طبيعة النزاع في دارفور
         تتعلق القضية الأولى بطبيعة النزاع المسلح  المحتدم الآن في دارفور. وهذا التحديد مهم بصفة خاصة فيما يتعلق بمدى انطباق الأحكام ذات الصلة من القانون الإنساني الدولي. ويفرق هنا بين النزاع المسلح الدولي، والنزاع المسلح غير الدولي أو الداخلي، وأوضاع التوتر أو الاضطراب المحلية. وقد وضعت اتفاقيات جنيف إطارا محكما من القواعد التي تنطبق على النزاع المسلح الدولي أو على ”جميع حالات الحرب المعلنة أو أي نزاع مسلح آخر ينشب بين طرفين أو أكثر من الأطراف السامية المتعاقدة“( ). وتحدد المادة العامة 3 من اتفاقيات جنيف والبرتوكول الإضافي الثاني شروط أساسية للنزاع المسلح غير الدولي. ويستنتج من تعريف النزاع الدولي الوارد أعلاه أن النزاع غير الدولي نزاع لا يشمل دولتين. ولا يعرض القانون الإنساني الدولي الحديث لمفهوم النزاع المسلح من الناحية القانونية. ولا يعطي البرتوكول الإضافي الثاني سوى تعريف سلبي يبدو، إضافة إلى ذلك، أنه يضيق نطاق المادة العامة 3 من اتفاقيات جنيف( ). وقد أضاف فقه المحاكم الجنائية الدولية تفاصيل واضحة للمفهوم، حيث ”يوجد نزاع مسلح حيثما يوجد لجوء إلى القوة المسلحة بين دول أو أعمال عنف مسلحة طويلة الأمد بين سلطات حكومية ومجموعات مسلحة منظمة أو فيما بين هذه المجموعات داخل الدولة الواحدة“( ). أما الاضطرابات والتوترات الداخلية ”مثل أعمال الشغب وأعمال العنف المنفردة المتفرقة وغيرها من الأعمال ذات الطبيعة المماثلة“ فلا تدخل عادة  ضمن مفهوم النزاع المسلح( )
75 -   وفي النزاع القائم في دارفور، تواجه الحكومة مقاومة من مجموعتي تمرد منظمتين مسلحتين على الأقل، هما حركة/جيش تحرير السودان وحركة العدالة والمساواة( ). وكما سلفت الإشارة، فقد حملت أول مجموعتي تمرد السلاح ضد السلطات المركزية في عام 2002 أو نحوه. بيد أن وتيرة هجمات المتمردين تصاعدت بشكل ملحوظ في شباط/فبراير 2003. ويسيطر المتمردون بالفعل على بعض مناطق دارفور. وبالتالي فإن النزاع لا يقتصر على مجرد وجود حالة اضطرابات وتوترات داخلية وأعمال شغب أو أعمال عنف منفردة ومتفرقة. والأحرى أن الشروط (أ) وجود مجموعات مسلحة منظمة تحارب السلطات المركزية، و (ب) سيطرة المتمردين على جزء من الإقليم، و (ج) والقتال الطويل الأمد، قد استوفيت لإمكان اعتبار هذا النزاع نزاعا مسلحا داخليا بموجب المادة العامة 3 من اتفاقيات جنيف.
76 -   وقد اعترفت جميع أطراف النزاع (الحكومة السودانية، وجيش تحرير السودان، وحركة العدالة والمساواة) بأن هذا النزاع نزاع مسلح داخلي. فحدث عام 2004، ضمن أمور أخرى، أن دخلت المجموعتان المتمردتان وحكومة السودان، فيما بينهم، في عدد من الاتفاقات الدولية، استشهدوا فيها باتفاقيات جنيف أو استندوا إليها.

         ثالثا -  فئات الأشخاص أو المجموعات المشاركة في النزاع المسلح
77 -   يتعرض هذا الجزء باختصار لمختلف المجموعات التي لها دور نشط في النزاع المسلح الدائر في دارفور. ففي جانب الحكومة، تقوم عناصر مختلفة من ”قوات الشعب المسلحة السودانية“ بدور رئيسي في النزاع المسلح، ولذا يرد وصفها أدناه. وبالإضافة إلى ذلك، فوفقا لاستنتاجات اللجنة، يقوم جهاز الأمن الوطني والمخابرات بدور رئيسي في وضع السياسات المرتبطة بالنزاع وتخطيطها وتنفيذها، وعليه، تقع هذه المسؤولية. وكثيرا ما يشار إلى هذا الجهاز بوصفه سلطة الدولة الفعلية ويمتد نفوذه فيما يبدو إلى أعلى المستويات. ويرد أدناه وصف لولايته وهيكله. كما يرد أدناه وصف لدور المليشيا المدعومة من الحكومة التي يشار إليها بالجنجويد. وأخيرا، يرد أدناه بمزيد من التفصيل وصف هيكل ودور مجموعات التمرد الرئيسية المشار اإليها أعلاه.

