محاسبة المصارف الإسلامية.
أولا: محاسبة المصارف الإسلامية وأهدافها.
1.  مفهوم محاسبة المصارف الإسلامية النظام المحاسبي فيها: وتعرف المحاسبة في المصارف الإسلامية على أنها " تطبيق لمفهوم وأسس المحاسبة في الإسلام في مجال الأنشطة المختلفة التي يقوم بها المصرف الإسلامي، بهدف تقديم معلومات وإرشادات وتوجيهات تساعد في إبداء الرأي"،  "واتخاذ القرارات التي تساعد في تحقيق مقاصد المصارف الإسلامية حيث أن مجال تطبيقها يشمل العمليات المالية وكذلك تعمل على تحقيق وتدقيق وتسجيل العمليات بشكل يسمح للغير بالإطلاع على السجلات داخل المصرف "(9).
أما النظام المحاسبي في المصارف الإسلامية يعرف على أنه " شبكة من الإجراءات المترابطة تعد حسب خطة متكاملة لإنجاز النشاط الرئيسي للمؤسسة "؛ أما النظام المحاسبي يعرف على أنه " إطار عام يتكون من مجموعة من العناصر المترابطة - وهي الدورات المستندية والدفاتر والسجلات ودليل الحسابات والقوائم والتقارير المالية -، والتي تعمل سويا طبقا لأسس محاسبة المصرف الإسلامي، وباستخدام مجموعة من الأساليب والطرق، وذلك لإخراج معلومات محاسبية لتساعد في تحقيق مقاصد مختلفة ".
والنظام المحاسبي للبنوك الإسلامية يكون مستنبطا من قواعد الفكر المحاسبي، وعند قيام المسؤولين بتصميم نظام محاسبي يجب مراعاة ملائمة لطبيعة أنشطة المصرف، وكذلك سهولته في عرض وتفسير المعلومات للمتعاملين، وأن يمتاز بالاقتصاد في تشغيله.
1.  أهداف محاسبة المصارف الإسلامية: تضع المصارف الإسلامية مجموعة من الأهداف وتسعى جاهدة إلى تحقيقها ونوجزها فما يلي: (10)
‌أ.    المحافظة على الأموال وتنميتها: المصرف مسؤول  على سلامة أمول المساهمين والمودعين، من هنا عليه الالتزام والاختيار طرق التسجيل المحاسبي التي تمنع كل أنواع السرقة والإسراف؛
‌ب.  قياس وتوزيع نتيجة النشاط الإجمالي للبنك: من خلال المسك المحاسبي للعمليات المصرفية يتم تحديد النتيجة الإجمالية للنشاط سواء كان ربحا أو خسارة؛
‌ج.  بيان الحقوق والالتزامات: المصارف الإسلامية تهدف بذلك لمعرفة المديونية والدائنة في أي لحظة من الزمن ليعرف كل طرف ما له وما عليه؛
‌د.   تبيان المركز المالي وتزويد المتعاملين بالمعلومات: تساهم محاسبة المصرف بمعرفة المركز المالي خلال فترات قصيرة، وذلك لتقييم أداء إدارة المصرف في تشغيل أموال متعامليه، وكذلك تزود الأعوان الاقتصاديين بالمعلومات والبيانات من خلال التسجيلات المحاسبية، وكذا مساعدة هيئات الرقابة الخارجية - المصرف المركزي، الهيئات الرقابية الأخرى - بالمعلومات اللازمة.
ثانيا: طبيعة أسس محاسبية المصارف الإسلامية.
