اشهر العلماء المسلمين و العرب
العلوم التي تفوق فيها المسلمون:
لعله من المناسب أن نمثل بجهود بعض علماء الإسلام في مجالات العلم وبالذات فيما يتعلق بالنواحي العلمية الآتية :-
1 - في مجال الفلك

        طرق المسلمون علم الفلك من القرن الثامن إلى القرن الحادي عشر وأصبحت لغتهم دولية علمية وقاموا بترجمة العديد من المؤلفات القديمة وشرحها ومن أشهر أعمالهم قياس محيط الأرض أيام الخليفة المأمون سنة 786هـ في صحراء سنجار بالعراق .
        واستطاعوا إنشاء عدة أزيـاج لرصد الكواكب والمجمـوعة الشمسـية أول زيـج وضعـه "حبش الحاسب".
ثم تلاه عدة أزياج أخرى أشهرها الزيج الصابي للبتاني الذي انتشر في أوروبا في القرن 12 .
والزيج الكبير الحاكي لإبن يونس المصري [وضعه بعد أرصاد 17 سنة] .

ومن بين اكتشافاتهم

        حركة أوج الشمس ، نتيجة لأرصادهم الفلكية وأول من أثبت ذلك البيروني والزرقاني [فعلماء المسلمين هم الذين أثبتوا حركة الأرض وثبوت الشمس أي دورانها حول نفسها قبل هؤلاء الغربيين] .
        وقال علماء المسلمين في السماء والأفلاك ما لم يصل إليه حتى الآن علماء الغرب ولا الشرق ، وقالوا عن سطــح القمـر والجبال التـي فـيه قبل مئات السنين وقبل وصـول مراكبهم الفضائية إلى القمر .
        ونعجب كيف وصل علماؤنا الأفاضل إلى تلك الحقائق مع قلة الوسائل العلمية ولكنها الإرادة والعزيمة والصبر ـ مما جعل أعداؤهم يعترفون لهم بالفضل والمعروف في هذا المجال .
          فالمسلمون أول من اشتغل بعلم الفلك بعد اليونانيين الأقدمين ، وهم أول من ألف فيه الكتب والمصنفات ، وأول من أنشأ المراصد الفلكية في العالم . وخصص لها المال العظيم من بيت مال المسلمين
        وكم هي المراصد الفلكية الموجودة في بغداد في عهد هارون الرشيد وعهد المأمون وكذلك مراصد دمشق والقاهرة والرقة وسنجار ومراغة وسمرقند وقرطبة وطليطلة ، واستطاعت تلك المراصد بتعاونها أن تعيّن انحراف سمت الشمس بثلاث وعشرين دقيقة وأثنين وخمسين ثانية وهو ما يعادل الرقم الحاضر اليوم تقريباً ، ثم رصدت الاعتدال الشمسي فمكنهم من تعيين مدة السنة بالضبط .
قال ابن قتيبة وهو من علماء الفلك المسلمين القدامى : [ إنهم أعلم بالكواكب ومطالعها ومساقطها ، وفي عصر المأمون العباسي وضع أبناء شاكر "قياساً" للدرجة على الأرض ووضعوا التقاويم للأمكنة وقاسوا عرض بغداد وكان مقداره ثلاثاً وثلاثين درجة وعشرين دقيقة .
        ولقد مكث العالم المسلم "محمد بن جابر بن سنان" سنة 41 يرصد النجوم والقمر والكواكب في مرصد الرفة في أرض الشام حتى تمكن من تصحيح بعض نتائج " بطليموس"، وجاءت نتائج أرصاد هذا العالم المسلم غاية في الدقة والضبط والأحكام والإتقان خاصة فيما يتعلق بالقمر وسطحه والتعاريج التي وصفها فيه والجبال والوديان .
وكذلك "أبوالحسن المراكشي" ، وهو من علماء القرن 18 م قام بجهود كبيرة في خدمة الفلك ، ولقد عنى بضبط خطوط الطول والعرض لإحدى وأربعين مدينة أفريقية واقعة مابين مراكش والقاهرة ، فلم يفعلوا كل هذه الأشياء إلا استجابة لأمر الله تعالى الذي أمرهم بالتدبر في الكون ، قال تعالى : ) قل انظروا ماذا في السموات والأرض([1]، ومن المعلوم أنه ليس النظر في العين المجردة ، إنما نظرة تحقيق للوصول إلى نتائج تخدم البشرية وتسعدها .
        لذا فقد سبق علماؤنا في هذه الميادين العلمية والتحقيقات الفلكية التي أدهشت حتى أعداءهم ، ولقد قال علماؤنا عن الأرض وكرويتـها وحركـتها وسبحهـا في الفلك الأعظم ما لم يقله علماء الغرب إلا بعد مئات السنين.
ومن مشاهير علماء الفلك:
أبو الوفا: الذي يقرن اسمه بإحدى قواعد الفلك  ألا وهي قاعدة "الانحراف القمري الثالث" ، وقد سبق أبوالوفا العالم الدانمركي "تيخو براميه" الذي يعزى إليه هذا الاكتشاف خطأ بعشرة قرون [2].
ويعتبر بن يونس : مخترع الرقاص والمزولة ، وهو الذي أسس مدرسة القاهرة ، ونشر بن يونس الجداول المسماة باسم الخليفة الفاطمي والتي فاقت في وقتها كل الجداول السابقة ، وأستعيض بها عن "ماجست بطليموس" ومقالات بغداد الفلكية في الشرق كله حتى الصين .

