الفساد الخلقي

فى علاقات الجنسين

موضوع حول الفساد

الفساد الاخلاقي في مصر

بحث عن الفساد الاخلاقي

الفساد الاخلاقي في السعودية

الفساد الاخلاقي في

الفساد الاخلاقي في السودان

عبارات عن الفساد في المجتمع

الفساد الاخلاقي في



        هنا لن نتحدث عن الفساد فى علاقات الجنسين من الناحية الخلقية!

        الفساد الخلقى هو اختلال فى النفس والمجتمع. أى فى الكيان النفسى للإنسان، وفى الحياة  الاجتماعية للناس 0

        إنه – كفساد خلقى – أوضح حتى من أن يشار إليه! وعلى الرغم من كل محاولات الجاهلية الحديثة، أن تحيطه بالنظريات ((العلمية!)) على يد فرويد مرة، وماركس والتفسير المادى للتاريخ مرة، ودركايم مرة .. وتحيطه بأوهام تستقر فى أذهان الناس، كقولهم: إن الجنس عملية بيولوجية بحتة لا علاقة لها بالأخلاق.! وتحيطه بسيل مستمر من الإنتاج ((الفنى))! من قصص ومسرحيات وسينما وتليفزيون وإذاعة وصحافة، تصور الحياة من خلال لحظة الجنس الطائشة، وتصورها على أنها الشىء ((الطبيعى)) الذى لا انحراف فيه ولا فساد .. ! على الرغم من ذلك كله، فلن يكون التحلل الجنسى إلا فساداً خلقياً من البدء إلى الانتهاء 00 !

        تقول " بروتوكولات حكماء صهيون)) : ((يجب أن نعمل لتنهار الأخلاق فى كل مكان فتسهل سيطرتنا. إن فرويد منا، وسيظل يعرض العلاقات الجنسية فى ضوء الشمس لكى لا يبقى فى نظر الشباب شىء مقدس، ويصبح همه الأكبر هو إرواء غرائزه الجنسية، وعندئذ تنهار أخلاقه))0

        وتقول البروتوكولات: ((لقد رتبنا نجاح دارون وماركس ونيتشة بالترويج لآرائهم. وإن الأثر الهدام للأخلاق الذى تنشئه علومهم فى الفكر غير اليهودى واضح لنا بكل تأكيد " 0

        إنه إذن – مهما قيل فيه – فساد فى الأخلاق !

* * *

ولكنا على الرغم من ذلك لا نريد أن نعالجه هنا – بصفة أساسية – على أنه فساد خلقى. ذلك أن الناس – فى تصورهم الجاهلى للأشياء – قد فصلوا بين ما هو ((أخلاق)) وما هو ((حياة)) ! ولا انفصال فى حقيقة الأمر بين هذا وذاك 0

إن ((الأخلاق)) ليست شيئاً منفصلاً عن الواقع. ليست نظريات تدرس فى الأبراج العاجية مستقلة بذاتها. وليس لها قوانين خاصة غير قوانين الحياة الواقعية! ولا يمكن أن يوجد فساد ((خلقى)) مع استقامة فى حياة الناس الواقعة. إنما هما شىء واحد : الفساد فى الأخلاق معناه فساد فى واقع الحياة. والفساد فى واقع الحياة معناه فساد فى الأخلاق00 لأنهما قانون واحد مستمد من الوجود البشرى المتكامل، والفطرة البشرية الشاملة.

وهنا حين ندرس الاختلال فى علاقات الجنسين من ناحية أثره فى الحياة الواقعة، نبين فى النهاية معنى القول بأنه فساد فى الأخلاق0

* * *

        ككل شىء فى الحالة البشرية حدث التحلل فى علاقات الجنسين على مدى طويل وفى تدرج بطئ 00

        فى العصور الوسطى كانت المفاهيم المسيحية هى السيطرة على أوروبا، كما صورتها الكنيسة الأوروبية للناس 0

        ولا شك أن المسيح عليه السلام قد دعا إلى لون من الزهادة والارتفاع على متاع الجسد الملهوف. وفوق أن هذه هى دعوة كل نبى وكل دين، لمواجهة تلهف البشرية على قضاء الشهوات.. فقد كانت الجرعة مضاعفة – إذا صح التعبير – فى أقوال المسيح عليه السلام، لأنه كان يواجه طغياناً ماديا وفساداً خلقياً بلغ أقصى الغاية سواء بين بنى إسرائيل أو العالم الرومانى00

