إشكاليات تتناول مفهوم حقوق الإنسان([1]):
 أولاً:قيامه على فكرة غامضة هي الرشادة والعقلانية والمنفعة المتبادلة :
 اختلفت الأسس التي يستند إليها حق الإنسان بحسب اختلاف المرجعيات الثقافية؛ وهذه الاسس هي:
1_ الدين فهو مرجع التخطيط للمجتمع ولذا فانه  أساس الحقوق.
2_ الفكر الليبرالي الذي اختار تخطيط المجتمع على أساس الإرادة الحرة، والمصلحة، والفعل العقلاني الرشيد . ولذا فإن أساس الحق عنده هو العقلانية والرشادة .
 3_ويرى بعض الدارسين أن مصدر الحق هو أولاً القيم والقانون الوضعي ثم العرف والعادة.
4_القانون الطبيعي ومضمون الحق  فيه ان للإنسان بحكم كونه إنسانًا حقوقا بغض النظر عن دينه ولونه وجنسه وكل الفوارق.
4_ ان  مضمون الحق هو الجماعه لا الافراد وهو ما سبق بيانه في الفكر الاشتراكي.
5_ فكرة العقد الاجتماعي ومنها ايضا فكرة النفعيه .
ان مفهوم "حقوق الإنسان" حديث نسبيًّا في الثقافة الغربية، ولذا فانهم حاولوا ايجاد اصول له من  الفكر اليوناني الذي لم يعرف مفهوم "الحق" ولم يضعوا له لفظًا يقابله لغويًّا، ، لكن أسسه تقوم على فكرة "القانون الطبيعي" الذي يمكن في إطاره الحديث عن "حق طبيعي"، وهي فكرة تفترض نسقًا من القيم المرتبطة بالإنسان بحكم انسانيته .
 هذا وقد تعرضت فكرة القانون الطبيعي لانتقادات أبرزها:
1_اعتبارها ذات أبعاد غيبية فلسفية.
2_الافتقار للوضوح والتجديد والتعاقدية والإلزام الذي يتسم به القانون الوضعي، فإن أي حقوق مرتبطة به تبقى غير محددة وغير معترف بها.