2 - في علم الكيمياء
        الكيمياء :هو ذلك العلم الذي يعني بطبيعة المادة وتركيبها وما يتناولها من تغيرات ، وتوصف مظاهر المواد ، وسلوكها بالخواص الفيزيقية والكيماوية ، وتبين التغيرات إبان التفاعل بالمعادلات .
والمادة فئتان :
عناصر تمثلها الرموز ، ومركبات تمثلها الصيغ ، ويعين تركيب المركبات بالتحليل، وهو نوعــان :
وصفي: يبين العناصر الموجودة ، وكمي: يبين نسبتها .
والكيمياء العضوية : هي دراسة مركبات الكربون ، وهناك كيمياء حيوية تعني في بحث التركيب الكيماوي للكائنات الحية وفي التغيرات التي تطرأ عليها من نبات وحيوان وغير ذلك .
        ولقد ساهم المسلمون بنصيب كبير في تقدم هذا العلم ، ومن ذا الذي يستطيع أن ينكر فضل "جابر بن حيان" فلقد ضرب بسهم وافر في نمو هذا العلم وإخراجه إلى حيز الوجود ، فلقد علم أنه أول من اشتغل بالكيمياء القديمة ، فقد عاش بالكوفة وبغداد في آخر القرن الثامن ، ترجمت كتبه التي زاد عددها على ثمانين إلى اللاتينية ، وتعتبر من أهم ما كتب في الكيمياء في ذلك العصر .
        تناولت كتاباته الفلزات وأكاسيدها ، وأملاحها ، وأحماض النتريك ، والكبريتيك ، والخليك ، كما عالجت القلويات تحضيراً ، وتنقية بالبلورة والتقطير ، والترشيح والتصعيد ، وكان أثرها ملموساً في تنمية الكيمياء القديمة ، وإدخال عنصري التجربة والمعمل .
        وأوصى جابر بدقة البحث والإعتماد على التجربة والصبر على إجرائها ، وكان من المعتقدين بنظرية تحويل المعادن إلى ذهب ، وبأن الزئبق والكبريت هما العنصران الأوليان .
        ومن أشهر كتب "جابر بن حيان" : "كتاب الجمع" ، "كتاب الاستتمام" الذي نقل إلى الفرنسية عام 1672 م ، "كتاب التكليس" ، "كتاب الاستيفاء" .
        واكتشف أهم أسس الكيمياء وهي التصعيد والتذويب والتبلور والتبخير والتقطير والتكليس .
        وقد أدخل العرب طريقة لفصل الذهب عن الفضة ، لاتزال تستخدم حتى الآن ، وقد أدخل علم الكيمياء إلى أوربا أسماء علمية عربية منها "البورق" ، "الطلق" ، "الانبيق" ، "الاكسير" ، "الكحول" ، "القصدير" ، "التنور" ، "الزرنيخ" ، "الدانق" ، "الخميرة". وقد اكتشفوا صناعة الورق باستخدام القطن .
       ترجمت بعض كتبه من اللاتينية إلى الإنجليزية سنة 1678م ، وأعاد ـ هولميارد ـ تحريرها وكتب تقديمها سنة 1928م ، وعنى ـ بول كراوس ، بنشر رسائله …
أبو بــكــر الرازي: كان من المتأثرين بجابر بن حيان وقد قسم المواد الكيميائية إلى أربعة أقسام أساسية هي : المواد المعدنية ـ المواد البنائية ـ المواد الحيوانية ـ المواد المشتقة ، كما قسم المواد المشتقة إلى ستة أقسام ويدل تقسيمه هذا على فهم عميق لطبيعة المواد وخصائصها ، وعلى إدراك لحاجة العلوم جميعاً إلى التقسيم .
        والرازي هو أول من قال أن الكحول يستخرج بتقطير المواد السكرية أو اللبنية المختمرة ، وتكلم "الرازي" عن الأجهزة الكيميائية فذكر : "الفرن" ـ "المنفاخ" ـ "البوتقة" ـ "الملعقة" ـ "المقراض" ـ "الهاون" ـ "المرجل" ـ "الانبيق" ـ "القوارير" ـ "المعوجة" ، ومن كتبه "سر الأسرار" وكتاب "المنصوري" و من الكيميائين العرب الآخرين :  
 "ابن سينا" وكان طبيباً مرموقاً في الطب والكيمياء ، وكذلك نبغ "البيروني" في دراسة السوائل وخواصها[3].

3 ـ في علم الفيزياء 

         الفيزياء :هو ذلك العلم الذي يبحـث في خواص المــادة والطاقة وفي العلاقة بينهما وتفسير الظواهر الطبيعية وقياسها .
        فروعه متعددة كالحرارة ، الصوت ، الضوء ، المغناطيسية ، الكهرباء ، الميكانيكا .
        وله كذلك فروع متعــددة منها :
           - الطبيعة النووية ، وتبحث في تركيبات المادة الذرية ومايعتريها من تغيرات .
           - والطبيعة الجوية ، وتدرس الخواص الطبيعية للغلاف الهوائي المحيط بالأرض .
           - والطبيعة الحيوية ، وتبحــث في تفسير الخواص الطبيعية والتأثيرات الفيزيائية التي تطرأ على المواد الحيويــة .
        وممن اشتهروا في هذا العلم "ابن الهيثم" حيث قال : [إن الرؤية تحصل من انبعاث الأشعة من الجسم إلى العين التي تخترقها الأشعة فترتسم على الشبكية وينتقل الأثر من الشبكية إلى الدماغ بواسطة عصب الرؤية، فتحصل الصورة المرئية للجسم ، وبهذا التفسير أبطل ابن الهيثم النظرية اليونانية القائلة بأن الرؤية تحصل من انبعاث شعاع ضوئي من العين إلى الجسم المرئي ، وابن الهيثم أول من قال بأن العدسة المحدبة ترى الأشياء أكبر مما هي عليه .
        وهو أول من شرح تركيب العين ، وبين أجزائها بالرسوم وسماها بأسماء تطلق عليها حتى الآن ، كالشبكية ، والقرنية، والسائل الزجاجي ، والسائل المائي ، و له بحوث في تكبير العدسات مهدت لاستعمال العدسات في إصلاح عيوب العين وبحث في المعادلات التكعيبية ، وحلها بواسطة قطوع المخروط ، و طبق الهندسة على المنطق .
        واستخرج طريقة جديدة لتعيين ارتفاع القطب ، وعرض المكان على وجه التدقيق و بسط سير الكواكب وتمكن من تنظيمها على منوال واحد .
        وقد شهد علماء الغرب لابن الهيثم بفضله عليهم ، فقالوا إن كبلراستفاد من علومه في الضوء وانكساره .
        وللعالم العربي " مصطفى نظيف " كتاب قيم فصل فيه نظرياته وبين أنه كان أسبق من " فرنسيس بيكون " إلى اصطناع المنهج التجريبي القائم على المشاهدة والتجربة والاستقراء .

          وكان من أكبر علماء المسـلمين في الرياضيات والطبيعــيات ومن له صلـة في علم الطب والفلسفة والفيزياء :
العالم الكبير  "أبوعلي الحسن ابن الهيثم": الذي ولد بالبصرة ، وأقام بها في عهد الخليفة ـ الفاطمي ـ الحاكم بأمر الله ، الذي اتصل به وخدم لديه ، وعاش بعد وفاته على نسخ المصنفات الرياضية .
      لقد ترك تراثاً علمياً يمتاز بالأصالة والجدة ، وذكر" بن أبي اصيبعة" في عيون الأنباء في طبقات الأطباء أن مصنفاته تبلغ (200) كتاب سبق في مصنفاته ونظرياته إلى كثير من الآراء العلمية المتصلة بالرياضيات والطبيعيات ، ولاسيما المتصلة بالبصريات .

وأهم مصنفاته :
- كـــتاب المنــاظـر .
- كتاب في كيفيات الاضلال .
- كتاب في المرايا المحرقة بالقطوع .
- كتاب في المرايا المحرقة بالدوائر .
- رســالة فـــي الشــفـق .