وسوف نعرض فى الصفحات التالية تطبيق أسس الفكر المحاسبى الإسلامى فى مجال المصارف الإسلامية مع الإشارة إلى أوجه التماثل والاختلاف بينها وبين ما يناظرها فى البنوك التقليدية، تطبق المصارف الإسلامية أسس الفكر المحاسبى الإسلامى السابق بيانها، وتعتبر هذه الأسس المرشد والموجه لعمل المحاسب فى المصرف الإسلامى، كما تعتبر من مقاييس تقويم الأداء والمقياس لمدى الالتزام بالمنهج المحاسبى الإسلامى فى تنفيذ العمليات المحاسبية وبيان التجاوزات وأسبابها وسبل معالجتها، كما أنها الدستور الذى يرجع إليه فى حسم الاختلافات فى التوجيه المحاسبى للمعاملات التى تقوم بها المصارف الإسلامية. (11)
ولقد بذلت جهود من قبل فقهاء الفكر المحاسبى الإسلامى فى استنباط الأسس المحاسبية الكلية وتطبيقاتها المختلفة فى المؤسسات الاقتصادية والمالية الإسلامية، كما نظمت مؤتمرات وندوات وحلقات نقاشية لهذا الغرض، وفى الآونة الأخيرة أنشأت هيئة لوضع معايير المحاسبة للمؤسسات المالية الإسلامية ومازالت تعمل والجهود مستمرة، ولقد صدر عنها البيان رقم (1) والذى تناول مفاهيم وأسس وفروض محاسبة المؤسسات المالية الإسلامية.
وفي ما يلي نوجز أهم الأسس المحاسبية الملائمة للمصارف الإسلامية فى ضوء ما أسفرت عنه الدراسات والبحوث، مع التركيز على الأسس الآتية: (12)
1.  أساس استقلال الذمة المالية: ويقصد به أنه عند المحاسبة على عمليات المصرف الإسلامى يعامل على أنه شخصية معنوية مستقلة قى ضوء طبيعة ملكيته سواء كانت فى صورة شركة أو هيئة أو جمعية تعاونية وذلك مستقلاً عن إدارته القائمة بالأعمال التنفيذية، كما يتم الفصل بين ذمة أصحاب حسابات الاستثمار (المستثمرين) وملاك المصرف الإسلامى (المساهمين) وبين من يتعاملون مع المصرف الإسلامى (العملاء) وذلك عند حساب حقوق كل منهم وما عليه من التزامات وفقاً للعقود الشرعية. ولقد أخذ الفقه الإسلامى بأساس الشخصية المعنوية المستقلة وطبقه فى مجالات عديدة مثل دور العبادة، والوقف، ودور بيت المال، والشركات، والولاية على أموال القصر، دور العلم، ومؤسسات الوقف والأرصاد، وهذا الأساس من ضروريات المعاملات المالية ويتفق مع الفطرة والمنطق وهو من الأمور التجريدية، ولذلك اتفق الفكر المحاسبى التقليدى مع الفكر المحاسبى الإسلامى فيه، مع الأخذ فى الاعتبار فضل السبق للإسلام فى هذا الشأن، وتأسيساً على هذا الأساس تبرم العقود والاتفاقيات بين المصرف الإسلامى كشخصية معنوية ويمثله فيها رئيس مجلس الإدارة أو من ينوب عنه، ويلتزم المصرف بهذه العقود من حيث الحقوق والالتزامات، كما يقوم  المحاسب فى المصرف الإسلامى بالمحاسبة عن معاملات المصرف وبيان حقوقه والتزاماته الناجمة عن تلك المعاملات كشخصية معنوية مستقلة عن إدارته، كما يعد حساباته الختامية والميزانية باسمه. 
2.  أساس الحولية: يعتبر الحول مدة زمنية لحدوث النماء فى الفكر المحاسبى الإسلامى، وأساساً لحساب معظم أنواع الزكوات، فقد جاء فى الشرح الصغير: " تُقَوِّم كل عروضك  كل عام كل جنس يباع به غالباً فى ذلك الوقت قيمة عدل على البيع المعروف ". ولقد طبق فقهاء المسلمين أساس الحولية فى مجال إعداد الحسابات الختامية للشركات والمنشآت الفردية لغرض حساب الزكاة والتخارج والإنضمام، كما طبقت فى الدواوين الحكومية لمعرفة المركز المالى والفائض أو العجز فى موازنة الدولة، كما استخدم أساساً لتقدير الدخل والخرج للولايات الإسلامية. 
