إلى هذا الاتجاه الإمام أبي حنيفة[3]، والمالكية[4] .
الاتجاه الثاني: يقرر أن الوقف هو: إسقاط لملك الواقف في المال الموقوف عيناً ومنفعةً. وهو رأي الصاحبين من الحنفية[5]، والشافعية[6]، والحنابلة[7].
 وبالرغم من ذلك فإنه يمكننا تلمّس قدراً مشتركاً من بين تلك التعريفات ليكون مداراً لبيان حقيقة الوقف الفقهية وبعد  النظر والتأمل في جملة التعاريف الواردة عن المدارس الفقهية لمعنى الوقف، وتجاوزاً للخلافات الدائرة بينها بسبب كيفية إنشائه، وشرائطه يمكننا الخلوص إلى تعريف لمعنى الوقف يمسّ جوهر العملية الوقفية، ويبرز حقيقتها، ويوسّع من دائرتها، ويلاحظ التطور الحاصل في أدائها والممارسة العملية التي ترجمت صوره من خلالها وهو التعريف التي اتفقت عليه كلمة الحنابلة والشيعة الجعفرية واختاره العديد من الفقهاء المعاصرون[8] وينصّ على أن الوقف هو "تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة".
واستناداً إلى هذا التعريف، وبالنظر في واقع النصوص الواردة عن الفقهاء في بيان الشرائط الشرعية التي يجب اعتبارها في إنشاء الوقف، والقيود التي ينبغي مراعاتها عند التصرف فيه، وما يمكن أن يؤول  إليه، يمكننا وضع جملة من المعالم والمحددات تبرز في مجملها حقيقة الوقف وطبيعته على النحو الآتي:
1.      الوقف نوع من الطاعات والقربات لله تعالى؛ فهو عبادة يتقرب بها  الواقف إلى الله عز وجل[9]، ومقتضى هذا ألا يقصد الواقف من وراء وقفه ضرراً يلحق بالآخرين أفرادا أو جماعات[10]، لا بل لا بد أن يتمحض الوقف إلى منفعة مقصودة شرعاً ضرورية أو حاجيّة أو تحسينية.
2.       وبالنظر إلى التكييف الفقهي للوقف نجد أنه إسقاط  للملك وهو لازم لا يجوز إقالته[11]؛  ويترتـب على هذا التكييف أن الوقف إذا انعقد تثبت له شخصيته الاعتبارية[12]، ويصبح المال الموقوف على حكم ملك الله تعالى، وتستقل ذمة الوقف عن ذمة جميع أطراف العملية الوقفية[13]، وتشتمل هذه الخاصية على الوقف المؤقت فهو خلال مدة الوقف لازم أيضا ولا تجوز إقالته.
3.      طبيعة الوعاء الموقوف تقتضي أن يكون قابلاً للوقف بطبيعته، وهو كل مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه خلال مدة وقفه طالت أم قصرت، سواء أكان عقاراً أو منقولاً، أو عيناً أو منفعة؛ مما يعني تنوع الوعاء الوقفي ليشمل العقارات من الأراضي والدور والحوانيت وغيرها بالإضافة إلى المنقولات التي يمكن الاستفادة منها مع بقاء عينها كأدوات الإنتاج والنقود والخيام وغيرها من العروض[14] كما نجد متسعاً عند فريق من الفقهاء بجواز وقف المنافع والحقوق باعتبار ماليّتها وتقوّمها[15]. والقدر المشترك بين فقهاء المذاهب بهذا الصدد أن الأموال التي يرد الوقف عليها ينبغي أن تكون من الأموال الاستعمالية  التي يمكن الانتفاع بها مع بقاء عينها  أما غيرها من الأموال التي لا يمكن الانتفاع بها إلا بذاهب عينها كالمطعومات  فلا يمكن أن تكون محل الوقف، إلا إذا كان المقصود من وقفها إقراضها لمن يستفيد منها ثم يعيد مثلها فيمكن أن تكون محلا للوقف أيضا[16]، وفي هذا الصدد يمكن تطوير الصيغ الوقفية لتشمل وقف النقود، والحسابات المصرفية، والصكوك، الأمر الذي يمكن أن يمثل نقلة نوعية في التطبيقات الوقفية المعاصرة[17].
