مفهوم المنهج  الاستدلالي.
يعد المنهج الاستدلالي من بين مناهج البحث العلمي الأساسية والأصلية التي أسهمت من خلال قواعدها في إرساء أسس ومبادئ تسهل على الباحث سلوك أيسر السبل للوصول إلى الحقائق والأهداف المبتغاة، وعليه فمن خلال هذا العنصر سنحاول تعريف المنهج الاستدلالي وتحديد مبادئ الاستدلال وأدواته في الأجزاء التالية:
(1 تعريف المنهج الاستدلالي.
لمعرفة المنهج الاستدلالي يجب في البداية تحديد معنى الاستدلال ثم توضيح معنى النظام الاستدلالي.
أ) معنى الاستدلال.
يعرف الاستدلال بأنه (البرهان الذي يبدأ من قضايا مسلم بها ويسير إلى قضايا تنتج عنها بالضرورة، دون الالتجاء إلى التجربة، وهذا السير قد يكون بواسطة القول أو بواسطة الحساب). كما يعرف بأنه (عملية عقلية يبدأ بها العقل من قضايا يسلم بها، ويسير إلى قضايا أخرى تنتج عنها بالضرورة).
والاستدلال وإن كان ميدانه الأصلي علم الرياضيات، فإن تطبيقاته لا تقتصر على هذا العلم فحسب، بل تشمل سائر العلوم الأخرى، فالقاضي مثلا يعتمد على الاستدلال في البحث عن الحل القانوني للقضية، فهو يستدل اعتمادا على ما لديه من نصوص. وفي الميدان التجاري والاقتصادي يستدل المضارب وفقا للمعروض والمطلوب من الأوراق المالية.
لتحديد مفهوم الاستدلال يجب التفرقة بينه وبين البرهنة فالاستدلال هو الانتقال من قضايا إلى قضايا أخرى ناتجة عنها بالضرورة وفقا لقواعد منطقية، أما البرهنة فهي أخص من الاستدلال، إذ تدلنا على صدق النتائج لأنها تقوم على التسليم بصدق المقدمات،أما الاستدلال فهو يدلنا على صدق المقدمات انطلاقا من صحة النتائج المتوصل إليها، فالبرهنة إذا هي جزء من الاستدلال نستعملها في حالة الحاجة إلى إثبات صدق النتائج. 
ب) معنى النظام الاستدلالي.
يقوم النظام الاستدلالي على المبادئ والنظريات، فالعملية الاستدلالية تبدأ من نظريات ومبادئ مستنتجة منها منطقيا وهذه الأخيرة تكون مقدمات لنظريات ومبادئ أخرى، وهكذا يتشكل نظام الاستدلال.
2( مبادئ الاستدلال.
مبادئ الاستدلال هي القضايا الأولية غير المستنتجة من غيرها، لذا تعتبر نقطة البداية في كل استدلال، ويقسم رجال المنطق مبادئ الاستدلال إلى ثلاثة مبادئ هي: البديهيات ـ المسلمات ـ التعريفات.
أ‌)     البديهيات.
تعرف البديهية بأنها (قضية بينة بذاتها، وليس من الممكن أن يبرهن عليها وتعد صادقة بلا برهان عند كل من يفهم معناها) من خلال هذا التعريف يتبين أن البديهية تمتاز بالخصائص التالية:
1)   أنها بينة نفسية أي تتبين للعقل تلقائيا دون الحاجة إلى برهان.
2)   هي أولية منطقية أي أنها غير مستنبطة من غيرها.
3)    هي قاعدة صورية عامة، لأنها تقبل من كافة العقول ولا تخص فرعا واحدا من العلوم.
ب) المسلمات ( المصادرات).
المسلمة هي (فكرة يصادر على صحتها ويسلم بها تسليما، مع عدم بيانها بوضوح للعقل، ولكننا نتقبلها نظريا لفائدتها ولأنها لا تؤدي إلى تناقض ومنه يتبين لنا أن المسلمات أقل يقينا من البديهيات.
ج) التعريفات.
التعريف تعبير عن ماهية الشيء المعرف بمصطلحات مضبوطة بحيث يصبح التعريف جامعا مانعا، يجمع كل صفات الشيء ويمنع دخول صفات أوخصائص خارجة عنه وهو قضية أولية تبنى من خلاله كل الاستدلالات التي توصل إلى نتائج غير متناقضة مع العلم والواقع، وهو على خلاف البديهيات والمسلمات لا يعتبر قضية عامة ومشتركة، فهو يخص الشيء وحده دون غيره.
3( أدوات الاستدلال.
تقتضي العملية الاستدلالية أدوات معينة يستخدمها الباحث لاستخراج النظريات والمبادئ من القضايا الأولية أو المقدمات، وهذه الأدوات هي:
أ‌)     البرهان الرياضي.
هو عملية منطقية تنطلق من قضايا أولية صحيحة إلى قضايا أخرى ناتجة عنها بالضرورة وفقا لقواعد منطقية خالصة، ويصفه العلماء بأنه مبدع وخلاق لأن النتائج المتوصل إليها لم تشتمل عليها المقدمات لا ضمنيا ولا صراحة، فهو يأتي دوما بحقيقة جديدة.

