مفهوم الشعب، الجنسية، العرق، الإثنية، الوطنية
1- الشعب والجنسية
   يشير مفهوم الشعب (People) إلى جمهرة من المواطنين الذين يتمتعون بالأهلية القانونية والسياسية، خلافا لمفهوم (الأمة) الذي يشيرإلى كل أعضاء  الجماعة الذين يشعرون بوحدة الانتماء، ويعتبر في الشعب الوقت الراهن عنصراً رئيساَ من عناصر تكوين أية دولة حديثة،من حيث إن الشعب هو العنصر البشري (الإنساني) في تكوين الدولة الحديثة. هكذا يكون الشعب هو مجموع المواطنين الذين يربطهم بدولة ما عنصر الجنسية، بغض النظر عن (العرق أو الأصل أو الدين)( ). واصطلح الألمان على تسمية الانتساب إلى الدولة بكلمة (Nationalitat) والانتساب إلى الأمة بكلمة (Volkstum)( ) وللجنسية (Nationalite- Nationality)، مدلول قانوني وسياسي، وهو الانتماء إلى دولة، تحدده معايير قانونية وسياسية خاصة بهذه الدولة. وإذا يستخدم مصطلح الجنسية لبيان العلاقة القانونية الأولية القائمة بين الفرد والدولة ، فستكون الجنسية إحدى الخصائص القانونية التي تميز الإنسان بوصفه مواطنا في دولة ما عن غيره من مواطني البلدان الأخرى وهي إحدى عناصر هذه الشخصية مثل الاسم والذمة المالية والوطن أو المنشأة، وبما أن الجنسية هي علاقة قانونية سياسية بين الفرد والدولة، فإن جوهرها يتلخص في فرض الدولة سيادتها على ركن من أركانها (شعبها) بحيث يصبح الفرد بموجب ذلك عضواً في شعب الدولة، ولابد لقيام الجنسية من توفر ثلاثة أركان (وجود دولة أي سلطة ذات سيادة على شعب بإقليم معروف محدود) و(وجود فرد أو أفراد يتلقون الجنسية من الدولة) و(وجود علاقة بين الفرد والدولة)( ).
      ويرتبط المفهوم القانوني للجنسية بتطور الدولة-الأمة، وبالعودة إلى فكرة المواطنية التي يؤازرها هذا التطور باسم شرعيتها القائمة على أولية السيادة الشعبية ،والمواطنية       (Citizenship) قانونياً هي التمتع بالحقوق المرتبطة بالجنسية ( ) ، وهذا المفهوم مرتبط بالديمقراطية. ويقول (عبد الرحمن البزاز) ان الانتماء إلى الجنسية هو انتماء قانوني ولايشترط على كل من يحمل جنسية معينة أن يكون منتمياً إلى نفس القوم أو الأمة( ).

2- العرق والإثنية
      يشير مصطلح(العرق Race) أو العنصر إلى مجموعة من الأفراد من النوع البشري، يمكن تمييزها على أسس بيولوجية وراثية، وكان المصطلح يُطلق سابقاً على أفراد يتشابهون في أشكالهم الخارجية ولكنه اقتصر في الوقت الراهن على أفراد يملكون نسبة معينة من الصفات الوراثية، مثل لون البشرة والشعر ونوعه وشكل الجمجمة ولون العيون وطول القامة وغير ذلك، أعلى من النسبة التي يملكها آخرون من النوع نفسه ويعنى هذا أن العنصر أو العرق ليس غير جماعة من الأفراد تشيع بينها صفات طبيعية معينة أكثر من شيوعها بين غيرها من الجماعات، ولذا فأن العنصر و كما أجمع فريق كبير من العلماء الانثروبولوجيون في اجتماعهم في باريس عام (1950م) بإشراف اليونسكو لدراسة العنصر ومعضلاته، ليس أكثر من وسيلة للتصنيف أو إطار ترتب داخله المجموعات البشرية المختلفة( ).وقد يفرز العرق أو العنصر وعياً وشعوراً عنصرياً، ويؤدي إلى حركة قومية على أسس عنصرية، ويتضمن ذلك الشعور بتفوق عنصر ما وسموه على الآخرين. ووجدت مثل هذه الحركات القومية العنصرية المعتمدة على آراء مفكرين ومنظرين قوميين عنصريين مثل النازية والفاشية( ). فعلى سبيل المثال، في مقال لـ(جوزيف آرثر دو جوبينو) بعنوان (فصل المقال في اللاتساوي بين الأجناس البشرية)، يؤكد الكاتب على فكرة وجود جنس (عرق) يضم كائنات كاملة منحت العالم كله معرفته( )، ويعتقد جوبينو بأن آريا في السنسكريتية تعني الرجل الشريف، وأن الجنس الأبيض فقد خصائصه الأصلية بسبب عملية تهجين السلالات"( ).