4.      يتسم الوقف بلزومه خلال مدة الوقف طالت أم قصرت. وهذا يقتضي منع التصرف برقبة الأصل الموقوف أثناء مدة وقفه: بيعاً، أو شراءً، أو هبةً، أو أي صورة من صور التصرف التي تعيده إلى صورة الملك العادي[18] إلا أن يكون ذلك التصرف فيه منفعة للوقف[19].
5.      القدر المشترك بين الفقهاء أن المجال الوقفي يكتفى فيه أن لا يكون على معصية[20] فيجوز الوقف على المصارف المباحة[21]، وعلى غيرها من مصارف القرب والعبادات آكد بالجواز، وقد نٌصّ على صحة الوقف على المستشفيات والمدارس والملاجئ والفقراء والمعوزين من أية ملة وأي جنس[22].
6.      يتسع المدى الزمني للوقف ليشغل الأوقاف المؤبدة التي يستمر بها التبرع بثمرتها إلى أن يرث الله الأرض وما عليها[23]، كما يشمل الأوقاف المؤقتة نصاً لمدة معينة سنة أو غيرها أو تلك المؤقتة بالنظر إلى أن وعاء الوقف فيها يمكن أن تنتهي صلاحية الانتفاع به بعد مدة معينة[24].


المطلب الثاني: مشروعية الوقف على العمل الاغاثي.
    بالنظر في واقع المشكلات التي يتصدى لها العمل الاغاثي – التي سلفت الإشارة إليها- والأهداف التي يتغياها القائمين على شؤونه، وفي ضوء المعوقات والصعوبات التي تكتنف مسيرته فإن العمل الاغاثي يعد سلوكاً حضارياً وصورة من صور التكافل الاجتماعي التي حضّ عليها الإسلام لرفع المعاناة وتقديم العون للمحتاجين سواءً أكانوا مسلمين أم غير مسلمين بهدف خدمة الإنسانية، وترسيخ مبدأ المساواة بين البشر، وصون كرامتهم عن الابتذال والمهانة[25]  كما يندرج تحت الحقوق العامة التي تجب رعايتها في السلم الحرب على السواء[26] في نظر الإسلام.
     ومن المعروف أن الشريعة الإسلامية الغراء قامت على أساس جلب المصالح للناس، ودفع المفاسد عنهم، وهو مبدأ مقرر معتبر، لا تكاد تنحصر الأدلة التي تنهض به وتفضي إليه، وكليات الشريعة، وتفصيلاتها ترشد إلى هذا وتدل عليه.
      والناظر إلى مقاصد الشريعة الإسلامية يجد أن كثيراً من القضايا المعاصرة تندرج في محتواها، إذ تشتمل المستجدات كل الضروريات الخمس المعتبرة في نظر التشريع الإسلامي من:  المحافظة على الدين، والنفس، والنسل، والعقل، والمال[27]، ويتجدد فيها الحكم المناسب لكل الوقائع الطارئة على ضوء ما يصيب هذه المقاصد أو يؤثر فيها سلباً أو إيجابا. وتتسع دائرة المصالح في النظر الإسلامي لتشمل كل أمر يمكن أن يجلب مصلحة للإنسان وما يحيط به، وما يدرء مفسدة عنه، سواء كان ذلك الأمر مرتبط بالجانب الأخلاقي، أو الثقافي، أو البيئي، أو الرعاية الاجتماعية على اختلاف مكوناتها. مما يعني أن المفاسد والحاجات لا تنحصر على ما ذكره الفقهاء القدامى، وإنما تتوسع حتى تستوعب ما يستجد في حياتنا المعاصرة.
     ومما تشتمل عليه دائرة المصالح المعتبرة في التشريع الإسلامي مراعاة العناصر المعنوية للشخصية الإنسانية، مما يتعلق بالكرامة، وحرية الرأي، والمواساة، وكل ما قد يلحق فقدانه في الإنسان من حرج شديد، أو يرتب عليه مشقة بالغة غير معتادة بحيث تصبح الحياة معه عبئاً ثقيلاً لا يطاق.
    ومن المعروف أن مبدأ رفع الحرج مقرر في قواعد الإسلام، ويجب مراعاته عند النظر إلى مساعدة الغير، وإغاثة الملهوف، وتقديم العون للمحتاجين، وغير ذلك مما يندرج تحت مصالح الإسلام التي يسعى لتحقيقها لما فيها من إحياء الأنفس، وتحقيق كرامة الإنسان، إذ أن  غاية الشارع من إنزال الشريعة هو إقامة مصالح العباد، ودفع الفساد عنهم عاجلاً وآجلاً[28].
