، وقطيعتها من أعظم الذنوب وأخطر الآفات؛ للأدلة من الكتاب والسنة الصحيحة الصريحة على النحو الآتي:

1 – أمر الله - عز وجل - بصلة الأرحام،  فقال:
 وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا  ( ).
وقال الله - عز وجل -:  وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا  ( ).
وقال - سبحانه -:    فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ( ).
وقال - عز وجل -:   يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ  ( ).
وقال تبارك وتعالى:  وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ  ( ). وبين الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى:  أن المعنى لقوله تعالى:   فِي كِتَابِ اللَّهِ أي في حكم الله،  وأنها ليست خاصة بالأرحام الذين يذكرهم علماء الفرائض الذين ليس لهم فرض،  وليسوا من العصبة،  بل الحق أن الآية عامة تشمل جميع القرابات،  كما نص عليه ابن عباس رضي الله عنهما وغيره( ).
وقال تعالى:   وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ  ( ). أي القرابات أولى بالتوارث من المهاجرين والأنصار،  وهذه ناسخة لما كان قبلها من التوارث بالحلف والمؤاخاة التي كانت بينهم كما قال ابن عباس رضي الله عنهما وغيره( ).
وقال تعالى:   وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا  ( ). والمعنى:  اتقوا الله بطاعتكم إياه،  واتقوا الأرحام أن تقطعوها ولكن برّوها وصلوها،  قاله ابن عباس رضي الله عنهما وغيره( ).
2 – صلة الأرحام يزيد الله بها في العمر،  ويبسط في الرزق،  ويصل من وصلها،  وهي من أسباب المحبة بين الأهل والأقارب.
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:  ((من أحب أن يبسط له في رزقه،  وينسأ له في أثره( ) فليصل رحمه))( ).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:  سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:  ((من سره أن يُبسط له في رزقه،  وأن ينسأ له في أثره،  فليصل رحمه))( ).
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها:  ((إنه من أُعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظه من خير الدنيا والآخرة،  وصلة الرحم،  وحسن الخلق وحسن الجوار،  يعمران الديار،  ويزيدان في الأعمار))( ).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:  ((تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم؛ فإن صلة الرحم محبة في الأهل،  مثراةٌ في المال،  مَنْسَاةٌ( ) في الأثر))( ).
وعن جبير بن مطعم رضي الله عنه أنه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول على المنبر:  ((تعلموا أنسابكم،  ثم صلوا أرحامكم،  والله إنه ليكون بين الرجل وبين أخيه الشيء،  ولو يعلم الذي بينه وبينه من داخلة الرحم( )؛ لأوزعه ذلك عن انتهاكه))( ).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال:  قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:  ((اعرفوا أنسابكم تصلوا أرحامكم؛ فإنه لا قرب لرحم إذا قطعت وإن كانت قريبة،  ولا بعد لها إذا وصلت وإن كانت بعيدة))( ).
وزاد البخاري في الأدب المفرد موقوفًا على ابن عباس رضي الله عنهما:  ((... وكل رحم آتية يوم القيامة أمام صاحبها تشهد له بصلة إن كان وصلها،  وعليه بقطيعة إن كان قطعها))( ).

3 – صلة الأرحام من أول الأمور المهمة التي دعا إليها النبي - صلى الله عليه وسلم - في أول بعثته،  ففي حديث سفيان ابن حرب:  أن هرقل عظيم الروم قال له حينما سأله عن رسالة النبي - صلى الله عليه وسلم - ((ماذا يأمركم؟ قال:  أبو سفيان:  قلت:  يقول:  ((اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا،  واتركوا ما يقول آباؤكم،  ويأمرنا بالصلاة،  والصدق،  والعفاف،  والصلة))( ).
 4– واصل رحمه لا يخزيه الله تعالى،  وتكون قوة إيمانه وخشيته لله على حسب صلته برحمه؛ ولهذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أوصل الناس لرحمه كما قالت أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها له:  ((... كلا والله ما يخزيك اله  أبدًا،  إنك لتصل الرحم،  وتحمل الكلَّ،  وتكسب المعدوم،  وتقريء الضيف،  وتعين على نوائب الحق...)) ( ).