      أما (الإثنية- Ethnicity)، فإنه مفهوم متعدد المعاني و يفتقد إلى الدقة، ويعرفها (انتوني غدنز) بأنها القيم والمعايير الثقافية التي تميز جماعة عن جماعة أخرى، وتتسم الجماعة الإثنية بوعي أفرادها وإدراكهم لهوية واحدة تفصلهم عن الجماعات الأخرى المحيطة بهم"( ). و(الإثنية Ethnicity) مشتقة من (Etnicus) اللاتينية، وتعني جماعة بشرية( )، وهناك من يقول بأنه تمت صياغة مصطلح الإثنية تمييزاً عن مصطلح العنصر أو العرق( )، إذ يوحي استخدام مصطلح العرق بدلالات ومعانٍ سلبية عنصرية ضيقة قائمة على أصول بيولوجية ثابتة، بينما يحمل مفهوم الإثنية معنى اجتماعياً يشير إلى مجمل الممارسات الثقافية والنظرة التي تمارسها وتعتنقها جماعة من الناس، وتتميز بها عن الجماعات الأخرى ويعتقد المنتمون إلى جماعة إثنية أنهم يتميزون من الوجهة الثقافية عن الجماعات الأخرى، ومن أبرز عناصر التمييز بين الإثنيات هي  اللغة والعادات والتقاليد (الثقافة بصورة عامة)، وقد تلعب السلالات (سواء كانت حقيقية أو متخيلة) دوراً في التمييز بين الإثنيات، والفوارق الإثنية هي مما يجري تعلمه واكتسابه في سياق اجتماعي، وليس ثمة جانب فطري أو غريزي فيها فهي كلها ظاهرة اجتماعية خالصة يجري إنتاجها وإعادة إنتاجها على مر الزمن( ).وهناك من يعتقد بصعوبة الفصل والتمييز بين الإثنية وكل من (الأمة والقومية) كما يقول (ديفيد ميللر David Miller)، بأن القومية والإثنية عبارة عن مجموعة من الناس متوحدة معاً بواسطة خصائص ثقافية مشتركة، ومع ذلك لا توجد حدود فاصلة واضحة بين القومية والإثنية"( ). ويضيف أيضاً، أن جماعة إثنية معينة عبارة عن جماعة تشكلت عبر التاريخ، وتشترك في خصائص ثقافية (اللغة والدين.. الخ)، ولذلك فإن الإثنية إن لم تكن هي القومية، فإنها مصدر محتمل لها بصورة مستمرة أي الإثنية هي قومية جنينية وخاصة عندما تشعر مجموعة إثنية معينة أن هويتها الإثنية مهددة بالزوال( ).