      كما أن إقامة مصالح الخلق ومنع المفاسد عنهم من مقتضيات الرحمة ولوازمها، وهي شاملة للبشرية جمعاء، أي للمصلحة الإنسانية قاطبة، قال تعالى" وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين[ سورة الأنبياء: 107] أي أن علة إرسال الرسول صلى الله عليه وسلم كانت رحمة للعالمين، وان عموم صيغة العالمين لبيان أنها رسالة تحقق مصالح الإنسانية قاطبة في جميع أحوالها وأزمانها وأفرادها[29].
     قال ابن عاشور: " فإن الناس سواء في اعتبار البشرية وحقوق الحياة في هذا العالم بحسب الفطرة، ولا أثر لما بينهم من الاختلاط[30] في الأوان اللغات ومحاسن الصور والأنساب والأقطار. فنشأ عن هذا الاستواء اعتبار التساوي في حق الوجود المعبر عنه بحفظ النفس، وحفظ النسب، وفي وسائل العيش المعبر عنها بحفظ المأوى وحقوق القرار في الأرض..." [31].
    ومما يؤكد هذا حث الشريعة على التصدق والإحسان على شتى صنوف المحتاجين بصرف النظر عن انتماءاتهم الدينية أو العرقية أو الإقليمية  نجد هذا في العديد من النصوص الشرعية التي تؤكد جواز التصدق على ذوي الحاجات من المعوزين والفقراء؛ كقوله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [ سورة الممتحنة: 8] قال الطبري: (من جميع أصناف الملل والأديان أن تبروهم وتصلوهم، وتقسطوا إليهم، إن الله عز وجل عمّ بقوله: الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم جميع من كان ذلك صفته، فلم يخصص به بعضا دون بعض) [32]. والصدقات من البر فاقتضى جواز دفع الصدقات إليهم[33]. ولقوله صلى الله عليه وسلم: « فِى كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ»[34]. دل على أن في الإنفاق على الكافر أيضا أجرا[35].
      وجاء في المغني ما نصّه: "ويصح الوقف على أهل الذمة ؛ لأنهم يملكون ملكا محترما ، ويجوز أن يتصدق عليهم ، فجاز الوقف عليهم ، كالمسلمين . ويجوز أن يقف المسلم عليه ، لما روي أن صفية بنت حيي زوج النبي صلى الله عليه وسلم وقفت على أخ لها يهودي ، ولأن من جاز أن يقف الذمي عليه جاز أن يقف عليه المسلم كالمسلم" [36].
     ويؤكد هذا ما ذكره أبو عبيد في جواز إعطاء أهل الذمة من غير الزكاة فقال: " فأما غير الفريضة فقد نزل الكتاب بالرخصة فيها، وجرت به السنة "[37].
    ومما لا شك فيه أن الوقف نوع من الصدقات والقربات فينتظمه عموم الكلام في الحث عليها، بل أن في وقوع بعض ممارسات الإحسان والبر على أهل الذمة وغيرهم على مرأى ومسمع من الرسول صلى الله عليه وسلم خير دليل على جوازه.
    ومن هنا يتضح لنا مشروعية الوقف على العمل الاغاثي في الإسلام، واتساع دائرتها لتشمل مختلف المجالات التي يمكن أن يتصدى لها، كما أنها تتعدى لتشمل غير المسلمين من بني البشر ممن هم في حاجة إلى مد يد العون والمساعدة .

المطلب الثالث: السمات التمويلية للوقف.
يتسم الوقف بصفته أحد الأدوات التمويلية في الاقتصاد الإسلامي بالعديد من السمات تميزه عن غيره، وتؤهله ليؤدي دوراً مهماً في مجال مأسسة المبادرات الفردية ذات النزعة الاجتماعية العميقة التي حملت في جنباتها طابع الإحسان الاختياري، حيث وجدت تلك المبادرات في الوقف إطاراً مؤسسياً أسهم في حمايتها من خلال التشريعات الناظمة له من سوء التصرف، أو الاستيلاء، أو المصادرة[38].
