النظريات مفهوم التبعية في علاقة العمل
ماهية شرط التبعية وصوره

    تصدرت مجموعة من النظريات المختلفة مفهوم التبعية في علاقة العمل، ارتكزت كل نظرية على جانب معين من العلاقة بين العامل ورب العامل،  ومنها من اخذ بعين الاعتبار الظروف المتعلقة بالعامل.
    وفي هذا الصدد ظهرت ثلاث نظريات لتحديد مفهوم التبعية هي:
    أولاً: النظرية الاقتصادية للتبعية
    ثانياً: النظرية القانونية التقليدية للتبعية
    ثالثاً: النظرية القانونية الحديثة للتبعية

أولاً: النظرية الاقتصادية للتبعية

    لا تقوم التبعية الاقتصادية على اساس خضوع الاجير لأوامر رب العمل اثناء قيامه بعمله و لا لتوجيهه و اشرافه, بل يكفي للقول بوجود علاقة عمل فقط حصول الاجير على اجر من مشغله و اعتماده على هذا الاجر في معيشته، وذلك دون تحمله مخاطر العمل باعتباره ليس شريكا فيه. وطبقا لما تتضمنه التبعية الاقتصادية فان عدد من الفئات الاجتماعية يمكنها الخضوع في علاقتها برب العمل لقانون العمل و حمايته مثل العامل المنزلي و الصحفي و المهني و الوكيل المتجول. ومن هذا المنطلق تم اعتماد التبعية الاقتصادية و اتخاذها معيارا لتحديد العمل الخاضع لقانون العمل، كما فعل المشرع الفرنسي بالنسبة لخدم المنازل
    وعلى الرغم من اهمية التبعية الاقتصادية فقد وجهت اليها عدة انتقادات
    -اعتبارها غير دقيقة بحيث يسود الغموض بشأن معرفة متى تبدأ و متى تنتهي  هذه التبعية في اطار حدود و نطاق الاستقلالية الاجير عن شغله
    -غير منطقية لان جميع الناس تابعين اقتصاديا لجهة معينة. وإذا ما اخذنا بهذا المعيار فإننا سندخل تحت احكام قانون العمل جهات استثناها القانون صراحة من تطبيق احكامه ومثالها خدم المنازل.
    -تؤدي الى اعتماد علاقة العمل بدل عقد العمل لارتباطها بعنصر خارجي عن عقد (الوضع الاقتصادي للأجير).
    وعلى العموم فان المشرع يأخذ بالتبعية بمفهومها القانوني كما سيأتي كعنصر اساسي في عقد الشغل, كما اعتمد التبعية الاقتصادية في حالات محددة 
    وبالنسبة للقضاء الفلسطيني لاسيما اجتهاد محكمة النقض يقتصر على التبعية مجردة من اي وصف, اذ لا يصفها لا بالقانونية ولا بالاقتصادية.