        وقد جاء فى الأناجيل : ((إذا أعثرتك عينك فاقلعها وألقها عنك، فإنه خير لك أن يهلك أحد أعضائك من أن يلقى بدنك كله فى جهنم))([1])0

        ومن هذا القول – وأمثاله – استمدت الكنيسة مفاهيمها الخلقية التى فرضتها على الناس، فكانت الرهبانية التى ابتدعوها :

        ((ورهبانية ابتدعوها – ما كتبناها عليهم ))([2])000

        وكان الإيحاء العام أن الجنس دنس قذر فى ذاته والمرأة مخلوق شيطانى دنس ينبغى الابتعاد عنه والزواج ضرورة غريزية – حيوانية – للعامة، ولكن السعيد الأتقى من استطاع أن ((يرتفع)) عليه ولا يتزوج 0

        ومضت الأمور على ذلك حيناً : مباذل شنيعة بشعة فى الإمبراطورية الرومانية على اتساعها، ورهبانية واسعة الآفاق على حدود الصحارى، وفى داخل المدن، فراراً من الفساد 0

        يقول ((ليكى)) فى كتاب ((تاريخ الأخلاق فى أوروبا))0

        ((كانت الدنيا فى ذلك الحين تتأرجح بين الرهبانية القصوى والفجور الأقصى. وإن المدن التى ظهر فيها أكبر الزهاد كانت أسبق المدن فى الخلاعة والفجور، وقد اجتمع فى هذا العصر الفجور والوهم اللذان هما عدوان لشرف الإنسان وكرامته ))([3])0

        ويصور الكاتب النفور من فكرة ((الجنس)) وما حولها من علاقات – فى ظل الرهبانية – فيقول :

        ((وكانوا يفرون من ظل النساء، ويتأثمون من قربهن والاجتماع بهن، وكانوا يعتقدون أن مصادفتهن فى الطريق والتحدث إليهن – ولو كن أمهات أو أزواجاً وشقيقات – تحيط أعمالهم وجهودهم الروحية ))0

        وينقل الأستاذ أبو الأعلى المودودى فى كتابه ((الحجاب)) بعض أقوالهم ، يقول :

        ((فمن نظريتهم الأولية الأساسية فى هذا الشأن، أن المرأة ينبوع المعاصى، وأصل السيئة والفجور، وهى للرجل باب من أبواب جهنم، من حيث هى مصدر تحريكه وحمله على الآثام. ومنها انبجست عيون المصائب الإنسانية جمعاء، فبحسبها ندامة وخجلا أنها امرأة! وينبغى لها أن تستحى من حسنها وجمالها، لأنه سلاح إبليس الذى لا يوازيه سلاح من أسلحته المتنوعة، وعليها أن تكفر ولا تنقطع عن أداء الكفارة أبداً، لأنها هى التى قد أتت بما أتت من الرزء والشقاء للأرض وأهلها))0

        ((ودونك ما قاله ((ترتوليان Tertulian)) أحد أقطاب المسيحية الأول وأئمتها، مبينا نظرية المسيحية فى المرأة: إنها مدخل الشيطان إلى نفس الإنسان، وإنها دافعة بالمرء إلى الشجرة الممنوعة، ناقضة لقانون الله. ومشوهة لصورة الله – أى الرجل))0

        ((وكذلك يقول كرائى سوستام Chry Sostem الذى يعد من كبار أولياء الديانة المسيحية فى شأن المرأة : هى شر لابد منه، ووسوسة جبلية، وآفة مرغوب فيها، وخطر على الأسرة والبيت، ومحبوبة فتاكة، ورزء مطلى مموه ! ))0

        ((أما نظريتهم الثانية فى باب النساء، فخلاصتها أن العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة هى نجس فى نفسها يجب أن تتجنب – ولو كانت عن طريق نكاح وعقد رسمى مشروع([4])))0

* * *

        من هذه النظرة الجاهلية المنحرفة – التى لم يأمر بها الدين، ولا يمكن أن يأمر بها نبى – حدث رد فعل جاهلى عنيف فى الاتجاه الآخر 0