       وبالإضافة إلى ذلك فإن طبيعة الوقف وخصوصيته منحته العديد من السمات التمويلية يمكن أن تتلخص بالأمور الآتية:
1)      الديمومة والثبات: ويقصد بها استمرارية العطاء  والتمويل الوقفي، واستقرار حالة الإشباع التي يؤدها الوقف تجاه الجهات المستحقة.
2)      المرونة: وتتلخص هذه الميزة بإعطاء الواقف مساحة واسعة ليحدد اختياراته الوقفية من حيث: طبيعة الوعاء الوقفي، والمدى الزمني لوقفيته، ومظلة العطاء التي يتغياها من ورائها، كل ذلك بحسب ما يراه مناسباً وفق مرجعية تستند على مساحات رحبة من الاجتهادات الفقهية، وما أورثته من مدونة ثرّة وسّعت من اختيارات الواقفين، وأطلقت حرياتهم في تجسيد مبادراتهم الخيّرة تجاه مجتمعاتهم، وهذا بلا شك ينعكس على مرونة في التمويل يتمثل في تنوع في التحقيب الزمني للوقفيات المختلفة، وفي المصارف والحاجات التي يستهدف الوقف إشباعها، فضلاً عن الأوعية المختلفة من الأموال التي يمكن أن تكون محلاً صالحاً للوقف وفقاً لقدرات الواقفين، والتنوع الحاصل في اهتماماتهم الوظيفية.
3)      الدافعية الذاتية: وتبرز هذه السمة التمويلية انعكاساً لمعنى القربى الذي تنطوي عليه حقيقة الوقف وطبيعته، وتكمن أهمية هذه الخاصية التمويلية أنها تجعل من الوقف مصدراً تمويلياً لا ينضب معينه؛ إذ هو متوقف على المبادرات التلقائية  النابعة من داخل الأفراد استجابة للوازع الديني الذي يختلج صدورهم، ولا يتوقف على قرار خارجي قادم من الدولة أو من غيرها. وهذا بدوره يمنح الوقف سمة الاستقلالية في التمويل والإدارة من جهة، ويحول دون عمليات التسريب والتهرب من جهة أخرى ويؤكد على معيار الأمان النسبي في عمليات التمويل الوقفي.
4)      التراكمية: ويقصد بها ازدياد الأصول المادية للوعاء الوقفي  يوماً بعد يوم ، وتظهر هذه الخاصية في الأوقاف المؤبدة أكثر من غيرها ، حيث تتراكم الجهود الوقفية التي أنشأتها الأجيال الماضية لتنظم إليها الأوقاف التي أنشأتها الأجيال الحاضرة، مما يكسب التمويل الوقفي حصانة نسبية ضد الأخطار التضخمية التي تسبب في تآكل مداخيل الجهات المستحقة.
5)      التكييف: نظراً لما يتميز به فقه الوقف من اجتهادات فقهية واسعة وآراء وأطروحات متعددة حيال الممارسات الوقفية[39]، جعل التعامل مع المال الوقفي يأخذ طابعاً خاصاً؛ فهو من جانب معني بالمحافظة على المبادرة الوقفية من حيث مضامينها ومقاصدها، ومن جانب آخر معني بالإفادة من المدونة الفقهية الخصبة التي تجيز بعض أطروحاتها للقائمين على شؤون العمل الوقفي التصرف على ما يقع تحت أيديهم من وقفيات بشرط تحقق مصالح الوقف ومقاصده؛ وبخاصة أن بعض الاتجاهات الفقهية التي تشددت في جواز التعامل مع المال الوقفي بتغير صورته أو استبداله إنما كانت مسكونة بظروف زمانها ومكانها حيث تسلط بعض الظلمة على أموال الوقف واتخاذهم وسيلة استبداله، وتغيير صورته طريقاً إلى الاستيلاء عليه،[40] كل ذلك كان يتم في ظل تدني مستوى توثيق دساتير الوقف على نحو يضمن حصانتها وحمايتها[41] ، والذي يبدو من خلال معطيات الواقع المعاصر فيما يتصل بهذه المسالة أن الأحكام الفقهية التي بنيت على تلك الظروف ينبغي تجاوزها إذ لم يعد مسوغ من التمسك بها، والاحتكام إلى ما توصلت إليه الاجتهادات المعاصرة من اجل تطويع المال الوقفي بصرف النظر عن بنيته المادية وتكييفه ودمجه في عجلة الاقتصاد الوطني في إطار من التنافسية والأمان.