ثانيا: النظرية القانونية التقليدية للتبعية

    تتخلص النظرية القانونية بمفهومها التقليدي في قيام العامل بعمله تحت ادارة وإشراف رب العمل سواء كان يعمل العامل لحساب رب عمل منفردا أو ارباب عمل مجتمعين وسواء استغرقت الادارة والإشراف مدة العمل بشكل كامل مستمر أو جزئي متقطع، ولو لم تشتمل هذه الادارة وهذا الاشراف على الامور الفنية للعمل، بل يكفي أن تقوم هذه الادارة وهذا الاشراف على تنظيم العمل من خلال تنظيمه وتحديد زمانه او مكانه.
    ويبدو ان المشرع الفلسطيني قد تبنى هذه النظرية من خلال تعريفه للعامل في مادته الأولى بأنه ” كل شخص طبيعي يؤدي عملا لدى صاحب العمل لقاء أجر ويكون أثناء أدائه العمل تحت إدارته وإشرافه ” وكذلك عند تعريفه عقد العمل الفردي في المادة 24 منه بنصه ” عقد العمل الفردي هو اتفاق كتابي أم شفهي صريح أو ضمني يبرم بين صاحب عمل وعامل لمدة محددة أو غير محددة او لإنجاز عمل معين يلتزم بموجبه العامل بأداء عمل لمصلحة صاحب العمل وتحت إدارته وإشرافه، ويلتزم فيه صاحب العمل بدفع الأجر المتفق علية للعامل ”
    ويمكن الاستدلال على التبعية القانونية من خلال ما يلي:
    - ما يصدره رب العمل من أوامر  لمن يعمل لديه من عمال كتحديد نوع العمل ومكانه وزمانه.
    ما يصدر عن رب العمل من تعليمات وتوجيهات تتعلق بسلطة رب العمل على العمل وخضوع الاخير للجزاءات التأديبية .
    استفادة العامل من النظم المقررة لدى رب العمل لاسيما ما يتعلق بالتأمين والمعاشات.
    ادراج اسم العامل في قائمة العمال او المستخدمين لدى المنشأة أو المؤسسة.
    وتخضع مسألة تكيف علاقة التبعية بهذا المفهوم التقليدي للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع الذي يملك سلطة تقديرية حول القول بوجود أو نفي علاقة التبعية باعتبارها من الامور الموضعية التي تخضع للسلطة التقديرية للقضاء.

ثانيا: النظرية القانونية الحديثة للتبعية

    وجهت مجموعة من الانتقادات للنظرية القانونية التقليدية للتبعية تمثلت اساسا في ان هناك علاقات يسودها مبدأ الاشراف والإدارة من طرف على اخر دون اعتبار هذه العلاقات علاقة عمل لا بل انها تخضع لقواعد قانونية خارج اطار قانون العمل كما هو الحال بالنسبة لعلاقة المقاول برب العمل، او علاقة الموكل بوكيله.
    ومن هذا المنطلق يرى اصحاب النظرية القانونية الحديثة للتبعية قصور مضمون النظرية القانونية التقليدية للتبعية القائم على عنصر الادارة والإشراف وحده.
    فقد اشترط اصحاب النظرية القانونية الحديثة للتبعية شروط اخرى بجانب شرط الادارة والإشراف منها:
    1- أن يكون العامل شخصا طبيعيا
    ان يقوم العامل بالعمل بنفسه دون الاستعانة بغيره
    انتفاء نية المشاركة
    قيام العامل بالعمل بشكل فردي او جماعي تحت اشراف رب العمل وإدارته سواء خلال اوقات العمل المحددة او دون التقيد بهذه الاوقات طالما كان يقوم العامل بالعمل تحت ادارة وإشراف وتوجيهات رب العكل.

الفقرة الثانية:التميز بين عقد العمل بمفهومه التبعي عن غيره من العقود المشابهة

    اولا: التميز بين العامل والشريك
    تحمل الشريك مخاطر العمل وجنيه للإرباح في حين ان العامل لا يتحمل خسائر العمل او مخاطره ما لم يكن هو المتسبب في الخسارة بخطأ جسيم وذلك بإلزامه بالتعويض.
    لا يستطيع ولا يتدخل العامل في ادارة العمل بعكس الشريك.
    لا يلتزم العامل تجاه الغير عن علاقته بالمنشأة في حين تثبت مسؤولية الشريك المتضامن تجاه الغير.
    يخضع العامل لتوجيهات رب العمل في حين ان الشريك هو من يصدر هذه التوجيهات.
    تحديد طبيعة المقابل للعامل في الاجر المحدد في حين ان مقابل الشريك نسبة في الارباح قابلة للزيادة او النقصان او العدم.

