نطاق تطبيق قواعد وأحكام قانون العمل
    تقسيم :
    يقصد بنطاق تطبيق القاعدة القانونية ذلك المجال أو الحيز المكاني أو الزماني او الشخصي لتطبيق تلك القاعدة.
    ولعل الحيزين المكاني والزماني لا يثيرا أي اشكالية حول تطبيق قواعد قانون العمل الفلسطيني رقم 7 لسنة 2000 حيث نصت المادة (140) منه على أنه ”يلغى قانون العمل رقم 21 لسنة 1960 المعمول به في محافظات الضفة وتعديلاته، وقانون العمل رقم 16 لسنة 1964 المعمول به في محافظات غزة وتعديلاته وكل ما يخالف أحكام هذا القانون“.
    كما نصت المادة (141) من نفس القانون على أنه ”على جميع الجهات المختصة كل فيما يخصه تنفيذ أحكام هذا القانون، ويعمل به بعد ثلاثين يوما من تاريخ صدوره وينشر في الجريدة الرسمية“.
    وبالتالي تطبق قواعد وأحكام قانون العمل من حيث المكان على مناطق السلطة الفلسطينية بجناحيها في الضفة والقطاع
    كما دخلت قواعده حيز النفاذ منذ زمن طويل وذلك بعد ثلاثين يوما من صدور القانون، وحيث أن القانون  قد صدر في بمدينة غزة في 30/4/2000 فإن قواعده دخلت حيز النفاذ من حيث الحيز الزماني في 31/5/2000م.
    اذن فالنطاق الزماني والمكاني قد حسمت قواعد القانون امرهما، وبالرغم ايضا من حسم قواعد القانون نفسه النطاق الشخصي لتطبيق قواعده، إلا  أن هناك العديد من الاشكاليات التي قد تثار في هذا الصدد، الامر الذي يستدعى منا الوقف تفصيلا على تحديد المقصود من هذا النطاق وشروطه .

المبحث الأول: شروط تطبيق أحكام قانون من حيث الاشخاص

    يشترط لتطبيق مقتضيات قانون العمل ثلاث شروط:
    أن يكون العمل خاصا.
    أن يكون العمل مأجورا.
    أن يكون العمل تبعيا.

المطلب الأول: شرط كون العمل خاصا.

    الفقرة الأولى: ماهية العمل الخاص
    أولاً: المقصود بالعمل الخاص:
    نصت المادة الثالثة من قانون العمل الفلسطيني في فقرتها الأولى على هذا الشرط بنصها ”تسري أحكام هذا القانون على جميع العمال وأصحاب العمل في فلسطين باستثناء:
    1- موظفي الحكومة والهيئات المحلية مع كفالة حقهم في تكوين نقابات خاصة بهم.
    والمقصود بكون العمل خاصا الأ يكون العمل عاما، والمقصود بالعمل العام هو ذلك العمل الذي يربط شخص طبيعي بأحد اشخاص القانون العام سواء كان الاخير شخصا اقليميا مثل الدولة او المحافظة او البلدية او المجلس القروي أو غير ذلك، وسيان أن يكون شخصا مرفقيا مثل الوزارة أو احدى المصالح او المؤسسات العامة الاخرى.
    ونتسنتج مما سبق المقصود بالعمل الخاص أن تكون علاقة العمل بين شخص طبيعي وأحد افراد القانون الخاص سواء كان شخصا طبيعيا اخر أو شخصا اعتباريا خاصا مثل الشركات أو غيرها من المنشآت أو المؤسسات الخاصة الخاضعة لقواعد القانون الخاص.