         ألف -  القوات المسلحة الحكومية
         1 -     الملامح العامة
78 -   القوات المسلحة السودانية قوات مسلحة تقليدية مهمتها حماية الأمن الداخلي والحفاظ عليه( ). وتؤدي ولايتها عن طريق الجيش، بما في ذلك مليشيات قوات الدفاع الشعبي، ومخابرات الحدود، إلى جانب القوات الجوية والبحرية. ووفقا لمعلومات تلقتها اللجنة، يبلغ قوام الجيش الآن نحو 000 200 فرد، على الرغم من أن قدرته اللوجستية موضوعة لجيش قوامه 000 60 فرد. ولذا فإن الدعم، وبخاصة الدعم الجوي، يذهب في المقام الأول إلى المناطق ذات الأولوية ولا يعاد توزيعه إلا بعد أن تستتب الأوضاع في تلك المناطق. ومن ثم، فلا بديل عن مركزية القيادة والسيطرة على عمليات القوات المسلحة.

         2 -     الهيكل
79 -   يتولى رئيس الجمهورية منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة، مع أنه لأغراض العمليات، يمارس سلطاته عن طريق وزير الدفاع. ويعين الوزير قائد القوات المسلحة ورئيس هيئة الأركان، الذي يشكل مع نواب رئيس الأركان الخمسة (بما في ذلك العمليات، والإمدادات، والإدارة، والتدريب، والتوجيه المعنوي) لجنة رؤساء هيئة الأركان المشتركة أو فريق القيادة.

         3 -     المخابرات العسكرية
80 -   كانت المخابرات العسكرية في السابق جزءا من فرع العمليات في إطار القوات المسلحة، ولكنها أصبحت اليوم فرعا مستقلا له إدارته وقيادته الخاصتان به. وللمخابرات العسكرية سلطة التوقيف والاحتجاز والاستجواب. وفيما يتعلق بالاتصالات والإبلاغ، ترسل المخابرات العسكرية المعلومات عن طريق تسلسل العمليات، وكذلك مباشرة إلى رئاسة الجمهورية، عن طريق رئيس فرع المخابرات العسكرية.
         4 -     قوات الدفاع الشعبي
81 -   ولأغراض العمليات، يمكن تدعيم القوات المسلحة السودانية بتعبئة المدنيين أو أفراد الاحتياط للخدمة في قوات الدفاع الشعبي. وتُستمد ولاية قوات الدفاع الشعبي من قانون قوات الدفاع الشعبي لسنة 1989، الذي يُعرّف قوات الدفاع الشعبي باعتبارها ”قوات شبه عسكرية“ تتألف من مواطنين سودانيين تتوافر فيهم معايير معينة. وتنص المادة 6 من القانون على أن مهام قوات الدفاع الشعبي هي ”مساعدة قوات الشعب المسلحة والقوات النظامية الأخرى متى دعت الضرورة“ و ”المساهمة في الدفاع عن الأمة والمساعدة في معالجة الأزمات والكوارث العامة“ والقيام ”بأي مهام أخرى توكل إليها من القائد الأعلى نفسه أو بناء على توصية من المجلس“. ووفقا للقانون، تتولى هيئة تُعرف باسم ”مجلس قوات الدفاع الشعبي“ تقديم المشورة إلى القائد الأعلى في المسائل التي تؤثر على قوات الدفاع الشعبي، بما في ذلك المناطق التي يجب أن تشكل فيها قوات الدفاع الشعبي، وتدريب هذه القوات عسكريا وتعليم أفرادها، وفي المسائل الأخرى المتعلقة بواجبات وأنشطة قوات الدفاع الشعبي.