4 ـ مآثر المسلمين في الرياضيات ، والجبر ، والحساب ، والهندسة
        برع المسلمون في العلوم الرياضية وأجادوا فيها وصححوا نظريات القدامى من الإغريق ...
        ولقد اطلع المسلمون على حساب الهنود فأخذوا عنه نظام الترقيم وأخذوا منهم سلسلتين وهذبوهما ، إحدى هذه السلسلتين هي ماتسمى بالحروف الهندية وهي :ـ (0،1،2،3،4،5،6،7،8،9) وقد انتشرت في المشرق الإسلامي والشام ومصر ، والسلسلة الأخرى وهي ماسميت بالحروف العربية وهي :ـ (0،1،2،3،4،5،6،7،8،9) وقد انتشرت في الأندلس ومنها انتقلت إلى الغرب .
        وأهم تطور حدث هنا هو : "طريقة الخانات" حيث تحسب قيمة عدد ما بحسب شكله وبحسب موقعه من الرقم ككل ، وأخذ العرب من الهنود (سونيا) بمعنى الفراغ أي الصفر وكانت ترسم عند الهنود بهذا الشكل (5) فأخذوا الدائرة لسلسلة الأعداد العربية ، والنقطة للسلسلة الهندية ومن مزايا هذا النظام تسجيل جميع عمليات الحاسب .
        ويعتقد أن المسلمين عرفوا شيئاً عن (الكسر العشري) ، فقد وجد "الكاشي" النسبة التقريبية (ط) بهذا الشكل : (141596535898732  3 صحيح) [4].
       ولم يُتأكد بعد من أن الكاشي استعمل العلامة العشرية برسمها الحالي ، ولكن الشكل السابق يوضح إلمامه بمبادئ الكسور العشرية وإن لم يستخدم الفاصلة .
وقد قسم المسلمين الحساب إلى قسمين هما :ـ
                    1)    "غباري" وهو الذي يحتاج إلى قلم وورقة .
                    2)    "هوائي" يحسـب في الذهـن وهو مفـيد للعوام ومن لم يحضـر معه أدوات الكتابة في السوق أو غيره .
        وقد اكتشف المسلمون طرقاً مختلفة لإجراء عمليات الضرب والقسمة ، مما أفادهم في كثير من الأمور خاصة علم الفرائض ، ومن هذه الطرق ماهو "خاص بالمبتدئين" ويصلح للتعليم في المدرسة ، وقد استخدم رجال التربية في الشرق والغرب هذه الطرق لتعليم الأطفال .
        وقد بحثوا في "النسبة والتناسب" ، وقد تعاملوا مع "الكسور العادية" بنفس الطرق السائدة حالياً ، واستطاعوا إيجاد "المجاهيل" من المعادلات بنفس الطرق الحالية ، وبطرق أخرى لاداعي للتوسع في ذكرها[5].
        وقسموا الأعداد إلى : "ازدواج" و "إفراد" .
        وعرفوا "المتواليات" الحسابية والهندسية" وذكروا قوانينها .
        وأبدعوا في "المربعات السحرية" .
        ومن أكبر علماء المسـلمين في الرياضيات والطبيعــيات وكذلك له صلـة في علم الطب والفلسفة والفيزياء :
العالم الكبير "أبوعلي الحسن بن الهيثم "الذي ولد بالبصرة ، وأقام بها في عهد الخليفة ـ الفاطمي ـ الحاكم بأمر الله ، الذي اتصل به وخدم لديه ، وعاش بعد وفاته على نسخ المصنفات الرياضية .
لقد ترك تراثاً علمياً يمتاز بالأصالة والجدية .
        وذكر" بن أبي اصيبعة" في عيون الأنباء في طبقات الأطباء أن مصنفاته تبلغ (200) كتاب سبق في مصنفاته ونظرياته إلى كثير من الآراء العلمية المتصلة بالرياضيات والطبيعيات ، ولاسيما المتصلة بالبصريات .
ومن أهم مصنفته في الرياضيات  :
1- كتاب شرح أصول اقليدس في الهندسة والعدد .
2- كتاب الجامع في أصول الحسـاب .
3- كتاب في تحليل المسائل الهندسية .
4- كتاب في تحليل المسائل العدديـة .

وله في الفلك : ثمانون كتاباً ورسالة يعرض فيها لسير الكواكب والقمر والأجرام السماوية.
    
 مآثر المسلمين في الجبر :

قال كاجوري : "ان العقل ليدهش عندما يرى ماعمله العرب في الجبر" ، وهم أول من أطلق لفظة "جبر" ومنها أتت "Algebra" .
وأول من ألف فيه "الخوارزمي" في زمن المأمون وأشهر كتبه كتاب "الجبر والمقابله" .
وللأسف فقد سبقنا الغربيون إلى نشر هذا الكتاب بالعربية . وبعد ذلك قام الدكتوران  ( مشرفه و محمد مرسي أحمد )  بتحقيق الكتاب ونشره مرة أخرى .
        وقد اشتغل الأقدمون بهذا "الفن" أي الجبر ولكنه لم يصبح علماً حتى اشتغل المسلمون به .
        وقسم "الخوارزمي" الأعداد إلى "جـــذر" وهو الشيء أو المجهول الذي اختصر فيما بعد
إلى "ش" ثم "س" .
        و "المال" وهو مربع الشيء أي : س2 .
        و "العدد" وهو الذي لايرتبط بمجهول [6].
        وعرف "الخوارزمي" حل المعادلة من الدرجة الثانية بنفس الطريقة الحالية .
        وابتكروا طرقاً هندسية لحل بعض معادلات الدرجة الثانية .
        وقد استعملوا منحي "لنكوميدس" في تقسيم الزاوية إلى ثلاثة أقسام متساوية .
        وعرفوا كيف يمكن ضرب الكميات الصماء في بعضها .
        وبعد وفاة الخوارزمي بقليل استخدمت الرموز لحل المعادلات الرياضية [7].
        وبحثوا في نظرية "ذات الحدين" . إذ يقول "الخيام" أنه وجد قانوناً لفك أي حدين مرفوعين إلى أس صحيح موجب . وقد يكون القانون في أحد كتبه المفقودة وماأكثرها نتيجة إما لسوء تخزينها أو للكوارث التي مرت بالمنطقة.
        واستطاع "الكاشي" إيجاد قانون لمجموع الأعداد الطبيعية المرفوعة إلى القوة الرابعة .
        ووعوا بالجذور الصماء و"الخوارزمي" هو أول من استخدم كلمة "أصم" ومنه أخذ الإفرنج كلمة "سعقي" وتعني "أخرس" أو "أطرش" .
        ووجدوا قانوناً للقيم التقريبية للجذور الصم .
        و "ابن يونس" هو أول من توصل إلى القانون الآتي في حساب المثلثات :
                جتا س × جتا ص = 1 جتا (س + ص) + 1 جتا (س - ص)
                                              2                    2
        وكان لهذا القانون أهمية كبيرة في تحويل عملية الضرب المعقدة إلي عملية جمع .
        ومن المحتمل أنه قد مهد السبيل إلى اكتشاف اللوغاريتمات كما مهد "ثابت بن قرة" لإيجاد حساب التفاضل والتكامل .

