البحث العلمي.

كلما تميزت شعوب الإنسانية بالتفكير العلمي والابتعاد عن الدجل والخرافة كلما كانت أكثر قدرة على بناء الحضارة وتقلص نصيب الجهل في صفوفها، وكلما ابتعدت عن التفكير العلمي وعن العلم انغمست في مستنقع الجهل والتخلف وعليه فإذا أراد شعب ما أن يبني حضارة أو أن يطور نفسه فعليه  الاهتمام بتطوير العلم من خلال تشجيع وتكريس البحث العلمي. فماهو مفهوم البحث العلمي؟ وما هي مراحل إعداد البحث العلمي؟
هذا ما سنتناوله من خلال المبحثين التاليين:
المبحث الأول: مفهوم البحث العلمي.
المبحث الثاني: مراحل إعداد البحث العلمي.
المبحث الأول: مفهوم البحث العلمي.
لتحديد مفهوم البحث العلمي يتعين علينا التطرق إلى النقاط الأساسية التالية: تعريفه وخصائصه وأنواع البحوث العلمية وكذا الأدوات المستخدمة في البحث العلمي.
المطلب الأول: تعريف البحث العلمي.
البحث لغة معناه أن تسأل أو تطلب أو تستخبر عن شيء معين، واصطلاحا هناك عدة تعريفات من بينها: (البحث العلمي تجميع منظم لجميع المعلومات المتوفرة لدى الباحث عن موضوع معين وترتيبها بصورة جديدة بحيث تدعم المعلومات السابقة أو تصبح أكثر نقاءا ووضوحا.) كما عرف أيضا بأنه (وسيلة للاستفهام والاستقصاء المنظم والدقيق الذي يقوم به الباحث بغرض اكتشاف معلومات أو علاقات جديدة بالإضافة  إلى تطوير أو تصحيح أو تحقيق المعلومات الموجودة فعلا، على أن يتبع في هذا الاستعلام والاستقصاء خطوات المنهج العلمي واختيار الطرق والأدوات اللازمة للبحث.) كما يعرف بأنه (المحاولة الدقيقة للتوصل إلى حل المشكلات التي تؤرق الإنسان وتحيره.) وعليه يمكن استخلاص أن الوسيلة هي البحث العلمي والغاية هي العلم.
ومن خلال التعريفات السابقة يمكن استخراج بعض الشروط الموضوعية للبحث العلمي نذكر منها:
ـ يجب أن تكون هناك مشكلة تستدعي البحث عن حل لها.
ـ توافر الأدلة التي تحتوي على الحقائق.
ـ التحليل الدقيق للأدلة وتصنيفها.
ـ استخدام العقل والمنطق لترتيب الدليل في حجج واثباتات.
ـ الموضوعية وعدم التعصب للرأي وقبول النتائج التي تسفر عنها الأدلة.
ـ الحل المحدد وهو الإجابة النهائية عن المشكلة وتكون في شكل تعميم.
المطلب الثاني: خصائص البحث العلمي.
يمتاز البحث العلمي بجملة من الخصائص نذكر منها ما يلي:
الفرع الأول: البحث العلمي بحث منظم ومضبوط.   
أي أن البحث العلمي نشاط عقلي منظم ومضبوط ودقيق ومخطط، حيث أن القوانين والنظريات قد تحققت واكتشفت بواسطة نشاط عقلي منظم ومهيء جيدا وليس وليد الصدفة مما يحقق للبحث العلمي عامل الثقة الكاملة في نتائجه.
الفرع الثاني: البحث العلمي بحث حركي تجديدي.
مما يعني أن البحث العلمي ينطوي دائما على تجديد وإضافة معرفية عن طريق استبدال مستمر ومتواصل للمعارف المتجددة.
الفرع الثالث: البحث العلمي بحث عام ومعمم.
أي أن المعلومات والمعارف تكون معممة وفي متناول الجميع حتى تكتسب الصفة العلمية، وهي عامة لأنها تتناول كل مجالات العلوم.
هذه هي الخصائص التي تشترك فيها كل البحوث العلمية، لكن هناك خصائص تخص بعض أنواع البحوث دون غيرها مثل خاصية التجريب بالنسبة للبحث التجريبي، وكذا خاصية التفسير التي يتميز بها البحث التفسيري.
المطلب الثالث: أنواع البحوث العلمية.
تنقسم وتتنوع البحوث والدراسات العلمية إلى عدة أنواع وذلك بحسب كيفية معالجتها للحقائق والظواهر والأشياء وكذا على أساس النتائج التي تتوصل إليها، فقد تكون البحوث تنقيبية استكشافية وقد تكون تفسيرية نقدية وقد تكون بحوثا كلية وشمولية كاملة، وقد تكون بحوثا استطلاعية أو بحوثا وصفية تشخيصية وقد تكون بحوثا ودراسات تجريبية.
الفرع الأول: البحث الاكتشافي التنقيبي.
وهوالبحث الذي يتمحور حول حقيقة جزئية يسخر الباحث كل جهده لاكتشافها ومن الأمثلة على ذلك الطبيب الذي يبحث عن فعالية دواء معين وكذلك الباحث التاريخي الذي يبحث في السيرة الذاتية لشخصية معينة.