المبحث الثاني أهمية الوقف وأدلة مشروعيته
أدلة مشروعية الوقف وبيان التوافق الفقهي
الوقف الخيري في الإسلام
الأَدِلَّةُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الوَقْفِ
الأوقاف وأثرها في دعم الأعمال الخيرية في المجتمع
دور الوقف الخيري في التنمية الاقتصادية
الوقف الخيري في الإسلام وأبعاده التنموية
مشروعية الوقف على العمل الاغاثي
فضل الوقف الخيري
الوقف الخيري للوالدين
فوائد الوقف
امثلة على الوقف
فضائل الوقف
ما فضل الوقف
فضل وقف الماء في سبيل الله
الوقف الخيري في الاسلام



([1]) الزرقا، مصطفى احمد، أحكام الأوقاف، دار عمار، عمان، ط2، 1998م، ص19.
([2]) يقول الكبيسي في معرض حديثه عن تعريفات الفقهاء للوقف ما نصه: " إن هذه التعريفات ما هي إلا تعاريف لفقهاء المذاهب المتأخرين صاغوها ووضعوها تخريجاً عل قواعد المذهب الذي ينتسبون إليه، بحيث ينطبق كل تعريف على قواعد الإمام المنسوبة إليه انطباقاً تاماً" الكبيسي، محمد عبيد، أحكام الوقف في الشريعة الإسلامية، مطبعة الإرشاد، بغداد، ط1، 1977م، ص59. نقلاً عن: الوقف في نظامه الجديد، معوض محمد مصطفى السرحان، ط1، 1947م، ص18.
([3]) حيث عرّف الوقف بقوله: "حبس العين على ملك الواقف والتصدق بالمنفعة" " الزيلعي، عثمان بن علي           تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشِّلْبِيِّ، المطبعة الكبرى الأميرية، بولاق، القاهرة، ج3ص325.
([4]) حيث عرفوا الوقف بأنه: "جعل منفعة مملوك ولو باجرة أو غلته لمستحق بصيغة دالة عليه" ، الكشناوي، أبي بكر بن حسن، أسهل المدارك شرح إرشاد السالك في مذهب إمام الأئمة مالك ، المكتبة العصرية، ج1ص48.  وجاء في منح الجليل نقلاً عن الموازية والعتبية ما نصّه: "من قال داري حبس على عقبي وهي لآخرهم ملكا، فهي لآخرهم كذلك" ونقل عن ابن شاس قوله: " لا يشترط فيه التأبيد فلو قال على أن من احتاج منهم باع أو أن العين المحبسة تصير لآخرهم ملكا صح واتبع الشرط" عليش، محمد بن أحمد بن محمد،  منح الجليل شرح مختصر خليل، دار الفكر – بيروت،1989م، ج8ص145.
([5]) الذين عرفوا الوقف بقولهم: "حبس العين على حكم ملك الله تعالى" البابرتي، محمد بن محمد بن محمود، العناية شرح الهداية، دار الفكر، ج6ص203 وما بعدها.
([6]) وعندهم الوقف هو: "حبس مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه بقطع التصرف في رقبته على مصرف مباح" الأنصاري، زكريا بن محمد بن زكريا، أسنى المطالب في شرح روض الطالب، دار الكتاب الإسلامي، ج2ص457. وجاء في الحاوي حول بيان حقيقة الوقف: ما نصه: " إن الملك ينتقل إلى الله تعالى ، فوجهه أنه إزالة ملك عن الرقبة والمنفعة على وجه التقرب إلى الله تعالى ، فوجب أن ينتقل الملك إليه كالعتق" .الماوردي، علي بن محمد، كتاب الحاوى الكبير، دار الفكر، بيروت، ج7ص1288. وقال المناوي في معرض حديثه عن الوقف: "إنما هو إزالة الملك في الموقوف" المناوي، عبد الرؤوف بن تاج العارفين، تيسير الوقوف على غوامض أحكام الوقوف، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة – الرياض، ط1، 1998م، ج1ص62.
([7])   قال ابن قدامة: :والوقف يزيل ملك الواقف؛ لأنه يزيل ملكه عن التصرف في العين والمنفعة، فأزال ملكه عن الرقبة كالعتق". ابن قدامة، عبد الله بن أحمد بن محمد الجماعيلي المقدسي، الكافي في فقه الإمام أحمد، دار الكتب العلمية، ط،1 1994م، ج2ص254.

