تعريف علم الإجرام 
لقد اختلف فقهاء القانون الجنائي وكذلك العلماء المهتمون بالبحث في مجال علم الاجرام اختلافاً كبيراً في وضع تعريف لهذا العلم, تعريف يكون جامعا لكل موضوعاته ومانعا من اختلاط غيرها بها . وهذا ما يفسر تعدد التعريفات التي قيل بها في هذا الشأن , والتي يمكن  أن يلاحظ عليها أن بعضها موجز, بل مقتضب, والبعض الآخر فضفاض ومرن بحيث يتسع لأن يدخل في إطاره بعض الموضوعات التي ليست من مجال علم الاجرام . هذا فضلاً عن أن بعض هذه التعريفات يغلب عليها الطابع الاجتماعي في تحديد موضوعات علم الاجرام, في حين يهتم البعض الأخر من هذه التعريفات بإبراز الصبغة الفردية لهذه الموضوعات.

فقد عرف سيلج SEELIG  علم الاجرام في كلمتين حينما قرر أنه " علم الجريمة" وعرفه روبرت فوان Robert VOUIN  وجاك لوتي Jacques lewute  بأنه " الدراسة العلمية للظاهرة الإجرامية" . أما بيير بوزا Pierre DOUZAT وجون بيناتل jean PINATEL فقد تبنيا تعريف إميل دوركايم Emile DURKHEIM  لعلم الاجرام عندما عرفاه بقولهما أنه إذا كنا نسمي كل فعل معاقبا عليه جنائياً بأنه جريمة, فان هذه الجريمة هي موضوع علم الاجرام.

بل إن البعض قد توسع في تعريف علم الاجرام حيث جعل مفهومه شاملا للنشاط الإنساني مع الاهتمام بصفة خاصة بالسلوك المضاد للمجتمع ووسائل علاجه.

لذلك, فانه , أي علم الاجرام يتناول من وجهة نظرهم تحليل الظروف الاجتماعية المتعلقة بتطور القوانين الجزائية وأسباب الجريمة وتقرير الجزاء لمكافحتها.

وفي الواقع فإن هذا التعريف الأخير قد نادي به المتأثرون بأفكار الفقيه والعلامة الايطالي_ واحد أقطاب المدرسة الوضعية الايطالية في مجال القانون الجنائي ألا وهو انريكو فيري, وذلك في مؤلفه الشهير " علم الاجتماع الجنائي وهي الأفكار التي تسود الآن في ما يسمي بالمدرسة الأمريكية في مجال علم الاجرام, والتي أرسي أسسها ودعائمها العالم الأمريكي كريسي سيزرلاند فأنصار هذا الاتجاه يرون ان علم الاجرام هو العلم الذي يهتم بدراسة الجريمة باعتبارها ظاهرة اجتماعية . لذا فهم يجعلون من موضوعات علم الاجرام _ فضلا عن دراسة أسباب الجريمة

 دراسة كيفية إعداد القوانين والعلاقات التي تتولد عن الجرائم التي ترتكب بالمخالفة لهذه القوانين وكذلك رد الفعل الاجتماعي عن هذه الجرائم.

وقد انعكس هذا الخلاف في تعريف علم الاجرام علي الفقه المصري . فقد عرفه البعض بأنه " هو العلم الذي يدرس أسباب الجريمة كظاهرة فردية واجتماعية ليحدد القوانين التي تحكمها وتفسرها في مظاهرها المتنوعة.

وعرفه بعض العلماء بأنه" العلم الذي يدرس الجريمة باعتبارها ظاهرة في حياة الفرد وفي حياة الجماعة دراسة علمية تستهدف وصفها وتحليلها وتقصي أسبابها . ويعرفه جانب ثالث  بأنه " ذلك الفرع من العلوم الجنائية الذي يبحث في الجريمة باعتبارها ظاهرة في حياة الفرد , وفي حياة المجتمع , لتحديد وتفسير العوامل التي أدت إلي ارتكابها".

وهناك تعريفات لعلم الاجرام تبرز طبيعته التجريبية ومدي مسايرته للتطور في مجال العلوم الجنائية . لذا فقد تم تعريفه بأنه " بذلك الفرع من العلوم الجنائية  الذي يدرس الجاني   ومشاكله , ويدرس الموقف الإجرامي بعناصره المختلفة , دراسة واقعية تجريبية محاولاً الوصول الي ظاهرة الجريمة , التي تدور حولها أحكام القانون الجنائي, تحليلا علمياً.