        حدث فى تدرج بطئ .. ولعوامل شتى 0

        فالفساد المروع الذى حدث داخل الأديرة ذاتها، حاويا لكل أنواع الفساد الجنسى، ما بين الرهبان والراهبات، وما بين كل فريق بعض وبعضه .. كان إحدى الصدمات التى خلخلت القيم الرهبانية من أصولها، وصرفت الناس عن هذا ((الترفع)) سليما كان أو غير سليم، فانحدروا يبحثون عن الشهوات0

        والتفسير الحيوانى للإنسان، الذى مده فرويد ووسعه بالتفسير الجنسى للسلوك00 كان دفعة قوية أخرى فى سبيل الفساد 00

والانقلاب الصناعى، وما أحدثه من تفكيك للأسرة، ونقل للشبان الأقوياء – بلا أسر – من الريف المتزمت المتحفظ إلى المدينة الفضفاضة الأخلاق، وتوقيع فترة من ((التعطل الجنسى))ت عليهم بحرمانهم من الأجر المعقول الذى ينشئون به أسرة فى المدينة، وإتاحة البغاء لهم وتيسيره0

وتشغيل المرأة على نطاق واسع، واضطرارها إلى التبذل الخلقى لتضمن لقمة العيش0

وانشغال المرأة بقضية المساواة مع الرجل، وطلبها – فى أثناء ذلك- المساواة معه فى الفجور، كفرع من فروع المساواة التامة الشاملة 00

كل ذلك كان دفعة عنيفة فى سبيل الفساد 0

وتلقفت ذلك كله الصهيونية العالمية، سواء فى عالم النظريات أو فى عالم الواقع 00 فراح ماركس وفرويد ودركايم، وغيرهم من ((العلماء)) يهونون من أمر الأخلاق ويستخفونها، ويدعون المرأة – كل من ناحيته وبطريقته – أن تخرج وتمارس نشاطها الجنسى، حتى تكون سهلة قريبة من متناول الرجل0

ثم راحت السينما – وهى صناعة يهودية بصفة أساسية – وورثتها من الإذاعة والتليفزيون، تزيد كل أنواع التحلل الجنسى، و((الاستمتاع))0

وبيوت الأزياء .. وبيوت الزينة .. والتقاليد ((الاجتماعية)) القائمة على الاختلاط. والإباحية الكاملة فى النهاية 00 !

* * *

بالتدريج !

لم يحدث كل ذلك دفعة واحدة ..

فقد ظل أنصار الأخلاق يحذرون من التحلل، وظل أنصار ((التطور)) يزينون فى الفساد.. وتقوم المعارك طويلة عنيفة بين هؤلاء وهؤلاء 0

ولكن التوجيه الدائم الملح المتكرر، بكل وسائل الإعلام، نحو الإباحية والتحلل. والظروف الاقتصادية التى وضعتها الرأسمالية – اليهودية أصلاً – التى لا تيسر للناس سبل الزواج النظيف فى مرحلة الشباب المبكر، ثم تملأ فترة التعطل الجنسى بالمغريات التى لا قبل للشباب – فى فورته- باحتمالها والانصراف عن ندائها 0

وسهولة الحصول على المرأة، زميلة فى العمل وفى الشارع وفى دور التعليم 00

وفنون الإغراء التى زودت المرأة بها عن طريق الصحافة والإذاعة والسينما00 ثم التليفزيون00

والبغاء المتاح فى جميع صوره وألوانه. من بيوت للدعارة رسمية وغير رسمية. ومسارح وملاه تصطاد ((الزبائن)) وتقدم لهم البضاعة الدنسة 00

والتوجيه الفكرى بأن الحياة خلقت للاستمتاع .. بلا ضابط .. إلا الاكتفاء [ولن يحدث الاكتفاء !] وأنها فرصة واحدة إن لم يهتبلها الإنسان فى حينها فستمضى .. بلا رجوع0

كل ذلك عمل عمله فى الجاهلية المنحرفة، فبلغ الاختلال أقصاه من الطرف الآخر.. من أقصى التزمت إلى أقصى الاندفاع 00

* * *

        وتحررت المرأة .. وتحرر الناس من قيود الدين والأخلاق والتقاليد ..وأصبحت الإباحية ديانة معترفاً بها، تيسرها الدولة وتقوم بها وترخص بمزاولتها فى كل مكان .. وتجند – تحت سمعها وبصرها – جميع القوى للدعوة إليها ، كتباً وبحوثاً وقصصاً وصحافة وإذاعة وسينما وتليفزيون0

        يقول ((ول ديورانت)) فى كتابه ((مباهج الفلسفة)) :