ب) القياس.
هو عملية منطقية تنطلق من مقدمات مسلم بصحتها، ويصل إلى نتائج غير مضمون صحتها، فهو عبارة عن تحصيل حاصل، وتكون النتائج موجودة في المقدمات بطريقة ضمنية.
ج) التجريب العقلي.
هو قيام الباحث داخل عقله بكل الفروض والتجارب التي يعجز عن القيام بها في الخارج، وهو يختلف عن المنهج التجريبي الذي يعتمد على الملاحظة والفرضية والتجارب الخارجية المادية، بينما في التجريب العقلي التجارب تكون داخل العقل فحسب.
د) التركيب.
هو عملية منطقية علمية تنطلق من مقدمات صحيحة إلى نتائج معينة وهذه المقدمات الصحيحة ناتجة عن عملية استدلالية منطقية فيتم التأليف بين هذه النتائج للوصول إلى نتائج أخرى هكذا.
ثانيا: نطاق تطبيق المنهج الاستدلالي في مجال العلوم القانونية.
كانت أكثر تطبيقات المنهج الاستدلالي أثناء سيادة العقلية التأملية على العلم منذ عصر اليونان، وبعدها طبق هذا المنهج في الدراسات القانونية حيث كان الارتباط شديدا بين الفلسفة والقانون، وكان ينظر إلى القانون على أنه علم ثابت وجامد ولهذا كانت كل الدراسات تنطلق من مبادئ ثابتة تأخذ شكل المصادرات وهي في أغلبها قواعد عقلية، ومن بين الدراسات التي طبق فيها المنهج الاستدلالي تفسير أصل وغاية الدولة والقانون وظاهرة السلطة والأمة وظاهرة الجريمة والديكتاتورية والديمقراطية والثورة. وبالتالي فقد أسهم المنهج الاستدلالي في بناء العلوم القانونية ومازال يطبق بشكل كبير فيها وسنتناول فيما يلي كيفيات تطبيقه على المستوى القضائي وعلى المستوى التشريعي.
1( تطبيق المنهج الاستدلالي في مجال القضاء.
يتلخص دور المنهج الاستدلالي في القضاء في إرشاد القاضي لحل النزاع من خلال حكم قضائي يكون نتيجة لعمليات استدلالية منطقية يقوم بها القاضي بدأ من تكييف الوقائع إلى غاية إصدار الحكم.
أ) دور المنهج الاستدلالي في تكييف المسألة محل النزاع.      
يتم التكييف من طرف القاضي من خلال البحث حول ما إذا كانت المسألة مسألة وقائع أو مسألة قانون وأثر التفرقة مهم، لأن رقابة محكمة النقض تكون فقط على المسائل القانونية من دون المسائل الواقعية، وعليه فالقاضي يطبق القياس لتكييف المسائل المعروضة عليه.
ب) دور المنهج الاستدلالي في حل النزاعات القانونية.
وهنا نبحث كيفية اعتماد القياس المنطقي كمنهجية معتمدة في حل النزاعات القانونية.وهنا يتم بناء القياس على النحو التالي:
مقدمة كبرى: وهي المبدأ القانوني .
مقدمة صغرى: وهي الوقائع المادية,
النتيجة : وهي الحكم أي تطبيق المبدأ القانوني على الوقائع المادية وهذه الطريقة في القياس تسمى بـ القياس الاقتراني الحملي.
2( تطبيق المنهج الاستدلالي في مجال التشريع.
يستعين المشرع في إصدار التشريعات الجديدة بالمنهج الاستدلالي  فينطلق من القواعد القانونية كمقدمات كبرى ليصل إلى قواعد أخرى عن طريق القياس فيمنع فعلا ما انطلاقا من منعه لفعل أخر منصوص عليه كلما كان للمنع نفس السبب أو العلة والمثال على ذلك هو منع التعامل بالمخدرات انطلاقا من مقدمة كبرى تتمثل في منع كل الأشياء التي تذهب العقل وتمنع الإدراك.
3( تقدير تطبيق المنهج الاستدلالي في مجال العلوم القانونية.
لقد وجه العلماء انتقادات كبيرة لتطبيق المنهج الاستدلالي في مجال العلوم القانونية وأهم هذه الانتقادات ما يلي:
ـ الأول موجه للمبادئ التي يقوم عليها المنهج الاستدلالي وهي البديهيات والمسلمات والتعريفات، وهي كلها قضايا لا يمكن البرهنة على صحتها.
ـ  والثاني تطبيق المنهج الاستدلالي لا يخدم العلوم القانونية لأن هذه الأخيرة علوم إنسانية تدرس ظواهر سلوكية وتحاول تقويمها على ما يجب أن تكون عليه من سلوك والظاهرة السلوكية تمتاز بالديناميكية وتحتاج إلى منهج يستطيع التكييف.
وأهم المنتقدين هم التجريبيين وعلى رأسهم (فرانسيس بيكون)، والذين دعوا إلى ضرورة إخضاع الظاهرة السلوكية للمنهج التجريبي لأنه يستطيع أن يدرس الظاهرة واقعيا ويقنن لها ما يضبطها من قوانين.
وبالرغم من النقد القوي الذي وجهه أصحاب المناهج الأخرى وبالخصوص التجريبيين إلى المنهج الاستدلالي فهو لا ينقص من دوره في الدراسات القانونية.
خلاصة القول أن المنهج الاستدلالي يعد من بين المناهج الأساسية التي تعتمد عليها الدراسات القانونية وعلى وجه الخصوص مجال القضاء والتشريع من خلال استخدام أدوات القياس لحل القضايا والتوصل إلى نتائج واقعية.


مواضيع ذات صلة
المنهج الاستدلالي.
المنهج الاستدلال
المنهج الاستدلالي
انواع المنهج الاستدلالي
خطوات المنهج الاستنباطي
بحث حول المنهج العلمي
المنهج الاستقرائي
المنهج الاستقرائي
المنهج التحليلي


Previous Post Next Post