مآثر المسلمين في الهندسة :

        حينما نهض المسلمون نهضتهم العلمية أخذوا كتاب اقليدس في الهندسة وترجموه وشرحوه وأضافوا عليه ، كما سمّوه : "الأصول" .
        وقد وضع "ابن الهيثم" كتاباً في الحساب على نمط كتاب اقليدس في الهندسة . وقد طبقوا الهندسة على المنطق فوضع ابن الهيثم كتاباً في ذلك .
        و "ابن الهيثم" من أبرع علماء المسلمين الذين اشتغلوا في البصريات وهذا لاينفي عنه براعته في سائر العلوم والفنون الأخرى ، فقد كان أسلافنا موسوعات متحركة ، وكان العلم عندهم أن تعرف كل ما يمكنك معرفته عن كل شيء ، فأين نحن منهم!.
        وكان يسود مؤلفات المسلمين مسحة علمية تجاه تطبيق النظريات العلمية فيما يحتاجونه من أمور دينهم ودنياهم ، فقد وضع "ابن الهيثم" مثلاً مقالة في : "استخراج سمت القبلة" ، ومقالة : "فيما تدعو إليه حاجة الأمور الشرعية من الأمور الهندسية" ، وقد بين المسلمون كيف يمكن إيجاد النسبة التقريبية " ط " .
        وقد أوجد "البيروني" برهاناً جديداً لمساحة المثلث بدلالة أضلاعه مبني على نظرية "ابونصر الجعدي" من علماء الرياضيات وقد سخروا الهندسة بنوعيها المستوية والمجسمة في بحوث الضوء .
        وقد امتاز المسلمون في بعض البحوث الهندسية وتفوقوا فيها ، ولاسيما فيما يتعلق بالمتوازيات . فقد تنبه "الطوسي" إلى نقص إقليدس في مسلمة المتوازيات وحاول البرهنة عليها في كتابيه : "تحرير أصول أقليدس" ، "الرسالة الشافية للطوسي" ومعلوم الآن أن البحث في هذه المسلمة أدى الى اكتشاف الهندسات اللااقليدية على يد "ريمان" والتي ساهمت آبى حد كبير في نظرية النسبية لاينشتين .
        وقد اشتغل المسلمون بعلــم تسطيح الكرة ، ومن الكتب المصنفة فيه : "الكامل" للفرغاني ، "الاستيعاب" للبيروني .

مآثر المسلمين في المثلثات :
        وضح المسلمون علم المثلثات بشكل علمي منظم مستقل عن الفلك ، وأضافوا عليه إضافات كثيرة جداً جعلته يعد علماً عربياً كما تعد الهندسة علماً يونانياً .
        وقد استعمل المسلمون "الجيب" بدلاً من "وتر ضعف القوس" . وهم أول من أدخل "المماس" في النسب المثلثية .
        وقد استطاعوا أن يحلوا كل المسائل المختصة بالمثلثات الكروية القائمة الزاوية.
        وتوصلوا إلى قواعد وقوانين يصعب ذكرها في هذا البحث [8] وهناك من حل بعض العمليات جبرياً.
        وقد توصل "ابن يونس" كما سبق إلى القانون الآتي :
جتا س × جتا ص =   1 جتا (س + ص) +1  جتا (س - ص)
                        2                   2
        وقد اعترف "كاجوري" أن هناك أموراً كثيرة منسوبة إلي "ريجو مونتاس" وغيره في علم المثلثات ثم ظهر بعد البحث أن علماء المسلمين هم أصحاب الفضل فيها .
        وهم أول من أوجد ظل التمام ، وجيب التمام . وبرهنوا على أن نسبة جيوب الأضلاع بعضها إلى بعض كنسبة جيوب الزوايا الموترة بتلك الأضلاع بعضها إلى بعض في أي مثلث كروي .
        وعملوا الجداول الرياضية للمماس وتمامه والقاطع وتمامه . ولعل أول من أدخل هذه العلوم إلى أوربا هو : "ريجو مونتانوس" الذي ألف كتباً كثيرة منها كتاب يسمى : "المثلثات" وينقسم إلي خمسة فصول ، وهذا الكتاب يعتبر مقتبساً على كتب كثيرة والدليل على ذلك أن الفصل الخامس منه منظم تماماً على طريقة أبو الوفاء في بعض مؤلفاته[9].
        ومن ذا الذي ينكر فضل العالم المشهور الكندي في علم الحساب والهندسة والطب والفلسفة والفلك ، وقد قدرت مؤلفاته حول هذه الفنون وغيرها بأكثر من 240 كتاباً ورسالة .