        ((إننا نواجه مرة أخرى تلك المشكلة التى أقلقت بال سقراط. نعنى كيف نهتدى إلى أخلاق طبيعية تحل محل الزواجر العلوية التى بطل أثرها فى سلوك الناس؟ إننا نبدد تراثنا الاجتماعى بهذا الفساد الماجن 00 ))[ص6 ج1]

        ((واختراع موانع الحمل وذيوعها هو السبب المباشر فى تغير أخلاقنا. فقد كان القانون الأخلاقى قديماً يقيد الصلة الجنسية بالزواج، لأن النكاح يؤدى إلى الأبوة بحيث لا يمكن الفصل بينهما، ولم يكن الوالد مسئولا عن ولده إلا بطريق الزواج. أما اليوم فقد انحلت الرابطة بين الصلة الجنسية وبين التناسل، وخلقت موقفا لم يكن آباؤنا يتوقعونه، لأن جميع العلاقات بين الرجال والنساء آخذة فى التغير نتيجة لهذا العامل 00 ))[ص120 ج1] 0

        ((فحياة المدينة تقضى إلى كل مثبط عن الزواج، فى الوقت الذى تقدم فيه إلى الناس كل باعث على الصلة الجنسية وكل سبيل يسهل أداءها. ولكن النمو الجنسى يتم مبكراً عما كان قبل. كما يتأخر النمو الاقتصادى. فإذا كان قمع الرغبة شيئاً عملياً ومعقولاً فى ظل النظام الاقتصادى الزراعى. فإنه الآن يبدو أمرا عسيراً أو غير طبيعى فى حضارة صناعية أجلت الزواج حتى بالنسبة للرجال، حتى لقد يصل إلى سن الثلاثين. ولا مفر من أن يأخذ الجسم فى الثورة، وأن تضعف القوة على ضبط النفس عما كان فى الزمن القديم. وتصبح العفة التى كانت فضيلة موضعا للسخرية، ويختفى الحياء الذى كان يضفى على الجمال جمالا، ويفاخر الرجال بتعداد خطاياهم، وتطالب النساء بحقها فى مغامرات غير محدودة على قدم المساواة مع الرجال . ويصبح الاتصال قبل الزواج أمرا مألوفا. وتختفى البغايا من الشوارع بمنافسة الهاويات لا برقابة البوليس. لقد تمزقت أوصال القانون الأخلاقى الزراعى، ولم يعد العالم المدنى يحكم به))([5]) [ص126 -127]

        ((ولسنا ندرى مقدار الشر الاجتماعى الذى يمكن أن نجعل تأخير الزواج مسئولا عنه. ولا فى أن بعض هذا الشر يرجع إلى ما فينا من رغبة فى التعدد لم تهذب. ولكن معظم هذا الشر يرجع فى أكبر الظن فى عصرنا الحاضر إلى التأجيل غير الطبيعى للحياة الزوجية. وما يحدث من إباحة بعد الزواج فهو فى الغالب ثمرة التعود قبله. وقد نحاول فهم العلل الحيوية والاجتماعية فى هذه الصناعة المزدهرة. وقد نتجاوز عنها باعتبار أنها أمر لا مفر منه فى عالم خلقه الإنسان(!) وهذا هو الرأى الشائع لمعظم المفكرين فى الوقت الحاضر. غير أنه من المخجل أن نرضى فى سرور عن صورة نصف مليون فتاة أمريكية يقدمن أنفسهن ضحايا على مذبح الإباحية وهى تعرض علينا فى المسارح وكتب الأدب المكشوف، تلك التى تحاول كسب المال باستثارة الرغبة الجنسية فى الرجال والنساء المحرومين – وهم فى حمى الفوضى الصناعية – من حمى الزواج ورعايته للصحة0

        ((ولا يقل الجانب الآخر من الصورة كآبة. لأن كل رجل حين يؤجل الزواج يصاحب فتيات الشوارع ممن يتسكعن فى ابتذال ظاهر. ويجد الرجل لإرضاء غرائزه الخاصة فى هذه الفترة من التأجيل، نظاماً دولياً مجهزاً بأحدث التحسينات، ومنظما بأسمى ضروب الإدارة العلمية. ويبدو أن العالم قد ابتدع كل طريقة يمكن تصورها لإثارة لرغبات وإشباعها 00))(ص127 – 128)