ثانيا: التميز بين العامل والمقاول

    تحدد الفروق بين العامل والمقاول فيما يلي:
    - آلية تحديد الاجر: فإذا كان الاجر محدد على اساس الزمن كاليوم او الاسبوع او الشهر اعتبر العقد عقد عمل، اما اذا كان الاجر محدد على اساس اجاز العمل وبعده اعتبر العقد عقد مقاولة ولو تم دفع دفعات نحت الحساب.
    طبيعة الالتزام: اذا كان الالتزام الملقى على كاهل الشخص تحقيق نتيجة اعتبر العقد عقد مقاول، اما اذا كان الالتزام بذل عناية كان العقد عقد عمل.
    طبيعة العمل: اذا كان العمل مقدم لشريحة وطائفة كبيرة من المجتمع عد العقد عقد مقاولة، اما اذا كان المستفيد من العمل شخص بعينه اعتبر العقد عقد عمل.
    استخدام الغير: اذا استخدم الشخص اخرين لانجاز العمل اعتبر العقد عقد مقاولة، اما عقد العمل فيلزم ان يقوم العامل بأداء العمل بنفسه كأصل.

ثالثا: التميز بين العامل والوكيل


    - تعتبر درجة التبعية اقوى في علاقة العمل عنها في علاقة الوكالة، حيث يتمتع الوكيل بسلطات وحرية اوسع من سلطات وحرية العامل.
    الغالب تحدد اعمال العامل في الاعمال المادية الصرفة في حين يغلب على اعمال الوكيل الطابع القانوني البحث، فإذا كان بالإمكان الفصل بين طبيعيتي العمل اعتبر القائم بالعمل القانوني وكيل في حين اعتبر القائم بالعمل المادي عامل، اما اذا كان من الصعب الفصل بين طبيعتي العمل فينظر الى طبيعة العمل الاصلي الاساسي.
    اذا كانت التزامات أو اعمال الشخص محددة كنا بصدد علاقة وكالة اما اذا استغرقت هذه الاعمال او الالتزامات وقتا طويلا كنا بصدد علاقة عمل.

رابعا: التميز بين العامل وموزع الخدمات والسلع

    عقد بيع السلع يقوم علي تسليم المنتج السلع للموزع لتسويقها وتوزيعها في مقابل معين.
    والفارق بين علاقة العمل وعلاقة توزيع السلع يكمن ايضا في توافر عنصر التبعية من عدمه، فإذا كان الموزع تحت ادارة وإشراف المنتج فيما يتعلق بإمكان وأوقات توزيع السلع ونوعها كنا بصدد عقد عمل، والعكس صحيح، فإذا كان ما سبق داخلا في تقديرات الموزع كنا بصدد عقد توزيع سلع.

خامسا: التميز بين علاقة العمل وعلاقة المزارعة

    عقد المزارعة عقد يلتزم بموجب صاحب الارض تسليمها للمزارع مقابل اجر معين.
    ويتحدد الفارق بين علاقة العمل وعلاقة المزارعة في درجة التبعية، فاذا كان المزارع يتلقى اوامر وتوجيهات صاحب الارض المتعلقة بالعمل وكيفية اداءه ونوع المحاصيل التي تزرع وحصادها وكيفية تسويقها كنا بصدد عقد عمل، اما اذا انتفى ما سبق وكانت سلطة تقدير نوع المحاصيل ورعايتها وجنيها وتسويقها للمزارع كنا بصدد عقد مزارعة.

سادسا: التميز بين العامل والمستأجر

    يمكن التميز بين العامل والمستأجر في درجة وقوة التبعية، حيث تتضح التبعية في علاقة العمل عنها في علاقة الايجار.
    ومثال ذلك الشخص الذي يقوم بتسليم اخر سيارته للعمل بها، فإذا تمتع ساحب السيارة بسلطة ادارة العمل والإشراف عليه مثل تحديد اوقات العمل ومكانه وطبيعة الزبائن وغير ذلك كنا بصدد عقد عمل، اما اذا كان كل ما سبق داخلا في سلطة السائق وتقديراته فحن بصدد عقد ايجار.

Previous Post Next Post