وأخيراً يجدر الإشارة إلي أن هناك اتجاها حديثاً في الفقه المصري يؤكد علي أن تركيز الدراسات الفقهية  في علم الاجرام علي الجريمة والمجرم , وذلك بغرض معرفة أسباب الجريمة التي ترجع للفرد, أي الجاني أو البيئة المحيطة به , والتعرف علي دوافع الفرد إلي الاجرام فقد أدي إلي أن ( بقيت الدراسة العلمية للظاهرة الإجرامية غير متكاملة). وذلك نتيجة إهمال دور المجني عليه في هذه الظاهرة , ذلك الدور الذي يجسد أحد موضوعات أحدث العلوم الجنائية, ألا وهو علم المجني عليه.

ويري هذا الاتجاه الحديث أن دور المجني عليه في الظاهرة الإجرامية قد ظل مهملاً إلي أن بدا يظهر " علم المجني عليه" وذلك عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية فقد اهتم هذا العلم ببيان السمات العضوية والنفسية والاجتماعية والثقافية الخاصة بالمجني عليه في الجريمة . كما وضح العوامل المختلفة التي تجعل بعض الأفراد عرضة للوقوع ضحايا للجريمة أكثر من   غيرهم . هذا فضلاً عن التركيز علي ضرورة التعرف علي طبيعة العلاقة بين الجاني والمجني عليه في الجريمة والتي قد يكون لها أثر كبير في ارتكاب هذه الأخيرة , وذلك لاحتمال أن يكون المجني عليه قد خلق فكرة الجريمة لدي الجاني وحرضه عليها أو سهل له ارتكابها, وبعبارة أخري , فانه بظهور علم المجني عليه اكتملت عناصر الظاهرة الإجرامية, حيث أن هذا العلم يمثل العنصر الثالث لهذه الظاهرة والذي يجب أخذه في الاعتبار عند دراستها إلي جانب عنصريهما الآخرين, أي الجريمة والمجرم.

وذلك (أن بحث سلوك الجاني ودوافعه إلي الجريمة وتحديد خطورته من الناحية الجنائية , لن يأتي إلا بمعرفة مدي علاقته بالمجني عليه , وبيان دور هذا الأخير في خلق فكرة الجريمة لديه أو تسهيل وقوعها , وتنعكس هذه الدراسة العلمية للمجني عليه علي نظام العدالة الجنائية, حيث يمكن من ناحية تحديد مدي خطورة الجاني والبتالي تحديد مسئوليته عن الجريمة , مما يساعد علي اختيار المعاملة العقابية المناسبة لحالته. ومن ناحية أخري تظهر أهمية هذه الدراسة في مجال الوقاية الفعالة من الجريمة, لأن فهم سلوك المجني عليه بعمق يدفعنا إلي اتخاذ أساليب وقائية أكثر فعالية بالنسبة للجاني, بل كذلك بالنسبة للمجني عليه .

وذلك باتخاذ التدابير والاصطلاحات التي من شأنها أن تمنع وقوع الأفراد ضحية للجريمة , أو من العودة مرة أخري للسقوط ضحية لنفس الجريمة أو لغيرها من الجرائم . وأخيرا فان الدراسة العلمية للمجني عليه تساعد أكثر علي معرفة ظروفه وصفاته الخاصة التي قد تساعد علي وقوعه ضحية للجريمة, مما يساعد علي اتخاذ التدابير اللازمة لحمايته والدفاع عن حقوقه علي مختلف المستويات.

وبناء علي ذلك يعرف هذا الاتجاه الحديث علم الاجرام بأنه " هو العلم الذي يدرس الظاهرة الإجرامية دراسة شاملة من خلال عناصرها الثلاثة: الجريمة والمجرم والمجني عليه, بهدف معرفة الأسباب الحقيقية لنشوئها سواء أكانت ترجع إلي الجاني أم المجني عليه أم البيئة".

في الواقع فان هذا التعدد في تعريفات علم الإجرام يرجع إلي أسباب متعددة ومختلفة, ويمكن إجمال أهمها في الآتي:-

أولا: إن علم الاجرام مازال حتي الآن علماً حديث النشأة , نسبياً فهو طبقاً للسائد في الفقه_ وليد أفكار المدرسة الموضوعية الايطالية في مجال القانون الجنائي , تلك المدرسة التي لم تظهر إلا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. ولعل هذا ما يفسر اجتماع الفقه علي أن علم الاجرام مازال يحبو في المهد أو بالأكثر هو( علم غض الإهاب حديث النشأة لا يرجع العهد به إلي بعيد ) وقد ترتب علي ذلك عدم وجود معطيات مسلم بها لهذا العلم.

ثانياً: تختلف العلوم الإنسانية بصفة عامة , وعلمي_طبائع الإنسان, وعلم النفس)بصفة خاصة , وهي العلوم التي ينتمي إليها علم الاجرام, ويعتمد في دراساته وأبحاثه ونتائجه عليها , بالإضافة إلي علم الاجتماع وذلك علي عكس التقدم المذهل الذي حققته علوم المادة والطاقة, أي العلوم الطبيعية, خلال ما يزيد قليلاً عن قرن من الزمان.