([8]) أبو زهرة، محمد، مشكلة الأوقاف، مجلة القانون والاقتصاد، السنة الخامسة، العدد السادس، نوفمبر 1935م، مطبعة نوري، مصر، ص538، الكبيسي، محمد عبيد، أحكام الوقف في الشريعة الإسلامية، مطبعة الإرشاد، بغداد، 1977م، ج1ص88.
([9]) الشيرازي، إبراهيم بن علي بن يوسف، التنبيه في الفقه الشافعي، عالم الكتب، ص136. الشويكي، احمد بن      محمد، (ت:932ه)، التوضيح في الجمع بين المقنع والتنقيح، دراسة وتحقيق: ناصر بن عبد الله بن عبد العزيز الميمان، المكتبة المكية، حي الهجرة، مكة المكرمة، ط3، 1998م، ج2ص819، الشوكاني، محمد بن علي بن محمد بن عبد الله، (ت: 1250هـ) ، السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار،دار ابن حزم، ط1، ج1ص636.
([10]) الخرشي، محمد بن عبد الله (ت: 1101هـ) شرح مختصر خليل للخرشي، دار الفكر للطباعة – بيروت، ج7ص84. الماوردي، أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي، (ت: 450هـ)، الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي وهو شرح مختصر المزني، تحقيق: الشيخ علي محمد معوض - الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، ط1، 1419 هـ -1999م، ج7ص525. الزرقا، مصطفى احمد، أحكام الأوقاف، ص65.
([11]) الزَّبِيدِيّ، أبو بكر بن علي بن محمد الحدادي العبادي (ت: 800هـ)، الجوهرة النيرة، المطبعة الخيرية، ط1، 1322هـ، ج1ص337، بداماد أفندي، عبد الرحمن بن محمد بن سليمان المدعو بشيخي زاده, (ت: 1078هـ)،مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر، دار إحياء التراث العربي، ج1ص733. الزرقا، أحكام الأوقاف، ص105.
([12]) الأنصاري، أسنى المطالب في شرح روض الطالب، ج4ص470،  الزرقاء، مصطفى احمد، المدخل إلى نظرية الالتزام العامة في الفقه الإسلامي، دار الفكر، ص259.وانظر: الدريني، محمد فتحي، دراسات وبحوث في الفكر الإسلامي المعاصر، دار قتيبة، بيروت، ط1، 1988م، ج2ص671. العكور، سالم، الشخصية الاعتبارية للوقف وأثرها في حفظه وتنميته، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة ال البيت، الأردن، ص45.
([13]) الزرقاء، مصطفى احمد، المدخل الى نظرية الالتزام العامة، ص260.
([14]) بن عبد الواحد، كمال الدين محمد (ت681هـ)، شرح فتح القدير، دار الفكر، بيروت، ج6ص215، الغنيمي، عبد الغني بن طالب بن حمادة بن إبراهيم (ت: 1298هـ)، اللباب في شرح الكتاب، حققه، وفصله، وضبطه، وعلق حواشيه: محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة العلمية، بيروت – لبنان، ج2، ص183. ملا خسرو، محمد بن فرامرز بن علي (ت: 885هـ)، درر الحكام شرح غرر الأحكام، دار إحياء الكتب العربية، ج2ص137.
([15]) الخرشي، محمد بن عبد الله (ت: 1101هـ)،شرح مختصر خليل، دار الفكر للطباعة، بيروت، ج7ص79، الصاوي، أبو العباس أحمد بن محمد الخلوتي، (ت: 1241هـ)، بلغة السالك لأقرب المسالك المعروف بحاشية الصاوي على الشرح الصغير، دار المعارف، ج4ص101.وانظر: دنيا، شوقي احمد، مجالات وقفية مستجدة" وقف المنافع والحقوق"، بحث مقدم الى المؤتمر الثاني للأوقاف بالمملكة العربية السعودية" الصيغ التنموية والرؤى المستقبلية"، جامعة ام القرى، 2006م، ج2ص129.
([16]) ابن عابدين، محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز (ت: 1252هـ)، رد المحتار على الدر المختار، دار الفكر، بيروت، ط8، 1992م، ج4، ص364.