      وعلى هذا الأساس فإن هناك تصنيف للنظريات القومية إلى نظريات قائمة على الأساس الإثني، كما هو الحال مع النظريات الألمانية التي تعتبر وحدة الثقافة ووحدة اللغة هي الأساس في تحديد الأمة والقومية،و نظريات قومية تعتمد على المواطنة أو حرية الإرادة في الانتماء القومي بغض النظر عن الأصل والإثنية واللغة، مثل النظرية الفرنسية( ). وهناك من يعتبر الأمم المعاصرة امتداداً للإثنيات القديمة( )، ولكن (تودوروف)، يميز بين الإثنية والقومية، بأن الإثنية هي كيان ثقافي اجتماعي، ولكن (القومية أو الأمة) هي كيان سياسي وثقافي في آن واحد، وهذا ما يؤدي ببعض الباحثين إلى التمييز بين نوعين من القومية، هما القومية المدنية السياسية القائمة على تعاقد سياسي مدني دستوري، وهي القومية والوطنية، وفي مقابلها القومية الثقافية، القائمة على أسس إثنية( ).ونخلص مما تقدم إلى القول بأن الأمة هي وجود سياسي، قد يعتمد على أسس تعرف بالإثنية وقد تتجاوزها وتكون أكثر شمولية منها، والإثنية وجود جماعي (اجتماعي وثقافي)، قد يتحول إلى وجود سياسي ويصبح قومية.

3)- الوطنية Patriotism:
      الوطنية من الوطن (Patria)،وهي مشتقة من (Patria) اللاتينية، وفي البدء لم تكن تدل على (الدولة) بالمعنى الحديث، بل تدل على الأبرشية والأسقفية التي تقدم إطاراً إدارياً، والأسقف فيها والد الوطن (Pater Patriae) هو الرئيس، وتحولت سلطته إلى سلطة زمنية على إقليم محدد، هذه الكلمة ستكون البلد- الوطن (Pays أو Patria)( ). ويوضح لنا (ساطع الحصري) بالتفصيل الفرق بين الوطن- الوطنية وبين (الأمة والقومية) فيقول بأن الوطنية هي حب الوطن، والقومية هي حب الأمة (القوم) والشعور بالارتباط الباطني نحوها( ).ويضيف (الحصري) بأن الوطن هو قطعة من الأرض، والأمة هي جماعة من البشر، وبناءً على ذلك الوطنية هي ارتباط الإنسان بقطعة من الأرض، والقومية هي ارتباط الإنسان بجماعة من البشر (الأمة)، وهناك تداخل بينهما أساسه أن حب الوطن يتضمن أيضاً حب المواطنين الذين ينتمون إلى ذلك الوطن، مثلما أن حب الأمة يتضمن في الوقت نفسه حب الأرض التي تعيش عليها تلك الأمة، وهما يرتبطان بالدولة، إذ أن الدولة توصل بين الأمة وبين الوطن، ولكن هذا الارتباط  حسب اعتقاد (الحصري) لا يكون على نمط واحد في كل الدول وفي جميع الأدوار في التاريخ، بل أنه يلبس أشكالاً متنوعة فيختلف بين أمة وأمة، وبين دور ودور، و(الحصري) يشير إلى الأدوار التالية:- ( )
1)   إن الأمة قد تؤلف دولة واحدة مستقلة لها علم خاص وحكومة وجيش، فالأرض التي تسود عليها تلك الحكومة، تكون وطناً للأمة بأجمعها، فيشترك جميع أفراد الأمة وجميع تابعي الدولة في ذلك الوطن وبتبجيله وخدمته. وفي هذه الحالة تنطبق الوطنية على القومية تمام الانطباق ولاتختلف مطالبها عن مطالب القومية اختلافاً فعلياً، فيكون الوطن مجموع الأراضي التي تعيش عليها الأمة، وتدير سياستها الدولة، والوطنية تماثل القومية تمام المماثلة ولا تعارضها أو تخالفها بوجه من الوجوه.
2)   إن الأمة الواحدة تؤلف دولاً عديدة كل واحدة منها مشتغلة بنفسها، وفي هذه الحالة توجد لكل دولة من الدول وطنية خاصة بها، وتسعى إلى تقوية هذه الوطنية بكل قواها، بينما القومية تتجاوز حدود هذه الدولة المفترقة، وتسعى إلى ربطها جميعها برباط معنوي عام، تسعى إلى توحيد كل الدول، وتوليد وطنية جديدة موحدة، فإذن في هذه الحالة القومية أوسع من الوطنية.