ومع محاولة تجاوز الأساس الديني لتخطيط المجتمع والبحث عن أساس لا ديني لحقوق الإنسان، برزت فكرة "العقد الاجتماعي"([2]) التي تقوم في جوهرها على علمانية نشأة الدولة ونفي البعد الإلهي عنها، ثم استقر في النهاية تأسيس مفهوم حقوق الإنسان على فكرة المنفعة بدءاً من كتابات "بنثام" ([3]) وحتى الآن.
وقد أدت فكرة "المنفعة" في مشروع التنوير الغربي في تطورها إلى إخضاع تحليل الظاهرة الاجتماعية والسياسية للمفاهيم الاقتصادية، فكما يبحث الإنسان بشكل عقلاني عن تعظيم منفعته في التبادلات الاقتصادية، كذلك يسعى إلى الوصول إلى "نقطة التوازن" بين منفعته، ومنفعة الآخرين في علاقاته الاجتماعية والسياسية، وهو يحترم بذلك حقوق الآخرين كي يضمن احترامهم لحقوقه في ظل مجموعة توازنات واقعية، وقانون وضعي ينظم هذه الحقوق المتبادلة.
وهنا تقع الاشكاليات التي تتمثل في:
1_ أن المنفعة الفردية في الواقع العملي تطغى على الرشادة والعقلانية, بالرغم من أن هذه الفكرة تفترض – نظريًّا - وجود نقطة توازن بين حق الفرد وحق الآخرين، ومنفعته ومنفعتهم.
2_انه كلما اصطبغت الحقوق بالصبغة التعاقدية الحرة والحياد القانوني، غلبت المنفعة الفردية في العلاقات التي لا ينظمها القانون.
نجد هذا واضحا في العلاقة بين أصحاب رؤوس الأموال وبين العمال، فإذا وقف القانون على الحياد ولم  يحدد ساعات العمل بقانون فإن العقود تكون محابية للطرف القوي  .
وكلما سعى الفرد في بعض الأحيان إلى تطويع القانون ووضع مراكز قانونية لحماية الطرف الضعيف , نجد الطرف القوي قادرا على استغلال ثغرات القانون في سبيل منفعته الفردية التي تحتل الأولوية.
 وهذا ما يمثل إشكالية نظرية ومأزقًا واقعيًّا لمشروع التنوير الغربي الذي يعتبر الإرادة الحرة أساس الفكر الغربي المعاصر. وهذا ما يضعنا أمام الحاجة الملحة لاعتبار القيم الأخلاقية كقيد على الإرادة الحرة .
ثانيًا: عدم مراعاة الخصوصية الحضارية للشعوب الاخرى:
ان التطور التاريخي لفكرة حقوق الإنسان في الغرب يؤكد أن المعنى المقصود في تشريع الحقوق الإنسانية هو تحقيق الأهداف والقيم الغربية والتي ترتبط بالخبرة التاريخية لحضارة معينة.
 فالانطلاق الفعلي لفكرة حقوق الإنسان بمفهومها الغربي جاء مع الثورة الفرنسية، وكان يهدف إلى :
1_التخلص من استبداد الملوك.
2_ إزالة سلطان الكنيسة وتزامن هذا مع كتابات مفكري تيار الإصلاح الديني البروتستانتي في أوروبا .
 3_ التأكيد على فكرة المجتمع المدني وأن الإنسان حقوق طبيعية لا إلهية، "فالطبيعي" يحل محل "الإلهي" أو الطبيعة تحل محل "الوحي".
فمفهوم حقوق الإنسان إذًا هو تركيز للقيم والمبادئ التي انتهى إليها الفكر الغربي في تطوره التاريخي، كما أنه نموذج للمفاهيم التي يحاول الغرب فرض عالميتها على الشعوب الأخرى في إطار محاولته فرض سيطرته ومصالحه القومية، بل ويستغل ذلك سياسيًّا في كثير من الأحيان، كما يحدث في العلاقات الدولية وفي الدفاع عن حقوق بعض الأقليات بهدف زعزعة وضرب النظم السياسية المخالفة والخارجة عن "الشرعية الدولية" و"النظام العالمي الجديد".
وإذا كانت بعض الكتابات الغربية تحاول تأكيد هذه "العالمية" للمفهوم، فإن دراسات أخرى، خاصة في إطار علم الأنثروبولوجيا([4])، تؤكد على نسبية المفهوم وحدوده الثقافية مؤكدة أهمية النظر في رؤية حضارات أخرى للإنسان وحقوقه انطلاقًا من الفلسفة التي تسود الدراسات الأنثروبولوجية الحديثة، وهي التأكد على التباين والتعددية في الثقافات والخصوصيات الحضارية لكل منطقة, فمثلا:
1_ المجال اسياسي:
إن الخبرةَ السياسيةَ ذاتُ أهمية بالغة في بناء المفاهيم، ولعل مفهوم حقوق الإنسان من المفاهيم التي تعكس ذلك بشكل واضح، فقد يُعَدُّ "الجهاد" في التحليل الغربي اعتداءً على السيادة وتدخلاً في شؤون الدول الأخرى ووسيلة من وسائل استخدام القوة في تسوية المنازعات، في حين أنه في الرؤية الإسلامية بدرجاته المختلفة دفاع عن حرية الفرد في اختيار عقيدته وحقه في العلم بدين الإسلام، ووسيلة لردع الباطل ومقاومته.
2_المجال الاجتماعي:
 ترى الكتابات الغربية في تحريم الإسلام زواج المسلمة من غير المسلم تقييداً لحق المرأة وإهدارًا لحقوق الإنسان وتمييزًا على أساس العقيدة وحرمانًا للمرأة من حرية اختيار شريكها، في حين تراه الرؤية الإسلامية حفاظًا على الشكل الإسلامي للأسرة وحماية لعقيدة الأطفال وصونًا للمرأة المسلمة من أن يكون صاحب القوامة عليها غير مسلم، وهكذا.
وقد أدى هذا الاختلاف إلى هجوم بعض الكتابات الغربية على الإسلام واتهامه بأنه هو العدو والتحدي الحقيقي لحقوق الإنسان بمفهومها "العلماني" و"العالمي".
 فهذه الكتابات لم تدرك اختلاف المفاهيم الإسلامية عن غيرها، ومرجعيتها المتميزة نتيجة ارتباطها بالشرع ، وبحث أصحابها عن مفهوم "حقوق الإنسان" بعناصره الغربية ولفظه اللغوي فلم يجدوه، وغفلوا عن خصوصية اللغة وخصوصية الرؤية الإسلامية للإنسان وحقوقه، فالإسلام قد بالغ في رعايته حقوق الإنسان إلى الحد الذي جعلها في نظره ضروريات([5])، ومن ثَمَّ أدخلها في إطار الواجبات، فالمأكل والملبس والمسكن والأمن وحرية الفكر والاعتقاد والتعبير والمشاركة في صياغة النظام العام للمجتمع ومحاسبة أولي الأمر، كل هذه أمور نظر إليها الإسلام لا باعتبارها فقط حقوقًا للإنسان "يمكن" السعي للحصول عليها والمطالبة بها، بل هي ضرورات واجبة للإنسان، والمحافظةُ عليها هي محافظةٌ على ضرورات وجوده التي هي مقاصد الشرع، فضلاً عن حفظ حاجيَّات الإنسان  بتشريع أحكام العلاقات الإنسانية في سائر المعاملات التي ترفع الحرج وتنظم العلاقات، وأخيرًا، حفظ تحسينيات الوجود الإنساني من مكارم الأخلاق ومحاسن العادات.
إن منطلق حقوق الإنسان في الخطاب الغربي هو الحق الطبيعي المرتبط بذاتية الإنسان من الناحية الطبيعية - بغض النظر عن الفكر والمنهج - بينما الحق الشرعي للإنسان في الإسلام يستند إلى التكريم الإلهي , ويرتبط بمفاهيم الأمانة والاستخلاف والعبودية لله وعمارة الأرض، ولا ينفصل عن حقوق الله لارتباطه بالشريعة التي تنظمه، وهو ما يجعله غير قابل للإسقاط بعقد أو صلح أو إبراء، فحقوق الإنسان الشرعية ليس من حق الفرد أو الجماعة التنازل عنها أو عن بعضها، وإنما هي ضرورات إنسانية توجب الشريعة الحفاظ عليها من قبل الدولة والجماعة والفرد، فإذا قصَّرت الدولة وجب على الأمة أفرادًا وجماعات تحملها.
 لذا كان مدخل "الواجب الشرعي" في الرؤية الإسلامية هو المدخل الأصح لفهم نظرة الإسلام للإنسان ومكانته وحقوقه، خاصة السياسي منها، تحقيقًا للمنهج الذي يربط بين الدراسة الاجتماعية السياسية والمفاهيم الشرعية من أجل بلورة رؤية إسلامية معاصرة.([6])