ثالثاً: اختلاف وتباين الزوايا التي ينظر منها كل فقيه أو باحث أو عالم إلي علم الإجرام. ذلك أنه قد ترتب علي العاملين السابقين أن حاول كل صاحب تعريف أن يجعل من تعريفه مرآة عاكسة لوجهة نظره فيما يتعلق بتحديد نطاق علم الإجرام وبيان موضوعاته فمثلاً اختلاف الفقهاء والعلماء والباحثين حول مفهوم (( الجريمة)) التي يهتم علم الإجرام بالبحث عن أسبابها ودوافعها لدي مرتكبيها, وهل يراد بالجريمة التعريف القانوني أم التعريف الاجتماعي لها, كان لا بد لهذا الاختلاف أن ينعكس أثره علي تعريف كل منهم لهذا العلم. كذلك الشأن بالنسبة لنطاق علم الإجرام , فهل يجب أن تقتصر دراساته وأبحاثه علي الظاهرة بقصد بيان أسبابها ودوافعها فقط؟ أم أنها يجب أن تشمل فضلاً علي ذلك بيان طرق الوقاية من الجريمة ابتداء أو العودة إلي ارتكابها مرة أخري ؟.

مجمل القول , عن تعددت تعريفات علم الإجرام إنما يرجع إلي أن نطاق هذا العلم مازال حتي الآن غير واضح المعالم, وأن موضوعاته مازالت متنازعاً عليها لاشتراك علوم أخري في الاهتمام بدراستها. وهذا يرجع أولاً وكما سبق القول, إلي حداثة علم الإجرام كما يرجع ثانياً إلي تشعب جوانب الظاهرة الإجرامية؛ سواء بصفتها ظاهرة فردية أم بصفتها ظاهرة اجتماعية, وهو الأمر الذي ترتب عليه انشغال علوم إنسانية أخري بها, مثل علم الانتروبولوجيا الجنائية وعلم النفس الجنائي وعلم الاجتماع الجنائي.

ولا شك أن هذا المعني هو ما أراد أن يشير إليه جانب من الفقه , وهو بصدد إعطاء تعريف لعلم الاجرام بحسب مفهومه المعاصر لديه . فبعد أن عرفه بأنه العلم الذي يبحث في تفسير السلوك العدواني الضار بالمجتمع وفي مقاومته عن طريق إرجاعه إلي عوامله الحقيقية.

أردف عقب ذلك مباشرة قائلاً(( وهذه العوامل قد تتمثل في الظروف الاجتماعية المحيطة بالجاني, فيوصف عندئذ بأنه علم اجتماعي . كما قد تتمثل هذه العوامل في دوافع داخلية كامنة في نفس الجاني, فيوصف عندئذ بأنه علم إجرام فردي أو علم طبائع الجناة أو الإنسان الجنائي. كما أن هذا الشق الثاني, أي علم طبائع الجناة أو الانتروبولوجيا الجنائية , يمكن بدوره أن ينقسم إلي فرعين متكاملين وهما :((علم النفس العقابي)) الذي يعد فرعاً من علم النفس العام, في جانبه المتعلق بدراسة العوامل النفسية المحركة للسلوك الإجرامي وتلك المتصلة بأثر العقوبات في نفسيات أولئك الخاضعين لها, و((علم البيولوجيا العقابية)) الذي يعد فرعاً من علم البيولوجيا العام في جانبه المتعلق بدراسة التكوين الحيوي أو الفطري للإنسان من ناحية صلته المحتملة بسلوكه الإجرامي .

التعريف المقترح 

وبطبيعة الحال فإن حدة الخلافات الفقهية في هذا المجال لا تحول بيننا وبين إعطاء تعريف لعلم الاجرام أو تبنينا لأحد هذه التعريفات التي قيل بها لاعتقادنا أنه الأولي بالإتباع لأنه علي الأقل الأقرب إلي الصواب من غيره من سائر التعريفات.

على أنه قبل بيان هذا التعريف يحب أن نذكر بأن تحديده قد تم بعد مراعاة عدة اعتبارات أهمها الاعتبارين التاليين:

الاعتبار الأول: ينبع من تفهم وإدراك تام لطبيعة الظاهرة الإجرامية ذلك أنه إذا كان صحيحاً من ناحية أن التعريف بعلم من العلوم يعد أقصي وأرقي درجات الإلمام والإحاطة به إلا أنه يجب من ناحية أخري أن نلاحظ أننا بصدد تعريف علم يتخذ من أكثر الظواهر تغيراً في المجتمع موضوعا له . ألا وهي ظاهرة الجريمة فمن المعلوم والثابت أن مفهوم الجريمة يختلف من مكان لآخر , أي باختلاف الشعوب وقيمتها. كما يختلف من زمن لآخر بالنسبة للشعب الواحد. وبعبارة موجزة, أن المفهوم القانوني أو حتي الاجتماعي للجريمة يختلف باختلاف الزمان والمكان.