5 ـ فـي عــلــم الـطـــب 

الطب :هو عبارة عن علم وفن موضوعهما علاج المرض ودفعه ، وتمتد بدايات الطب إلى محاولات الإنسان الأولى في علاج الإصابات والأمراض ، وتشير الآثار على نشوء مهنة الطب لدى السومريين والبابليين الذين كانوا يقطنون بلاد مابين النهرين قبل الميلاد ببضعة قرون ، وفي قانون حمورابي أحكام تشير إلي ممارسة الطب .
ولقد ساهم المسلمون على وجه ملحوظ في علم الطب . فبدأت نهضته مع الفتوح الإسلامية .
        وكانت أول ترجمة في العصر الإسلامي يرجع الفضل فيها إلى الأمير خالد بن يزيد بن معاوية الذي استخدم عدداً من الفلاسفة القاطنين الأسكندرية ، لترجمة الكتب المصرية واليونانية القديمة في الكيمياء والطب والنجوم .
        وفي عهد الخلفاء العباسيين نشطت الترجمة في سائر العلوم وخاصة فيما يتعلق بالطب من اللغة اليونانية والسريانية .
        ففي أيام المنصور نقل " جورجيس بن بختيشوع " كتباً طبية من اليونانية ، كما نقل " بن المقفع " كتباً في الطب من الفارسية وترجع أصولها الى اليونانية ، كما نقل بن " البطريق " بعض كتب ابقراط وجالينوس . وجمع الرشــيد مترجمين أكفاء منهم "يوحنـا بن ماسويه "و "سلما "فنقلا كتباً طبية إلى العربية.  وعندما أنشأ المأمون " بيت الحكمة " حشد فيه طائفة من المترجمين كرس بعضهم عنايتهم إلى ترجمة أعمال الأطباء اليونانين والبيزنطيين مثل : "ابقراط " " وجالينوس " و"الاسكندر" وغيرهم .
ويعتبر كتاب " فردوس الحكمة " فاتحة لعصر التأليف الذي وصل إلى ذروته في أيام بن سيناء ، واستمر مزدهراً إلى منتصف القرن "13" عندما نكبت بغداد بالغزو التتري .
        وخلف المسلمون تراثاً كان له أعمق الأثر في حياة الإنسانية ـ ولاسيما ماترجم منه إلى اللاتينية في العصور الوسطى ـ فارتكزت عليه النهضة الأوربية ، وقد تعلم الطب في البلاد الإسلامية كثير من أطباء الغرب منهم ، سباتـي بن ابراهيم ، ودونولو ، من يهود أنزانو ، وفي مدينة  "بالرمو" بصقلية الإسلامية أنشأ المسلمون أول مدرسة للطب بأوربا ، ومنها انتشر تعليم الطب بإيطاليا ، وقد ترجم عدد من كتب المسلمين الطبية  إلى اللاتينية ، ومن أشهرها كتاب "الحاوي"  للرازي والذي قام بترجمته الى اللاتينية "سالرنوفرج بن سالم" .
        وأشهر المترجمين "جرارد كريمونا" والذي ترجم سبعين كتاباً في الطب العربي إلى العبرية واللاتينية " منها كتاب القانون في الطب لابن سيناء " وكتاب المنصوري للرازي ، والقسم الجراحي من كتاب التعريف للزهراوي .
        وفي خلال الحروب الصليبية عام 1097هـ نقلوا الكثير من الوصفات الطبية الإسلامية .
        ومن أشهر علماء المسلمين في الطب : "بني زهر الدين " هاجر أجدادهم من جزيرة العرب إلى الأندلس واستقروا هناك .
        ومنهم : "أبو مروان عبد الملك " الذي درس الطب على أبيه وتفوق في تجاربه على الأدوية وله إضافات جديدة مثل وصفه للأورام الحيزومية وخراج التامور ، وهي أمراض لم توصف قبله ، وقد شرح طريقة التغذية الصناعية بمهارة فائقة .
        ومنهم : أبو بكر الرازي المتقدم الذكر .
        ومنهم : إبن سيناء ، وكتابه القانون في الطب . والذي بدأت كما قلنا أوربا بترجمته منذ القرن الثاني عشر ، ثم طبعته أكثر من خمس عشرة مرة .
        وكذلك لاينكر فضل المسلم " ابن النفيس " لأنه أول من كشف عن الدورة الدموية ، وأول من فرق بين الأوردة والشرايين ، وأول من وصف جدران القلب ، وأول من قال أن أوردة الرئتين ليست معبئة بالهواء .
        ومن مشاهير أطباء المسلمين بالأندلس " المسلم الكبير " " ابن زهر " وهو سليل بيت اشتهر أبناءه بصناعة الطب ، فأبوه طبيب من قبله ، وخلفه ابنه في صناعة الطب .
        ألف "بن زهر"  كتاباً مشهوراً اسمه [الترياق السبعيني ومختصره  "وكتاب [الأغذية" ، وله كذلك كتاب في الزينة ، ورسالة في علتي ، البرص والبهق ، وله مقالة في علل الكلى ، وله كتاب التذكرة ، وضعه لولده في معالجة الأمراض ، فيه ملاحظات جديرة بالذكر :
        فيقول رحمه الله :  [ان أحسن علاج للحمى في الأعضاء غمس المحموم في الماء البارد] .
        وانتقد الأطباء في حرصهم على وصف المسملات ، وقال : لاتعطى إلا إذا أعطي مايقوي المعدة كالمصطكي وما يحجب المضره عن الأمعاء كالمخيطاء والكثيراولب الفستق] ويذكر " بن زهر" ان العسل والسكر يوصلان الأدوية إلى الكبد كما يوصلها "الخل " إلى الطحال ـ وان الرئة تجتذب العناب لمشابهته لها في الشكل ويذكر أن عود السوس يوافق المثانة .
        ومن أشهر كتبه : [التيسير في المداواة والتدبير]  ناقش فيه كتاب "القانون" لابن سيناء ، و"الكتاب الملكي" للمجوسي واتهمهما بالإطالة .
        ووصف خراج الحيزوم وصفاً دقيقاً لأنه  كان مصاباً به ، ووصف التهاب غشاء القلب وميز أعراضه عن التهاب الرئة ، انتهى من تأليفه  في أواسط القرن السادس الهجري ، يوجد منه في المكتبة الوطنية بباريس مخطوطة في مجموع رقمه 2960 ويحتوي على ثلاث مخطوطات أخرى :
       كتاب الأغذية لأبي مروان بن زهر ، ورسالة في الأدوية لأبي العلاء زهر بن زهر ، والتذكرة للمؤلف نفسه .
        وقد ألف : لإبراهيم بن يونس بن تاشفين كتاب [الاقتصاد في إصلاح الأنفس والأجساد] .
6 ـ في علم الاجتماع 

        أما علم الاجتماع فإنه مفخرة من مفاخر المسلمين ، وأعظم من ألف فيه ودرسه من جميع نواحيه العالم والمؤرخ الكبير " ابن خلدون " الذي عاش بين عام 732 هـ وعام 898 هـ .
        وهو المنشئ لهذا العلم كما شهد كثير من العلماء في الشرق والغرب ، أنشأه قبل أن يظهر علماء الاجتماع في أوربا بنحو أربعة قرون ، فأقامه على دعائم سليمة واستوعب جميع مسائله .
        وقد اعترف بذلك كثير من علماء الغرب الاجتماعيين وانهم عيال على ابن خلدون ، منهم "فييج جمبلوفتس" و"كولوريو"  و"فارد"  و"شميث" شهدوا أن ابن خلدون تقدم في علم الاجتماع إلى حدود لم يصل إليها اوجست كنت في النصف الأول من القرن التاسع عشر .

7 ـ في علم الجغرافيا 

           لقد أبدع المسلمون في رسم المصورات الجغرافية لأكثر الأمكنة التي زاروها أو عرفوها ، ورسموا المصورات البحرية للبحار التي جابوها ، ووضعوا المعاجم الجغرافية التي مازالت معتمدة حتى وقتنا الحاضر ، وعرفوا كروية الأرض ، وقاسوا أبعادها بدقة ـ خصوصاً أيام المأمون ـ وحددوا خطوط الطول والعرض ، متخذين جزر الباليار مبدأ لخطوط الطول .
          وبرع من المسلمين الشريف الإدريسي في الجغرافيا ولد سنة 481 وتعلم في جامعة قرطبة ، ثم جاب شمالي أفريقية وآسيا الصغرى وغيرهما ،وذاع صيته فاستدعاه " روجر الثاني" ـ ملك صقلية وجنوبي إيطاليا ـ وكان زميلاً له في الدراسة ، فلبى الشريف طلبه ، وألف له كتابه القيم "نزهة المشتاق في اختراق الأفاق" ورسم صوراً لأقاليم على كرة من الفضة وكتابه هذا أوسع كتاب جغرافي إلى عصره ، ولهذا اهتمت به الأمم وترجم إلى اللاتينية في آخر القرن السابع عشر .
        ومن هذا الكتاب تعلمت أوربا علم الجغرافيا في القرون الوسطى ومن مشاهير العلماء : شهاب الدين أحمد بن ماجد النجدي الذي كان يلقب في القرن الخامس عشر الميلادي " بأسد البحر " وقد كتب عنه البحاث " جبريل فراند " بحثاً مفصلاً أكد فيه أنه كان المرشد " لفاسكو دي جاما " في رحلته إلى الهند سنة 1498 م ، وفي الكشف عن الطريق إليها .
        ويقول " فراند " إن وصف ابن ماجد ٍللبحر الأحمر لايدانيه وصف ، وإن ربان السفن كانوا إلى النصف الأول من القرن التاسع عشر لايفارقون كتب " بن ماجد " ولقد سمى المسلمون هذا العلم "علم تقويم البلدان" .
        وكان منهم رحالة مدققون جابوا معظم جهات العالم الإسلامي وكان معظم كتبهم  دراسات وصفية وظهر كتب عديدة تصف البلاد المعروفة ، أقدمها فيما يظن "كتاب المسالك والممالك" الذي كتبه "ابن خرداذبة" سنة 846م ، وتلاه كثير من الكتب أشهرها "البلدان" لابن واضح اليعقوبي ، وكتاب "الأعلاق النفسية" لابن رسته ، وكتاب "مسالك الممالك" للاصطخري ، وكتاب "صورة الأرض" لابن حوقل ، وكتاب "أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم" للمقدسي ، وكتاب "معجم البلدان" لياقوت الحموي ، وكتاب "تقويم البلدان" لأبي الفداء أمير حماة .
        وأدرك المسلمون أهمية الخريطة :
فوضع "البلخي" أول أطلس عربي ، ورسم المقدسي خرائط لكل قسم من الأقسام الأربعة عشر التي قسم إليها العالم الإسلامي ، واستخدم التلوين للتمييز بين المظاهر الجغرافية المختلفة ، وصنع الإدريسي كرة أرضية من الفضة بين عليها الأقاليم المناخية السبعة .
        أما في الغرب فقد اندثرت الجغرافية المبنية على أسس علمية في العصور الوسطى ، إذ كانت الكنيسة تعتبر البحث في المظاهر الكونية خروجاً على الدين ، لكن رحلات " ماركوبولو " ونمو تجارة أوربا مع الشرق عملت على إحياء الآراء العلمية التي ابتدعها أرسطو وبطليوس ثم رحلات كولمبس وهكذا ...