الفرع الثاني: البحث التفسيري النقدي.
وهوالبحث الذي يمتد إلى مناقشة الأفكار ونقدها والتوصل إلى نتيجة تكون غالبا الرأي الراجح بين الأراء المتضاربة، وعليه فالهدف من هذه البحوث ليس الاكتشاف ولكن الهدف هو النقد والتفسير لأفكار تم اكتشافها.
الفرع الثالث: البحث الكامل.
هو بحث يجمع بين النوعين السابقين ويهدف إلى حل المشاكل حلا كاملا وشاملا ويستهدف وضع قوانين وتعليمات بعد التنقيب الدقيق والشامل لجميع الحقائق المتعلقة بالموضوع، ثم القيام بتفسير وتحليل الأدلة والحجج التي يتم التوصل إليها. فهو يستخدم بالإضافة إلى كل من البحث التنقيبي والبحث النقدي التفسيري يستخدم اسلوب التعمق والشمولية والتعميم. ويشترط في البحث العلمي الكامل ما يلي:
ـ وجود مشكلة تتطلب حلا علميا.
ـ اكتشاف حقيقة معينة وقيام أدلة على وجودها.
ـ تفسير الأدلة والحقائق والحجج والأراء ونقدها نقدا موضوعيا وعلميا تمهيدا للحل النهائي.
ـ التوصل إلى حل علمي نهائي وإجابة حقيقية عن المشكلة المطروحة .
الفرع الرابع: البحث العلمي الاستطلاعي.
البحث الاستطلاعي أو الدراسة العلمية الكشفية الصياغية الاستطلاعية وهو البحث الذي يستهدف التعرف على المشكلة فقط، وتكون الحاجة إلى هذا النوع من البحوث عندما تكون مشكلة جديدة أو عندما تكون المعلومات عنها ضئيلة، وعادة ما يكون هذا النوع من البحوث تمهيدا لبحوث أخرى تسعى لإيجاد حل للمشكلة.
الفرع الخامس: البحث الوصفي التشخيصي.
وهو البحث الذي يستهدف تحديد سمات وصفات وخصائص ومقومات ظاهرة معينة تحديدا كميا وكيفيا بحيث يسهل التعرف عليها فيما بعد ومقارنتها بباقي الظواهر والأشياء.

