هوية العراق بين (الوطنية والطائفية)

        أضحت الطائفية مفردة شائعة في الدراسات والأبحاث السياسية الخاصة بالعراق، إذ تستعمل لوصف ظاهرة أو كأداة للتحليل، وهي تحمل عند التخاطب رؤية استفزازية للطرف المقابل ومع هذا فإنها تكاد تكون السمة الغالبة على الواقع العراقي والتي لها انعكاساتها على الأصعدة السياسية والاجتماعية والثقافية وامتدت آثارها لتكون رافداً مهما من روافد  صنع الموقف السياسي ليس فقط في داخل العراق وإنما أيضاً لدى بعض دول الجوار إزاء العراق، وبالتالي تؤثرتأثيراً فعالاً في تشكيل وصياغة الهوية في العراق( ). وتعرف الطائفية بأنها تعصب لجماعة عضوية تتطلع إلى تحقيق مواقع سياسية واجتماعية أفضل في الدولة عبر تحالفات تتبنى طابعاً سياسياً أو حزبياً يتخذ من الانتماء الطائفي معياراً للمفاضلة والأهلية لتولي المسؤوليات والقيادات بصرف النظر عن الكفاءة( ).وعادة ما يميز الباحثين بين نوعين من الطائفية هما( ):
1.     الطائفية السياسية أو طائفية السلطة، والمقصود هنا هو أن تتبنى السلطة وتتمحور على أساس طائفي بما يخدم  الجماعة التي تنتسب إليها مجموعة الحاكمين والمرتبطين بالسلطة واعتماد للتميز الطائفي بحسب امتيازات وحقوق الطوائف الأخرى. وغالبا ما يتم التعبير عن طائفية السلطة بصيغ دينية في محاولة لإضفاء نوع من الشرعية على سلوكها السياسي.
2.     الطائفية الدينية: ويقصد بها تقسيم المجتمع إلى طوائف مذهبية أو دينية، وتتمحور كل طائفة على نفسها وتعصبها لذاتها، وإيجاد حواجز اجتماعية واقتصادية وأمنية لحفظ وجود هذه الجماعة، والسعي لإضعاف وانتقاص الجماعات الأخرى بكل الوسائل المتاحة. وقد تكون للسلطة يد في إثارة الطائفية الدينية وتأجيجها وذلك حسب مصالحها. وقد اقترنت الحالة الطائفية في العراق بأوجه مقيتة عرفها العراق على طول تاريخه السياسي بحكم معاناته من هذين النوعين من الطائفية.
ويعتقد (حسن العلوي) بأن الظاهرة الطائفية في العراق لا تخضع للقوانين الطائفية المعروفة في صراع الأديان والمذاهب مما يدعو للاعتقاد بوجود طائفية عراقية، بجناحيها الشيعي والسني، تختلف عنها في البلاد العربية والإسلامية الأخرى في طبيعتها واتجاهاتها وتركيبها( ). ومن هذا المنطلق يحاول (حسن العلوي) توضيح مفهوم الطائفية، ويؤكد على أنه من الطبيعي أن لا تعني الطائفية الانتماء المجرد إلى الطائفة، وإلا أصبح كل كائن بشري طائفيا بحكم ميله إلى طائفة أو تجمع بشري، ولا تعني الطائفية حق الإنسان في الدفاع عن جماعة البشرية ضد ما يصيبها من أضرار، والعمل على تأمين حياة كريمة للطائفة دون المساس بحقوق الطوائف الأخرى( ).
وهناك أيضا من يميز بين الطوائف (Sects) و الطائفية (Sectarianism)، فالمفهوم الأول يشير فقط إلى التنوع في المعتقدات والممارسات الدينية بين الإفراد أو المجموعات التي يتكون منها المجتمع، أما المفهوم الثاني (الطائفية) فهو يشير إلى استخدام هذا التنوع الديني لتحقيق أهداف سياسية أو اقتصادية أو ثقافية، مثل المحافظة على مصالح ومزايا مكتسبة أو النضال من اجل تحقيق مثل هذه المصالح والمزايا لزعماء أو أبناء طائفة معينة في مواجهة طوائف أخرى، وعندما تتخذ الطائفية هذا المعنى فإنها تستخدم الدين كوسيلة لتحقيق أهداف دنيوية، وطبقاً لهذا التعريف تتطابق المذهبية الدينية السياسية في أهدافها و وظائفها مع القومية أو العرقية( ).والطائفية السياسة ذات الصبغة الدينية هي ظاهرة موجودة في الحاضر وتعمل كرد فعل للأزمات السياسية والاجتماعية والثقافية في العالم الإسلامي.