وكانت الفترة المالية تحدد على أساس السنة الهجرية فى معظم الأحيان، فعن إبراهيم بن سعيد عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد قال سمعت عثمان بن عفان يقول: " هذا شهر زكاتكم فمن كان عليه دين فليؤده حتى تخرجوا زكاة أموالكم، ومن لم تكن عنده لم تطلب منه حتى يأتى بها تطوعاً ومن أخذ منه حتى يأتى بها تطوعاً، ومن أخذ منه حتى يأتى هذا الشهر من قابل ( قال إبراهيم أراه يعنى رمضان ) "، ويقول أبو عبيد بن سلام قد جاءنا فى بعض الأثر أن هذا الشهر الذى أراده عثمان هو المحرم، ولعل وجه هذا أن الشهر هو رأس السنة الهجرية (13)، ويطلق على أساس الحولية فى الفكر المحاسبى التقليدى مبدأ السنة المالية وبذلك لا يوجد اختلاف بين الفكر المحاسبى الإسلامى والفكر المحاسبى الوضعى فى هذا الأساس. وتطبق المصارف الإسلامية أساس الحولية، ولكن بعضها يسير على التقويم الهجرى والآخر يسير على التقويم الميلادى، وليس فى هذا مخالفة شرعية والأولى أن تسير جميعها على أساس الحول الهجرى حتى يمكن المقارنة وإعداد الحسابات الجامعة لها جميعاً. وتقوم بعض المصارف الإسلامية بإعداد مراكز مالية على فترات شهرية ربع سنوية لإجراء توزيعات مؤقتة وليس فى هذا مخالفة شرعية على أن تتم التسوية النهائية فى نهاية الحول. 
3.  استمرارية النشاط: يقضى هذا الأساس بأن ينظر إلى المشروع إلى أنه مستمر فى نشاطه وأن التصفية أمر غير عادى فى حياته حيث أن الحياة مستمرة وأن الإنسان فَان وأن الله سوف يرث الأرض ومن عليها، ولذلك يؤمن الفرد بأن أولاده من بعده أو إخوانه سيقومون بمتابعة النشاط إذا مات، كما يؤمن كذلك بأن المال ملك لله سبحانه وتعالى، وأساس ذلك من القرآن الكريم قوله تبارك وتعالى: " آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه  " ( الحديد: 7 ). ولضمان استمرار المشروع فى نشاطه وتجنيبه الأخطار فى المستقبل حث رسول الله  بالاقتصاد فى النفقات والاحتياط للمستقبل فقال: " رحم الله امرءاً اكتسب طيباً وأنفق قصداً وقدم فضلاً ليوم فقره وحاجته " ( عن عبادة بن الصامت )، كما قال الإمام على : "أعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا وأعمل لأخرتك كأنك تموت غداً". ولقد طبق أساس الاستمرارية فى الأنشطة الاقتصادية عند تحديد وقياس الأرباح وتقويم العروض لأغراض زكاة المال وكذلك فى شركات المضاربة المستمرة، والتى لم تنص كل العروض إذ يقوم المحاسب عند كل فترة معينة ولتكن نهاية الحول بتقدير الأرباح تقديراً ظنياً وتوزيعها بين أطراف المضاربة، وعند التصفية النهائية قد يرد صاحب العمل ما سبق أن أخذه من أرباح إذا كانت النتيجة النهائية خسارة، ويمكن تطبيق هذه الأساس أيضاً فى شركات المفاوضة والعنان وغيرهما من الشركات التى تجيزها الشريعة الإسلامية. ويأخذ الفكر المحاسبى التقليدى بهذا الأساس، لأنه من الأسس التجريدية والتى تسير وفق الكون ومن ثم لا يجب أن يكون هناك اختلافاً عليها، كما تطبق كل من الصارف الإسلامية والبنوك التقليدية هذا الأساس إلاّ فى حالات التصفية فإنه تعد الحسابات وفقاً لأسس محاسبية قد تختلف عن الأسس فى حالة الاستمرارية. 
