الامن السلم الاجتماعي
تعريف السلم الاجتماعي
السلم الاجتماعي
السلام الإجتماعي
السلم الاجتماعي في الاسلام
السلم الاجتماعي
السلم الاجتماعي مقوماته وحمايته
السلام الاجتماعي في
السلم المجتمعي
أهمية السلم والأمن الإجتماعي
السلم الإجتماعي: مقوماته وحمايته
مقومات الأمن الاجتماعي في الإسلام

يقرر الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) في حديث هو من جوامع كلمه البديع والمدرك بإعلام الله لاحتياجات الإنسان الأساسية، بأن  نعمة الأمن والصحة والغذاء عندما يحوزها الإنسان، فإنه يكون في غنى عن أي شيء غيرها، وكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها.
وقد ذكر النووي الحديث الذي يقرر هذا المعنى في ( باب فضل الجوع وخشونة العيش، والاقتصار على القليل من المأكول والمشروب والملبوس وغيرها من حظوظ النفس، وترك الشهوات )، والذي يرويه عبيد الله بن محصن الأنصاري ( رضي الله عنه ) قال: قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ): ( من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها ). 
فمتى انعدم الأمن وهو أولى حقوق الإنسان، فإنه لا استمتاع للإنسان لا بنعمة الصحة التي قد يفقدها بسبب انعدام الأمن، ولا بما يتحقق له من توفر قوت يومه، وهو الأمن الغذائي، وبذلك يكون الأمن الاجتماعي والسلم الأهلي في أعلى مراتب درجات حقوق الإنسان التي ينبغي أن تتحقق له على أرض الواقع في مجتمعه.

الخلفية التاريخية

         إن مفهوم الأمن الاجتماعي وإن انتشر استخدامه في المجتمعات الإنسانية الحديثة نتيجة للتطورات الاجتماعية التي انعكست على العلاقات الاجتماعية، وعلى علاقة الفرد بالمجتمع، والمواطن بالدولة، وما ترتب على ذلك من تقنين الحقوق الإنسانية في مواثيق قومية ودولية، إلا أن الأصول التاريخية للأمن الاجتماعي ترجع إلى  عصور سابقة، حيث حاول العديد من الفلاسفة والمفكرين القدماء وضع تصوراتهم الفكرية عن المجتمع الفاضل، والأسس التي ينبغي أن يقوم عليها، والقواعد التي ينبغي أن تحكم علاقات الناس بعضهم البعض، ومن أشهر ما كتب في ذلك كتاب ( الجمهورية ) لأفلاطون، و ( المدينة الفاضلة ) للفارابي، و ( تهذيب الأخلاق )                لابن مسكويه، و ( أدب الدين والدنيا ) للماوردي، و ( العقد الاجتماعي ) لروسو، حيث تم في الدراسات الحديثة استعراض ما يتصل بالعلاقة بين السلطة والأفراد، كما تعددت فيها الآراء حول مفهوم الأمن الاجتماعي.
         إن مفهوم الأمن الاجتماعي يتمثل في أقصى إشباع ممكن لاحتياجات الجماهير في إطار العدالة الاجتماعية التي تنبذ الصراع بين فئات المجتمع، وتوفر المناخ الملائم لكي يعيش المجتمع في إطار مقبول من التقبل والتعاون والشعور بالأمن والسلام الاجتماعي، الأمر الذي يؤدي إلى ترتيبه الولاء والانتماء للمجتمع، آخذين بعين الاعتبار تحقيق التوازن بين استمرارية هذه الإشباعات، وما تفرضه عوامل التغيير الاجتماعي من تحوّلات جذرية.