أما الاعتبار الثاني, فهو يتمثل في معطية معينة يجب أن تتوافر لدي الباحث أو العالم أو الفقيه. ومفهومها أنه يحب أن يظل مائلا في الأذهان والانسجام ( بل يمكن أن نقول الاتفاق وليس مجرد التوافق) الذي يجب أن يسود بين العلوم الجنائية التي تشترك وتساهم في دراسة الجريمة ؛ خاصة علم الاجرام وعلم العقاب وعلم السياسة الجنائية . فلا ينكر أحد _أو يكاد_ أن الهدف النهائي أو البعيد لهذه العلوم الثلاثة ( شأنها في ذلك _ في اعتقادنا _ شأن باقي العلوم الجنائية) هو مكافحة الجريمة من أجل القضاء عليها أو بالأقل التقليل منها.

وانطلاقاً من هذين الاعتبارين فانه يمكن تعريف علم الاجرام بأنه: إحدى العلوم الجنائية الحديثة_ نسبياً _ الذي يهتم بدراسة الجريمة دراسة علمية باعتبارها ظاهرة احتمالية في حياة الفرد؛ وظاهرة حتمية في حياة المجتمع, وذلك لمعرفة دوافعها وأسبابها, حتي يتسنى استئصالها.

وكما هو واضح , فان هذا التعريف يبين أن ارتكاب الفرد للجريمة ليس أمراً حتمياً بل مجرد احتمال. أما بالنسبة للمجتمع فالجريمة ظاهرة حتمية فيه, فهي موجودة منذ الأزل وستوجد للأبد. وكل ما في الأمر هو اختلاف حجمها ونوعها بحسب الزمان والمكان, وذلك لاختلاف المجتمعات من مكان لآخر , وتطورها عبر الزمان نتيجة لتغاير وتطور الظروف المختلفة الخاصة بكل منها.كما يشير هذا التعريف إلي أن موضوع علم الاجرام يقتصر علي البحث والدراسة العلمية لدوافع الاجرام. فلا يشمل بالتالي طرق أو وسائل الوقاية منه.

لأنها كما سنري فيما بعد تعد من موضوعات علمي السياسة الجنائية والعقاب 

تعريف علم الاجرام في المؤتمرات الدولية

لقد عرضت مسألة إقرار تعريف لعلم الاجرام علي المؤتمر الدولي الثاني لعلم الاجرام الذي عقد في باريس سنة 1950 تحت إشراف الجمعية الدولية لعلم الاجرام وقد تمثل اتجاه المشاركين في المؤتمر في التوسع في تحديد مفهوم هذا العلم حيث أقروا تعريفاً مفاده: أن علم الاجرام هو الدراسة العلمية لظاهرة الاجرام. واتفقوا علي أن موضوعه هو دراسة أسباب الظاهرة الإجرامية وطرق علاجها. كما أكدوا علي أن علم الاجرام يقع في موقع وسط بين قانون العقوبات وبين العلوم التي تدرس الإنسان بصفة عامة أي أنه بعيد بمثابة حلقة اتصال بين قواعد وأحكام القانون الجنائي.

أي قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجزائية , وبين العلوم الإنسانية التي ينتمي علم الاجرام إليها باعتباره احدها .

وطبقاً لتوصيات هذا المؤتمر فانه يخضع للدراسة في علم الاجرام جميع أصناف الجناة أو المجرمين , أي من يتمتع منهم بالأهلية الكاملة التي تتطلب تمتعه بملكتي الإدراك, أي التمييز, وحرية الاختيار, ومن لا يتمتع بهذه الأهلية , أي من يطلق عليهم وصف المجرمين غير الأسوياء


علم الاجرام
تعريف علم الاجرام والعقاب
نظريات علم الاجرام
علم الاجرام
اهمية علم الاجرام
بحث عن علم الاجرام والعقاب
مبادئ علم الاجرام
دراسة علم الجريمة
مليات بحث متعلقة بـ تعريف علم الإجرام
بحث موضوع تعبير علم الاجرام
تعريف علم الاجرام والعقاب
نظريات علم الاجرام
علم الاجرام
اهمية علم الاجرام
بحث عن علم الاجرام والعقاب
مبادئ علم الاجرام
دراسة علم الجريمة
.

Previous Post Next Post