إشكاليات مفهوم حقوق الإنسان
قراءه حول إشكالية مفهوم حقوق الإنسان وانعكاساتها
السياق التاريخي لإشكالية حقوق الإنسان

ث متعلقة بـ إشكاليات تتناول مفهوم حقوق الإنسان(
بحث عن حقوق الانسان في الاسلام
المواطنة وحقوق الانسان
الديمقراطية وحقوق الانسان
بحث متقدم عن حقوق الانسان
مفهوم حقوق الانسان لغة واصطلاحا
بحث حول حقوق الانسان
بحث حول حقوق الانسان ملخص
تعريف حقوق الانسان في الشريعة الاسلامية
التطور التاريخي لحقوق الإنسان :



[1]  اعتمدت في هذا المطلب بشكل كبير مقال منشور لهبة عزت بالعنوان المشار إليه
[2]  ) وهي نظرية تقوم على فكرة استبدال الرابطة الأخلاقية للأفراد بالرابطة النفعية وتكوين المجتمع سياسياً على هذا الأساس , أسسها جان جاك روسو سنة 1762م, في كتابه العقد الاجتماعي , وتذكر بعض الكتابات أن صاحب الفكرة هو الفيلسوف الإنكليزي ( توماس هوبز) في القرن السابع عشر الميلادي . أنظر www.khayma.com
[3] ) جيريمي بنثام : فيلسوف وعالم اقتصاد إنكليزي ولد عام 1748, كان لمحاولاته حل المشكلات الاجتماعية بطريقة علمية أثر كبير في الفكر الإصلاحي في القرن التاسع عشر. تعرف فلسفته ب- "البنثامية" , أشهر مؤلفاته: مقدمة لمبادئ الأخلاق والتشريع , وكتاب النفعية , توفي عام 1831- www.khayma.com  .  
[4] ) الأنثروبيولوجيا هي مصطلح مركب من مقطعين باللغة اليونانية هما ( أنثروس ) و تعني إنسان و ( لوجيا ) و تعني المعرفة المنظمة عن الإنسان , و هي تجمع في علم واحد" الجوانب البيولوجية:  بهذا فهي تعني علم علم المجتمعات التي تدعى بالبدائية , و الاجتماعية و الثقافية للإنسان و ميدان الدراسة الأساسي لها هو الجماعات أو المجتمعات التي تدعى بالبدائية و إن
[5] ) أنظر كتاب محمد عمارة ضرورات لا مجرد حقوق ، دار المعرفة الكويت
[6] ) إشكاليات مفهوم حقوق الإنسان – بحث منشور على شبكة الإنترنت لهبة عزت http://ashahed2000. .بتاريخ 22/11/2005 

Previous Post Next Post