ثانياً: العلة من استبعاد العمل العام من نطاق تطبيق قواعد قانون العمل

    تكمن العلة استبعاد العمل العام من نطاق تطبيق قواعد قانون العمل للمبررات الآتية:
    1- انعدام حرية التعاقد بالنسبة للعمل العام، وتوافرها في العمل الخاص، سواء من حيث نشأتها أو اثارها.
    وقد تم الرد على انتفاء هذا المبرر للأسباب التالية: الطبيعة الامرة لقواعد قانون العمل، التزام صاحب العمل بالمساواة بين العمال، اعتبار عقود العمل الجماعية خارجة عن احكام عقد العمل الفردي، التزام العامل باللوائح والقواعد الداخلية للمنشأة التي يعمل فيها.
    2- سيادة مبدأ سلطان الارادة في العقد الخاص وافتقار العقد العام لمثل هذا المبدأ، حيث أنه لا يجوز لأحد طرفي العقد الخاص ألغاه أو تعديله بإرادته المنفردة، وهو عكس ما عليه الحال بالنسبة للعقد العام بحيث يجوز للشخص العام تعديل العقد او الغاءه وفقا لما تقرره المصلحة العامة التي يسعى لتحقيقها.

الفقرة الثانية: الفئات المستثناة من احكام قانون العمل

    على الرغم من كون العمل خاصا وخروجه عن مفهوم العمل العام استثنى قانون العمل بعض علاقات العمل من نطاق تطبيق احكامه لمبررات وأسباب رأى أنها أولى بالرعاية من تطبيق مقتضيات تطبيق أحكامه.
    وتتعلق الامر هنا بالفئات التالية:
    خدم المنازل ومن في حكمهم.
    الاقارب من الدرجة الاولى.
    العاطلين عن العمل.
    الاشخاص العاملين عند من يعولهم

أولا: خدم المنازل ومن في حكمهم

    استثنى قانون العمل بصريح الفقرة الثانية من مادته الثالثة خدم المنازل ومن في حكمهم من تطبيق احكامه حيث نص ”تسري أحكام هذا القانون على جميع العمال وأصحاب العمل في فلسطين باستثناء: 2- خدم المنازل ومن حكمهم على أن يصدر الوزير نظاما خاصا بهم.
    1- المقصود بخدم المنازل
    يقصد بخدم المنازل الاشخاص الذين يقومون بعمل مادي لا ذهني خدمة لرب المنزل أو اقرباءه وذويه. سواء كان العمل داخل المنزل أو خارجه ويشمل الامر بواب المنزل والطاهي والقائم على اعمال الصيانة والتنظيف ومربي الحيوانات والبستاني والسائق .
    أما اذا كان عمل الشخص يتطلب ملكات عقلية أو ذهنية فلا يدخل ضمن خدم المنازل مثل المربية التي يتعلق بعملها بتثقيف الاطفال أو تعليمهم او  المدرس الخصوصي او طبيب العائلة أو محاميها.
    وقد اشترط بعض من الفقه ثلاث شروط في خدم المنازل هي:
    1- أن يكون عمل الخادم في منزل المخدوم، مع اننا لا نتفق مع هذا الرأى ذلك أن السائق يعتبر من خدم المنازل رغم أن عمله يقع خارج المنزل.
    2- أن يغلب على عمله الطابع المادي لا الذهني، كما اننا لا نتفق مع هذا الشرط لأن اغلب الاعمال تحتاج لإدارة ذهنية من طرف القائم بها ولو كانت هذه الاعمال مادية فمثلا البستاني يحتاج لذهن وعقل في سبيل زينة البستان والاهتمام به.
    3- تعلق عمل الخادم بالمخدوم أو بأهله وذويه.

2- العلة من استبعاد خدم المنازل

    تكمن العلة وراء استبعاد خدم المنازل من تطبيق احكام ومقتضيات قانون العمل الى تدخل القاعدة القانونية من شأنه التعرض للحياة الخاصة لرب العمل، ذلك أن العامل يكون مطلعا على جميع نواحي رب العمل الداخلية وعلى منزله الذي هو مستودع اسراره، كما يكون العامل على معرفة بطبيعة العلاقات الخاصة التي تربط رب العمل بأفراد اسرته، ومن شأن تطبيق مقتضيات قانون العمل اهدار خصوصية كل ما سبق.
    وإذا كان للمبررات السابقة وجاهة لعدم تطبيق احكام قانون العمل فإننا نرى أنه لا مبرر لعدم اصدار تنظيم خاص لتطبيق مقاضياته على خدم المنازل وفق ما اوجت الفقرة الثانية من المادة الثالثة من قانون العمل.