([17]) السبهاني، عبد الجبار، الوجيز في اقتصاديات الزكاة والوقف، مطبعة حلاوة، اربد، الأردن، ط1، 2013م، ص218.
([18]) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ، ج4ص89.
([19]) ابن نجيم، زين الدين بن إبراهيم، (ت: 970هـ)، البحر الرائق شرح كنز الدقائق، دار الكتاب الإسلامي، ج5ص256.
([20]) ابن عرفة الدسوقي، محمد بن أحمد (ت: 1230هـ)، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، دار الفكر، ج4ص78.
([21]) ابن نجيم،البحر الرائق شرح كنز الدقائق ، ج5ص202.
([22]) الخصاف، احمد بن عمر الشيباني، (ت: 261هـ)، أحكام الأوقاف، دار الكتب العلمية، ط1، 1999م، ص287، 291.الكبيسي، أحكام الوقف، ج1ص409.
([23]) الخصاف، أحكام الأوقاف، ص108.
([24]) الدسوقي، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، ج4ص74.
([25]) حسين، محمد الخضر، رسائل الإصلاح، ص33.
([26]) الحاج، عبد الحميد، النظم الدولية، ص97 وما بعدها. سلطان، حامد، القانون الدولي العام وقت السلم، ص396.
([27]) الشاطبي، الموافقات،ج2 ص17 وما بعدها.
([28]) الشاطبي، الموافقات، ج2ص9 وما بعدها.
([29]) الشوكاني، فتح القدير، ج3[ص430.
([30]) هكذا وردت وأظنها الاختلاف.
([31]) ابن عاشور، أصول النظام الاجتماعي، ص150.
([32]) الطبري، محمد بن جرير،(ت 310هـ)، تفسير الطبري = جامع البيان عن تأويل آي القرآن: تحقيق: عبد الله       بن عبد المحسن التركي، دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، ط1، 2001 م. ج22ص573.
([33]) الجصاص، أحمد بن علي أبو بكر الرازي الحنفي (ت: 370هـ)، أحكام القرآن، تحقيق: محمد صادق القمحاوي الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405 هـ، ج2ص179.

([34]) رواه البخاري في كتاب المظالم، باب الآبار على الطرق إذا لم يتأذ بها، حديث رقم (2466).
([35])) أمالي، محمد أنور شاه بن معظم شاه الكشميري (ت: 1353هـ)، فيض الباري على صحيح البخاري، تحقيق: محمد بدر عالم الميرتهي، دار الكتب العلمية بيروت، لبنان، ط1، 1426 هـ - 2005 م، ج3ص614. وفي الحديث جواز حفر الآبار في الصحراء لانتفاع عطشان وغيره بها،  السندي، محمد بن عبد الهادي المدني الحنفي،  حاشية السندى على صحيح البخارى، دار الفكر، ج2ص.33.
([36])  ابن قدامة المقدسي، المغني،ج8ص236. وانظر: ابن القيم، إعلام الموقعين، ج4ص141.
([37]) أبو عُبيد، القاسم بن سلاّم (ت: 224هـ)، كتاب الأموال، تحقيق: خليل محمد هراس.، دار الفكر، بيروت، ص728.
([38]) التميمي، عبد الجليل، البناء المؤسسي للوقف في بلدان المغرب العربي، بحث مقدم إلى: الندوة الفكرية التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية والأمانة العامة للأوقاف بدولة الكويت،منشورات: مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط1،2003م، ص504.
([39]) يقول السبهاني: " إن فقه الوقف ينطوي على خلافات كثيرة، لكنها خلافات تنوع وليست خلافات تخطئة وتضاد، وبالتالي يمكن للإدارة الوقفية أن تستفيد من هذا التنوع، ولا ينبغي ان تسعى إلى تنميط الاجتهاد الوقفي على مسطرة واحدة، إنما يمكن أن تقنن مسارات متعددة للوقف في ضوء اختيارات الواقفين وشروطهم . السبهاني، الوجيز في اقتصاديات الزكاة والوقف، ص217.
([40]) أبو زهرة، محمد، محاضرات في الوقف، دار الفكر العربي، ص13 وما بعدها، ص30.
([41]) غانم، إبراهيم البيومي، الأوقاف والسياسة في مصر، دار الشروق، ص61.


Previous Post Next Post