4.  التسجيل الفورى التاريخى: ويقصد بذلك سرعة كتابة المعاملات فور حدوثها أولاً بأول حسب تاريخ حدوثها باليوم والسنة، ودليل ذلك من القرآن الكريم هو قول الله عز وجل: " يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه " ( البقرة: 282 )، فلقد أشارت هذه الآية إلى السرعة فى كلمة فاكتبوه، فحرف يفيد السرعة والتتابع، وأشارت إلى التاريخ فى عبارة إلى أجل مسمى، وعندما أنشأ بيت مال المسلمين  كان يتم التسجيل فى دفاتره وسجلاته أولا ًبأول، وكان يذكر أمام كل عملية وارد أو منصرف اليوم والشهر والسنة، طبقاً لما هو وارد بالمستندات المؤيدة لذلك. وهذا الأساس ملزم للمصارف الإسلامية، حيث يجب التسجيل الفورى لبيان الدائنية والمديونية فى أى لحظة زمنية كما يجب أن تستعين بالأساليب الحديثة التى تمكنها من تطبيق هذا الأساس مثل الحاسبات الآلية ونظم المعلومات المتكاملة، وهذا الأساس من الأسس التى لا تصطدم بزمان أو بمكان ويتفق مع الفطرة والمنطق والموضوعية، ولقد أخذت به النظم المحاسبية التقليدية واعتبروه من المبادئ المحاسبية المتفق عليها، ويطبق فى كافة البنوك التقليدية والإسلامية وغيرها.
5.  التسجيل المقترن بالمستندات: ( الموضوعية ): ويقصد بذلك أن يكون تسجيل المعاملات مقترناً بأدلة الإثبات والتى تتمثل فى المستندات، وذلك لتجنب الاجتهادات الشخصية وسد باب الشك فى صحة البيانات، ولقد أكد على ذلك القرآن الكريم، فقال الله تبارك وتعالى: " واستشهدوا شهيدين من رجالكم … إلى آخر الآية " ( البقرة: 282 )، والإشارة هنا إلى توثيق الكتابة بالشهادة ويحل محل الشهداء المستندات الموقع عليها من أطراف المعاملات. وكان التسجيل فى بيت مال المسلمين من واقع مستندات من أهمها ما يلى:
   البراءة: وهو مستند خارجى يعطى لمن يقوم بسداد أى شىء إلى بيت المال من مال أو عرض؛
   الشاهد: وهو مستند داخلى فى ديوان بيت المال يستخدم فى التسجيل فى المعاملات المتبادلة بين الأقسام والإدارات داخل بيت المال؛
   رسالة الحمول: وهو مستند كان يتداول بين دواوين بيت المال فى الأقطار الإسلامية. 
ويطبق هذا الأساس فى المصارف الإسلامية بنفس المفهوم والمضمون الذى كان مطبقاً به فى صدر الدولة الإسلامية مع اختلاف الأسماء، ويطلق على هذا الأساس فى الفكر المحاسبى الإسلامى الوضعى اسم الموضوعية أو المستندية، وهو من الأسس التجريدية الذى لا يصطدم بزمان أو بمكان وهو يطبق كذلك فى البنوك التقليدية.
6.  ثبات تطبيق الأسس المحاسبية خلال الفترات الزمنية: ويقصد بذلك ثبات الأسس الكلية المطبقة من حيث المسميات حتى تسهل عملية المقارنة والتجميع والتفريق حسب متطلبات مستخدمى المعلومات المحاسبية، وهذا أمر منطقى لأن التوجيه المحاسبى ما هو إلاّ ترجمة لعقود واتفاقيات مبرمة طبقاً لقواعد وأحكام الشريعة الإسلامية وكذلك طبقاً لأعراف تجارية استقرت بين المتعاملين وأقرتها الشريعة الإسلامية، ومن بين مظاهر التوحيد المحاسبى الذى كان مطبقاً فى بيت المال:
   الفترة المالية ـ السنة الهجرية؛ 
   توحيد وحدات القياس النقدى؛
   توحيد المصطلحات المحاسبية ومفاهيمها وأسسها؛
   نماذج القوائم المالية. 
ويعتبر أساس التوحيد المحاسبى وثبات تطبيق الأسس المحاسبية الكلية من الضروريات فى المصارف الإسلامية، حتى تمكن من المقارنات وتقويم الأداء بين السنوات وبين المصارف الإسلامية على مستوى الأمة الإسلامية.