82 -   ووفقا للمعلومات التي جمعتها اللجنة، تطلب القيادة العامة للجيش إلى مسؤولي الحكومات المحلية تعبئة وتجنيد قوات للدفاع الشعبي عن طريق زعماء القبائل وشيوخها. ووالي الولاية هو المسؤول عن التعبئة في ولايته إذ يتوقع منه أن يكون على معرفة لصيقة بزعماء القبائل المحليين. وكما شرح أحد زعماء القبائل للجنة، ”فقد ناشدت الدولة في تموز/يوليه 2003 زعماء القبائل لمساعدتها. ودعونا أهلنا للانضمام إلى قوات الدفاع الشعبي. واستجابوا بالانضمام وبدأوا يتلقون تعليماتهم من الحكومة كجزء من جهاز الدولة العسكري“.
83 -   وتقوم قوات الدفاع الشعبي بتوفير السلاح والزي الرسمي والتدريب للذين تجري تعبئتهم، ومن ثم يتم دمجهم في الجيش النظامي لأغراض العمليات. وعندئذ، يدرج المجندون تحت قيادة الجيش النظامي، وعادة ما يرتدون نفس الزي الرسمي للوحدة التي يقاتلون معها. وقد وصف أحد كبار القادة تجنيد أفراد قوات الدفاع الشعبي وتدريبهم على النحو التالي:
                   يجري التدريب عن طريق الثكنات المركزية والثكنات المحلية في كل ولاية. يتقدم إلينا الشخص متطوعا، فنحدد أولا ما إذا كان يحتاج إلى تدريب أم لا. ثم نجري عليه فحصا أمنيا وفحصا طبيا. ونعد قائمة ونقدمها إلى الجيش. وهذا يجري على كلا المستويين، مستوى الخرطوم والولاية ومستوى المحليات. ونقوم بتوفير التدريب الأساسي (التدريب مثلا على استخدام السلاح، والانضباط،....) وهو ما قد يستغرق أسبوعين أو نحو ذلك، تبعا لاستعداد الفرد.
                   قد يأتي الشخص ومعه حصان أو جمل، وقد نرسله إلى العمليات العسكرية على حصانه أو جمله. [...] ويزود المجندون بالسلاح ويجمع منهم السلاح بعد انتهاء التدريب.
84 -   وتبعا لما أورده قائد آخر من كبار القادة، يأتي معظم المجندين في قوات الدفاع الشعبي ”وهم على معرفة جيدة بالأسلحة النارية ويتمتعون بالقوة واللياقة البدنية“ ولكنهم ”بحاجة إلى التدريب والانضباط“. وأشار إلى أن المجندين لا يعيدون في كل الأحوال الزي الرسمي والأسلحة والذخائر عقب التسريح، وأن الأسلحة والذخائر توزع أحيانا عن طريق زعماء القبائل لضمان إرجاعها بعد التسريح مباشرة.

         5 -     مخابرات الحدود
85 -   يوجد بالقوات المسلحة أيضا وحدة عمليات تسمى مخابرات الحدود، يتمثل دورها الأساسي في جمع المعلومات. ويجند أفراد هذه الوحدة من السكان المحليين. ويجري نشرهم للعمل في مناطقهم الأصلية، تبعا لخبرتهم بالمنطقة، ومعرفتهم بالقبائل، وقدرتهم على التمييز بين الناس من ذوي الأصول القبلية والوطنية المختلفة بحكم معرفتهم بالظروف المحلية. ويقع حرس مخابرات الحدود تحت القيادة المباشرة لضباط المخابرات العسكرية في الفرقة التي يُطلب إليهم العمل فيها، وإلا فإنهم يخضعون للتسلسل العادي للقيادة في القوات المسلحة.
86 -   ومع أن ضباط مخابرات الحدود كانوا يجندون في البداية لمواجهة النزاع في جنوب السودان، فقد شرعت الحكومة أيضا في تجنيدهم خلال المراحل المبكرة من النزاع المسلح في دارفور في أواخر عام 2002 وأوائل عام 2003. ويعتبر البعض أن ذلك كان بمثابة غطاء لتجنيد الجنجويد. وحسب ما أورده أحد كبار قادة القوات المسلحة، يجند جنود مخابرات الحدود في الجيش مباشرة بنفس طريقة تجنيد الجنود النظاميين. إذ يصدر إعلان عبر قنوات وسائط الإعلام لطلب متطوعين تتوافر فيهم معايير معينة، وخاصة معايير السن والمواطنة واللياقة البدنية. وقد تم تجنيد زهاء 000 3 جندي لمخابرات الحدود بهذه الطريقة، تم نشرهم في دارفور.