ثانياً: الفئات المستثناة من أحكام التوظيف والعاطلين عن العمل

    وضع قانون العمل الفلسطيني احكاما خاصة للعاطلين عن العمل في مواده (9 – 13)
    والمطلع على هذه المواد يجد أنها تتعلق بتعريف العاطل عن العمل باعتباره كل شخص قادر على العمل ويبحث عنه، وكذلك على ضرورة أن يبادر القادر على العمل او الراغب فيه بيسجل اسمه في مكتب العمل الواقع في دائرة إقامته، وعلى المكتب قيد طلبات العمل وإعطاء طالبيه شهادة بذلك، وتنظم الوزارة البيانات والإجراءات المتعلقة بطلب العمل وشهادة تسجيله.
    كذلك تتضمن هذه المواد الالتزامات الواقعة على مكاتب العمل بتنسيب العمال المسجلين لديها، مراعية في ذلك الاختصاصات والكفاءة والأسبقية في التسجيل وحق صاحب العمل في الاختيار. والتزام كل صاحب عمل أن يوافي مكتب العمل الواقع في دائرة عمله ببيان شهري عن أسماء العمال وعددهم ووظائفهم وسنهم وجنسهم ومؤهلاتهم وأجورهم وتاريخ التحاقهم بالعمل  والوظائف الشاغرة لديه.
        وأخيرا التزام صاحب العمل بتشغيل عدد من العمال المعوقين المؤهلين بأعمال تتلاءم مع إعاقتهم، وذلك بنسبة لا تقل عن (5%) من حجم القوى العاملة في المنشأة.

يتبع ... ثانياً: الفئات المستثناة من أحكام التوظيف والعاطلين عن العمل

    لكن الملاحظ أن القانون لم ينص بشكل صريح على استبعاد العاطلين عن العمل من تطبيق أحكامه بعكس ما كان عليه القانون القديم رقم 16 لسنة 1964 في مادته التاسعة والتي نصت ”تسري أحكام هذا الفصل على كل متعطل قادر على العمل ويرغب فيه ويبحث عنه كما تسري على كل صاحب عمل باستثناء:
    1- الاعمال العرضية التي لا يستغرق انجازها اكثر من اسبوعين.
    2- الوظائف الرئيسية التي يعتبر شاغلوها وكلاء مفوضين عن اصحاب العمل.
    استخدام رب العمل لأفراد اسرته ممن يعولهم فعلا حتى الدرجة الثالثة.
ثانياً: الفئات المستثناة من أحكام التوظيف والعاطلين عن العمل

ثالثاً: أفراد أسرة صاحب العمل من الدرجة الأولى. 

    نصت المادة الثالثة من قانون العمل الفلسطيني في فقرتها الثالثة على انه ”تسري أحكام هذا القانون على جميع العمال وأصحاب العمل في فلسطين باستثناء: 3/ أفراد أسرة صاحب العمل من الدرجة الأولى.
    ويتضح من نص هذه المادة أن القانون قد استثنى من تطبيق أحكامه من تربطه برب العمل علاقة قرابة من الدرجة الاولى ويلاحظ أن نفس المادة قد اشترطت فقط صلة القرابة ولم تشترط شرط الاعالة فيستوى ان يكون رب العمل هو أو غيره المعيل للعامل.
    ولعل الحكمة من وراء استبعاد هذه الطائفة من العمال تكمن في الاسباب التالية:
    1- أن القواعد القانونية لا تتدخل في كثير من الاحيان في تنظيم المسائل الخاصة لاسيما بين اقرباء الدرجة الاولى.
    2- الخوف من افساد العلاقة الشخصية وصلة القرابة بين طرفي علاقة العمل.
    3- قوة الرابط الاجتماعي والعاطفي بين العامل ورب العمل والذي يعتبر أقوى من الرابط القانوني بينهما