وهناك جهود تبذل الآن من قبل هيئة المحاسبة والمراجعة نحو توحيد المفاهيم والمصطلحات والأسس والنماذج المحاسبية على مستوى المصارف الإسلامية، ولقدورد ذلك تفصيلاً فى البيان رقم (1)، ورقم (2) الصادر عن الهيئة. وتعتبر مسألة الثبات من المبادئ المحاسبية المتعارف عليها دولياً أما التوحيد فهناك اختلاف بين المحاسبين بشأنه.
7.  القياس الفعلى أو الحكمى: يتم القياس فى الفكر المحاسبى الإسلامى على أساس الحاصل الفعلى المؤيد بأدلة تحقيقاً لأساس الموضوعية، ولكن الموضوعية الكاملة صعبة التحقيق، فكان ولابد من الالتجاء إلى التقدير الحكمى المبنى على الحنكة والخبرة وغير ذلك من الأساليب وهذا أمر أخذ به الرسول والصحابة فى كثير من المسائل، وهذا ما يطلق عليه اسم: التنضيض الحكمى، وتطبيق أساس القياس فعلاً أو حكماً واضح فى محاسبة زكاة المال، ففى بعض أنواع الأموال التى يصعب القياس الفعلى ويلجأ إلى التقدير، فقد ورد أن رسول الله (  صل الله عليه وسلم) كان يوصى من كانوا يقومون بتقدير الزروع والثمار بالتخفيف فيقول: " إنا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث، فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع، والربع قليل  " ( رواه أحمد ). وهذا الأساس مرتبط بقاعدة هامة فى فقه المعاملات وهى أن النماء يجرى فى المال خلال الحول سواء تم بيع البضاعة أو لم يتم فالربح موجود فعلاً، ويعتبر البيع ضرورة لظهور حقيقته ولذلك يتم التقويم فى نهاية الحول بالنسبة للعروض التى لم تبع على أساس القيمة الجارية ويقدر ما تحتويه من ربح، وهذا واضح جلى فى فقه الزكاة وفى فقه المضاربة المستمرة. وتلجأ المصارف الإسلامية أحياناً عند قياسها للنفقات والإيرادات إلى عنصر التقدير الحكمى ولاسيما فى مشروعات المضاربة المستمرة، وفى تقدير إهلاكات الأصول الثابتة وفى تقدير المخصصات والاحتياطيات ونحو ذلك، وهذا الأساس معمول به فى الفكر المحاسبى التقليدى ولاسيما فى ظل التضخم النقدى حيث يصعب حساب التغيرات فى الأسعار، كما تطبقه البنوك التجارية، لأن من الأسس التجريدية المرتبطة بسنن الكون: ومنها صعوبة التنبؤ بما يحدث مستقبلاً. 
8.  القياس النقدى: يقضى هذا الأساس بقياس الأحداث الاقتصادية وإثباتها فى السجلات والدفاتر على أساس وحدات نقدية، وكان لهذه الوحدات فى صدر الدولة الإسلامية معادل وزنى من الذهب والفضة، ولقد أشار القرآن إلى ذلك فى كثير من المواضع، فيقول الله عز وجل " والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها فى سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم " ( التوبة: 34 )، ويقول الرسول صل الله عليه وسلم: " ما من صاحب ذهب ولا فضة لايؤدى منها حقها إلاّ كان يوم القيامة، صفحت له صفائح من نار فأحمى عليها فى نار جنهم فتكوى بها جبهته وجنبه وظهره، كلما بردت أعيدت له " ( رواه مسم ). ولا يوجد خلاف بين الفقهاء على اعتبار الذهب والفضة ثمناً للأشياء ومعياراً للتقويم، ولا يوجد حرج من أن تستخدم أى عمله بشرط أن يكون مرجعها إلى الذهب والفضة، وفى هذا الشأن يقول ابن عابدين: " رأيت الدراهم والدنانير ثمناً للأشياء ولا تكون الأشياء ثمناً لها فليست النقود مقصودة لذاتها بل وسيلة إلى المقصود "، ولقد طبق هذا فى فقه الزكاة وفقه المضاربة والشركات وفقه القصاص والدية. وهذا الأساس موجود فى الفكر المحاسبى الوضعى ولكن مع فرض ثبات وحدة النقد، أما فى الفكر المحاسى الإسلامى يلزم ربط قيمة النقد بالذهب والفضة ولا يفترض ثبات وحدة النقد كما سوف نوضح فيما بعد، وتطبق المصارف الإسلامية أساس القياس النقدى عن طريق التقويم على أساس القيمة الجارية، كما سوف نوضح بعد قليل، حتى تعبر القوائم المالية عن الحاضر فى حاضره، وهذا الأساس تطبقه كذلك البنوك التقليدية ولكن بافتراض ثبات وحدة النقد.
