الرواية في فلسطين:
         "يحدد عدد من الدارسين بداية هذا القرن، نقطة للبدء في دراسة الحياة الأدبية والثقافية في فلسطين ".(32) وقد تأخر ظهور الفن الروائي في فلسطين بسبب الاضطرابات التي حلت بها منذ وقوعها تحت الانتداب البريطاني، وعدم اهتمام النقاد بالجهود الروائية التي ظهرت ، كما أن سلطات الانتداب حصرت التعليم في أبناء الأسر الموالية لسياستها .(33)
         وعلى الرغم من تأخر ظهور الفن الروائي ، والأسباب التي أدت إلى تخلفه فإن نهضة أدبية قد حدثت في فلسطين وخصوصاً في مجال الشعر والترجمة ، وقد حدد د/قسطندى الشوملي أسباب هذه النهضة الأدبية في  عدة عوامل  منها :
1ـ الاتصال بالثقافة الغربية عن طريق الترجمة عن اللغات الأوربية مباشرةً ، فقد تمت ترجمة بعض الأعمال الأدبية من اللغات الإنجليزية والفرنسية والروسية مباشرةً، كما قام البعض بترجمة بعض الأعمال الأدبية الأوربية من اللغة التركية ، التي سبق أن ترجمت هذه الأعمال إليها ، وقد قام بالترجمة أولئك الذين تعلموا في جامعات أوربا وتركيا.
2ـ انتشار التعليم: فقد تطور التعليم بعد إعلان دستور سنة 1908،وانتشرت المدارس الحكومية التي كانت تعلم باللغة التركية، والمدارس الطائفية التي كانت تعلم باللغة العربية، مما أيقظ اللغة العربية من سباتها، وخلق حركة أدبية قوية .
3 ـ انتشار الصحف : فقد صدرت في فلسطين تسع عشرة صحيفة في الفترة ما بين سنة 1908 ـــ 1914 ، فكانت صحيفة " القدس الشريف " أول صحيفة عربية تصدر في فلسطين في بداية  هذا القرن ، وتعتبر صحيفة الكرمل أهم الصحف التي ظهرت في عام 1908 ، كما يعتبر نجيب نصار الأب الحقيقي للصحافة في فلسطين . وقد ساعدت الصحف على نمو الحركة الأدبية عن طريق  نشر الأعمال المترجمة أو المؤلفة ، وأفسحت المجال أمام الأدباء لنشر إبداعاتهم الشعرية والروائية.
4ـ ظهور الطباعة التي ساعدت على نشر الأعمال الأدبية المؤلفة والمترجمة.
5ـ الاستشراق : فقد قام المستشرقون بترجمة بعض الأعمال الأدبية الغربية إلى اللغة العربية، وقدموا عدة دراسات ساعدت على نمو الحركة الأدبية في فلسطين .
6ـ ظهور الجمعيات الأدبية مثل : سوسنة صهيون ، والغيرة المسيحية ، والإخاء العربي ، والجمعية الألمانية الفلسطينية ، وجامعة الأدباء .
         و قد توزع الأدباء على ثلاثة اتجاهات ،  فمنهم من اتجه إلى الماضي محاولاً بعث الثقافة العربية وإحيائها ، ومنهم من اتجه إلى الارتباط بالدولة العثمانية، واتجه آخرون إلى أوروبا، وهؤلاء مع أصحاب الاتجاه الأول كان لهم دور مهم في توطيد دعائم النهضة الأدبية في فلسطين، " ولعل الخالدي (روحي ) أول كاتبٍ فلسطيني حاول إرساء قواعد النقد الأدبي على أسس موضوعية ونظرية ....وتابع خليل بيدس (1874ـ 1949 ) مسيرة روحي الخالدي في ميدان الرواية، فقد ألم بأهم عناصر الرواية، وترجمها من اللغات المختلفة وخاصة الروسية."