        ((وأكبر الظن أن هذا التجدد فى الإقبال على اللذة قد تعاون أكثر مما نظن مع هجوم دارون على المعتقدات الدينية. وحين اكتشف الشبان والفتيات – وقد أكسبهم المال جرأة – أن الدين يشهر بملاذهم، التمسوا فى العلم ألف سبب وسبب للتشهير بالدين 00))(ص134)0

        ((ولما كان زواجهما [الرجل والمرأة فى المجتمع الحديث] ليس زواجاً بالمعنى الصحيح – لأنه صلة جنسية لا رباط أبوة – فإنه يفسد لفقدانه الأساس الذى يقوم عليه، ومقومات الحياة. يموت هذا الزواج لانفصاله عن الحياة وعن النوع. وينكمش الزوجان فى نفسيهما وحيدين كأنهما قطعتان منفصلتان. وتنتهى الغيرية الموجودة فى الحب إلى فردية يبعثها ضغط حياة المساخر. وتعود إلى الرجل رغبته الطبيعية فى التنويع، حين تؤدى الألفة إلى الاستخفاف. فليس عند المرأة جديد تبذله أكثر مما بذلته 00))(ص225)0

        ((لندع غيرنا من الذين يعرفون يخبرونا عن نتائج تجاربنا. أكبر الظن أنها لن تكون شيئاً نرغب فيه أو نريده. فنحن غارقون فى تيار من التغيير، سيحملنا بلا ريب إلى نهايات محتومة لا حيلة لنا فى اختيارها. وأى شىء قد يحدث مع هذا الفيضان الجارف من العادات والتقاليد والنظم، فالآن وقد أخذ البيت فى مدننا الكبرى فى الاختفاء، فقد فقد الزواج القاصر [المقصور] على واحدة جاذبيته الهامة. ولا ريب أن زواج المتعة سيظفر بتأييد أكثر فأكثر، حيث لا يكون النسل مقصوداً. وسيزداد الزواج الحر، مباحاً كان أم غير مباح. ومع أن حريتهما إلى جانب الرجل أميل، فسوف تعتبر المرأة هذا الزواج أقل شرا من عزلة عقيمة تقضيها فى أيام لا يغازلها أحد. سينهار ((المستوى المزدوج)) وستحث المرأة الرجل بعد تقليده فى كل شىء على التجربة قبل الزواج. سينمو الطلاق، وتزدحم المدن بضحايا الزيجات المحطمة. ثم يصاغ نظام الزواج بأسره فى صور جديدة أكثر سماحة. وعندما يتم تصنيع المرأة ويصبح ضبط الحمل سرا شائعاً فى كل طبقة يضحى الحمل أمراً عارضاً فى حياة المرأة، أو تحل نظم الدولة الخاصة بتربية الأطفال محل عناية البيت.. وهذا كل شىء ))(ص235 – 236)0

* * *

        شهادة من كتاب غربى، جديرة بأن تغنينا عن التعليق !


        إن المفاسد التى يشرحها الكاتب، والتى نجمت فى النفس والمجتمع عن التحلل الجنسى.. لجديرة بأن تفتح عيوننا على شناعة الجاهلية فى هذا الشأن.. المنذرة بتدمير كيان الإنسان فى مجموعه، لا فى المجال الضيق الذى يعرف عادة ((بالأخلاق)) !

        إن هذا التحلل الجنسى لم يترك شيئاً فى النفس والمجتمع ناجياً من الفساد 0

        ماذا بقى بعد الصورة الكريهة المنفرة التى عرضها هذا الكاتب؟! ومما تجدر الإشارة إليه أن المؤلف كتب كتباه هذا سنة 1929! ونحن الآن فى النصف الثانى من القرن العشرين، قرن الجاهلية الكبرى، نشاهد بأعيينا أن كل ما تنبأ به الكاتب قد حدث، وانتشر فى كل بقاع الأرض، واستشرى بحيث لم تعد الجاهلية ذاتها تملك رده لو أرادت.. لأن الزمام أفلت من أيديها، ولم يعد لها على الفساد سلطان !

        ولكن المقتطفات التى نقلناها هنا لم تشر إلى كل أمور الفساد! أو لم تفصلها!