9.  أخذ التغيرات فى قيمة وحدة النقد: يقضى هذا الأساس بضرورة الأخذ فى الاعتبار التغيرات التى تطرأ على قيمة وحدة النقد عند التقويم لأغراض إعداد القوائم المالية فى ضوء معيار التقويم السابق الإشارة إليه وهو الذهب والفضة.  وهذا الأساس يختلف عن الأساس المطبق فى الفكر المحاسبى الوضعى الذى يقوم على أساس ثبات وحدة النقد والذى وجه إليه العديد من الانتقادات فى الآونة الأخيرة، وتطالب المنظمات والمجامع والهيئات المحاسبية العالمية الرجوع عن هذا الفرض أو بمعالجته عن طريق إعداد قوائم مالية إضافية على أساس القيمة الجارية، ويجب على المصارف الإسلامية أن تُقَوِّمْ موجوداتها فى نهاية الفترات الزمنية على أساس القيمة الجارية وليس على أساس ثبات وحدة النقد، أما البنوك التجارية  فتقوم بإعداد قوائمها المالية  على أساس فرض ثبات وحدة النقد، وبذلك تختلف عن المصارف الإسلامية. 
10.          التقويم على أساس القيمة الجارية: لقد نادى رواد الفكر المحاسبى الإسلامى ومنذ أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان باستخدام قاعدة التقويم على أساس القيمة الجارية بغرض بيان نتائج الأعمال والمركز المالى لمشروع مستمر وذلك بهدف المحافظة على رأس المال الحقيقى للوحدة الاقتصادية من حيث قوة استبدال العروض التى اقتنيت به وقدرته على تحقيق الربح والنماء، ويعتمد هذا الأساس على أدلة من السنة وأقوال الفقهاء فقد ورد عن رسول الله عليه الصلاة والسلام: " أنه كان يقوم دية الخطأ على أهل القرى أربعمائة دينار أو عدلها من الورق ويقومها على أثمن الأبل إذا غلت رفع قيمتها، وإذا هاجت ورخصت نقص من قيمتها "، وأيضاً ما ذكره أبو عبيد بن سلام حدثنا كثير بن هشام عن جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران قال: " إذا حلت عليه الزكاة فانظر ما كان عندك من نقد أو عرض للبيع، فقومه قيمة النقد، وما كان عليك من دين فى ملاة فاحسبه، ثم أطرح منه ما كان عليك من الدين، ثم زك ما بقى "، وقال أيضاً فى الثمن الذى يجب التقويم به: " وقومه بنحو من ثمنه يوم حلت فيه ثم إخراج زكاته ". ويجب على المصارف الإسلامية تطبيق التقويم على أساس القيمة الجارية عند إعداد حسابات النتيجة والمركز المالى لحساب الربحية وتوزيعها بالحق وبيان المركز المالى ليمثل الحاضر فى حاضره حتى ولو فى كشوف وقوائم ملحقة بالقوائم الفعلية. وهذا الأساس يختلف عن الأساس المطبق فى البنوك التقليدية، حيث يتم التقويم على أساس التكلفة التاريخية وقت الاقتناء، ويتم حساب التكاليف والإهتلاكات على هذا الأساس بصرف النظر عن التغيرات فى مستويات الأسعار، وهذا بدوره يؤثر على الربحية وعلى رأس المال. وتأسيساً على ما سبق يختلف التقويم على أساس القيمة الجارية فى المصارف الإسلامية عن التقويم على أساس التكلفة التاريخية المطبق فى البنوك التقليدية. 
