حق الضمان الاجتماعى فى الإسلام
بحث عن الضمان الاجتماعي
بحث حول الضمان الاجتماعي
اهداف الضمان الاجتماعي
مقدمة عن الضمان الاجتماعي
تعريف الضمان الاجتماعي
تحديث بيانات الضمان الاجتماعي
الاستعلام عن الضمان الاجتماعي

ان حق الضمان الاجتماعي هو حق ثابت في الشريعة الإسلامية للفقراء والضعفاء، وليس منه للمجتمع أو للأغنياء أو للدولة على الفقراء. بل هو مظهر للإيمان بالله واليوم الآخر ولتكريم بني آدم كما كرمهم الله، وهو نتيجة بديهية للأخوة الإسلامية التي تجعل المجتمع كالجسد الواحد.
ب ـ ومهما كان الوضع الاقتصادي للمجتمع المسلم فلا بد من تطبيق هذا الحق من حيث المبدأ. لكن مدى هذا التطبيق ونطاقة يؤخذ فيه بامكانات المجتمع الواقعية الاقتصادية والأخلاقية.
ج ـ المنهج الإسلامي يقوم على تعدد الصيغ والوسائل التطوعية والإلزامية، على اللامركزية، وعلى تشجيع الافراد على الاعتماد على أنفسهم إلى اقص قدر ممكن، وعلى تشجيع وتنظيم التطوع إلى اقص حد ممكن، وعلى تقوية صلة الارحام واعتبار الاسرة خط الدفاع الأول في الضمان الاجتماعي، واعتبار الدولة وبيت المال العام خط الدفاع الاخير.
د ـ علينا الاستفادة من التجارب الإنسانية والسنن الاجتماعية التي يدل عليها استقراء وقائع الضمان الاجتماعي في العالم، وبخاصة صيغ تنظيم اعتماد الأفراد والأسر على النفس عن طريق التكافل المتبادل.




حق الضمان الاجتماعي؟

لا ريب ان حق الضمان الذي نتحدث عنه  يشمل الطعام والشراب واللباس والمأوى وسواها من الحاجات المادية اللازمة لحفظ الحياة، كالدواء مثلا. لكن الذي لا ريب فيه أيضاً ان هذا ليس هو كل ما اوجب الإسلام علينا ان نضمنه للفقير والضعيف.
والذي يبدو لي ان افضل طريقة للتعبير عن المبدأ الشرعي في هذا المجال هو الانطلاق من المقاصد التي حرصت الشريعة على حفظها للفرد والجماعة، ولخصها الإمام الغزالي ثم الشاطبي وسواهما من علماء الإسلام بخمسة وهي: الدين والنفس والعقل والنسل والمال. فكل ما يلزم لحفظ هذه الأمور يدخل في الضمان الاجتماعي للفرد عملا بالقاعدة الأصولية الشهيرة القائلة بأن ما لا يتم الواجب إلاّ به فهو واجب.
فحفظ الدين مثلا يتطلب قدرا من التربية والتعليم، بل ان حفظ النفس يتطلب ذلك أيضاً كما في تعلم مبادئ الصحة والوقاية من الامراض مثلا، وحفظ المال يتطلب من جملة ما يتطلب ـ تعلم مبادئ الحساب ـ وهكذا.
إن المبدأ العام السابق يترك مجالا واسعاً جداً للاجتهاد في التحديد التطبيقي لنطاق ومدى الضمان الاجتماعي. وبعبارة أخرى، ان تحديد الاشياء التي يشملها الضمان والمقدار الذي نوفره للفرد من كل منها يبقى فيه مجال واسع للاجتهاد عند تطبيقه في زمان ومكان معينين. لكن مع هذه السعة فان هناك قواعد متعددة تدل عليها الشريعة وينبغي مراعاتها عند التطبيق، من أهمها فيما يبدو لي ـ والله سبحانه وتعالى أعلم ـ القواعد الأربع الآتية:
القاعدة الأولى: التدرج في الضمان بحسب الموارد المتاحة.
القاعدة الثانية: مراعاة العرف فيما لا يخالف الشريعة.
القاعدة الثالثة: مراعاة السنن الاقتصادية والنفسية المؤثرة في نظام الضمان الاجتماعي.
القاعدة الرابعة: مراعاة الكرامة الإنسانية للمستفيد من الضمان.
