الاختلاف بين الناس
ما دام الناس يختلفون في ألوانهم وألسنتهم، وطبائعهم وطُرق معايشهم، وفي البيئة التي يَحْيَون فيها، وفي الثقافة التي يَنْهَلون منها، فإنهم لا شك يختلفون في آرائهم وتفكيرهم
ودوافع الاختلاف عديدة، وبواعث الخلاف متعددة، بعضها له خصوصيات المكان وظروف الزمان، وبعضها متعلق بطائفة من الناس دون غيرهم، وأفراد  دون سواهم، غير أنا نقتصر بأكثرها تجليًا ووضوحًا في دواعي نشوب الاختلاف، وتوسع
وإذا كان لكل علم أقيسة خاصة به، فمَن غلَبت عليه أقيسة علم، إذا بحَث في موضوع مع صاحب علم آخرَ، يختلف نظرهما، وكلٌّ ينبعث في تفكيره من روح علمه، كالخلاف بين المتكلمين والفقهاء والمحدِّثين في مسائل معيَّنة، فسببه اختلاف مناهج البحث، ومنهجية التفكير
" أسباب الاختلاف بين الناس
الإختلاف قديم بقدم الإنسان في هذه الأرض, ابتدأ معه حيث بدأ ينظر إلي الكون فيشده بعظمته, وتأخذه الحيرة في إدراك كنهه وحقيقته. وإذا كان العلماء يقولون: إن الإنسان من يوم نشأته أخذ ينظر نظرات فلسفية إلي الكون, فلابد أن نقول: إن الصور والأخيلة التي تثيرها تلك النظرات تختلف في بني الإنسان باختلاف ما وقعت عليه أنظارهم وما أثار إعجابهم, وكلما خطا الإنسان في سبيل المدنية والحضارة اتسعت فرجات الخلاف, حتي تولد من هذا الاختلاف المذاهب الفلسفية وغير ذلك. ولكننا إذا تأملنا في الاختلاف بين الناس -الذي لا يراد الوصول به إلي الحقيقة-
نجد أن له أسبابا كثيرة, منها:
1- فساد النية" لما في بعض النفوس من البغي والحسد والعلو في الأرض والفساد, ولذلك يحب أحدهم أن يذم قول غيره أو فعله, أو غلبته ليتميز عليه.
2- اتباع الهوي" فقد يكون الخلاف وليد رغبات نفسية لتحقيق غرض ذاتي أو أمر شخصي, وقد يكون الدافع للخلاف رغبة التظاهر بالفهم أو العلم أو الفقه, وهذا النوع من الخلاف مذموم بكل أشكاله ومختلف صوره لأن حظ الهوي فيه غلب الحرص علي تحري الحق, والهوي لا يأتي بخير.

3- جهل المختلفين بحقيقة الأمر الذي يتنازعان فيه, أو الجهل بالدليل الذي يرشد به أحدهما الاخر, أو جهل أحدهما بما عند الاخر من الحق في الحكم أو في الدليل, والجهل والظلم هما أصل كل شر.

4- الرياسة وحب السلطان, والعصبيات القومية, أو الإقليمية, أو العنصرية, فإن الاراء حينئذ تكون منبعثة من الرغبات الخاصة التي لا تتفق مع الحق والعدل, وهذه أمور تفسد الاراء, وتبعد أصحابها عن الحق.

5- التعصب لأقوال الأشخاص والمذاهب والطوائف, ومنشأ هذا التعصب الثائر: إما قوة الإيمان بالفكرة, وإما أعصابا ضعيفة تمنع من إدراك الحقيقة, وإما غرورا وخيلاء. وحيثما كان التعصب لزمته المجادلة والمكابرة, وقد يخفي علي الإنسان موضع التعصب في نفسه, فيحسب أنه مخلص في طلب الحق.
6- تقليد السابقين ومحاكاتهم من غير نظر إلي الدليل والبرهان, فقد يتعصب البعض لاراء الأقدمين, ويذهب إلي عدم مخالفتها والحيد عنها, وطبيعي أن يدفع ذلك إلي الاختلال والمشاحنة, والمجادلة غير المنتجة" لأن كل واحد يناقش وهو مغلول بقيود الأسلاف من حيث لا يشعر.
7- عدم تحديد النقطة المحددة التي يدور حولها النزاع, فنجد أن كل واحد يتحدث عن نقطة ليست هي التي يتحدث عنها الاخر, فيستعر الخلاف بينهما, مثل العميان الذين أرادوا أن يصفوا الفيل, فأمسك كل واحد بجزء منه, فقال الذي أمسك الرجل إن خلقة الفيل طويلة مستديرة, وقال الذي أمسك الظهر إن خلقته شبيهة بالهضبة العالية, وقال الذي أمسك أذنه إنه منبسط دقيق يطويه وينشره.
8- اختلاف المدارك, فبعض الناس قد اتاه الله عقلا راجحا, وبصيرة نافذة, وفكرا ثاقبا, يدرك الموضوع من كل نواحيه, والبعض عنده قصور نظر, فلا يستطيع إحاطة الموضوع بنظرة شاملة, وفيه قصور فكر, فلا يدأب في البحث عن الحقيقة إلي النهاية.. فهذان الصنفان لابد في النهاية أن يختلفا.
9- اختلاف الأمزجة بين الناس, فهناك ذو المزاج العصبي الحاد الذي يري الأمور بشكل قد يختلف عما يراها صاحب المزاج الهادئ, ولذلك قال الفيلسوف ويليام جيمس: "إن تاريخ الفلسفة هو تاريخ التصادم بين الأمزجة البشرية".
10الكاملة - عدم تفهم طرفي النزاع للمبررات التي تدفع كل واحد لاتخاذ موقف ما, أو التمسك برأي ما" لأنه كثيرا ما تدخل موازنات معينة وحسابات خفية, وضغوطات عديدة تؤثر أحيانا في صياغة الموقف.


Previous Post Next Post