ألنظريات الموضوعية والذاتية حول القومية والأمة
      وهناك من يجمع هذه النظريات الثلاث المختلفة في مجموعتين من النظريات تحت تسمية النظريات الذاتية في الأمة والقومية والنظريات الموضوعية([1]).

أ-النظريات الموضوعية في القومية والأمة
   وتتضمن النظرية الألمانية حول وحدة اللغة والثقافة بالإضافة إلى جانب النظرية الروسية أو الستالينية في وحدة الثقافة والحياة الاقتصادية المشتركة. حيث يمثل كل من هردر و فيخته وستالين أبرز المناصرين والداعين لهذه النظريات (الموضوعية) في القومية، ويربط الموضوعيون الأمة بشكل مباشر بمجموعة من العوامل والمعطيات الموضوعية، وحسب آرائهم أن غياب هذه العوامل، يعني غياب وجود الأمة والقومية، ويربط فيخته وجود الأمة بوجود موضوعي أو وجود قانون موضوعي طبيعي خارج رغبة وإرادة الإنسان وهذا القانون قانون طبيعي ومقدس وخالد وأزلي، والأمة بذلك لا يتم إنشاؤها أو تشكيلها وإنما وجدت وتشكلت بصورة طبيعية خارج إرادة وقدرة الإنسان([2]).وباختصار يرى القائلون بهذه النظريات أن ولادة الأمة  وظهور القومية ليس أمراً تختاره الأمة بإرادتها، بل إنه نتيجة لتفاعل مجموعة من العوامل التي تلعب دورها، بوصفها مجموعة من الخصائص المشتركة التي توحد بين أعضاء الجماعة الاجتماعية من جهة، وتميزها عن غيرها من جهة ثانية وهذه الخصائص والعوامل تشمل وحدة الأصل، والتقاليد والقيم المشتركة ووحدة الإقليم، ويضيف البعض منهم عامل وحدة الدين أيضاً([3]).

ب-النظريات الذاتية
      ويرى أصحاب هذه النظريات، أن ولادة الأمة وظهور القومية أمر محكوم بامتلاكها لإرادة العيش المشترك التي على أساسها تقيم هذه الأمة ارتباطها وترسم لنفسها أهدافاً ومصالح مشتركة، تعمل من أجلها وتدافع عنها، ولذلك فإن ولادة الأمة لا تكون بفعل قوة وإرادة خارجة عنها، وإنما تكون فعلاً إرادياً ذاتياً تمارسه الأمة بوعي وإدراك كامل، وقد اعتمدت التجربة القومية الفرنسية على هذا التفسير([4]).    ويمثل هذه النظرية، (ارنست رينان)، أن أفكار أنصار النظرية الذاتية من الناحية التاريخية انعكاساً أو رد فعل لأفكار أنصار النظريات الموضوعية (هردر و فيخته و ستالين)، وتتضمن آراء الذاتيين أو أنصار الإرادة في تكوين الأمة والقومية نقطتين رئيستين هما أن الأمة ليس لها أساس من ناحية الأصل المشترك، والثانية أن الأمة ليست شيئاً أزلياً وخالداً، وإنما تتكون على أساس الإرادة والذكريات والآلام والاهتمامات المشتركة([5]).
    وهناك من يضيف التفسيرات الغيبية (الميتافيزيقية) لظهور القومية والتفسير المركب (الذاتي والموضوعي)، حيث يرى التفسير الغيبي الإلهي أن ولادة الأمة وظهور القومية مرتبط أولاً وأخيراً بإرادة الله، ومن هذه المقولات (شعب الله المختار)([6])، أما أنصار التفسير المركب (الذاتي الموضوعي) يؤكدون على ضرورة الجمع بين مضمون التفسير الذاتي (الإرادة) والتفسير الموضوعي (العوامل الموضوعية)([7]).
      ويصنف (نديم بيطار) هذه النظريات تصنيفاً ثنائياً تحت اسم (المفهوم الميتافيزيقي للقومية مقابل المفهوم السوسيولوجي للقومية)، ويقول بأن المفهوم الميتافيزيقي يحدد شخصية الأمم والثقافات المختلفة بجوهر أو تركيب نفسي- عقلي ثابت ينطلق منه بصرف النظر عن الأوضاع الاجتماعية،الاقتصادية التاريخية والفكرية التي تحيط به، فيعالج مستقبلها ونمط حياتها وكأن هذه الأوضاع غير موجودة أو دون أثر مهم في تغيير أو تعديل أو تحويل ذلك التركيب أو الجوهر، وخلافاً لذلك يذهب  ما يمكن تسميته بالمفهوم السوسيولوجي التاريخي الذي يرى أن الهوية القومية تعني في أحسن الحالات فقط طرق تفكير، وشعور وسلوك متماثل ومهيمن نسبياً، وتتغير مع حركة التاريخ وتحولاته الجذرية، فالهوية القومية حسب هذا المنظور هي هوية نسبية وتاريخية يحققها شعب ما عن طريق تفاعله أو علاقته الدياليكتية مع التاريخ ولا يرثها عن تركيب نفسي أو جوهر متأصل فيه([8]).      وبصورة عامة هناك من يسمي هذه النظريات القومية بـ(نظريات القوميين) في القومية أي أن أصحاب هذه النظريات كانوا أصحاب مشاريع بناء قومية ولم يكونوا أكاديميين ، وهي تصلح كمفهوم انطلقت منه الأفكار المختلفة عن القومية والحركات القومية، ولكنها لا تكفي لوضع إطار شامل لكل أبعاد قضية القومية، وللوصول إلى رؤية نقدية وموضوعية عن القومية لا بد من تجاوز هذه النظريات الحديثة، وصولا إلى النظريات القومية المعاصرة.

([1]) حسب تصنيف لـ(انتوني سميث) للمزيد من التصنيف ينظر:
Anthony D, Smith , National Identity , 1st edition , University of Nevada Press , USA , 1991.p19.

([2])، نقلاً عن: مه ريوان وريا قانيع، نه ته وه وناسيوناليزم، م.س.ذ، ص125.  
([3]) علي عباس مراد و عامر حسن فياض، الظاهرة القومية، م.س.ذ، ص90.
([4]) المصدر السابق، ص89.
([5]) مه ريوان وريا قانيع، نه ته وه وناسيوناليزم، م.س.ذ، ص140.
([6]) علي عباس مراد و عامر حسن فياض، الظاهرة القومية، م.س.ذ، ص89.
([7]) المصدر السابق، ص90.
([8]) نديم البيطار، حدود الهوية القومية (نقد عام)، ط1، دار الوحدة، بيروت-لبنان، 1982، ص ص15، 52.

Previous Post Next Post