سأتناول موضوع القاعدة الثالثة في القسم الخامس من هذا البحث، اما القاعدة الأولى فمن الأدلة عليها النصوص التالية:
أ ـ روى الإمام الجليل أبو عبيد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ((كان يؤتى بالميت عليه الدين فيقول: هل ترك لدينه وفاء؟ فان حدث انه ترك لدينه وفاءً صلى عليه، والا قال: صلوا على صاحبكم))، فلما فتح الله عليه الفتوح قال: ((أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن توفي وعليه دين فعليّ قضاؤه، ومن ترك مالا فلورثته)) (الأموال لابي عبيد، ص 281).
ب ـ ان الأحاديث النبوية الشريفة كما يقول الإمام أبو عبيد الذي روى كثيرا منها، قد ((جاءت في الفصل بين الغنى والفقر بأوقات مختلفة، ففي بعضها انه السداد أو القوام من العيش، وفي آخر انه خمسون درهما، وفي ثالث انه الاوقية (أي 40 درهما) وفي الرابع انه الغداء والعشاء، وكل هذه الأقوال قد ذهب اليها أقوام واخذوا بها)) (الأموال لإبي عبيد، ص 670 وما بعدها).
اما القاعدة الثانية فهي مشهورة، والقرآن الكريم كثيرا ما يذكر لفظ ((المعروف)) في مجال النفقة، كما في قوله تعالى في شأن الزوجات: ((وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)). وفي شأن ولي اليتيم: ((... وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ)) وقال الرسول صلى الله عليه وسلم لزوجة تحتاج للانفاق على العيال من مال زوجها: ((لا حرج عليك ان تنفقي عليهم بالمعروف)) (رواه مسلم). وقال لقبيصة (رض) في تحديد مستوى الفقر الذي يبيح للفرد ان يسأل الناس ((لا تحل المسألة إلاّ لأحد ثلاثة:... ورجل اصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجى من قومه: قد أصابت فلانا فاقة...)) (رواه مسلم).
اما القاعدة الرابعة: فهي حفظ كرامة المستفيد من الضمان.
من المسؤول عن الضمان الاجتماعي؟
الأسرة هي المؤسسة الأولى للضمان الاجتماعي لافرادها في المجتمع المسلم، ونظام النفقات الواجبة بين الاقارب في الإسلام لا يشمل فقط الاسرة النواة التي تضم الزوجين والأولاد القاصرين، بل هي اوسع من ذلك بكثير كما هو مفصل في كتب الفقه. ويوجب هذا النظام ((على كل غني نفقة)).
ويلي الاسرة في مجال الضمان الاجتماعي للفقراء والضعفاء صندوق الزكاة. والزكاة اعظم من ان يتسع لها بحثي المحدود، كما أنها اشهر من ان تحتاج إلى تعريف، فأكتفي بهذه الاشارة اليها.
فإذا لم تف موارد الاسرة ثم صندوق الزكاة بحاجات المحتاجين المستحقين للضمان تنتقل المسؤولية إلى ولي الأمر أي الدولة. ومسؤولية ولي الأمر في هذا الشأن هي من اسس النظام الإسلامي، وليست فكرة مستحدثة ولا اجتهادا جديدا لعلماء المسلمين. ومن الادلة على ذلك:
ـ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((... والإمام راع وهو مسؤول عن رعيته)). (رواه البخاري).
ـ وقال: ((من ولاّه الله شيئاً من أمر المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وفقيرهم، احتجب الله دون حاجته)) (رواه أبو داود والترمذي، انظر بلوغُ المرام للإمام ابن حجر العسقلاني، رقم 1198).
وقد كانت مسؤولية الدولة الإسلامية عن كافة مواطنيها مسلمين وغير مسلمين معروفة لدى الصحابة رضوان الله عليهم. فقد ورد في كتاب الصلح لاهل الحيرة الذين صالحوا المسلمين ودخلوا في ذمتهم:
ـ ((هذا كتاب من خالد بن الوليد لاهل الحيرة... وجعلت لهم: ايما شيخ ضعف عن العمل أو...)).
ومن الأمور الجديرة بالتنويه حول مسؤولية الدولة المسلمة في هذا الأمور أنها في اصلها مسؤولية شرعية ثابتة وليست مجرد قرار سياسي يجوز للجماعة الرجوع عنه إذا بدا لها ذلك. وبالمقابل نرى ان اكثر نظم الضمان الاجتماعي في العالم اليوم نشأت كقرار سياسي نتيجة الضغوط الاجتماعية والخوف من القلاقل الواقعة أو المحتملة، كما هو معلوم ومدون في التاريخ الاقتصادي الحديث لكثير من المجتمعات (لمزيد من التفصيل انظر: د. عابدين سلامة في قائمة المراجع). ولنسجل هنا تلك الصفحة المشرقة من تاريخ المسلمين عندما قاتل الصحابة رضوان الله عليهم مانعي الزكاة، التزاما بأمر الله سبحانه بوجوبها، وليس لأن الفقراء والمحتاجين المستحقين للزكاة كانوا يهددون باثارة القلاقل إذا لم يستجب المجتمع لمطالبهم.