(34) يرى د/عادل الأسطة أن أول رواية فلســـطينية مؤلفة نعرفها هي رواية بيدس" رائد القصة القصيرة ، (35) كما يرى د/أحمد أبو مطر أن الرواية مؤلفة، أما د/قسطندي الشوملي فيرى أنها رواية مترجمة، وهناك من يشير إلى أنها ليست أول رواية فلسطينية مؤلفة، فقد قام نجيب نصار بكتابة رواية " مفلح الغساني" أثناء اختبائه إبان الحرب العالمية الأولي بين 1914- 1917، وقد نشرها حنا أبو حنا (36) وتدور أحداثها حول علاقة الأتراك بالعرب  ومحاولة الجمع بينهم حتى يتمكنوا من الوقوف في وجه الاستعمار الغربي، وبعد إعلان  الحرب العالمية الأولى في1914، أخذ خصوم مفلح " نجيب نصار" يدسون عليه لأنه كان يرفض دخول تركيا الحرب إلى جانب ألمانيا ويطالب ببقائها على الحياد، أو دخول الحرب إلى جانب انجلترا.(37)
         وقد حظيت الحياة الثقافية في فلسطين بمجموعة من الأعمال الروائية المتقدمة نسبياً، وكلها موضوعة مؤلفة، وهذا يدل على أن مرحلة الترجمة السابقة مهدت الطريق لبداية الوضع والتأليف في هذا الفن ،وهذه الروايات هي:
1- مذكرات دجاجة. د/ إسحق موسى الحسيني ، سنة 1943.
2-في السرير. محمد العدناني ، 1946.
3-مرقص العميان. عارف العارف ، 1947.
4-في الصميم. إسكندر خوري، 1947.(38)
         وقد شغلت السياسة حيزاً واضحاً داخل بنية الرواية ، فظهر الصراع على الأرض، ولكنه لم يأخذ المساحة الفنية التي تساوي أهميته وحجمه في أرض الواقع، وقد تجلى هذا الصراع في رواية " حفنة رمال " لناصر الدين النشاشيبي .(39)
         وقد بدأت الرواية الفلسطينية بداية رومانسية، لكنها رومانسية مرتبطة بآلام الواقع الذي أشعل مشاعر كتابها، وقد عانى بعض الكتاب من قصور أدواتهم الفنية وعدم فهمهم الحد الأدنى للمواصفات الفنية للفن الروائي، فقد لجأ بعضهم إلى تزويد رواياتهم بالخرائط و الصور الفوتوغرافية.(40)
         وقد حقق بعض الكتاب شكلاً فنياً متقدماً، فلم يتقيدوا بالترتيب الزمني للأحداث ، كما أعطوا الشـــــخصية فرصة النمو من الداخل .(41) فقد كتب جبرا إبراهيم جبرا روايته الأولى "صراخ في ليل طويل " في القدس في صيف 1946، وكان يؤسس زمنه الروائي والفني على قاعدةٍ ثابتةٍ، وهي رفض الماضي والتقدم إلى الأمام .(42)"وتأتي رواية "صيادون في شـــــارع ضيق" التي كتبت أساساً بالإنجليزية وصدرت عام 1960، ضروريةً لدراسة تطور الرواية العربية، فهي ملك الأدب العربي قبل أن تكون ملك اللغة التي كتبت بها كما يشير إلى ذلك مترجم الرواية محمد عصفور."(43)
         وقد ذكر حبيب قهوجي في كتابه(عرب فلسطين المحتلة عام 1948"انتماء  وصمود"مؤسسة الأرض-دمشق 1976ص4)أن قصة"بتهون " للمحامي توفيق معمر،هي أول قصة عربية طويلة تنشر في فلسطين المحتلة، كما ذكر توفيق فياض أن "المتسلل " صدرت عام 1957 ، ومذكرات لاجئ أو" حيفا في المعركة سنة 1958،و"بتهون" سنة 1959 للمحامي توفيق معمر، و" حب بلا غد " 1962 لمحمود عباسي، و "بقيت سميرة" لعطا الله منصور سنة 1962، و"الليل والحدود" لفهد أبو خضرة سنة1964، و"المشوهون" لتوفيق فياض1964، و"أجنحة العواصف" لسليم خوري7 196، وهذه الروايات متفاوتة فنياً، لكنها لم تصل إلى المستوى المطلوب، وتفتقر إلى الكثير من أصول الرواية وعناصرها.