        وقد تحدثت بالتفصيل فى كتاب ((الإنسان بين المادية والإسلام)) عن هذا الموضوع فى فصل ((المشكلة الجنسية)) .. وتحدثت عنه بالتفصيل كذلك من زاوية أخرى فى كتاب ((التطور والثبات)) . ولن أعيد هنا ما كتبته هناك. إنما يكفى أن نرسم صورة سريعة لهذه الجاهلية المجنونة، كيف صارت حين انفلتت من رباط ((الإنسان)) فى شئون الجنس، وارتكست إلى عالم الحيوان .. بغير ضوابط الحيوان !

* * *

        إن الفطرة الإنسانية كما خلقها الله.. ذات ((معايير)) و ((ضوابط)) تضبط منصرفات الطاقة الحيوية وتحدد مقدارها.. فإذا انفلت العيار، وبلطت الضوابط، فلن يكون هذا ((خيراً)) يصيب الإنسان فى نفسه ومجتمعه. ولن يكسبه السعادة التى يرجوها بالانفلات!

        ولا فائدة فى تحدى الفطرة .. فمنطقها فى النهاية هو المنطق الذى يغلب.. وليس منطق الأهواء!

        حين انفلت الناس من قيود الجاهلية السابقة – المتزمتة – وتكالبوا على متاع الجنس بلا حواجز ولا قيود .. ما الذى حدث فى عالم الواقع ؟

        هل ((شبعت)) الشهوة بإتاحة الفرص للإشباع؟

        كان دعاة ((الحرية)) والانفلات يقولون: إن ((الكبت)) أو الامتناع فى أية صورة من صوره هو الذى يحدث الجوع الجنسى الذى لا يشبع، والمشغلة الدائمة بالجنس، التى تشغل الأعصاب وتبدد الجهود 0

        و 00 نعم 0 يحدث ذلك حين يطول الامتناع عن الحد المعقول، وبغير سبب معقول! فما نتيجة الإباحة بلا حدود ولا قيود؟

        إن بلاد الغرب والشرق كلها قد أباحت المتاع الجنسى و ((باركته)) بإغضاء الدولة أو تشجيعها الصريح، وإتاحة الفرص الواقعية للإشباع بعيداً عن كل نهى أو زجر أو تخويف أو ترويع00

        فما بال الجوعة لم تهدأ بالإشباع المطلق المتاح ؟

        ما بال هذا العصر أشد العصور كلها اشتغالا بأمور الجنس ؟

        كم فلماً .. كم كتاباً .. كم قصة .. كم صورة خليعة .. كم برنامجاً إذاعياً أو تليفزيونياً.. كم أغنية .. كم حفلة عارية أو شبه عارية ((يستهلكها)) الشباب من الجنسين؟

        وكم مرة مع ذلك – كم ملايين من المرات – يقع فيها الاتصال الجنسى فى سهولة ويسر؟

        لم لم يشبع هذا النهم المسعور ؟

        لا نتحدث عن ((الأخلاق)) !

        نتحدث عن الأمن النفسى والاستقرار الذى ينبغى أن يتوفر لكل نفس ((إنسانية)) لها مهمة تقضيها على هذه الأرض غير مهمة الحيوان! ونتحدث عن ((القيم)) الإنسانية التى ينبغى أن تعمر قلب الإنسان: قيم الحياة الراشدة المستعلية الهادفة البناءة التى تسعى إلى ((التقدم)) بكل كيان الإنسان!

        وما نتائج هذا النهم الذى لا يشبع رغم إتاحة كل الفرص له للإشباع

        هذا القلق الدائم. هذا الضغط العصبى. هذا الجنون. هذا الانتحار . هذه الجريمة.. أو ليس من روافدها هذا النهم المسعور ؟

        والأسرة 00

        ماذا أصاب الأسرة من إطلاق الشهوة دون حدود ؟

        لم تعد الأسرة راحة وسكناً ، ورباطاً زوجياً، وأطفالاً يمسكون بأيديهم الرقيقة حبالها، فتتوثق وتتعمق فى الوجدان 00

        بل لم تعد حتى عشرة حيوان لحيوان.. فبعض الحيوان يتعاشر جنساه مدى الحياة!

والسبب فى ذلك – كما قال ول ديورانت – هو الإباحية ذاتها !

إن الفتى والفتاة يتعودان فى فترة شبابهما على التعدد .. فى الحفلات الراقصة والحياة المختلطة فى البيت وفى الشارع والمكتب والمصنع .. والمعسكرات فى الأحراش والغابات وشواطئ البحار والأنهار!