3)   إن الأمة الواحدة محرومة من دولة خاصة وتابعة لدولة أجنبية عنها، وفي هذه الحالة، تفرض الدولة الحاكمة على جميع أفراد الأمم الخاضعة لها (وطنية عامة واسعة النطاق)، وتطلب منهم أن يرتبطوا بها وبسائر الأمم الخاضعة لها برباط هذه الوطنية، أما القومية في هذه الحالة فتعارض ذلك، وتولد في نفوس الأفراد نزوعاً إلى الاستقلال والانفصال عن الدولة المذكورة، وتجعلهم يطالبون بالانفصال والتحرر عن الدولة والأمة الحاكمة، وتسعى وراء تكوين دول خاصة بهم، فيحدث الخصام والنزاع بين الوطنية والقومية، فتكون أهداف القومية أضيق من أهداف ومطامح الوطنية.
4)   إن الأمة الواحدة قد تكون محرومة من الاستقلال، وفي الوقت نفسه مجزأة وموزعة بين عدة دول أجنبية عنها، ومن الطبيعي أن كل دولة من هذه الدول الحاكمة، تفرض على جزء الأمة الخاضع لها والآخرين داخل دولتها، وطنيتها هي، وتعمل على ربط أفرادها برباط هذه الوطنية، ولكن القومية في تلك الأمة المجزأة تعارض ذلك معارضة شديدة، وتحمل جميع أفراد الأمة المجزأة في جميع الأقسام المذكورة على مقاومة الحالة الراهنة وذلك بالسعي للاستقلال عن جميع الأمم أو الدول المسيطرة عليها، وبالاتحاد فيما بينها من جهة أخرى، لتكوين دولة قومية جديدة تجمع انقسام الأمة المجزأة  تحت لواء واحد وعلى أرض وطنية وقومية خاصة.
وقد تتداخل هذه الحالات مع بعضها البعض، وهنا تعني الوطنية الانتماء والولاء للدولة أو لأرض الدولة، ولكن القومية تعني الانتماء للأمة (جماعة بشرية).هذه الآراء قد تكون صحيحة بالنسبة لبعض الأمم والدول أو وفق بعض النظريات القومية، ولكن لا يمكن تعميمها بالمطلق، لأنه كما أشرنا سابقاً إلى آراء الباحثين حول القومية، بأنه لكل أمة وقومية تجربة خاصة بها، فعلى سبيل المثال هذه الآراء تكون صحيحة إذا اعتبرنا أن تكوين الأمة يسبق تكوين الدولة، وان الدولة هي من خلق وإنتاج الأمة عبر حركة قومية، ولكن بالعودة إلى التجارب التاريخية وحسب آراء الباحثين، ليست هذه هي الحالة في كل التجارب، فيقول (فالح عبد الجبار) بأن الإنكليز والفرنسيين قد شرعوا في بناء دولتهم القومية وفق التسلسل الآتي: (دولة --> أمة --> نزعة قومية --> نظريات)، ولكن الألمان والطليان وآخرون، قلبوا العملية إلى (نظريات --> قومية --> أمة --> دولة)( ).إذاً قد تتوافق القومية مع الوطنية إذا كانت الأمة هي الشعب، أي بمعنى آخر إذا استطاعت أمة ما أن تؤسس دولتها المستقلة لوحدها،بحيث تكون (الأمة=شعب) و(الوطنية=القومية)، أو إذا كانت نظرية القومية مبنية على أسس الإرادة والتعاقد السياسي بين مجموعة بشرية معينة بغض النظر عن الاختلافات (العرقية والدينية والطائفية والمذهبية والإثنية واللغوية والثقافية)، فعندها تصبح أيضاً (الشعب=الأمة) والوطنية هي القومية. ولكن إذا كانت النظرية القومية مبنية على أسس ثقافية وإثنية، ولم تحقق الأمة استقلالها السياسي في دولتها، فعندها لا يتوافق الشعب مع الأمة، والوطنية مع القومية. لذا نرى من الضروري استعراض النظريات الحديثة والمعاصرة المختلفة حول القومية.

Previous Post Next Post