(44) ويرى فخري صالح أن كتابات غسان كنفاني " تطابق زمنياً مراحل القضية الفلسطينية، بل إنها تسبق هذه المراحل باستشرافها لها، ورؤيتها الذاتية للأحداث. "(45) كما "كان غسان كنفاني من أكثر كتاب الرواية الفلسطينية وعياً في طرح الموقف الطبقي وذلك بحكم انتمائه السياسي والتزامه بالعمل الثوري الفلسطيني الذي قاده إلى دراسة المجتمع الفلسطيني وموقف طبقاته من القضية الوطنية."(46) وصدرت بعد ذلك روايات : سداسية الأيام الستة لإميل حبيبي سنة 1969 عن روايات الهلال، والوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل 1974 عن مطبعة دار الاتحاد في حيفا، ودار ابن خلدون في بيروت، و"مقهى الباشورة "لخليل السواحري الذي كتبها بين يونيو67 ويونيو68 ، ونشرتها وزارة الثقافة والإرشاد القومي في دمشق سنة 1975.(47)
         وقد تميز إميل حبيبي "بتعامله مع الواقع الموضوعي الذي يعيشه، مؤلفاً بين الرؤى المختلفة التي تسود الشارع الفلسطيني، فهو يوضح صورة العلاقات على حقيقتها،أي أنه لا يتمســـــــك بطرح بطلٍ إيجابي، بل يتنكبه، ليوظف بطله السلبي ضمن إطار السخرية الهادفة، والقادرة على التوظيف ضمن شرطها التاريخي."(48)
         أما رشاد أبو شاور فقد كان "من أجرأ الكتاب الفلسطينيين الذين استطاعوا نقد فكر الثورة وممارساتها إلى الحد الذي أثار على نفسه العديد من الاتهامات المتشنجة التي رأت ذلك يتنافى مع مصلحة الثورة ، لكنه أكد أن في هذه الأمة من الكتاب الشجعان الذين يعيدون الاعتبار  للمثقف العربي ."(49)
         وعلى الرغم من وجود الرواية الرومانسية المرتبطة بالواقع في الأدب الفلسطيني، والرواية الواقعية ،فقد وجدت الرواية الرمزية مثل رواية " الكابوس "لأمين شنار، و رواية "ونزل القرية غريب " لأحمد عمر شاهين ،وقد عالج أحمد شاهين قضية المثقف وعلاقته بالجماهير من جهة وبالسلطة من جهة أخرى ، ودور هذا المثقف إزاء الجماهير المقموعة والمقهورة، وهي قضية لم تتطرق إليها أية رواية فلسطينية أخرى كما يرى الدكتور أحمد أبو مطر. (50)
         ونلاحظ أن الأردن، وبالتالي الأدب الأردني، كان الأكثر تأثراً بما يجري على الساحة الفلسطينية، وعليه فقد وجدنا كاتباً مثل عيسى الناعوري يكتب رواية "مارس يحرق معداته" مشيراً من خلالها إلى القضية الفلسطينية، والرواية تدور حول قريتين تسعى إحداهما إلى الأرض بالخير بينما تسعى الأخرى إلى امتلاك الأرض بالشر،فتقوم الحرب بينهما، وتتدخل آلهة الخير إلى جانب القرية الطيبة،وإله الحرب "مارس" إلى جانب القرية الشريرة،وينتهي الأمر بتدخل كبير الآلهة ليعقد بينهما أواصر الحب ويسود السلام.(51)
         ولا يمكن أن تتوقف الحركة الأدبية عن التطور ، فقد ساهمت الصحف والمجلات الفلسطينية في الداخل والخارج، وأسهمت دائرة الثقافة في منظمة التحرير الفلسطينية في النهوض بالحركة الأدبية فبرز العديد من الكتاب منهم على سبيل المثال لا الحصر: الدكتور أفنان القاسم صاحب رواية "أربعون يوماً في انتظار الرئيس"ويحيى يخلف صاحب "نجران تحت الصفر" و"تفاح المجانين"و"تلك المرأة الوردة" وفاروق وادي صاحب "رائحة الصيف" و"المنفى يا حبيبتي" ومنيف حوراني صاحب " أرق الليلة الفاصلة" و"انتظار على سفر"وليانة بدر مؤلفة "نجوم أريحا"و"عين المرآة "وفيصل حوراني صاحب "المحاصرون "و"بير الشوم"وغيرهم.