رابعا: فئات اخرى مستثناة من تطبيق مقتضيات قانون العمل

    استثنى الباب السادس من قانون العمل الفلسطيني والمتعلق بتشغيل الاحداث في المادة 99 منه استثنى تطبيق احكامه على الأحداث الذين يعملون عن ذويهم من الدرجة الأولى بنص المادة السابقة على أنه ”يستثنى من أحكام هذا الباب الأحداث الذين يعملون لدى أقاربهم من الدرجة الأولى وتحت إشرافهم، على ان يتم العمل في جميع الأحوال وفق شروط صحية واجتماعية ملائمة بما لا يؤثر سلباً على نموهم العقلي والجسدي  وعلى تعليمهم.
    وفي الحقيقة أنه لم يكن هناك داعيا لتخصيص هذه المادة بشكل خاص للأحداث ذلك أن الفقرة الثالثة من المادة الثالثة من قانون العمل قد اجملت في عدم تطبيق مقتضيات قانون العمل علي جميع من يعمل عند من تربطه صلة قرابة من الدرجة الاولى سواء أكان حدثا أم لا.
المطلب الثاني: شرط كون العمل مأجورا.

    لم يشترط قانون العمل بشكل صريح وواضح أن يكون العمل مأجورا ولكن المتمعن في نص المادة الاولى من قانون العمل الفلسطيني يلحظ وبدون عناء وجوب أن يكون العمل مأجورا ذلك ان هذه المادة من خلال تعريفها للعامل ورب العمل والأجر قد قرنت بين العمل والأجر.
    حيث تنص صاحب العمل هو: كل شخص طبيعي أو اعتباري أو من ينوب عنه يستخدم شخصاً أو أكثر لقاء أجر.
    العامل هو: كل شخص طبيعي يؤدي عملا لدى صاحب العمل لقاء أجر ويكون أثناء أدائه العمل تحت إدارته وإشرافه.
    الأجر هو: الأجر الكامل وهو الأجر الأساسي مضافا إليه العلاوات والبدلات.
    كما يمكن حسم هذا الامر بتعريف المادة المذكورة  للعمل واقترانه مباشرة بالأجر فقد عرفت المادة المذكورة العمل بأنه ” كل ما يبذله العامل من جهد ذهني أو جسماني لقاء أجر سواء كان هذا العمل دائما أو مؤقتا أو عرضيا أو موسميا. ”

أولا: المقصود بالأجر

    الاجر بمعنى أجرة أي المقابل الذي يتلقاه العامل نظير العمل الذي يقوم به سواء كان هذا المقابل ماديا أو نقديا
    ولنا تفصيل أكثر في المقصود بالأجر والصعوبات التي تثور بشأنه عند الحديث عن التزامات رب العمل

ثانياً: اعتبار المتمرن اجيرا

    لا يعتبر المتمرن اجيرا وتنطبق عليه مقتضيات قانون العمل وإن كان يتلقى أجرا معينا كبدل مواصلات أو غير ذلك لتشجيعه على مواصلة التمرين او اعانته عليه.
    ومثاله المحامي المتمرن ذلك لأنه يصعب تحديد من هو المستفيد من علاقة التمرين هل هو الشخص المتمرن الذي يستفيد من خبرة الممرن ودرايته وهو المحامي المزاول أم ان المستفيد هو المحامي المزاول الممرن الذي يستفيد من الاعمال التي ينجزها المحامي المتمرن

ثالثاً: السكوت عن تحديد الاجر

    الاصل أن يكون العمل مأجورا ولو لم يتم الاتفاق صراحة على كونه كذلك ما لم توجد قرينة او سببا تجعل العمل غير مأجور ومثالها اذا كان العمل مما جرت به العادة ان يكون من اعمال التبرع، أو أن يكون العمل داخلا ضمن اعمال ومهنة من يؤديه.
    فإذا لم توجد قرينة تصرف العمل الى أنه من اعمال التبرع اعتبر العمل مأجورا وتنطبق عليه بالتالي احكام قانون العمل.
    اما اذا وجدت قرينة على اعتبار العمل غير مأجور فانه لا تطبق عليه قواعد قانون العمل وإنما يخضع لعقود الخدمة المجانية ومثالها الخدمة التي يتلقاها العملاء المشتركون في مؤسسة تجارية معينة مثل شركة الكهرباء أو الاتصالات او نحو ذلك. وكذلك الامر بالنسبة لقواعد المجاملات الاجتماعية او المهنية مثال مساعدة بعض المزارعين بعضهم لبعض أو مساعدة الاخ لأخيه في عمل معين.