    فإذا كانت الطائفة هي حالة اختيارية ينتمي إليها الناس أو أن الطائفة هي جماعة طوعية لا ينتمي إليها الأعضاء بالضرورة بحكم المولد، فهذا يعني أن الطائفة تختلف عن الطائفية، حيث إن الطائفية تستخدم التفرع الديني والعقائدي الذي تقوم عليهما الطائفة لتحقيق أهداف سياسية أو اقتصادية أو ثقافية، وخلاصة الأمر هنا أن التمييز الطائفي وليس الانتماء الطائفي هو الذي يجعل المرء طائفياً( ).ولا يتحول الفرد إلى شخص طائفي إلا حينما تحول قضية انتمائه من انتماء لطائفة إلى ولاء لها بشكل يؤثر على  الولاءات الأخرى المهمة لهذا الفرد مثلما يحدث حيث يتقدم ولاء لطائفته على ولائه الوطني، الأمر الذي يخلق مردودات سلبية على الدولة و مؤسساتها من حيث تنظيمها ومؤسساتها وإدارتها وبالتالي على هويتها.
     وإذ تعد الطائفية إحدى العوامل الأساسية التي تعرقل بناء هوية وطنية عراقية، فإنها تغلق الطريق أمام بناء الدولة العراقية( ). ومن ثم فإن " الجرح الطائفي في الهوية لا يكف عن النزيف جاعلاً من الوطن مبتغى للأحلام الطامعين إلى التوسع والاستحواذ على الامتيازات عن طريق احتكار السلطة في الدولة بالاعتماد على الطائفية"( ).
    ويعتقد احد الباحثين بأنه ليس جديداً القول بأن الحالة الطائفية قد هيمنت على الدولة العراقية الحديثة فكراً و سلوكا منذ تكوينها في مطلع القرن الماضي و حتى اليوم، ويحدد باحث آخر جملة من العوامل التي وقفت وراء ولادة وانبعاث هذه الحالة وتمثل تلك العوامل في( ).
1.     إن الاستعمار قد عمل بمرونة لاستغلال المسألة الطائفية أو على الأقل التقسيمات الطائفية في المجتمع العراقي لخدمة سياسياته، وغالباً ما اتخذ هذه الاستغلال الاستعماري للمسألة شكل تحالف مع طوائف الأقلية مستغلاً مشاعر الغبن القائمة لديها، أو الخوف أو عدم الأمان سواء كانت موهومة أو حقيقية، ضد الأكثرية، وذلك بتجنيد الأقليات ضد الأكثرية في أجهزة الدولة بشكل عام، الأمر الذي جعل التقسيمات الطائفية القائمة تتخذ طابعاً سياسياً جديداً ما زالت تجره وراءها.
2.     إن التنوع المذهبي الذي عرف به العراق قديما، بدأ يلعب منذ القرن التاسع عشر، دوراً مغايراً للأدوار السابقة، ففي هذا القرن أخذت عوامل تشكل القوميات بالنضوج، وبدأت تتضح أيضا مقدمات الانتقال من المجتمع القبلي المجزأ إلى مجتمع إقطاعي/ مركزي بشكل أكثر نضجاً. ومع اتخاذ الخطاب القومي في العراق طابعاً عنصرياً في فترة لاحقة ظهرت الطائفية بصورتها البشعة في كافة مفاصل الدولة العراقية.
3.     غياب الممارسة الديمقراطية في العراق مما أدى إلى بروز الحالة الطائفية فيه بعد أن هيمنت على المسرح السياسي في العراق الأنظمة الشمولية السلطوية الدكتاتورية التي اتجهت إلى تبني الحالة الطائفية نتيجة لضعف القاعدة الاجتماعي لها بسبب اعتماد على أقلية لا تمثل إلا جزء من الشعب تجمع عشائري أو طائفي أو ديني أو مناطقي أو سياسي أو كلها معاً. ويصبح النظام السلطوي في هذه الحالة منخوراً من الداخل بانقسام أهلي عصبوي تمتنع معه علاقة المواطنة، وهي علاقة تحتية وأساس في تشكيل الوحدة الوطنية وتحقيق التجانس الاجتماعي.وبغياب التجانس والوحدة يتأسس الكيان على تعايش حذر وأحيانا مغشوش بين جماعات مختلفة ومتباينة تعجز عن توليد ولاء أعلى يتجاوز حدود عصبيتها من جنس الولاء للنظام( ).ويتجه النظام لتجاوز ذلك إلى الاعتماد على الأجهزة المخابراتية والقمعية التي عادة ما تنمي إلى الطائفة التي تساند النظام أو تقف معه، الأمر الذي يدفع الطوائف الأخرى إلى الوقوف بوجه هذه الطائفة أو التصارع معها، ومن دون شك أن هذا التكريس للحالة الطائفية وعدم تجاوزها هو في حد ذاته صورة للعجز القائم في نظام غير عقلاني يحاول أن يحفظ بقاءه بين غير عاقلة، إن هذه العوامل وغيرها مجتمعة أسهمت في بلورة الحالة الطائفية في السياسة والمجتمع العراقيين بصورة أصبحت تنذر بالخطر الشديد على مستقبل العراق كدولة موحدة( ).
