العوامل الطبوغرافية والسلوك الإجرامي

     تؤكد العديد من الدراسات أن الظاهرة الإجرامية تتأثر في حجمها وفي نوعها وأسلوب ارتكابها بطبيعة المكان الجغرافية من سهول ووديان وخصوبة التربة والقرب من الأنهار ووفرة المياه أو وجود الجبال والمرتفعات والقرب من البحار والمواني والكثافة السكانية. فقد ينطبع المكان بطابع الريف أو بطابع المدينة مما ينعكس بدوره على السلوك الإجرامي للأفراد.

    وتكشف الإحصاءات عند مقارنة إجرام الريف بإجرام المدن عن وجود أمرين :
    أولهما اختلاف إجرام المدينة عن إجرام الريف من حيث الكم أو حجم الظاهرة الإجرامية ؛
    وثانيهما اختلاف إجرام المدينة عن إجرام الريف من حيث النوع وأسلوب ارتكاب الجرائم

    وهذا الارتفاع في نسبة إجرام المدن عن نسبته في الريف يمكن رده إلي عدة عوامل كثيرة متنوعة.
    فمن ناحية تختلف الكثافة السكانية بين الريف والمدينة ، ومن المعلوم أنه كلما زادت كثافة السكان كلما ارتفعت نسبة الإجرام. ولما كانت كثافة السكان في المدينة تبلغ درجة أعلي منها في القرية كان من المقبول أن ترتفع نسبة الإجرام في الأولي عن الثانية.

    وليس المقصود بذلك أن عدد الجرائم المرتكبة في المدينة أكبر من عدد الجرائم المرتكبة في القرية فهذا أمر بديهي ولكن المقصود أن عدد ما يرتكب في المدينة بالنسبة لعدد السكان بها يفوق عدد ما يرتكب في الريف بالنسبة لتعداد سكانه. ويرجع ذلك في الحقيقة إلى أن التركيز السكاني يزيد من فرص احتكاك الناس ويخلق علاقات جديدة تستوجب تدخل المشرع بصفة مستمرة من أجل وضع الأطر القانونية المنظمة لها

    الأمر الذي يزيد من فرص مخالفة هذه الأخيرة. لذا فلا عجب أن تكثر في المدينة الجرائم التنظيمية الواقعة بالمخالفة لقوانين المرور والصحة والسكينة أو الجمارك والضرائب...الخ ، الأمر الذي لا مثيل له في الريف حيث تقل فيه الكثافة السكانية.

    ومن ناحية أخرى فإن ظاهرة الهجرة من الريف إلي المدينة تسهم في زيادة عدد الجرائم المرتكبة في المدينة. فالمهاجرون في الغالب من الشباب الذين يحدوهم الأمل في تحقيق حياة معيشية أفضل ؛  أمل قد لا يسع المهاجر تحقيقه نتيجة عدم تكيفه مع حياة المدينة لسرعة إيقاعها .

    كذلك حاجتها إلي خبرات ودراية تختلف عن تلك التي  تحتاجها حياة الريف ، الأمر الذي قد يدفع المهاجر في بعض الحالات إلي سلوك سبيل الجريمة ليحقق عن طريقة ما فشل في تحقيقه بالسبل المشروعة.

    وقد يقول قائل بأن هناك هجره مقابلة في الاتجاه الآخر من المدينة إلي الريف ، ولكن يلاحظ أن هذه الهجرة ليست بذات حجم الهجرة من الريف إلي المدينة ، علاوة على أن المهاجرين من المدينة إلي الريف.

    الريف يسهل عليهم التوافق مع الحياة في الريف وإذ لم يتوافقوا عادوا إلي المدينة تاركين الريف دون أن يرتكبوا فيه جرائم إذ تقل فيه بصفة عامة فرص السقوط في الجريمة.

    وعلاوة على ذلك فإن الأسرة فى الريف تحيا حياة عائلية متماسكة تتميز بالثبات والاستقرار ، ويشعر الفرد أنه جزء من كل ، وأن تصرفه المعيب لا ينسب إليه وحده وإنما ينسب إلى عائلته بأكملها.