رابعا: سريان قانون العمل علي العمل الغير مأجور

    يرى جانب من الفقه الفرنسي وجوب تطبيق مقتضيات قانون العمل ولو لم يكن العمل مأجورا لوحدة العمل ومفهومه، وهو امر لم يسلم به جانب بل اغلب الفقه المقارن وذلك لاختلاف طبيعة الالتزامات التي ترتبها بعض العلاقات ان كانت مأجورة أو غير مأجورة
    فمثلا عقد الوكالة ان كان مأجورا التزم الوكيل ببذل عناية الرجل المعتاد اما اذا كانت الوكالة غير مأجورة التزم الوكيل ببذل عناية الموكل نفسه.
    وغنى عن البيان أن عقد الوكالة يكون مأجورا بغض النظر عن تسمية المقابل الذي يحصل عليه الموكل ”ماهية – اتعاب – اجر – راتب – عمولة“

المطلب الثالث: شرط كون العمل تبعيا.
    لا يشترط في تطبيق مقتضيات قانون العمل أن تكون علاقة العمل فقط خاصة ومأجورة ولكن لا بد أيضا أن تتوافر في هذه العلاقة شرط التبعية.
    والمقصود بهذا الشرط أن يكون العامل تابعا عند القيام بعمله لسلطة وإشراف رب العمل متلقيا منه الاوامر والتعليمات.
    أي يؤدي من يقوم بالعمل عمله تحت توجيه أو سلطة أو رقابة أو إشراف من يؤدي العمل لحسابه . وتفصيل ذلك أن صور العمل الإنساني لا تقع تحت حصر وإذا فهم قانون العمل على أنه القانون الذي ينظم صور العمل الإنساني كلها لطغي هذا الفرع من فروع القانون على فروع آخر كثيرة تقوم بدورها بتنظيم صور مختلفة من العمل الإنساني . 
    وليست معنى هذا أن كل صورة من صورا لعمل الإنساني تخضع لفرع مختلف من فروع القانون ولكن جرى الامر على تقسيم العمل إلى نوعين رئيسيين عمل مستقل من ناحية وعمل تابع أو خاض من ناحية أخرى مع إخضاع العمل التابع لقانون العمل وإخضاع العمل المستقل لفروع أخرى من القانون. 

يتبع ... المطلب الثالث: شرط كون العمل تبعيا. 

    ولهذا التقسيم وجاهته لأن الرابطة التي تنشأ بين شخصين يؤدي احدهما العمل تحت إشراف وتوجيه الآخر تختلف في طبيعتها عن الرابطة التي بين شخصين يؤدي احدهما العمل مستقلا دون خضوع لإشراف أو توجيه حتى ولو كان العمل يؤدي لحسابه . فالعامل الذي يؤدي عمله في المصنع أو في محل تجارة أو في مزرعة يوجد في حالة تبعية لصاحب المصنع أو المحل التجاري أو المزرعة او يكون خاضعاً لإشراف وتوجيهه خضوعاً يبرر تنظيم علاقتهما بقواعد تختلف عن القواعد التي تنظم العلاقة بين الطبيب ومرضاه أو المحامي بموكليه لأن المحامي لا يرتبط وأنما يمارس كل منهما عمله مستقلا حتى ولو كان يتقاضى أجرا أو اتعاباً .
    