وعلى الرغم من ذلك هناك بعض من يصر على أن كل مظاهر أزمة الهوية في العراق من القبلية والعرقية والمذهبية إلى الطائفية مظاهر افرزها الاحتلال الأمريكي، حيث انطلقت الطائفية كباقي المؤسسات التقليدية والولاءات دون الوطنية أو فوقها كالعشائرية والقومية والإسلامية في العراق بعد التاسع من نيسان/ 2003، بسبب الفراغ الأمني والسياسي الذي ولده انهيار الدولة التي تأسست بعد الحرب العالمية الأولى. وجاء نشاط التشظي الطائفي موازياً لضعف مؤسسات الدولة والمجتمع المدني، لأن الاحتلال شجع الولاءات دون الوطنية وحفز حراك المجتمع وفق الأفكار الطائفية( ). ويقول باحث آخر أن الولايات المتحدة وعموم العالم الغربي قد مهدوا لتفكيك رموز الهوية العراقية وكانت أولى مهام الاحتلال في العراق استئصال الفكر الوطني ومفهوم المواطنة وتقسيم العراق على أسس المحاصصة الطائفية، وأول من تبني خطاب الانتقال من مفاهيم الوطنية إلى مفاهيم الطائفية هي إدارة الاحتلال الأمريكي ذاتها ليتبناها في ما بعد قادة العراق الجدد، ومن ثم وسائل الإعلام العربية والغربية، وتلا ذلك التركيز على مفردات شيعي وسني وكردي... الخ. التي لم تكن متداولة قبل الاحتلال في الخطاب السياسي، بل كانت مستهجنة( ).
ولكن باحثين آخرين يرفضون هذه الفكر بالكامل، ويؤكدون على أن الحديث عن الطائفية كوضع فرضته مرحلة ما بعد الاحتلال وسقوط النظام السابق، حديث غير دقيق، لأن الطائفية كانت ولا زالت واقعاً يتحكم بالتصورات والرؤى السياسية والاجتماعية والفكرية في العراق منذ بدايات وجود دولته الحديثة، فتلبست بلباس ديني تارة وقومي تارة و اجتماعي تارة أخرى( ). ويقول (ليورا لوكيتز):" في المراحل الأولية لتشكيل الدولة وقف عاملان أساسيان كعائق أمام تقبل الشيعة للدولة العراقية، العامل الأول كان الصراع التقليدي بين السنة والشيعة والمتسم بالعداوة الطائفية التي بدأت منذ قرون عديدة بداً بموضوع الصراع على الخلافة، وكان والعامل الثاني الصراع السياسي والاجتماعي بين المجتمع العشائري والمجتمع المدني"( ).وتعود صعوبة تحديد تأثيرات وتبعات هذين العاملين المتداخلين إلى صعوبة فصلها عن تأثيرات العامل الطائفي، ولعل من الضروري الذكر بأن شيعة العراق في هذه المرحلة المبكرة لم يكونوا ضد مفهوم الدولة العراقية كدولة، ولكنهم كانوا ضد صيغتها السنية، وعلى الرغم من أن العرب السنة والشيعة في العراق لهم هوية واحدة يحددها نظام ثقافي مستمد بالأساس من لغة عربية واحدة وتاريخ مشترك إلا أن النظام الاجتماعي الشيعي والظروف التاريخية التي ساهمت في تطويره عملا على بلورة الخلافات بين السنة والشيعة في العراق، ولعبت العادات والرموز والتقاليد الموروثة دوراً كبيراً في الحالتين في تحديد الهوية الجماعية. إن الأصل العربي الواحد للشيعة والسنة لا يعني أن الصراع بينهما هو فقط صراع على السلطة، حيث كانت للصراع بينهما بعد تأسيس الدولة العراقية الحديثة أبعاد أخرى إذ أن الشيعة كانوا يحبذون أن يكونوا شركاء مع السنة في عملية خلق هوية عراقية مستلهمة من الثقافة الشيعية أيضاً واحد أركان المقاومة الشيعية كان رفضهم التخلي عن القواعد التي تتحكم في قيم ثقافتهم وكذلك رفضهم الفكرة التي تزعم بأن العربي يعني السني، إذ لم يشعر الشيعة بأنهم اقل عربية أو عروبة من السنة، ويرفض الشيعة تقبل فكرة الدعوة إلى الأمة العربية الواحدة، السنية في الجوهر- التي كانت تؤدي عملياً إلى دعم الهيمنة السياسية السنية على العراق، حيث كانوا على دراية بأن السبب العملي وراء الدعوة العربية السياسية هذه هو إضفاء الشرعية على حكم السنة للشيعة( ).