11.          الواقعية فى الاحتياط للمستقبل: يتم قياس النفقات والإيرادات فى الفكر المحاسبى الإسلامى على أساس واحد هو القيمة الجارية، كما تقوم الأصول على أساس القيمة الجارية، وهذا يمثل احتياطاً دقيقاً لما قد يحدث فى المستقبل من نقص فى الإيرادات أو زيادة فى النفقات أو تغير فى قيمة الأصول، كما أنه معيار واحد لكل من النفقات والإيرادات.  وهذا الأساس يختلف تماماً عن مبدأ الحيطة والحذر المطبق فى الفكر المحاسبى التقليدى والذى يقضى بأن تأخذ كل خسارة متوقعة فى الحسبان وإهمال كل ربح متوقع وذلك عند تحديد نتائج الأعمال والمركز المالى، وهذا يؤدى إلى تقدير الأرباح بأقل مما عليه وترحيلها إلى سنوات تالية، وبذلك لا يعبر الربح المحسوب بهذه الطريقة عن الربح الحقيقى القابل للتوزيع.  ويجب على المصارف الإسلامية أن تأخذ بأساس الواقعية والمساواة عند تقدير الالتزامات المتوقعة فى المستقبل بعدم المغالاة والاحتياط الشديد للمستقبل لأن عدم الالتزام بذلك سوف ينجم عنه نقل أرباح من فترة إلى أخرى وحرمان مستثمر اليوم من جزء من ربحه ويستفيد بذلك مستثمر الغد، فالواقعية وعدم الإفراط والتفريط أمر واجب عند تكوين المخصصات والاحتياطيات. وعلى النقيض من ذلك تطبق البنوك التقليدية مبدأ الحيطة والحذر بل وتغالى فى تكوين المخصصات وهذا يختلف عن ما يجب أن يطبق فى المصارف الإسلامية من الواقعية وعدم الإفراط والتفريط وتطبيق معيار واحد لقياس النفقات والإيرادات. 
12.          المقابلة عند قياس نتائج الأعمال: يأخذ الفكر المحاسبى الإسلامى بأساس المقابلة بين النفقات والإيرادات عند قياس نتائج الأعمال، كما يأخذ كذلك بأساس المقابلة بين صافى الذمة المالية بين فترتين متتاليتين ومعرفة التغير الذى يمثل كذلك نتيجة النشاط. ولقد طبق هذا الأساس فى قياس وعاء الزكاة وكذلك فى تحديد نصيب الشركاء فى شركات المضاربة والعنان والمفاوضة وغيرها، ويأخذ الفكر المحاسبى التقليدى بهذا الأساس كذلك، ولكن تختلف طرق قياس كل من النفقات والإيرادات، فعلى سبيل المثال يأخذ الفكر المحاسبى الإسلامى الربح الحكمى الذى لم يظهر بعملية البيع عند حساب الزكاة كما أنها لا تأخذ بالنفقات غير المشروعة. وتطبق المصارف الإسلامية أساس المقابلة بين النفقات والإيرادات عند تحديد نتائج الأنشطة، مع الفصل بين نشاط الخدمات المصرفية ونشاط الاستثمار والتمويل والأعمال، ونشاط الخدمات الاجتماعية كما تلتزم بقواعد حساب النفقات والإيرادات المستنبطة من مصادر الشريعة الإسلامية. وتطبق البنوك التقليدية نفس الأساس، ولكن الاختلاف بينهما فى تحليل النفقات والإيرادات وكذلك فى طرق قياسها، وعدم الفصل بين نتائج الأعمال بين نشاط الخدمات المصرفية والأنشطة الأخرى حيث تطبق نظام الفائدة الذى يختلف عن صيغ وضوابط الاستثمار الإسلامى.