ثانيا: دلالة وأبعاد المفهوم

إن السلم الأهلي والأمن الاجتماعي ذا دلالة واحدة تعني الرفض على الدوام لكل إشكال التقاتل، أو مجرد الدعوة إليه أو التحريض عليه، أو تبريره، أو نشر ثقافة تعتبر التصادم حتميًا بسبب جذورية التباين، والعمل على تحويل مفهوم الحق بالاختلاف إلى إيديولوجية الاختلاف والتنظير لها ونشرها. ويعتبر أيضا إعادة إنتاج لحرب أهلية التشكيك في جوهر البناء الدستوري  ومواثيقه وحظوظ نجاحه في الإدارة الديمقراطية للتنوع. ويعني السلم الأهلي الدائم إيجابا العمل على منع الحرب الأهلية في المجتمع.
         وينطلق العمل في سبيل إرساء الأمن الاجتماعي الدائم من قاعدة اختباريه معايشه وعملية، وهي أن الحرب الأهلية أو الداخلية في المجتمع هي الشر المطلق، وذلك أيا كانت الأهداف أو القضية التي تتلبّس بها هذه الحرب أو تسعى للدفاع عنها؛ وذلك لأن هذا النوع من الحروب في الواقع الدولي هو مصدر شرور أخرى داخلية وإقليمية ودولية، فتتحول الحرب الأهلية إلى حرب من أجل الآخرين. 
                وإذا كان الأمن الاجتماعي والسلم الأهلي يعنيان رفض كل أشكال التقاتل أو حتى التعبير عنها، فإن مفهوم الانفلات الأمني يقصد به مجموع أعمال العنف التي تقع داخل المجتمع، وينجم عنها أضرار بحقوق المواطنين، وعلى وجه الخصوص حقهم في الحياة والسلامة الجسدية وحماية ممتلكاتهم، والتي يرتكبها أشخاص ينتمون إلى الأجهزة المكلفة بإنفاذ القانون، أو يحسبون عليها، أو من قبل مجموعات مسلحة محلية، هذا بالإضافة إلى الأحداث التي يقوم بها مواطنون، وتندرج عادة ضمن مستوى الجرائم العادية، لكن السلطات المختصة تمتنع عن القيام بأعمال من شأنها منع وقوع مثل هذه الجرائم، أو تمتنع عن ملاحقة مرتكبيها وإحالتهم إلى العدالة.
واجتماعياً: فإن انتشار اللاتسامح والفوضى والعنف يعني فرض نمط حياة معينة، وذلك بغض النظر عن التطورات العاصفة التي شهدها العالم لأنماط متنوعة، مختلفة، متداخلة، متفاعلة، وأحياناً يتم التخندق بسلوك وممارسات عفا عنها الزمن، والتي أصبحت من تراث الماضي" كنموذج الاقتتال العشائري والثار  إلخ".
وثقافياً: فإن العنف والفوضى واللاتسامح يعني التمسك بالقيم والمفاهيم القديمة والتقليدية ومحاربة أي رغبة في التجديد، أو أي شكل أو نمط للتغير، وإزاء الانغلاق والفوضى والعنف وعدم التسامح الذي يسود مجتمعا ورغم بعض الإرهاصات الجادة هنا وهناك في مجتمعنا لتدعيم السلم الاجتماعي وتعزيز سيادة القانون، إلا أن الواقع يشير إلى تفاقم مظاهر العنف و الفوضى والفلتان الأمني، مما يهدد تماسك المجتمع وأمنه وسلمه الاجتماعي، والمؤشرات كثيرة فلا يغيب يوما لا نسمع به خطف لأجنبي أو مواطن أو إحداث عنف واشتباكات تؤدي إلى قتل وإصابة مواطنين، ناهيكم عن بعض الصراعات الحزبية والسياسية؛ وذلك نظرا لكون غياب التسامح يعني انتشار ظاهرة التعصب والعنف وسيادة عقلية التحريم والتجريم، سواء على الصعيد الفكري أو السياسي أو الاجتماعي أو الثقافي أو ما يتعلق بنمط الحياة.
أما فكرياً: فإن عدم التسامح يعني العنف وحجب وتحريم حق التفكير والاعتقاد والتعبير، وذلك بفرض قيود وضوابط تمنع ممارسة هذا الحق، بل تنزل أحكاماً وعقوبات بالذين يتجرؤون على التفكير خارج ما هو سائد.
وسياسياً: فإن اللاتسامح يعني احتكار الحكم وتبرير مصادرة الرأي الآخر باسم القومية أو الصراع مع العدو أو الطبقية والدفاع عن مصالح الكادحين أو الدين؛ وذلك لإسكات أي صوت ولتسويغ فكرة الاستئثار وادعاء امتلاك الحقيقة.
         ودينياً: فإن عدم التسامح يعني منع الاجتهاد وتحريم بل تكفير أي رأي حر بحجة المروق في ظل تبريرات ديماغوجية وضبابية، والتي تمنع الحق في إعطاء تفسيرات مختلفة، خصوصاً ضد ما هو سائد في محاولة لإلغاء المذاهب والاجتهادات الفقهية الأخرى، بل فرض الهيمنة عليها بالقوة.
أما اقتصاديا: فإن عدم التسامح يعني عدم احترام حقوق المواطن الاقتصادية، وانتشار الفقر والبطالة، وغياب الحماية الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة، والاستئثار بالثروة من قبل مجموعة ضيقة من الناس، مما يهدد وبشكل كبير السلم الأهلي والاستقرار، والذي بدوره يخلق بيئة يغيب عنها الإنعاش في الاستثمار والنمو الاقتصادي، مما يقوض أركان المجتمع ويسمح بتنامي مظاهر العنف والإمراض الاجتماعية المختلفة.
ثالثا:  المقومات والأركان