8 ـ  في علم الفلسفة والمنطق :

   الفلسفة والمنطق :هي عبارة عن دراسة المبادئ الأولى للوجود والفكر ، دراسة موضوعية تنشد الحق وتهدي بمنطق العقل .
        ولقد برز كثير من علماء المسلمين بهذا الفن ، وحاول بعضهم الجمع بين الفلسفة والدين ، وإن الفلسفة التي يقصد منها الحق لاتعارض الدين ، إنما تلتقي معه وتؤيد الدين ويؤيدها لأن كلاً من الفلسفة والدين يقصدان الحق والخير .
        وأبرز هؤلاء العلماء الذين حاولوا التوفيق بينهما العالم المشهور والفقيه العظيم إبن رشد ، الذي ألف كتابه المشهور "تهافت التهافت" ، والذي رد به على كتاب الغزالي المشهور " تهافت الفلاسفة " ، وانتهى ابن رشد بتخطئة الغزالي في بعض النظريات وبين أن الدين لايعارض الفلسفة الحقيقية .
        وممن اشتهروا بالفلسفة والمنطق الفارابي ، النظام ، الرازي ، ابن سيناء ، الكندي ، وغيرهم .
وعلى العموم فلعلمائنا الشرعيين قديماً وحديثاً لهم وجهات نظر وآراء شرعية حول هؤلاء الفلاسفة وغيرهم ممن حاد بالفلسفة والمنطق عن الطريق الصحيح وجعلها فوق النصوص الشرعية ـ والعبرة بالحق والدين لا بالأشخاص مهما ارتقوا في أعين الناس ـ قال تعــالى :) وإنْ تُطِعْ أكثـَر مَنْ في الأرض يُضــِـلُوك عنْ سَبِيل الله([10].
وإليك ما قاله بعض علماء الشرع فيهم :
 " فقد قال ابن كثير رحمه الله في كتابه البداية والنهاية[11]:ـ
قد حصر الغزالي كلامه في مقاصد الفلاسفة ، ثم ردَّ عليه في "تهافت الفلاسفة" في عشرين مجلساً له كفّره في ثلاث منها وهي قوله بقدم العالم ،
وعدم المعاد الجثماني ، وأن الله لايعلم الجزئيات ، وبدّعه في البواقي ويقال أنه تاب عند الموت والله أعلم" .
** وقال ابن تيمية رحمه الله عن الفلاسفة[12]:ـ
"هم الذين يقولون أن الأنبياء أخبروا عن الله وعن اليوم الآخر وعن الجنة والنار بل وعن الملائكة بأمور غير مطابقة للأمر في نفسه ، لكنهم خاطبوهم بما يتخيلون به ويتوهمون به أن الله جسم عظيم وأن الأبدان تعاد وأن لهم نعيماً محسوساً وعقاباً محسوساً وإن كان الأمر ليس كذلك في نفس الأمر ، وإن كان هذا كذباً فهو كذب لمصلحة الجمهور" .
وقد وضع ابن سينا وأمثاله قانونهم على هذا الأصل "وهؤلاء يقولون : الأنبياء قصدوا بهذه الألفاظ ظواهرها وقصدوا أن فنهم الجمهور منهما هذه الظواهر وإن كانت هذه الظواهر في نفس الأمر كذبا وباطلا ومخالفة للحق فقصدوا إفهام الجمهور بالكذب والباطل للمصلحة" [13].
        وقال أيضاً رحمه الله عن ابن سينا "[14] وكذلك ابن سينا وغيره يذكر من التنقص بالصحابة ما ورثه عن أبيه وشقيقه القرامطة[15].