5 – صلة الأرحام من أسباب دخول الجنة،  فعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رجلًا قال:  يا رسول الله! أخبرني بعمل يدخلني الجنة،  فقال - صلى الله عليه وسلم -:  ((تعبد الله لا تشرك به شيئًا،  وتقيم الصلاة،  وتؤتي الزكاة،  وتصل الرحم))( ).
وعن عبدالله بن سلام رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:  ((أيها الناس،  أفشوا السلام،  وأطعموا الطعام،  وصلوا الأرحام،  وصلُّوا بالليل والناس نيام،  تدخلوا الجنة بسلام))( ).
6 – صلة الرحم من أحب الأعمال إلى الله تعالى بعد الإيمان بالله؛ لحديث رجل من خثعم قال:  أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في نفر من أصحابه،  فقلت:  أنت الذي تزعم أنك رسول الله؟ قال:  ((نعم)) قال:  قلت:  يا رسول الله! أيّ الأعمال أحب إلى الله؟ قال:  ((الإيمان بالله)) قال:  قلت:  يا رسول الله! ثم مه؟ قال:  ((ثم صلة الرحم)) قال:  قلت:  يا رسول الله ثم مه؟ قال:  ((الأمر بالمعروف والنهي  عن المنكر))،  قال:  قلت:  يا رسول الله! أي الأعمال أبغض إلى الله؟ قال:  ((الإشراك بالله)) قال:  قلت:  يا رسول الله! ثم مه؟ قال:  ((ثم قطيعة الرحم)) قال:  قلت:  يا رسول الله! ثم مه؟ قال:  ((ثم الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف))( ).
7 – صلة الرحم وصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
لحديث أبي ذر رضي الله عنه قال:  ((أوصاني خليلي - صلى الله عليه وسلم - بخصال من الخير:  أوصاني أن لا أنظر إلى من هو فوقي،  وأن أنظر إلى من هو دوني،  وأوصاني بحب المساكين،  والدنوِّ منهم،  وأوصاني أن أصل رحمي وإن أدبرت،  وأوصاني أن لا أخاف في الله لومة لائم،  وأوصاني أن أقول الحق وإن كان مرًّا،  وأوصاني أن أكثر من:  لا حول ولا قوة إلا بالله؛ فإنها كنز من كنوز الجنة))( ).
8 – صلة الرحم من أسباب النجاة من العقوبة؛ لأن قطيعة الرحم تسبب العقوبة،  في الدنيا والآخرة.
فعن أبي بكرة رضي الله عنه قال:  قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:  ((ما من ذنبٍ أجدرُ أن يعجّل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مَعَ ما يَدَّخرُ له في الآخرة:  من البغي،  وقطيعة الرحم))( ).
وعن جبير بن مطعم رضي الله عنه عن
النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:  ((لا يدخل الجنة قاطع))( )،  يعني قاطع رحم( )،  ولفظ أبي داود:  ((لا يدخل الجنة قاطع رحم))( ).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:  قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:  ((إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت:  هذا مقام العائذِ بك من القطيعة)). قال:  ((نعم،  أما ترضين أن أصل من وصلك،  وأقطع من قطعك؟)) قالت:  بلى يا رب،  قال:  ((فهو لك))،  ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:   اقرؤوا إن شئتم فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23) أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا( ).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت:  قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:  ((الرحم معلقة بالعرش تقول:  من وصلني وصله الله،  ومن قطعني قطعه الله))( ).
وعن عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:  ((قال الله - عز وجل -:  أنا الرحمن،  وأنا خلقت الرحم،  وشققت لها من اسمي،  فمن وصلها وصلته،  ومن قطعها بَتَتُّهُ))( ).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:  ((الرحم شجنة،  من الرحمن،  فقال الله:  من وصلك وصلتُه،  ومن قطعك قطعتُهُ))( ).
وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:  ((الرحم شجنة،  فمن وصلها وصلتُهُ،  ومن قطعها قطعتهُ))( ).
وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال:  سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - جهارًا غير سرٍّ يقول:  ((إن آل أبي – يعني – فلانًا،  ليسوا لي بأولياء،  إنما ولييَ اللهُ وصالحُ المؤمنين،  ولكن لهم رَحِمٌ أبُلُّها ببلالها)) يعني أصلها بصلتها( ).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه في حديثه في دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - لقريش حينما جمعهم وقام على الصفا،  وفيه:  ((...يا بني هاشم انقذوا أنفسكم من النار،  يا بني عبدالمطلب انقذوا أنفسكم من النار،  يا فاطمة أنقذي نفسك من النار؛ فإني لا أملك لكم من الله شيئًا،  غير أن لكم رَحِمًا،  سأبلُّها ببلالها))( ).