         6 -     تقديم التقارير وهيكل القيادة
87 -   تقوم لجنة القيادة المشتركة لرؤساء الأركان في الخرطوم بالتخطيط لجميع العمليات العسكرية. وتصدر الأوامر بالنسبة لأية عملية معينة من اللجنة إلى مدير العمليات، الذي يحيلها إلى قائد المنطقة. ثم يوجه قائد المنطقة الأوامر إلى قائد الفرقة، الذي ينقلها إلى قائد اللواء للتنفيذ.
88 -   وفيما يتعلق بالتقارير، تتدفق المعلومات من مستوى الكتيبة، إلى قائد اللواء، ثم إلى قائد الفرقة، ثم إلى قائد المنطقة، ثم إلى مدير العمليات، وأخيرا إلى نائب رئيس هيئة الأركان وفريق القيادة. ويقدم فريق القيادة تقاريره إلى رئيس هيئة الأركان، الذي يقدم تقاريره، إذا اقتضى الأمر، إلى وزير الدفاع، وأخيرا إلى رئاسة الجمهورية. وتتم عملية التبليغ وجميع الاتصالات الأخرى، داخل الجيش، صعودا ونزولا، حسب التسلسل القيادي كما هو الحال في معظم القوات المسلحة التقليدية.

         7 -     جهاز الأمن الوطني والمخابرات
89 -   قوات الأمن قوات نظامية قومية، مهمتها رعاية أمن السودان الداخلي والخارجي ورصد الوقائع المتعلقة بذلك، وتحليل مغازيها وخطرها، والتوصية بتدابير الوقاية منها( ). ووفقا للمعلومات التي تلقتها اللجنة، يعد جهاز الأمن الوطني والمخابرات أحد أقوى الأجهزة في السودان. وتستمد ولايته من قانون قوات الأمن الوطني لسنة 1999، على النحو المعدل في سنة 2001، الذي ينص على أن يشكل جهاز أمن داخلي مسؤول عن الأمن الداخلي، وجهاز أمن السودان ليكون مسؤولا عن الأمن الخارجي( ).
90 -   وتعمل قوات الأمن القومي تحت الإشراف العام لرئيس الجمهورية( ). ويتولى مدير عام( )، يعينه رئيس الجمهورية( )، المسؤولية المباشرة عن الجهاز. ويكون المدير العام مسؤولا أمام رئيس الجمهورية عن تنفيذ مهامه وعن الأداء الشامل للجهاز( ).
91 -   ووفقا للقانون، تنشأ هيئة تعرف باسم ”مجلس الأمن الوطني“ للإشراف على تنفيذ الخطة الأمنية للبلد؛ والإشراف على التقدم في العمل الأمني؛ والتنسيق بين الأجهزة الأمنية؛ ومتابعة تنفيذ السياسات والبرامج الأمنية؛ والموافقة على اللوائح المتصلة بتنظيم العمل؛ وتشكيل لجنة فنية من الأجهزة التي يتكون منها المجلس من أجل المساعدة في تقدم العمل( ). ويتألف مجلس الأمن الوطني من رئيس الجمهورية، ومستشار الرئيس للشؤون الأمنية، ووزير الدفاع، ووزير الخارجية، ووزير الداخلية، ووزير العدل، ومدير جهاز الأمن الداخلي، ومدير جهاز مخابرات السودان( ).
92 -   وينص القانون أيضا على إنشاء ”اللجنة الفنية العليا للأمن“ التي تعهد إليها ولاية دراسة الخطط الأمنية المقدمة من الولايات والأجهزة المختصة، وتقديم تلك الخطط إلى المجلس للموافقة عليها، ومتابعة التنفيذ، وتلقي التقارير عن ذلك. وتقوم اللجنة بتنسيق أعمال اللجان الأمنية في مختلف الولايات، فيما يتعلق بالخطط الأمنية التي يضعها المجلس( ).