13.          الموازنة بين التبيان والسرية: يأخذ الفكر المحاسبى الإسلامى بضرورة تبيان نتائج الأنشطة وكذلك المركز المالى للوحدة الاقتصادية وذلك لملاكها ولمن يهمهم الأمر، لأن هذا حق من حقوق الملاك والعاملين والمتعاملين والمجتمع الإسلامى، ويرد فى عقود المشاركات والمضاربات والمرابحات وغيرها ما يكفل هذا الحق، ويطلق على هذا الأساس فى الفكر المحاسبى التقليدى بمبدأ العرض والإفصاح. وتأسيساً على ذلك يجب على المحاسب أن يوضح البيانات المنشورة بالقدر المناسب كل حسب قدره وظروفه وبالطريقة التى تحمى المصالح فلا ضرر ولا ضرار، ومن ناحية أخرى يلتزم المحاسب بالصدق والأمانة والعدل فى عرض المعلومات المحاسبية ويتجنب التدليس والإخفاء والغش والتزوير لأن هذا ليس من خلق المسلم، ونجد هذا الأمر واضحاً فى آية الكتابة عندما يأمر الله عز وجل المحاسب بالكتابة بالعدل وكما علمه رب العالمين، فيقول الله تبار وتعالى: " يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذى عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئاً." ( البقرة: 282 ). ويجب على المصارف الإسلامية أن توازن بين التبيان من ناحية وبين مصالح الأطراف المعنية بأمر المصرف من ناحية أخرى ( مستثمرين ومساهمين وعاملين ومتعاملين وجهات حكومية )، بحيث لا تغطى مصلحة طرف على مصلحة الطرف الآخر، ولا توجد معايير لقياس درجة التبيان المطلوبة فهذا أمر موكول لذوى الخبرة يقدرونه حسب خبرتهم وظروف الحال. ويلاحظ فى القوائم المالية المنشورة للبنوك التقليدية الاختصار الشديد والحذر الملحوظ نظراً لحساسية وضع البنوك فى المجتمع، ومن ثم فهى لا تطبق مبدأ أساس التبيان بالمفهوم السليم وهو ما يطلق عليه اسم الإفصاح، وبالمقارنة نجد أن القوائم المالية المنشورة للمصارف الإسلامية أكثر تبياناً ووضوحاً عن نظائرها فى البنوك التقليدية.   
يتضح من التحليل السابق أن المحاسبة فى المصرف الإسلامى تنضبط بأسس الفكر المحاسبى الإسلامى المستنبط من مصادر الشريعة الإسلامية، وهناك بعض أوجه التماثل بين هذه الأسس وما يناظرها فى البنوك التقليدية، كما أن هناك اختلافات جوهرية واضحة فى بعض الأسس وخصوصاً التى لها علاقة مباشرة بالفكر والقيم والمثل والأخلاق والسلوكيات؛ ومن ناحية أخرى هناك أسس محاسبية خاصة ببعض أنشطة المصرف الإسلامى وليس لها صفة العمومية. وفى هذا المقام يجب الإشارة إلى أن هناك بعض المحاسبين يطلقون على أسس المحاسبة السابقة أسماءً أخرى مثل: فروض، مفاهيم، مبادئ ولكن الجوهر واحد. ولقد قامت هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية بإصدار مجموعة من الفروض والمفاهيم للمؤسسات المالية، سوف نتناولها فى البند التالى بشىء من التفصيل. 
ثالثا: الفروض والمفاهيم المحاسبية الصادرة عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية
 لقد أصدرت هيئة مجموعة الفروض المفاهيم المحاسبية للمؤسسات المالية الإسلامية نلخصها فى الآتي:
   مفهوم الوحدة المحاسبية؛ 
   مفهوم استمرار المنشأة؛ 
   مفهوم الدورية؛ 
   مفهوم ثبات القوة الشرائية لوحدة القياس المحاسبى؛
   مفهوم إثبات وتحقق الإيراد؛
   مفهوم إثبات وتحقق المصروفات؛
   مفهوم إثبات المكاسب والخسائر؛
   مفهوم مقابلة الإيرادات والمكاسب بالمصروفات والخسائر؛
   مفهوم قياس القيمة النقدية المتوقعة تحقيقها.
ولقد سبق أن تناولنا هذه المفاهيم بشىء من التفصيل فى الصفحات السابقة لأنها لا تختلف عن الأسس 
محاسبة المصارف الاسلامية
تحميل كتاب محاسبة المصارف الاسلامية
النظام المحاسبي في البنوك الاسلامية
المحاسبة الاسلامية
تعريف المحاسبة الاسلامية
المحاسبة الاسلامية بين التأصيل والتطبيق
القوائم المالية في البنوك الاسلامية
محاسبة البنوك التجارية

Previous Post Next Post