9 – صلة الرحم الكاملة،  التي تحصل بها الإعانة،  هي أن المسلم يصل من قطعه.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلًا قال:  يا رسول الله! إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني،  وأحسن إليهم ويسيئون إليَّ،  وأحلم عنهم ويجهلون عليَّ،  فقال:  ((لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم الملَّ( )،  ولايزال معك من الله ظهير عليهم( ) ما دمت على ذلك))( ).
وعن عبدالله بن عمرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:  ((ليس الواصل بالمكافئ،  ولكن الواصل الذي إذا قَطَعَتْ رَحِمُهُ وصلها))( )،  والمراد بالواصل في هذا الحديث:  الكامل؛ فإن المكافأة نوع صلة،  ولا يلزم من نفي الوصل ثبوت القطع،  فهم ثلاث درجات:  واصل،  ومكافئ،  وقاطع،  فالواصل من يعطي ويتفضل ولا يُتفضل عليه،  والمكافئ الذي لا يزيد في الإعطاء على ما يأخذ،  والقاطع الذي يأخذ ولا يعطي،  ويتُفضل عليه ولا يَتَفَضَّل،  وكما تقع المكافأة بالصلة من الجانبين كذلك تقع بالمقاطعة من الجانبين،  فمن بدأ بالوصل فحينئذٍ هو الواصل( ).
10 – صلة الرحم من صفات المؤمنين بالله واليوم الآخر؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:  ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه،  ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه،  ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت)) وهذا لفظ البخاري،  ولفظ مسلم:  ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره)). وفي لفظ:  ((فلا يؤذي جاره،  ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه،  ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليسكت))( ).
11 – صلة الرحم من أسباب قبول العمل؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال:  سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:  ((إن أعمال بني آدم تُعرض كل خميس ليلة الجمعة فلا يقبلُ عمل قاطعِ رَحِمٍ))( ).
12 – صلة الرحم من صفات أصحاب العقول السليمة،  الذين يجمع الله بينهم وبين أحبابهم في جنات عدن،  قال الله تعالى:  أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (19) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ    ( ).
قال ابن كثير رحمه الله:  ((والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل)) من صلة الأرحام والإحسان إليهم،  وإلى الفقراء والمحاويج،  وبذل المعروف))( ).
13 – صلة الرحم من أسباب السلامة من اللعنة،  والنجاة من النار،  قال الله تعالى:   وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ  ( ).
14 – الصدقة على ذي الرحم:  اثنتان:  صدقة وصلة،  فعن سليمان بن عامر الضبي رضي الله عنه قال:  قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:  ((الصدقة على المسكين صدقة،  والصدقة على ذي الرحم اثنتان:  صدقةٌ،  وصلةٌ))( ).
15 – والرحم التي أُمر بصلتها،  هي كل ما يرتبط بقرابة،  سواء كانت من الأصول:  كالآباء والأمهات وإن علوا،  والفروع وإن نزلوا،  والحواشي:  من الإخوة والأخوات،  والأعمام والعمات،  والأخوال والخالات،  كما دل على أصل ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه،  قال:  قال رجل:  يا رسول الله! من أحق بحسن الصحبة؟ قال:  ((أمك،  ثم أمك،  ثم أمك،  ثم أبوك،  ثم أدناك،  أدناك))( ).
16 – صلة الرحم أنواع على حسب الحاجة،  فتكون بالنفقة لمن يحتاج ذلك،  وتكون بالهدية،  وبالتودد إليهم،  وبالعون والإعانة على الحاجات،  وبالنصيحة،  وبدفع الضرر،  وبالإنصاف معهم،  وطلاقة الوجه،  وبالعدل والقيام بالحقوق الواجبة،  وبالدعاء،  وبتفقد أحوالهم،  والتغافل عن زلاتهم،  والزيارة،  وبالشفاعة الحسنة،  والمعنى الجامع:  إيصال ما أمكن من الخير،  ودفع ما أمكن من الضرر( ).