وبعبارة أخرى نقول: ان حق الضمان الاجتماعي، شأنه شأن كل حق في الإسلام ((ليس منحة من المجتمع، وانما هو منحة إلهية)) (د. عبد السلام العبادي، الملكية، ج 1 ص 324).
وخلاصة ما سبق ان هناك ثلاث جهات هي المسؤولة صراحة في النظام الإسلامي عن تنفيذ حق الضمان الاجتماعي للفرد الفقير أو الضعيف وهي: الاسرة، ثم صندوق الزكاة، ثم الدولة.
لكن من المهم جداً ان نؤكد ان هذه ليست الجهات الوحيدة المسؤولة في الإسلام، بل ان ((كل فرد مسلم مسؤول عن ضمان معيشة الآخرين وحياتهم في حدود معينة، وفقا لقدرته، وهذا المبدأ يجب على المسلمين تطبيقه حتى في الحالات التي يفقدون فيها الدولة التي تطبق احكام الشرع)) (العلامة محمد باقر الصدر، الإنسان والمشكلة الاجتماعية/ ص 120). وهذا الالتزام الفردي اكدته الآيات الكريمة والاحاديث النبوية الشريفة الكثيرة. وهو ينطبق أيضاً على أي جماعة صغيرة في المجتمع الإسلامي ـ كأهل الحي أو القرية مثلا ـ فهي أيضاً مسؤولة عن التعاون على ضمان المعيشة للفقراء حسب امكاناتها. قال تعالى: ((وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى)) وقال موبِّخاً الكفار ((وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ))، وقال صلى الله عليه وسلم: ((أيما اهل عرصة اصبح فيهم امرؤ جائعاً فقد برئت  منهم ذمة الله)) (رواه الحاكم في المستدرك، والامام احمد في مسنده عن ابن عمر).
5ـ سنن اقتصادية مؤثرة على نظم الضمان الاجتماعي:
ان اكبر عقبة تواجه أي نظام للضمان الاجتماعي هي العقبة الاقتصادية والنفسية ويمكن تلخيصها بالاثر السلبي المحتمل على الحوافز (lncentives) ونعني بذلك اقتصاديا: اننا عندما ننقل الموارد الاقتصادية أو الموارد إلى الضعاء والفقراء فمن المحتمل بل من المتوقع ان الاغنياء لا يرحبون بذلك.
وبتعبير آخر: ان تطبيق الضمان يتطلب ان نأخذ من الأقوى والأغنى لنعطي للأضعف والأفقر.
الغالب في اكثر المجتمعات الإنسانية في الماضي والحاضر ان الموارد المطلوبة لتنفيذ الضمان الاجتماعي هي اكبر بكثير عادة من الموارد التي يجود بها الناس عفويا لتوفير هذا الضمان. أي ان الطلب على الضمان هو اكثر بكثير جداً من العرض. فكيف نسدُّ هذه الفجوة الاقتصادية بين الطلب الكثير والعرض القليل؟
ـ يمكن ان نزيد العرض.
ـ أو نقلل الطلب.
وهاتان الخطوتان ممكنتان عن طريق سلطة المجتمع أو الدولة، ولكن أي نظام للضمان لا يجد له سندا لحل هذه المشكلة إلاّ سلطة الدولة وحدها؛ سيكون نظاما باهض لتكاليف (لاحتياجه لأحكام الرقابة على الناس المعطين الذين قد يخفون الموارد التي يريد ان ينتزعها منهم لمصلحة غيرهم، ولاحتياجه لاحكام الرقابة أيضاً على الآخذين الذين قد يتظاهرون زورا بأنهم في حاجة ومستحقون للضمان الاجتماعي).
كما أن مثل هذا النظام قد يحتاج إلى استخدام كثير من أساليب القسر والإرغام فيحرم الناس من بعض حقوقهم الأخرى ولو دون قصد في أحسن أحوال. أو قد يحرمهم منها قصدا تحت ستار توفير الضمان الاجتماعي. وهذا ما يحصل في كثير من المجتمعات المادية التي تتوسع في تقديم الضمانات الاجتماعية.