ترجمة لبعض من اشتهر بالعلوم الطبيعية ونحوها

1ـ محمد بن موسى الخوارزمي

        ولد في "خوارزم" وأقام في بغداد" ، ولاّه "المأمون" منصباً في بيت الحكمة . وهو أول من استعمل كلمة "جبر" لتسمية العلم المعروف .
ولكتاب "الجبر والمقابلة" للخوارزمي شأن كبير إذ اعتمد عليه العلماء الرياضيون من بعده ولم يخرج أحدهم أما عن شرحه أو التعليق عليه ، ولهذا الكتاب في الجبر مثل ما للأصول في الهندسة من أثر وقيمة علمية ، وقد ترجم إلى اللاتينية منذ زمن بعيد ومنه استقى الغرب معلوماته في الجبر .
        ويرجع الفضل (بعد الله) للخوارزمي في نقل الأرقام الهندية عبر مؤلفاته إلى الغرب ، وهو أول من وضع كتاباً في الحساب يعد الأول من نوعه ، وترجم إلى اللاتينية حيث عرف باسم "الغورثيمي" نسبة إلى الخوارزمي[16]. وألف الخوارزمي في الفلك ووضع زيجاً (جدولاً فلكياً) سماه "السن هند الصغير" جمع فيه بين مذاهب الهند والفرس ، وله بحوث في المثلثات .
        وللخوارزمي كـتـب أخـرى مـنـها كـتـاب "زيـج الخوارزمي" ، "كتاب في تـقـويـم
البلدان" ، "كتاب التاريخ" وكتاب جمع بين الحساب ، الهندسة  والفلك[17].
2ـ الــكــندي
        ولد يعقوب الكندي بالكوفة سنة 185 هـ ، ودرس بالبصرة واشتهر بالفلسفة والطب والمنطق والرياضيات ، عهد إليه "المأمون" بترجمة كتب "أرسطو" ، واعترف "باكون" بفضله حيث يقول : "إن الكندي والحسن بن الهيثم في الصف الأول مع بطليموس"[18].
        وكان يعتقد ان الاشـتغال بالكيميـاء من أجل الحصول على الذهب مضيعة للوقت . وكان لا يؤمن بأثر الكواكب في حياة الناس وان اهتم بالفلك من الناحية العلمية ، وله كتاب في "البصريات" . ووضع رسالة في "زرقة السماء" ترجمت إلى اللاتينية . ووضع رسائل أخرى صغيرة مثل "في المد والجزر" . واشتغل كذلك بالفلسفة ، ونجد أن في منهجه الفلسفي منطق رياضي مدهش بالنسبة لذلك العصر البعيد .
        وقد وضع الكندي 22 كتاباً في الفلسفة ، 19 كتاباً في النجوم ، 16 كتاباً في الفلك ، 17 كتاباً في الجدل ، 11 كتاباً في الحساب ، 23 كتاباً في الهندسة ، 22 كتاباً في الطب ، 12 كتاباً في الطبيعيات ،
8 كتب في الكريات ، 5 كتب في تقدم المعرفة ، 9 كتب في المنطق ، 10 كتب في الاحكاميات ، وكذلك له رسائل أخرى عديدة[19].
        وكان دائماً يلتمس الحكمة والكمال إلى نفسه وكان يقول : "العاقل من يظن أن فوق علمه علماً ، فهو أبداً يتواضع لتلك الزيادة ، والجاهل يظن أنه قد تناهى فتمقته النفوس" .
3 ـ موسي بن شاكر وأولاده
        ظهر موسى بن شاكر في عصر "المأمون" وانقطع هو وبنوه الثلاثة : "محمد"، "أحمد" ، "حسن" للعلم حيث سطع نجمهم .
        ولهم كتاب في "الحيل" (الميكانيكا) قد يكون الأول في هذا الفرع من العلوم .
واستعملوا طريقة خاصة في تقسيم الزاوية إلى ثلاثة أقسام ، ويعزى إليهم القول بأن الجاذبية بين الأجرام السماوية هي التي تربط الأجرام بعضها ببعض وتجعل الجسم يقع على الأرض إذا لم توجد قوة تمسكه .
        وقد كلفهم المأمون بقياس محيط الأرض . وبنوا مرصداً على جسر بغداد .
        وألفوا في كثير من الموضوعات مثل :ـ الهندسة ـ الميكانيكا ـ المساحة ـ المخروطات . ولهم كتاب في "الآلات الحربية" ـ وكتاب في "الشكل المدور والمستطيل".

4 ـ ثابت بن قرة (221 هـ ـ 288 هـ)

        ولد في "حران" ثم انتقل إلى كفر توما حيث إلتقى الخوارزمي الذي قدمه إلى الخليفة المعتضد الذي شجعه ، ويحكى أن الخليفة المعتضد كان يتمشى في بستان دار الخلافة هو وثابت بن قرََة وقد اتكأ الخليفة على يد ثابت ، وإذا به بنتر يده من يده ، فخاف ثابت من فعلة المعتضد لأن هذا الخليفة كان مهيباً وباطشاً، ولكن المعتضد قال له في الحال  : يا أبا الحسن ، سهوت ووضعت يدي على يدك ، وليس هكذا يجب أن يكون ، فالعلما يجب أن يَعْلون ولايُعلَون .
 وكان ثابت يحسن : السريانية واليونانية والعبرية ويجيد الترجمة إلى العربية ، وكان من الذين مهدوا لإيجاد التكامل والتفاضل . وقد نبغ في : الطب والرياضيات والفلك والفلسفة وله أرصاد قيمة ، إذ حسب طول السنة النجمية فكان الناتج أكثر من الحسابات الحالية بنصف ثانية ، وله مؤلفات في "الجبر وعلاقته بالهندسة" ، كما ألف كتباً كثيرة في الطب والفلك ، وإضافة إلى ذلك فله كتب أخرى كثيرة في الهندسة والأعداد والمدخل إلى إقليدوس والمدخل إلى المنطق وكتاب في "المخروط المكافئ" وغيرها كثير .
        ومما يؤسف له أن أغلب كتبه قد فقدت ولم يصلنا منها الشيء الكثير .
5 ـ البتاني (240 هـ ــ 317 هـ)

        هو : "أبو عبدالله محمد بن جابر بن سنان البتاني" ولد في بتان من نواحي حران . بنى مرصداً في انطاكية بسوريا باسم "مرصد البتاني" حيث عكف على دراسة مؤلفات من سبقوه .
        واشتهر البتاني بزيجه المعروف باسم "الزيج الصبائي" . ولا يجب أن ننسى أن الفلكيون العرب اشتهروا بتأليف كتبهم بحيث تكون مختلفة المناهج والمستويات ، فبعضها للمبتدئين ، لا تتعرض للبراهين العلمية مثل "الحركات السماوية" للفرغاني ، وبعض هذه الكتب مطولة وتحتوي على البراهين العلمية والاثباتات الهندسية مثل : "القانون المسعودي" للبيروني ، وبعضها يسمى الأزياج أي الجداول الفلكية مثل : "زيج البتاني" و "زيج الخوارزمي" .
        وللبتاني مؤلفات كثيرة منها : "شرح المقالات الأربع لبطليموس" ، "معرفة مطالع البروج" ، "الزيج الصبايء" وغيرها .
        وقد ترجمت كتب البتاني إلى اللاتينية في القرن الثاني عشر الميلادي ، وبعد ذلك ترجمت إلى لغات أجنبية أخرى .
        ولم يتميز البتاني في الفلك فقط ، بل تميز في حساب المثلثات والجبر والهندسة والجغرافيا .


6ـ الـكـرخـي

        من أعظم الرياضيين العرب ، وهذا العالم الفذ الغامض ـ بسبب قلة ذكره في المراجع لعدم وصول جميع كتبه إلينا ـ له خدمات جليلة وأفضال عديدة على تقدم الحساب والجبر تشهد له بعض من كتبه المعروفة مثل : "الفخري" نسبة إلى الوزير "فخر الملك" الذي أهدى إليه الكتاب ، وقد ألف بين عام 401هـ - 407 هـ . وتنقسم محتويات الكتاب إلى قسمين : الأول يبحث في بعض النظريات الحسابية والجبرية مع بيان حلول المعادلات . أما القسم الثاني فقد أثبت به هندسياً الأصول التي اتبعها في حل كثير من معادلات الدرجة الثالثة .
        وكذلك ألف كتاباً آخر سماه : "الكافي" نجد فيه مبادئ الحساب المعروفة في ذلك الوقت ، وكذلك بعض قوانين وطرق مبتكرة لتسهيل بعض العمليات كالضرب مثلاً. وكذلك كيفية إيجاد الجذور التقريبية للأعداد الصماء .
        وهناك كتاب للكرخي يقال له : "البديع" لم يعثر عليه حتى الآن ، ويقال أنه من أهم كتبه لأنه قال أنه سيذكر فيه بعض النظريات والدعاوي المهمة والبراهين الصعبة ، وقد بر بوعده ولذلك نجد في : "كشف الظنون" ذكر اسمه تحت عنوان : "البديع في الجبر والمقابلة" وهذا دليل على إنجازه[20].