ويعتقد (سمير خليل) إن القومية العربية متأصلة ليس فقط في الإسلام ، لكن في الطائفة السنية التي تضم الأغلبية الساحقة من المسلمين الذين يتكلمون اللغة العربية وإن التجربة الأولى للقومية العربية في العراق (1936_1941) تؤكد صلة الانجذاب التاريخي بين القومية العربية والمذهب السني ،فالسياسيون البارزون وضباط الجيش في مجملهم كانوا سنيين ،وإن الانجذاب أو التقارب الذي يشعر به الشيعة العرب تجاه إيران (هناك بعض الأماكن المقدسة في إيران) ، على النقيض  من التقليد السني والذي لسببه تجري العداوة بين الفرس والعرب مجراه العميق هذا ، تؤكد عدم التوافق أو التنافر بين المبدأ الشيعي والقومية العربية( ) . وكان من المحتمل والممكن أن تزول مخاوف الشيعة من طغيان الأكثرية السنية مع الوقت لو أتيح للقومية العربية أن تصبح قومية علمانية حقيقية في روحها وفي ولائها، فتحل محل الانقسامات الطائفية( ). إذ أن الوطنية العراقية الحقة تبنى على أساس المساهمة والمشاركة في الحقوق والواجبات لكافة مكونات العراق بما في ذلك مساهمة في بلورة هوية وطنية. ولكن ذلك لم يتحقق حتى يومنا هذا وبقيت الانتماءات دون الوطنية هي السائدة والمعرقلة لنشوء هوية وطنية مشتركة وجامعة لكل العراقيين.
هكذا بقي تطيف الدولة العراقية ظاهرة واضحة منذ نشأتها ويقول (على جواد كاظم وتوت) بأن "التطرف الاثنى الشوفيني كان يصاحبه ميول طائفية شديدة النزعة فالسمة السياسية الأكثر فاعلية في الدولة الحديثة في العراق كانت تطيفها السياسي، وذلك على الرغم من الإدعاآت القومية التي سادت الدولة العراقية، إلا أن الميل الطائفي كان هو الأكثر تأثيرا وخصوصاً في عملية اختيار الكوادر الدولة والجيش"( ). فمثلاً وعلى الرغم من العداء المعلن للأكراد فإنهم كانوا مفضلين على الشيعة العرب في مختلف المجالات المهمة وخصوصاً الجيش، وسواء كان حكام الدولة مدنيين أو عسكريين، علمانيين أو إسلاميين، فقد ظل هاجسهم الأول هو انتمائهم الطائفي. ويؤكد (حسن العلوي) أن الطائفية العراقية سياسية شبه محضة ذات علاقة بالسلطة( ). وبالتالي تبدى الطائفية في العراق في سياسة طائفية ومن مظاهرها( ).
1.     إن نسبة المشاركين في السلطة من الشيعة اقل بكثير من أبناء السنة على الرغم وان الشيعة يشكلون الأغلبية في العراق، ولا يمكن أن يكون السبب عزوف الشيعة عن السياسة- كما يحلو للبعض- أن يجد تبريراً له. ومشاركة الشيعة في السلطة بعد 9/4/2003 دليل على ضعف هذا التبرير.
2.     انتشار ثقافة طائفية وتداول مفاهيم ومصطلحات استفزازية لوصف الشيعة في العراق مثل مصطلح الشعوبية.
    ويقول (سمير خليل) "لقد استخدمت العديد من القوميين العرب علاوة على( ساطع ألحصري) هذه الكلمة غير الملائمة . إن الفكرة متشعبة في التاريخ العربي الإسلامي .... وأن ذكرها يجعل القومي العربي  محفوفاً أو مجاطاً بالشبهات والريبة "( ) . 