    وهذا الاستقلال يجعل عمل كل من الطبيب والمحامي خاضعاً لقواعد أخرى خلاف قواعد قانون العمل وخضوع من يقوم بالعمل التابع لسلطة وإشراف من يتم العمل لحسابه بوجده في حالة تبعية قانونية هي التي تعتبر معيار التفرقة بين ما يخضع من الأعمال لقانون العمل وبين مالا يخضع له . وبتعبير آخر تحدد لنا التبعية القانونية موضوع قانون العمل وترسم الطريق لتعريفه
    ويقصد بالتبعية والعمل تحت إدارة وإشراف صاحب العمل خضوع العامل للأوامر والتوجيهات التى يصدرها رب العمل والتى تتعلق بتحديد العمل المطلوب وكيفية القيام به ووقت ومكان أدائه وحق صاحب العمل فى توقيع الجزاء على العامل إذا لم يراع الأوامر الموجهة له
    ولا يشترط أن تكون التبعية تبعية كاملة يشرف بموجبها صاحب العمل على العامل إشرافاً كاملاً فى كل تفاصيل العمل وجزئياته من الناحية الفنية، فقد يكتفى صاحب العمل بالإشراف على الظروف الخارجية دون أن يتدخل فى العمل من الناحية الفنية وتلك التى تسمى التبعية الإدارية أو التنظيمية وهى تكفى للقول بتوافر التبعية فى علاقة العمل

يتبع ... المطلب الثالث: شرط كون العمل تبعيا.

    فعلى سبيل المثال، علاقة الطبيب بمرضاه فى عيادته الخاصة ليست علاقة عمل حيث يعمل الطبيب لحسابه الخاص ولا يخضع لإشراف شخص آخر، أما علاقة الطبيب الذى التحق بالعمل لدى طبيب آخر فى عيادته أو مستشفاه أو الطبيب الذى أبرم عقداً مع إحدى الشركات أو الهيئات لعلاج عمالها فيخضع تكييف العقد فى هذه الحالة لتوافر أو تخلف عنصر التبعية "وبناء عليه، فالطبيب المكلف بالكشف على المرضى فى مواعيد وأماكن محددة وفقاً لنظام محدد تضعه الشركة، يعتبر مرتبطاً معها بعقد عمل"
    مثال آخر هو علاقة المحامى بعملائه، فهى فى الأصل علاقة تخضع لعقد الوكالة. ولكن ليس هناك ما يمنع إخضاع المحامى لعلاقة العمل إذا ثبت أن توافرت علاقة التبعية فى العقد، فقد يتوافر فى علاقة المحامى بمحامى آخر عنصر التبعية وذلك إذا تعاقدا على أن يعمل أحدهما تحت إشراف ورقابة الآخر ولذك قررت محكمة النقض المصرية أن عمل المحامى فى مكتب زميل له لا يعتبر من قبيل التوظف الذى نص قانون المحاماة على عدم جواز الجمع بينه وبين المحاماة، ولا ينفى قيام علاقة العمل بين محام وزميل له يعاونه فى مباشرة مهنته لقاء أجر متى توافر عنصر التبعية والإشراف (الطعن رقم 313– سنة 28ق- بتاريخ 9/5/1962- مكتب فنى 13- رقم الجزء2- رقم الصفحة 606).  وكذلك العقد الذى يبرمه المحامى مع منشأة كمستشار قانونى لها، فقد قررت محكمة النقض المصرية أنه يعتبر عقد عمل متى توافرت عناصر التبعية فيه حتى ولو كان للمحامى مكتب خاص به يمارس فيه أعمال المحاماة.  وقد تتمثل علاقة التبعية بين المستشار القانونى والشركة فى تخصيص مكتب مستقل للمستشار بمقر الشركة لمباشرة قضاياها واستخدام مطبوعات الشركة وتحديد كشف بالقضايا التى يجب أن يحكم فيها والقضايا التى يجب أن تؤجل
    ويثير تحديد مفهوم التبعية عدة اشكاليات تتعلق بمدى توافر التبعية من عدمه وهو ما يدفعنا الي الوقف علي هذا الشرط بشكل مفصل، لتميز عقد العمل عن العقود المشابهة له.

Previous Post Next Post