أما المجتمعات المادية الأخرى التي تريد اجتناب استخدام سلطة الدولة في دعم نظام ضمان اجتماعي، فان الفقراء والضعفاء فيها مضيعون محرومون تحت ستار الحرية. وعندما تتوسع هذه المجتمعات في تقديم الضمان الاجتماعي خوفا من تهديد المحرومين، فانها تصادف مشكلة يتحدث عنها الاقتصاديون كثيرا وهي مشكلة الاثر السلبي على حوافز الانتاج نتيجة فرض الضرائب لتمويل برامج الضمان الاجتماعي. ويقصدون بذلك ان دافعي الضرائب يخفضون من جهودهم الانتاجية نتيجة الضريبة ويقللون من اعمال ونشاطات اضافية قد يقومون بها لولا الضريبة. كما ان من يتلقون المساعدة الاجتماعية يتكاسلون ويتقاعسون عن بذل اقصى جهدهم في الاكتساب والاعتماد على انفسهم، بل يفضلون ـ كلما استطاعوا ـ ان يجعلوا انفسهم عالة على نظام الضمان الاجتماعي.
وهكذا نرى ان أي نظام للضمان الاجتماعي يواجه بعض العقبات الاقتصادية الخطيرة إذا قام على الاساس المادي وحده، واقصد بالاساس المادي، ذلك الذي يقوم على تجاهل الله واليوم الآخر، وتجاهل الهداية الإلهية التي ارسلها العليم الخبير تبارك وتعالى.
كيف واجه الإسلام هذه المشكلة في نظامه للضمان الاجتماعي؟ ان هذا السؤال المهم يحتاج منا جميعا إلى التأمل والتفكير، وسأحاول فيما يلي سرد مجموعة من الايضاحات الأولية راجيا من العلماء والباحثين الكرام الذين يطلعون على هذا البحث تزويدي بملاحظاتهم السديدة لنتعمق في فهم هذا الموضوع في ضوء الهداية الإلهية التي أنعم الله بها علينا في كتابه العزيز وسنة رسوله الكريم.
1ـ يذكِّر القرآن الإنسان دوما بحقيقة ان الله هو الخالق والمالك لكل شيء، وأن المال الذي بين يديه هو مال الله سبحانه. وهذه الحقيقة إذا وعاها الإنسان استحيا من الله ومال إلى السخاء وأعطى المحتاجين والضعفاء طواعية. قال تعالى: ((وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ)).
2ـ كما يذكر القرآن الإنسان بحقيقة هذه الحياة الفانية بأنها قصيرة، وان المال الذي في يده لا يبقى معه بل سيتركه وراءه عندما يموت. فحري بالعقل ان يبذل ما يفنى ليعوضه الله بما يبقى، وهذا يشجع الإنسان على البذل.
3ـ وظف الإسلام الفطرة البشرية إلى اقصى حد في نظامه للضمان الاجتماعي، حيث قوى روابط الاسرة وحماها، ثم حث الإنسان على ان يبدأ بالمعونة لاسرته وذوي رحمه، وهذا يتجاوب مع الفطرة البشرية. قال صلى الله عليه وسلم ما معناه ((أمّك وأباك ثم أدناك فأدناك)). كما وصّى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجار أعظم توصية.
وهناك حكمة اقتصادية عظيمة في تشجيع الضمان الاجتماعي الطوعي بين الأقارب والجيران: لانهم اكثر اطلاعا على حقيقة احتياجات المحتاج منهم، واكثر استحياءً من بعضهم ان يطلبوا المعونة أو هم مستغنون عنها. وفي هذا المعنى أيضاً نلاحظ حكمة الحكم الشرعي بأن تصرف الزكاة في المنطقة التي تجمع فيها ما دام فيها محتاجون.
وهناك حكمة أخرى لتشجيع المعونة بين المقتاربين رحما أو مكانا وهي ان باذل المعونة يرى اثرها في تخفيف حاجة المحتاج فيسره ذلك ويشجعه على العطاء. وهذا ينبهنا إلى ان من غير المستحسن في نظام للضمان الاجتماعي ان يكون كله مركزيا لأنه سيفتقر إلى هذه المزايا. بالطبع لابد من ان تكون بعض جوانب النظام مركزية، لكن ذلك ينبغي ان يكون بقدر.
4ـ وجَّه رسولنا صلى الله عليه وسلم المصدقين (أي جباة الزكاة) بوصايا عظيمة مشهورة في فقه الزكاة، كثير منها يتعلق بهذه القضية التي نبحثها. ومن ذلك:
أ ـ أن يأتي المصدق الناس في الامكنة والأزمنة التي يسهل عليهم فيها اداء الزكاة، ولا يكلفهم ان يحضروها إليه.