ويجمع أنواع الصلة قول الله - عز وجل -:    إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ( ).
17 – صلة الرحم واجبة على حسب الحاجة ولو كانت بعيدة؛ لحديث أبي ذر رضي الله عنه قال:  قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:  ((إنكم ستفتحون أرضًا يذكر فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيرًا؛ فإن لهم ذمة ورحمًا)) وفي لفظ:  ((إنكم ستفتحون مصر... فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها؛ فإن لهم ذمة ورحمًا)) أو قال:  ((ذمة وصهرًا))( ).
قال الإمام النووي رحمه الله:  ((قال العلماء:  القيراط جزء من أجزاء الدينار،  والدرهم وغيرهما،  وأما الذمة:  فهي الحرمة،  والحق،  وأما الرحم؛ لكون هاجر أم إسماعيل منهم،  وأما الصهر؛ فلكون مارية أم إبراهيم منهم...)) ( ).
18 – فضل الإحسان إلى البنات والأخوات،  عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:  قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:  ((من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو)) وضم أصابعه( )،  وفي الترمذي:  ((وأشار بأصبعيه))( ).
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال:  سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:  ((من كان له ثلاث بنات فصبر عليهن،  وأطعمهن،  وسقاهن،  وكساهن من جدته( ) كن له حجابًا من النار يوم القيامة))( ).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال:  قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:  ((ما من مسلم تدركه ابنتان فيُحسن صحبتهما إلا أدخلتاه الجنة))( ).
وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال:  قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:  ((من كان له ثلاث بنات يؤويهنَّ،  ويكفيهنَّ،  ويرحمهنَّ،  فقد وجبت له الجنة البتة)) فقال رجل من بعض القوم:  واثنتين يا رسول الله؟ قال:  ((واثنتين))( ).
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:  قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:  ((لا يكون لأحد ثلاثُ بنات،  أو ثلاث أخوات،  أو ابنتان،  أو أُختانِ،  فيتقي الله فيهنَّ،  ويحسن إليهنَّ إلا دخل الجنة))( ).
وعن أنس رضي الله عنه قال:  قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:  ((من عال ابنتين،  أو ثلاثًا،  أو أختين،  أو ثلاثًا حتى يَبِنَّ( ) أو يموت عنهنَّ كنتُ أنا وهوَ في الجنةِ كهاتَيْنِ)) وأشار بأصبعهِ الوُسطى والتي تليها( ).
وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:  جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها،  فأطعمتها ثلاث تمرات،  فأعطت كل واحدة منهما تمرة،  ورفعت إلى فيها تمرةً؛ لتأكلها،  فاستطعمتها ابنتاها،  فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما،  فأعجبني شأنها،  فذكرت الذي صنعت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال:  ((إن الله قد أوجب لها بها الجنة،  أو أعتقها بها من النار))( ).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت:  دخلت عليَّ امرأة ومعها ابنتان لها تسأل،  فلم تجد عندي شيئًا غير تمرةٍ،  فأعطيتها إيَّاها،  فقسمتها بين ابنتيها،  ولم تأكل منها،  ثم قامت وخرجت،  فدخل النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته فقال:  ((من ابتُلي من هذه البنات بشيء [فأحسن إليهنّ] كنَّ له سترًا من النار))( ).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الجمع بين الحديثين السابقين:  ((ويمكن الجمع بأن مرادها بقولها في حديث عروة:  فلم تجد عندي غير تمرة واحدة:  أي أخصها بها،  ويحتمل أنها لم تكن عندها في أول الحال سوى واحدة فأعطتها ثم وجدت ثنتين،  ويحتمل تعدد القصة))( ).
19 – أفضل الصدقة ما يعطى الأقارب؛ لحديث سلمان بن عامر رضي الله عنه،  عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:  ((إن الصدقة على المسكين صدقة،  وعلى ذي الرحم اثنتان:  صدقة وصلة))( ).
ولحديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال:  كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالًا من نخلٍ،  وكان أحب أمواله إليه بَيْرُحاء،  وكانت مستقبلة المسجد،  وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدخلها ويشرب من ماءٍ فيها طيب،  قال أنس:  فلما نزلت هذه الآية â لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ á ( ) قام أبو طلحة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال:  يا رسول الله إن الله تبارك وتعالى يقول:  âلَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ á وإن أحبَّ أموالي إليَّ بَيرُحا( )،  وإنها صدقة لله أرجو برَّها وذخرها عند الله،  فضعها يا رسول الله حيث أراك الله،  فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:  ((بَخ( )،  ذلك مال رابح( )،  ذلك مال رابح،  وقد سمعتُ ما قلت وإني أرى أن تجعلها في الأقربين)) فقال أبو طلحة:  أفعل يا رسول الله،  فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه)). وفي لفظ:  ((فجعلها في حسان بن ثابت وأبي بن كعب))( ).
قال الإمام النووي رحمه الله:  ((وفي هذا الحديث من الفوائد... أن الصدقة على الأقارب أفضل من الأجانب إذا كانوا محتاجين،  وفيه أن القرابة يرعى حقها في صلة الأرحام،  وإن لم يجتمعوا إلا في أبٍ بعيد؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أبا طلحة أن يجعل صدقته في الأقربين،  فجعلها في أبي بن كعب وحسان ابن ثابت،  وإنما يجتمعان معه في الجد السابع))( ).
وعن ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها أنها أعتقت وليدة في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،  فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال:  ((لو أعطيتيها أخوالك كان أعظم لأجرك))( ).
قال الإمام النووي رحمه الله:  ((فيه فضيلة صلة الرحم،  والإحسان إلى الأقارب،  وأنه أفضل من العتق... وفيه الاعتناء بأقارب الأم إكرامًا بحقها،  وهو زيادة في برها،  وفيه جواز تبرع المرأة بمالها بغير إذن زوجها))( ).
وعن أبي سعيد رضي الله عنه في قصة زينب امرأة ابن مسعود:  أنها قالت:  يا نبي الله إنك أمرت اليوم بالصدقة،  وكان عندي حلي لي،  فأردت أن أتصدق بها،  فزعم ابن مسعود أنه وولده أحقُّ من تصدقت به عليهم،  فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:  ((صدق ابن مسعود:  زوجك وولدك أحقّ من تصدقت به عليهم))( ).
ولحديث زينب الآخر،  وفيه:  أنها أرسلت بلالًا يسأل النبي - صلى الله عليه وسلم -:  أيجزئ عني أن أنفق على زوجي،  وأيتام في حجري؟ فسأله فقال:  ((نعم،  ولها أجران:  أجر القرابة وأجر الصدقة)). وفي لفظ مسلم:  ((لهما أجران:  أجر القرابة وأجر الصدقة))؛ لأنها كان معها امرأة من الأنصار حاجتها حاجتها( ).
         قال الإمام النووي رحمه الله:  ((فيه الحث على الصدقة على الأقارب وصلة الأرحام،  وأن فيها أجرين))( ).
20 – الصدقة على ذي الرحم الذي يضمر العداوة في باطنه من أفضل الصدقات.
عن حكيم بن حزام رضي الله عنه،  أن رجلًا سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الصدقات أيُّها أفضل؟ قال:  ((على ذي الرحم الكاشِح))( )( ).
وعن أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها قالت:  قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:  ((أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح))( ).
21 – أفضل النفقات النفقة على العيال والأهل والأقربين:  قال الله - سبحانه -:  â قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ á( ). فأولى الناس بالإنفاق من الخير وأحقهم بالتقديم أعظمهم حقًّا عليك،  وهم الوالدان الواجب برهما،  والمحرم عقوقهما،  ومن أعظم برهما النفقة عليهما،  ومن أعظم العقوق ترك الإنفاق عليهما؛ ولهذا كانت النفقة عليهما واجبة على الولد الموسر،  ومن بعد الوالدين:  الأقربون على اختلاف طبقاتهم:  الأقرب،  فالأقرب،  على حسب القرب والحاجة،  فالإنفاق عليهم صدقة وصلة( ).
وقال تعالى:  â وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ á( ). وقال - سبحانه -:  â وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ á( ). وقال تعالى:  â Ïuوَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا á( ). وقال تعالى:  â  فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَá( ). وقال تعالى:
â إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىá( ).