         إن السلم الاجتماعي له مقومات وأركان لا يمكن أن يتحقق إلا بتوافرها، وللفتن والصراعات أسباب وعوامل لا تُدرأ إلا بتجنّبها. فالمسألة ليست في حدود الرغبة والشعار، أو في وجود القناعة النظرية، بل ترتبط بواقع حياة المجتمع، وشكل العلاقات الحاكمة بين قواه وفئاته.
         ولعل من أهم مقومات السلم الاجتماعي الأمور التالية:
•       السلطة والنظام: والتي لا يمكن أن يستغني أي مجتمع عنها، حيث تتحمل إدارة شؤون المجتمع، وتعمل القوى المختلفة تحت سقف هيبته، وإلا لكان البديل هو الفوضى وتصارع القوى والإرادات. فإذا كان المجتمع بين خيارين: حاكم ظالم أو تمزّق وحرب أهلية، فإن هذين الخيارين كلاهما سيء، ولكن الأول أقل ضررا من الثاني. 
ومن هنا اتفقت كلمة علماء المسلمين – إلا من شذ منهم – على أن الإمامة في الأمة أمر واجب، وهو مذهب أهل السنة جميعا، ومذهب الشيعة جميعا، ومذهب المرجئة جميعا، ومذهب الكثرة الغالبة من الخوارج، والكثرة الغالبة من المعتزلة، وإن اختلفوا في مصدر الوجوب: هل هو العقل أو الشرع ؟.
•       العدل والمساواة: إن المجتمع الذي يتساوى فيه الناس أمام القانون، وينال فيه كل ذي حق حقه، وذلك من دون تمييز فيه لفئة على أخرى. إن هذا المجتمع تقل فيه دوافع العدوان، وأسباب الخصومة والنزاع، أما إذا ضعف سلطان العدالة، وحدثت ممارسات الظلم والجور، وعانى البعض الحرمان والتمييز، وأتيحت الفرصة لاستقواء طرف على آخر بغير حق، فهنا ينعدم السلم الاجتماعي ويضعف، وذلك حتى ولو بدت أمور المجتمع هادئة ومستقرة، فإنه حينئذ يكون استقرارا كاذبا، وهدوءا زائفا، ولا يلبثان أن ينكشفن عن فتن واضطرابات مدمّرة.
ومن أجل ذلك جاء الأمر في القرآن بكل ما يحفظ للمجتمع استقراره من العدل والمساواة، حيث يقرر ذلك قول الله تعالى: < إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ >.
فالمجتمع عائلة كبيرة، وعدم المساواة بين أبنائه، وتمييز بعضهم على البعض الآخر جور يزرع الضغائن والأحقاد، ويُضعف حالة المودّة والإخاء. فالطرف الذي يحظى بالامتيازات يشعر بالحصانة والعلوّ  تجاه سائر الأطراف، مما قد يدفعه للطغيان والعدوان، كما أن الطرف الذي يقع عليه التمييز يشعر بالغبن والاضطهاد، فيضعف ولاؤه لمجتمعه ووطنه، ويتحين الفرصة للانتقام وإعادة الاعتبار، وقد يفتّش عن جهات داخلية أو خارجية يستقوي بها، مما يخلق ثغرة في أمن المجتمع والوطن، تنفّذ منها مؤامرات الأعداء ودسائسهم.
•       ضمان الحقوق والمصالح المشروعة لفئات المجتمع: إذا كان المجتمع يعيش في التنوّع والتعدد في انتماءاته العرقية أو الدينية أو المذهبية، أو ما شاكل ذلك من التصنيفات، فيجب أن يشعر الجميع – وخاصة الأقليات – بضمان حقوقه ومصالحه المشروعة في ظل النظام والقانون، وذلك من خلال التعامل الاجتماعي.