7 ـ البيروني (362 هـ ــ 440 هـ)
       
هو محمد بن أحمد (أبو الريحان) البيروني ولد بخوارزم ، وتمكن من أن يصبح ذا مقام عظيم لدى ملوك خوارزم ، وبعد تغير الأوضاع سياسياً ، تركها وذهب إلى الهند وبقى فيها أربعين سنة تمكن خلالها من جمع معلومات صحيحة عن الهنـد وجمع شتات كثير من علومها القديمة ثم رجع إلى غزنه ومنها إلى خوارزم .
        ولقد كان البيروني ذا عقلية علمية جبارة اشتهر في كثير من العلوم ، وامتاز على معاصريه بروحه العلمية ، وتسامحه وإخلاصه للحقيقة والواقع العلمي ، فهو دائماً يدّعم قوله بالبرهان العلمي المحسوس والحجج المنطقية . وقد كان يحسن : "السريانية" ، "السنسكريتيه" ، "الفارسية" ، "العبرية" . بالإضافة إلى العربية .
        واشتغل البيروني في تقسيم الزاوية إلى ثلاثة أقسام . وكان ملماً بعلم المثلثات ، وعمل تجارب لحساب الوزن النوعي وأوجده لثمانية عشر عنصراً ومركباً ، وشارك ابن الهيثم قوله : ان شعاع النور يأتي من الجسم المرئي إلى العين خلاف النظريات السائدة . وشرح كثيراً مما يتعلق بالسوائل وتوازنها وصعود مياه النافورات إلى الأعلى ، وكذلك فقد اشتغل في الفلك وله فيه مؤلفات فقد أشار إلى دوران الأرض حول محورها وألف كتاباً يعد أشهر كتاب وضع في القرن الحادي عشر للميلاد وهو : "التفهيم لأوائل صناعة التنجيم" . وهو موضوع على طريقة السؤال والجواب . وقد وضع طريقة بسيطة لاستخراج محيط الأرض . وله قاعدة معروفة باسمه لحساب نصف قطر الأرض . ومؤلفاته كثيرة وعديدة تربو على المائة والعشرين مؤلفاً .
8 ـ السموئل (توفي 570 هـ)
       هو السموئل بن يحي بن عباس المغربي اشتـهر بالعلــوم الرياضية والطبية توفـى في مراغة سنة570 هـ .
 وبلغ في العدديات مرتبة لم يبلغها أحد قبله ، وكان ضليعاً في الجبر، وكان كاتباً فذاً، يدافع عن الحق دائماً.
        وله مخطوطتان بعنوان : "الباهر في الجبر" عالج فيها موضوعات جبرية عديدة .
        وقد عالج السموؤل نظرية ذات الحدين لأول مرة في تاريخ العلم[21]. وناقش عمليات الضرب والقسمة وغيرها وقدم أمثلة عددية كثيرة .

9 ـ الــكـاشي  
        غياث الدين جمشيد بن محمود بن مسعود ولد في القرن الخامس عشر للميلاد ، له فضل كبير في إنشاء مرصد سمرقند ، واختلف في تاريخ وفاته قيل عام 1422 وقيل عام 1436 . اشتهر بعلوم الفلك . ومن كتبه "نزهة الحدائق" في الهيئة والحساب والهندسة . وله "الرسالة المحيطية" التي تبحث في كيفية تعيين محيط الدائرة إلى قطرها ، وقد أوجد هذه النسبة التي بلغت :
                141596535898732  3 صحيح
وهي نسبة لم يسبقه أحد الويها في درجة صحتها ، وكتابتها بهذا الشكل ، قد يكون دليـلاً على أن المسـلمين كانوا يعرفون العلامـة العشـريـة قبل أوربا كما اعترف "سميث" [22].
        وللكاشي : "رسالة الجيب والوتر" وكذلك : "كتاب مفتاح الحساب" . وكتب كثيرة أخرى .

[1]  سورة يونس آية(101).
[2]  يراجع / كيف أسهم المسلمون في الحضارة الإنسانية / حيدر بامات.  
[3]  لمزيد من المعلومات حول هذا الموضوع يراجع الكيمياء عند العرب / روحي الخالدي / والعلوم عند العرب / محمد ابراهيم ص 51 .
[4]  لمزيد من المعلومات : أنظر العلوم عند العرب / قدري حافظ طوقان .ص50 .
[5]  لمزيد من المعلومات : أنظر تراث العرب العلمي في الرياضيات والفلك ، تأليف قدري حافظ طوقان.

 [6] لمزيد من المعلومات : أنظر تاريخ العلوم عند العرب / عمر فروخ .
[7]  لمزيد من المعلومات : أنظر تراث العرب العلمي / قدري طوقان .
[8]  لمزيد من المعلومات : أنظر تراث العرب العلمي لقدري حافظ من ص 105 إلى ص 108.
[9]  ينظر العلوم عند العرب / قدري حافظ ص 59.
[10]  سورة الأنعام ـ آيه 116. 
[11]  البداية والنهاية - الجزء الثاني عشر - ص (43) ، ترجمة ابن سينا.
[12]  بـيـان موافـقـة صـريـح المعـقـول لـصحـيـح المنـقـول/ في هـامـش مـنـهـاج السـنـة ج 1/ص 423
[13] درء تعارض العقل والنقل / ج 1 / ص 9 .
[14]  مجموع الفتاوي / ج 4 / ص 103.
[15]  في الحقيقة لسنا مع الذين يؤيدون الفلسفة على إطلاقها ويرون إنها علم لايمارى فيه ولايجادل .
ولسنا مع الذين لايرون للفلسفة والمنطق أي قدر من الفائدة .
والحقيقة أن الفلسفة والمنطق ـ إذا لم تعارض نصوص القرآن ـ وسنة النبي صلى الله عليه وسلم ـ فلا مانع من الاستعانة بها لإقحام الخصوم والرد عليهم أو لتقرير مسألة (ما) ـ إذ هي مبنية على وضع مقدمات ثم استخلاص النتائج ، وقد استخدمها بعض علماء المسلمين من الشرعيين في الرد على أهل الكلام وأهل الجدل كإبن تيمية في كتابه ـ الرد على المنطقيين ـ يراجع فتاوي ابن تيمية / قسم المنطق / ج 9 .

[16]  لمزيد من المعلومات : أنظر تاريخ العلم ودوره / د. عبدالحليم منتصر / ص 16.
[17]  أنظر العلوم عند العرب ـ قدري حافظ طوقان / ص 102 ـ ص 103.
[18]  تاريخ العلم ودور العلماء العرب ـ عبدالحليم منتصر / ص 161 ـ ص 162.
 [19] نظر العلوم عند العرب ـ قدري حافظ طوقان / ص 107.

[20]  لمزيد من المعلومات : أنظر العلوم عند العرب ـ خير الله طلفاح / ص 162.
[21]  أنظر الذرات والالكترونات من سلسلة كتاب المعرفة ـ الناشر شركة تراد كسيم شركة مساهمة سويسرية ـ جنيف / الصفحة 93.
[22]  أنظر تاريخ الرياضيات "سميث" ص 290 ج 1 بتصرف

Previous Post Next Post