    وكما يقول (حسن العلوي) فإن الذي ينهض بمهمة التمييز الطائفي ينبغي أن يكون بمركز القوة أي أنه يمتلك امتيازات عامة قابلة للتوزيع فيتصرف في توزيعها بطريقة متحيزة، وطبيعي أن السلطة هي اكبر الامتيازات في الدولة الحديثة، والمعروف أن السلطة في العراق كانت متمذهبة، وحين تتمذهب السلطة فهذا يعني وجود مذهب حاكم ومذهب محكوم، الأول يملك الدولة- المؤسسات- الجيش – القانون- الخزينة – المركز، والآخر لا يملك إلا ما يعطيه المذهب الحاكم( ).
   إن التميز الطائفي أحد أشد أشكال التمييز في المجتمع البشري، وهو في درجة أوطىء من التمييز العنصري رغم قسوة الأخير و بشاعته ذلك أن التمييز العنصري يشترط لحصوله وجود عنصرين أو نوعين أو لونين من البشر، بينما يحصل التمييز الطائفي داخل النوع الواحد واللون الواحد، فهو حصل في العراق ولم يكن يجري بين عربي وغير عربي ولا بين مسلم وغير مسلم ولا بين عراقي وغير عراقي، لكن تطوراً دخل إلى التمييز الطائفي لتبريره يجعل العرب الشيعة فرساً أو إيرانيين ليتسنى إيجاد ركيزة كالتي يعتمدها التمييز العنصري( ).وإذا كان للسياسة دور بارز في إثارة النزعة الطائفية في العراق، فان آثارها تجاوزت السياسية إلى مجالات أكثر، وإذا كان بالإمكان التوافق على حل سياسي يقلل من الأثر السياسي السلبي للطائفية، فان من الصعب التقليل من آثارها السلوكية والشعورية والنفسية والاجتماعية السلبية، ومن الآثار السياسة الضارة للطائفية إنها ساهمت في إعاقة بناء الدولة العراقية والهوية الوطنية المشتركة بين العراقيين. فقد أصبح المعيار الطائفي الأكثر حضوراً في عملية بناء الدولة والحراك والنشاط السياسيين والمنافسة الحزبية والسياسية وحتى انه دخل في سياسات الدولة الرسمية (الخارجية والداخلية)، هذا فضلا عن آثاره السيئة على انتماء المواطن وولائه للدولة ومواقفه من سياساتها.
    ومن أسوءا آثار الطائفية تجذزها وتوسعها في الأوساط الاجتماعية العراقية وصولا إلى مرحلة القتل على الهوية بصورة عامة والهوية الطائفية بصورة خاصة التي تركت آثارا نفسية عميقة يصعب تجاوزها.
ولكن كل ذلك لا يعني استحالة معالجة الآثار السلبية للطائفية في العراق وتعذر تجاوزها وهيمنة قبولها والاستسلام لها، وإنما يتوجب على الجميع العمل على التصدي لها ومحاربتها و إلغاء دورها  بوضع حلول وصياغة مقترحات؛ يقترح (حميد فاضل حسن) مجموعة منها على المستويات السياسية والدستوية واقتصادية ومنها( ):

1.     الحلول السياسية وتتضمن:

‌أ-      نقطة الانطلاق في تجاوز الطائفية هي الإقرار بوجودها وعدم إنكارها ومواجهة حقيقة النظام الطائفي وكشف الستار عن مقوماته الاجتماعية وأصوله التاريخية.
‌ب-    إن الديمقراطية هي الضمانة الأساسية لعلاج مشكلة التمييز والاضطهاد الطائفي.
‌ج-     اعتماد مبدأ التوافق السياسي وتوسع المشاركة السياسية لجميع الأطياف المكونة للشعب العراقي. هذا بالإضافة إلى الحلول الدستورية المتمثلة في أن يتكفل الدستور العراقي والصياغات القانونية المتفرعة منه بتحديد الوسائل والأدوات الكفيلة بإزالة كل شكل من أشكال التمييز الطائفي التي أفرزنها الحقب السابقة. وتتمحور الحلول الاقتصادية بشكل أساس حول تحقيق التنمية الشاملة التي تغطي كافة أرجاء العراق.

وأخيرا إذا كانت الولادة الأولى للدولة العراقية في بدايات القرن العشرين قد جاءت من رحم ينوء بالطائفية التي نمت وتطورت مع نمو وتطور الدولة ذاتها، فعلى القائمين على رعاية شؤون هذه الدولة ومواطنيها أن يتجنبوا بعد ولادتها الثانية في مطلع القرن الحالي أخطاء السابقين، وان يعملوا على جعل عملية بنائها عملية وطنية مجردة من أية نزعات طائفية أو عرقية أو دينية عنصرية، لتكون الهوية العراقية الوطنية الواحدة هي الهدف أولا  وأخيرا، ولكن ليس على حساب أية مجموعة أو طائفة معينة.


Previous Post Next Post