    الأمر الذي يدفع إلى التزام السلوك القويم المتوافق مع القيم والعادات. كل ذلك على النقيض من حياة المدينة التي يحرص كل فرد فيها على إثبات ذاتيته فيشعر الفرد بالعزلة ولا يجد له من معين في أوقات الأزمات.

    وقد نجد سبباً في ارتفاع نسبة الإجرام في المدينة عنها في الريف في زيادة الأعباء المالية للفرد فى المدينة. فأبناء تلك الأخيرة عادة ما لا تتناسب دخولهم مع احتياجاتهم إلى المسكن والملبس والغذاء وإلى سبل المواصلات والتمتع بما توفره حياة المدن من ألوان الترف والرفاهية ، مما يزيد من عبئ الضغوط المالية ويدفع البعض إلى سلوك سبيل الجريمة.

    كما أن الحياة فى المدينة تضطر النساء إلى الخروج عزلتهم من أجل إثبات الذات ومساندة الرجل في الأعباء العائلية وقد تسقط بفعل قسوة الحياة ومطالبها في سبيل الجريمة ، أو على الأقل قد تزيد من فرص العدوان عليها من الآخرين. وقد يعترض البعض على تلك الحجة بمقولة أن المرأة تسهم فى الحياة فى الريف ربما بدرجة أكبر من إسهامها فى المدينة ، بيد أن هذا مردود عليه بأن أن المرأة إذا خرجت للعمل فى الريف فهى تخرج لمعاونة الرجل فى العمل تحت إشرافه ورعايته وفي حمايته.

    غير أن البعض يؤكد على وجوب النظر بعين الحذر إلى النتائج المستخلصة من الإحصاءات الجنائية فيما يتعلق بارتفاع معدل إجرام المدن عن إجرام الريف. ويعلل هذا الحذر من جانبهم بعدة أمور :
    أن المقارنة بين إجرام الريف وإجرام المدن لا تبدو دقيقة طالما أن هناك عدداً من الجرائم يتخذ طابع السرية ولا يصل إلي علم السلطات وبالتالي لا يظهر في الإحصاءات ، مثل تعاطي المخدرات والدعارة والقوادة وألعاب القمار

    أن عمل سلطات الضبط يتميز بالهمة في تعقب الجرائم الواقعة في المدينة إذا ما قورنت بما يقع في الريف. كما أن من طبيعة أهل الريف أن يلجأوا إلي ذوى السلطة الأدبية من بينهم لحل مشاكلهم. فالمشاجرات وجرائم الاعتداء علي النفس ورد المسروقات تحل عن طريق مجالس الصلح العرفية ، فلا تظهر هذه الجرائم في الإحصاءات الجنائية فلا تعبر بدورها عن واقع إجرام الريف.

    أنه عددا مما يرتكب من جرائم في الريف يقيد في إحصاءات الجرائم في المدينة. فقد يحدث أن يفر الجاني من الريف ليختبأ بعيداً عن أعين رجال الضبط في دروب المدينة ، وهكذا تظهر جريمته في إحصاءات المدينة الجنائية متى قبض عليه فيها أو حوكم في محاكمها.

    كما أن القول بأن الشرطة لا تتعقب الجرائم بذات الهمة التي تتعقبها بها في المدن أو أن أهل الريف يميلون إلي الحل العرفي لمشاكلهم فهو لا يغير من حقيقة الأمر شيئا لأنه إن صح فهو لا ينفي أن جريمة ارتكبت وسجلت في تقارير الشرطة والأمن العام 

عمليات بحث متعلقة بـ العوامل الطبوغرافية والسلوك الإجرامي

العوامل الخارجية للسلوك الاجرامي
تعريف العوامل الخارجية
بحث عن السلوك الاجرامي
العوامل الاجتماعية المؤثرة في ارتكاب الجريمة
ما معنى العوامل الخارجية
السلوك الاجرامي
العوامل الاقتصادية المؤثرة في الجريمة
ما المقصود بالاحتياجات الضرورية
.

Previous Post Next Post