ومع وجود التنوّع والتعدد في المجتمع فإنه لا بد من ضمان الحقوق والمصالح المشروعة للجميع؛ ليعيش الجميع في إطار المصلحة المشتركة في بوتقة الوطن الواحد، ومبادئ الإسلام وشرائعه تقدم النموذج الأرقى للتعايش بين الناس على اختلاف هوياتهم وانتماءاتهم، وذلك على أساس من العدل والمساواة، وبالعمل على ضمان الحقوق والمصالح المشروعة للجميع. وبذلك فإن الإسلام يرعى حقوق ومصالح من ينتمي إلى دين آخر، ويعيش في كنف المجتمع الإسلامي.
وبهذه المقوّمات يتجذّر السلم في المجتمع، وتُوصد أبواب الفتن والنزاع، وإذا حصلت بوادر الشر أمكن تطويقها ومحاصرتها، وهبّ الجميع لمقاومتها.       
ويقع على مؤسسات المجتمع المدني دور كبير في كفالة تفعيل ارتكاز المجتمع على هذه المقوّمات والأركان للسلم الاجتماعي، فهي بدورها تمثل المجتمع باعتبار أن من ينتمي إليها يفترض أن يكون من الطبقة المثقفة والواعية التي تستقرئ واقع التنمية وتحقيق المصلحة في المجتمع من أجل ازدهار مستقبله، حيث لم يعد في ظل التمدّن والتداخل الذي يبرز في المجتمعات أي بروز لدور الأفراد في صيانة المجتمع وتحقيق رفاهيته إلا من خلال الدور الذي تقوم به هذه المؤسسات، والتي ينبغي أن تعمل تحت سقف السلطة في البلاد، حيث يقع على هذه السلطة بمختلف مؤسساتها وأجهزتها أن تغرس المصداقية والشفافية في التعامل مع هذه المؤسسات نظرا لكونها تمثل مختلف التوجهات في المجتمع.
         ويبقى أن نؤكّد على أن من أبرز ما يعيق ويولّد الإشكال في تفعيل السلم الاجتماعي وحمايته بتكاثف الجهود، ما يبرز من تفعيل للتميز العنصري وعدم تفعيل لما تنادي به معظم الدساتير من ضرورة تفعيل المساواة بين المواطنين في مختلف الميادين. أما المعوّق الثاني الذي قد يولّد إشكالا أكبر، لا سيما عندما ترزح طبقة كبيرة من المجتمع تحت خط الفقر وغياب توفير الاحتياجات الأساسية فهو يتمثل بالاستئثار بالثروة، حيث يتقرر فقها بأن الإمام باعتباره نائبا عن الأمة، أن هذه النيابة لا تقتضي بأي حال من الأحوال أن يأخذ النائب أجرا على عمله، فضلا عن أن يستأثر بالثروة ويتحكّم في تقسيمها ويقصرها على فئة دون أخرى، إلا أنه لما كان تفرّغ الإمام للنيابة يمنعه من تحصيل عيشة، فقد رؤي أن يفرض له من بيت مال المسلمين ما يقوم بعيشه وعيش أهله الذين يعولهم، فضلا عما يصيبه كفرد من الأموال العامة التي تقسّم بين الجميع. 
        ونظرا لأهمية الأمن الاجتماعي باعتبار مرتكزا وقاعدة تتقرر من خلال الاستناد عليها مختلف الحقوق على اختلاف مستوياتها، فإن اهتمام السلطة ومؤسسات المجتمع المدني ينبغي أن ينصب ضمن الاستراتيجيات الضرورية لنشره كثقافة ودعمه كآلية ناجعة للتنمية، وأنه لا يمكن ذلك ما لم تتولد قناعات تدرك أهمية هذا المنظور كنقطة ارتكاز لتنمية المجتمع وتطويره في شتى المجالات. 

Previous Post Next Post