و((حجة)) التعدد هى التجربة! حتى يجد كل منهما الشخص الذى يناسبه بالضبط.. فى كل شىء . حتى فى توافق الرغبة الجنسية والمزاج 00

ولكن الهدف ينسى .. وتصبح الوسيلة هى الغاية! يصبح التعدد فى ذاته هدفاً، أو على الأقل عادة !

ويجد الشاب بعد طول التجربة فتاته.. وتجد الفتاة شريكها فى الحياة 00

ويضمها البيت 00 عدة شهور ! أو سنوات !

ثم تفتر العلاقة ولا شك 00 فهى ليست علاقة ((إنسانية)) تتأصل بدوام المعاشرة! إنها علاقة جنس حيوانى غالب 00 علاقة جسد شهوان يجسد شهوان 00 هكذا بدأت فى أيام ((الصداقة))! وهكذا استمرت فى حس الولد والبنت المرتبطين بعقدة الزواج !

ويصبح الزواج سجناً بليداً لا حركة فيه ولا ((مثيرات))0

ويعود الولد والبنت - أو الرجل والمرأة -  إلى ما تعوداه من قبل من ((صداقات))!

إن هذه الفتاة تبدو وضيئة لامعة شهية مثيرة 00 لأنها ((جديدة)) لم تذهب الألفة بما فيها من إغراء، كما ذهبت بما تملكه الزوجة من فنون الإغراء 00

وإن هذا الفتى ليبدو لطيفاً مملوءاً ((بالرغبة)) التى لم تطفئها الألفة بعد .. وهو شهى فى نظر الزوجة لأنه جديد 00 وضاء !

ومن ثم يشرد الزوج والزوجة فيتخذان العشيقات والعشاق 00 أو ينفصلان!

ونسبة الطلاق فى أمريكا التى أباحت الفجور الدنس إلى أقصى حد، وحمته بسلطة التشريع، ووجهت إليه بكل وسائل الإعلام، وجعلته فلسفة كاملة يكتب فيها كل من يجد فى نفسه القدرة على البيان 00 نسبة الطلاق هناك فى بعض الولايات [غير الكاثوليكية التى تقيد الطلاق] وصلت 40% من مجموع الزيجات 00 وهى آخذة فى الازدياد 00

وكذلك هى فى دول الشمال فى أوربا، ((أرقى)) دول الجاهلية المعاصرة على الإطلاق!

معنى هذا 00 ؟ أن حياة الأسرة فى طريقها إلى الدمار 00

والأولاد المشردون 00

وهل يكونون إلا مشردين 0 أولئك الذين تنفصم عرى محاضنهم الفطرية ويتوزعون بلا رباط؟

فلتكن الضمانات ((الاقتصادية)) لهؤلاء الأولاد ما تكون 00 فأين ضمانات المشاعر؟ وطمأنينة النفوس؟

على أن للأطفال مشكلة أخرى 00

إن تلك الحياة الفاجرة التى يحياها الغرب، المليئة بالمثيرات فوق الطاقة، تنضج مشاعر الأطفال الجنسية قبل الأوان.. قبل أن تنضج المدارك والتجارب التى تصلح لإقامة الأسرة والاستقرار فى الزواج0

ثم تدفع تلك الحياة الفاجرة بالأولاد والبنات المراهقين إلى ممارسة الجنس فى هذه السن المبكرة بلا ضوابط تكبح الجماح 0


[1] إنجيل متى الإصحاح الخامس آية 24 0

[2] سورة الحديد (27)

[3] عن كتاب ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين لأبى الحسن الندوى0

[4] ((الحجاب)) ص25 0

[5] واضح أن الكاتب يفسر الأمور على هدى التفسير المادى للتاريخ، فيفسر التحلل الخلقى بالتطور الاقتصادى. ولكنه أغفل حقيقة هامة ينبغى الإشارة إليها والتوكيد عليها.. إن الدولة الشيوعية التى تملك أرزاق الناس ((وتحررهم)) من سلطان راس المال.. لم توجه الشبان فى بلادها إلى الزواج المبكر الذى يمنع الفساد الخلقى. رغم أنها – فيما تزعم – رفعت لعنة الضرورة الاقتصادية عن كاهل الناس! إن الأمر ليس تطوراً اقتصادياً فى حقيقته . ولكنه توجيه مسموم لتدمير البشرية

Previous Post Next Post