الفرع السادس: البحث التجريبي.
هو ذلك البحث الذي يقوم على أساس الملاحظة والتجارب الدقيقة لاثبات صحة الفروض.
المطلب الرابع: أدوات البحث العلمي.
وهي مجموعة الأساليب والطرق التي يستعملها الباحث في جمع المعلومات اللازمة للبحث العلمي. ومن جملة هذه الأدوات ما يلي:
الفرع الأول: العينة.
وتكون كبديل عن دراسة المجتمع أو الظاهرة ككل فيلجأ الباحث إلى اختيار عينة يبحثها ليصل إلى نتائج يستطيع تعميمها فيما بعد على كافة الظاهرة أو كل المجتمع المراد دراسته. ويجب أن تتوفر العينة على الشروط التالية:
1)ـ يجب أن تكون وحدات المجتمع المدروس متجانسة.
2)ـ يجب أن تكون العينة كبيرة بحيث تفي بالغرض من الدراسة.
3)ـ تحدد طريقة اختيار العينة مسبقا.
كما يمكن إجمال أسباب إختيار طريقة العينة فيما يلي:
1)ـ عدم إمكانية دراسة كل عناصر المجتمع الأصلي.
2)ـ ارتفاع تكلفة دراسة الكل.
3)ـ عدم إمكانية حصر كل عناصر المجتمع الأصلي.
وتنقسم العينات إلى عينات احتمالية وعينات غير احتمالية.
العينات الاحتمالية: تكون إما:
ـ عشوائية بسيطة تختار عن طريق القرعة.
ـ عشوائية طبقية وفيها يقسم المجتمع المدروس إلى أقسام وأصناف حسب مميزات خاصة وتكون هي أساس التقسيم ثم يؤخذ من كل عددا عشوائيا.


ـ وهناك العينة الطبقية التناسبية وهي التي يكون فيها عدد الأفراد في كل عينة متناسبا مع عدد أو نسبة ذلك القسم المدروس من المجتمع الأصلي.
ـ وهناك العينة المنظمة وهي التي تجمع بين العشوائية والتنظيم وتكون من خلال الفصل بين الفئات المختارة برقم ثابت يحدده الباحث ثم يحدد عشوائيا نقطة الانطلاق ثم يتقيد بذلك الفارق الثابت بين أفراد العينة.
ـ أما العينة العنقودية فهي التي يقسم فيها أفراد المجتمع المدروس إلى أقسام متجانسة، ثم تؤخذ جملة من الأقسام توفي عدد أفراد العينة المقترحة للدراسة.
ـ وهناك العينة العرضية وهي التي يكون اختيارها عرضيا بمحض الصدفة وبالتالي فهي لا تعبر عن المجتمع الأصلي وهي لا تمثل إلا نفسها.
العينات غير الاحتمالية: وهي فئة من العينات التي تبنى على حكم الباحث وليس على مجرد الصدفة، وهي تشتمل على الأنواع التالية:
ـ العينة الحصصية وهي تفترض تقسيم المجتمع الأصلي على أساس ما وكذا وجود بيانات حول هذا المجتمع معدة مسبقا فيختار الباحث حصة معينة.
ـ وهناك العينة العمدية وهي التي تفترض وجود دراسات سابقة تحدد معالم المجتمع الأصلي بحيث تصبح العينة تمثل حقيقة المجتمع الأصلي.
وهناك العينة الملائمة وهي التي يقوم الباحث فيها بإختيار العدد الملائم من أفراد المجتمع المراد دراسته.
الفرع الثاني: طرق جمع المعلومات.
من بين أساليب جمع المعلومات الاستبيان والمقابلة والملاحظة.
الاستبيان وهو عبارة عن استمارة تتضمن بعض الأسئلة موجهة إلى عينة من المجتمع الأصلي حول ظاهرة أو موقف معين وهناك نوعين من الاستبيان المقيد والمفتوح، فالمقيد هو التي تكون الأجوبة محددة وما على المستجوب إلا الاختيار بين النعم أو لا، أما المفتوح وهو الذي يترك للمستجوب حرية اختيار الإجابة التي يرغب فيها وهذا النوع غير محبذ في المجتمعات غير المثقفة.
المقابلة وهي محادثة موجهة بين الباحث والشخص المبحوث بهدف الوصول إلى الحقيقة.
الملاحظة وهي من بين التقنيات المستعملة في حالات معينة وتحتاج إلى معاينة ميدانية. 

Previous Post Next Post