ب ـ اجاز رسول الله (ص) الخرص في زكاة الزروع وفي هذا تسهيل على المكلَّفين كما فصله الفقهاء.
ج ـ اجتناب كرائم الاموال وأخذ الزكاة من اوساط المال.
د ـ الدعاء للمزكِّي.
5ـ عدَّدت الشريعة سبل المعونة ومناسباتها وصورها. فهناك الزكاة، وصدقة الفطر، والكفارات، والصدقات، والوقف، والمنيحة وسواها. ان هذا التنوع والتكثير لصور البذل وأساليبه ومناسباته هو سمة مميزة لنظام الضمان الاجتماعي في الإسلام، وهو دليل ومرشد لنا في التطبيق المعاصر. فينبغي ان لا نبالغ في الاعتماد على وسيلة واحدة من وسائل الضمان، إذ لا تخلو وسيلة بمفردها من بعض المحاذير.
6ـ تؤكد التربية الإسلامية على تنمية كرامة الفرد وأنفته عن طلب المعونة من الآخرين، بل كان في بيعة بعض الصحابة الكرام للرسول (ص) أن لا يسألوا الناس شيئاً، كما وصف الرسول الكريم الصدقات احيانا بأنها ((اوساخ الناس)) (رواه مسلم، ونقلناه عن بلوغ المرام لابن حجر، رقم 521 ص 115). وأكد الرسول الكريم بأن من يدعي الحاجة كاذبا فيأخذ من الصدقات إنما يأكل السحت الحرام، وان الذي يُكثرُ السؤال يأتي والمسألة كدوح في وجهه يوم القيامة.
7ـ كان من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يحدد حدوداً واضحة لمن يحق لهم ان يطلبوا المعونة، وهذا أمر يدخل في السياسة الشرعية. وفي الحديث الصحيح: ((من سأل منكم وله اوقية (40 درهما) فقد سأل إلحافاً)) (رواه أبو داود والنسائي).
ومن أهم واجبات ولي الأمر المسلم اليوم هو أن يحدد مثل هذه الحدود الواضحة لمن يحق لهم طلب كل نوع من أنواع المعونة.
8ـ شجعت الشريعة المعونات الطوعية إلى اقصى حد ممكن، ووعدت عليها بجزيل الثواب في الآخرة.
ومن مزايا المعونات الطوعية أنها تخلو عادة من الاثر السلبي المحتمل على المعطي، مهما كانت كبيرة. بل ان الإنسان الراغب في ثواب الله إذا بلغ درجة عالية من الايمان يزداد سروره إذا اتيح له ان يعطي، ويحزن إذا لم يكن لديه ما ينفق في سبيل الله: ((تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ)) (التوبة: 92).
وقد ذكر المفسرون عند قوله تعالى: ((لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ)) ان فقراء الصحابة (رض) جعلوا يتحاملون على ظهورهم (أي يشتغلون حمالين) ليكسبوا ما يتصدقون به.
وهذه الصورة السامية هي بالضبط عكس ما يتوقعه الاقتصاديون، فها هنا اناس يزيدون جهودهم في الكسب حتى يدفعوا صدقة بمعدل 100% مما يكسبون.
لا شك ان المجتمع المسلم في أي زمان ومكان إذا عجز عن ان يولد بالتربية الإسلامية والتشجيع بين افراده من يحققون مثل هذا المستوى الرائع من البذل والعطاء فهو مجتمع مريض اسلاميا لكننا مع ذلك لا ينبغي ان نبني نظاما إسلاميا للضمان الاجتماعي على مثل هذه النماذج البطولية من السخاء التي لا يبلغها إلاّ قلة من الناس، بل يجب ان نبني النظام على ما يستطيع ان يحققه ـ باستمرار ـ جمهور الناس وعامتهم، مع السعي الحثيث بالتربية والتنظيم والتشجيع على الارتفاع بجمهور الناس إلى مستوى اعلى من البذل والعطاء لدعم نظام الضمان الاجتماعي.
9ـ لابد لنا من وقفة عند مؤسسة الوقف الخيري والحبوس، تلك المؤسسة الاجتماعية الإسلامية الرائعة التي قدمت الكثير من الخدمات الاجتماعية ومنها خدمات الضمان الاجتماعي للفقراء والضعفاء، وهي قد قدمت خدمة تطوعية دون تدخل الدولة ودون استنزاف لموارد بيت المال العام.

Previous Post Next Post