وعن ثوبان رضي الله عنه قال:  قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:  ((أفضل دينارٍ ينفقه الرجل:  دينار ينفقه على عياله،  ودينار ينفقه الرجل على دابته في سبيل الله،  ودينار ينفقه على أصحابه في سبيل الله)). قال أبو قلابة:  وبدأ بالعيال،  ثم قال:  أبو قلابة:  وأيُّ رجل أعظم أجرًا من رجلٍ ينفق على عيالٍ صغارٍ،  يعفُّهم أو ينفعهم الله به،  ويغنيهم))( ).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:  قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:  ((دينار أنفقته في سبيل الله،  ودينار أنفقته في رقبة،  ودينار تصدقت به على مسكين،  ودينار أنفقته على أهلك،  أعظمها أجرًا الذي أنفقته على أهلك))( ).
وعن عبدالله بن عمر أنه قال لخازنه:  أعطيت الرقيق قوتهم؟ قال:  لا،  قال:  فانطلق فأعطهم،  قال:  قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:  ((كفى بالمرء إثمًا أن يحبس عمن يملك قوته))( ). ولفظ أبي داود:  ((كفى بالمرء إثمًا أن يضيِّع من يقوت))( ).
وعن جابر رضي الله عنه قال:  أعتق رجل من بني عُذْرة – من الأنصار – عبدًا له عن دُبرٍ،  فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،  فقال:  ((ألك مال غيره؟)) فقال:  لا،  فقال:  ((من يشتريه مني؟)) فاشتراه نعيم ابن عبدالله بثمانمائة درهم،  فجاء بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدفعها إليه،  ثم قال:  ((ابدأ بنفسك فتصدق عليها،  فإن فَضَلَ شيء فلأهلك،  فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك،  فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا،  وهكذا)) يقول:  فبين يديك،  وعن يمينك،  وعن شمالك))( ).
قال الإمام النووي رحمه الله:  ((في هذا الحديث فوائد منها:
الابتداء بالنفقة بالمذكور على هذا الترتيب،  ومنها:  أن الحقوق والفضائل إذا تزاحمت قدم الأوكد فالأوكد،  ومنها أن الأفضل في صدقة التطوع أن ينوعها في جهات الخير،  ووجوه البر بحسب المصلحة،  ولا ينحصر في جهة بعينها...))( ).
وعن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت:  يا رسول الله! هل لي أجر في بني أبي سلمة،  أنفق عليهم ولست بتاركتهم،  هكذا وهكذا،  إنما هم بني؟ فقال:  ((نعم لك فيهم أجر ما أنفقت عليهم))( ).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:  قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:  ((تصدقوا)) فقال رجل:  يا رسول الله! عندي دينار،  قال:  ((تصدق به على نفسك)) قال:  عندي آخر،  قال:  ((تصدق به على زوجتك))،  قال:  عندي آخر،  قال:  ((تصدق به على ولدك))،  قال:  عندي آخر،  قال:  ((تصدق به على خادمك))،  قال:  عندي آخر:  قال:  ((أنت أبصرُ به))( ).
وعن بهز بن حكيم قال:  حدثني أبي عن جدي،  قال:  قلت:  يا رسول الله،  من أبرُّ؟ قال:  ((أمك))،  قال:  قلت:  ثم مَن؟ قال:  ((أمك))،  قال:  قلت:  ثم مَنْ؟ قال:  ((أمك))،  قلت:  ثم مَنْ؟ قال:  ((أباك))،  قال:  قلت:  ثم مَنْ؟ قال:  ((ثم الأقرب فالأقرب))( ).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه،  قال:  يا رسول الله! من أحقّ الناس بحسن صحابتي؟ قال:  ((أمك،  ثم أمك،  ثم أمك،  ثم أبوك،  ثم أدناك أدناك))( ).
وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت:  قدمت عليَّ أمي وهي مشركة في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،  فاستفتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،  فقلت:  يا رسول الله! قدمت عليَّ أمي وهي راغبة،  أفأصل أمي؟ قال:  ((نعم،  صلي أمَّكِ))( ).
وعن المقدام بن معدي كَرب أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:  ((ما أطعمتَ نفسك فهو لك صدقة،  وما أطعمت ولدك فهو لك صدقة،  وما أطعمت زوجك فهو لك صدقة،  وما أطعمت خادمك فهو لك صدقة))( ).
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.


Previous Post Next Post