 مواضيع ذات صلة 


الرواية في فلسطين:

الرواية الفلسطينية

اسماء روايات فلسطينية

مفهوم الشخصية الروائية
بناء الشخصية في الرواية

الهوامش :
1ـ انظر:جورج لوكاش،الروايةملحمةبرجوازية(ط1؛بيروت:دارالطليعة،1979.ترجمةجورج طرابيشي)ص9.
2ـ  السابق ، ص 13.
3ـ أمينة رشيد، "حول بعض قضايا نشأة الرواية، ( فصول ،مجلد6، عدد4،1986.) ص 114.
4ـ السابق ، ص 109.
5ـ أنظر:السعيدالورقي،اتجاهات الروايةالعربيةالمعاصرة(ط1؛ الاسكندرية:دار المعرفة الجامعية،.197.) ص10-11.
6ـ محسن جاسم الموسوي، الرواية العربية، النشأة والتحول (ط2؛بيروت: دار الآداب، 1988.) ص16.
7ـ إبراهيم السعافين ، تطور الرواية العربية الحديثة في بلاد الشام (ط1؛ العراق : وزارة الثقافة ، دار الرشيد، 1980.) ص 14/15.
8ـ محمود ذهني، التذوق الأدبي، طرقه ووسائله ( ط1؛ القاهرة: مكتبة الأنجلو مصرية، د.ت.) ص 127/128.
9ـ محمود غنايم، تيار الوعي في الرواية العربية الحديثة دراسة اسلوبية  (ط1؛ بيروت: دار الجيل ،1992.) ص53.
10ـ أمينة رشيد، "حول قضايا نشأة الرواية " فصول  عدد4، ص 118.
11 ـ محمدخليفة حسن أحمد،الأسطورة والتأريخ في التراث الشرقي القديم(ط1؛بغداد:آفاق عربية،1988.)ص7.
12- محمود ذهني، تذوق الأدب   ص 141.
13  E. M. Forster. Aspects  of The Novel  , Editor: Oliver  Stally bras, pinguin  books (B.57)         14ـ بيرسي لوبوك،  صنعة الرواية  (العراق:دار الرشيد ،1980) ص 32 . ترجمة عبدالستار جواد.
15 ـ انظر:كولن ولسن ، فن الرواية  (بغداد: دار المأمون للترجمة والنشر، 1985 .) ص 207 .
16 ـ انظر: ألان روب جرييه ، نحو رواية جديدة  (القاهرة: دار المعارف، د. ت.) ص 33 ـ 52 .
17ـ محمد زغلول سلام، دراسات في القصة العربية الحديثة (ط؛الاسكندرية :منشأة المعارف، 1988) ص11.
18- السابق ،  ص 6.
19- محمود ذهني، التذوق الأدبي   ص 167.
20- أنظر: أحمد الزعبي ، في الإيقاع الروائي (ط1؛ عمان: جمعية عمال المطابع ،1986.) ص 8/9.
21 ـ محمد زغلول سلام،  دراسات في القصة العربية الحديثة  ص 27.
22ـ أمينة رشيد ، "حول بعض قضايا نشأة الرواية " فصول (مجلد6، عدد4، 1986.) ص118.
23- محمد زغلول سّلام ، دراسات في القصة العربية الحديثة  ص63
24ـ السابق ،  ص 79.
25- السابق ، ص 12.
26-عبدالرحمن ياغي، في الجهود الروائية (ط2؛بيروت:المؤسسةالعربيةللدراسات والنشر، 1988.) ص 38.
27ـ السابق ، ص 124.
28ـ عبد المالك مرتاض،" تعددية النص "،كتابات معاصرة، ( المجلد الأول ، العدد الثالث 1988.) ص 76.
29ـ السابق  ، ص 77.
30ـ أحمد المديني، " في الأدب المغربي" كتابات معاصرة(المجلدالأول، تشرين الثاني،  1988.) ص 125.
31ـ محسن جاسم الموسوي،  الرواية العربية، النشأة والتحول   ص 187،188.
32ـ  قسطندي الشوملي، الاتجاهات الأدبية في فلسطين (ط1؛ القدس: دار العودة،1990.) ص  17.
33- إبراهيم حسين الفيومي،الواقعيةوالروايةالحديثةفي بلادالشام(ط؛ بيروت: دارالفكر، 1983.)ص 16/17.
34- قسطندي الشوملي ، الاتجاهات الأدبية في فلسطين  ص 46.
35- عادل الأسطة، اليهود في الأدب الفلسطيني  (ط1؛القدس:اتحاد الكتاب،1992.) ص 6.
36ـ  نجيب نصار، رواية مفلح الغساني (ط1؛الناصرة:دار الصوت،1981.) ص 24.
37ـ السابق ،  ص 32.
38ـ السابق ،  ص 32/33.
39ـ السابق ،  ص 106/107.
40ـ مثل : رشاد عزمي المحتسب. رواية " أنا من فلسطين "
41ـ أمثال : نبيل خوري، ومفيد نخلة ، وتوفيق المبيض .
42ـ إلياس خوري ، الذاكرة المفقودة (ط1؛بيروت:مؤسسة الأبحاث العربية،1982.) ص 122.
43ـ السابق ،  ص 132.
44ـ أحمد أبو مطر،الرواية في الأدب الفلسطيني ص 257.( بيروت:المؤسسة العربية للدراسات، 1982)ص257.
45-  ـ أحمد أبو مطر،  الرواية في الأدب الفلسطيني  ص 277.
46ـ فخري صالح ، في الرواية الفلسطينية (ط1؛ بيروت: دار الكتاب الحديث،1985.) ص 16.
47ـ السابق ، ص 257/258.
48ـ فخري صالح، في الرواية الفلسطينية  ص 48/49.
49ـ أحمد أبو مطر،  الرواية في الأدب الفلسطيني  ص 238.
50ـ السابق ،  ص 300.
51ـ مصطفى عبدالغني، الاتجاه القومي في الرواية (الكويت:المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 1994.)ص84.


Previous Post Next Post