93 -   وأبلغ اللواء صلاح عبدا لله (المعروف أيضا بصلاح قوش) المدير العام لجهاز الأمن الوطني والمخابرات، اللجنة بأنه تم اتخاذ قرار بإنشاء إدارة واحدة موحدة، تضم المخابرات الداخلية والخارجية معا. وقد تم تشكيل هذا الجهاز في شباط/فبراير 2004 ويعرف باسم ”جهاز الأمن الوطني والمخابرات“. وأفاد المدير العام اللجنة بأنه يقدم تقاريره إلى رئيس الجمهورية و/أو النائب الأول لرئيس الجمهورية مرة كل يومين على الأقل. ويتعاون المدير العام مع الأجهزة الأخرى في الحكومة، ولكنه مسؤول أمام رئيس الجمهورية مباشرة.
94 -   وفيما يتعلق بأزمة دارفور، ذكر المدير العام أن جهاز الأمن الوطني والمخابرات يجمع المعلومات ويرفع تقريره إلى رئيس الجمهورية بشأن الحالة. ويقوم كذلك، تبعا لطبيعة المسألة، بتقديم تقارير إلى وزارة الدفاع، أو وزارة الداخلية، أو وزارة الخارجية، أو وزارة الشؤون الإنسانية. ويتولى رئيس الجمهورية، بناء على المعلومات الواردة إليه، توجيه مجلس الوزراء. وأضاف كذلك أن الرئيس، استجابة لهذه الأزمة، شكَّل لجنة تنسيق برئاسة وزير الشؤون الاتحادية، ضمت في عضويتها وزير الدفاع، ووزير الداخلية، ومدير المخابرات، ووزير الخارجية، ووزير الشؤون الإنسانية. بيد أنه، وحسب ما أورده المدير العام، لم تجتمع تلك اللجنة خلال الإثنى عشر شهرا الماضية. وبدلا عن ذلك، تناولت الوزارات أو الأجهزة المعنية المسألة بشكل منفرد أو ثنائي، كل في حدود اختصاصه.
95 -   وفيما يتعلق بالهيكل الهرمي لجهاز الأمن الوطني والمخابرات، أبلغ المدير العام اللجنة أن له نائبا يعمل معه لتسيير الأنشطة والمهام، فضلا عن أربعة مديرين. وللجهاز مكتب خاص لمتابعة الحالة في دارفور، يتلقى جميع المعلومات المتعلقة بالمنطقة، بما في ذلك المعلومات الخارجية العامة. وتتولى هذه الوحدة مسؤولية إعداد المعلومات الاستخباراتية وتحليلها. وتقدم كل وحدة تقاريرها بحسب التسلسل القيادي، ويوافى المدير العام في النهاية بتقارير عن كل عمل.
96 -   ولاحظت اللجنة أن قانون قوات الأمن الوطني، بصيغته المعدلة سنة 2001، يعطي قوات الأمن سلطات واسعة النطاق، بما في ذلك سلطة الاعتقال دون توجيه تهم أو دون الوصول إلى القضاء لمدة تصل إلى تسعة أشهر. وقد أجرت اللجنة، في الخرطوم، مقابلات مع محتجزين اعتقلتهم قوات الأمن في سجون انفرادية في ”بيوت الأشباح“ في ظل ظروف مقيتة. وفي بعض الحالات، كانت تستخدم أساليب التعذيب، والضرب، والتهديد أثناء الاستجوابات ومن أجل انتزاع اعترافات. وتعرَّض بعض المحتجزين للحبس لمدة 11 شهرا دون توجيه تهم إليهم ودون الاستعانة بمحام أو الاتصال بأسرهم.
97 -   وتجمع قوات الأمن معلومات عن جميع جوانب الحياة في ولايات دارفور الثلاث. وتنشر هذه المعلومات على الوزارات المعنية لاتخاذ الإجراءات المناسبة. وأكد المدير العام أن هذه المعلومات أو المعلومات الاستخباراتية قد تتصل بمسائل مثل وجود المتمردين في مكان ما، وما إذا كانوا مسلحين أم لا. ويمكن أن يستخدم الجيش هذه المعلومات في اتخاذ قرارات تتعلق بالعمليات. ومع أن جهاز الأمن الوطني والمخابرات لا يصدر أوامر للعسكريين، فإنه يزودهم بالمعلومات التي يستخدمونها كأساس لتخطيط عملياتهم.

         باء -   المليشيات المدعومة من الحكومة و/أو الخاضعة لسلطتها: الجنجويد
98 -   ثمة مسألة رئيسية تتعلق بمليشيات في دارفور، كثيرا ما يشار إليها بالجنجويد، أو الفرسان، أو المجاهدين. وقد استخدم مصطلح ”جنجويد“، بالذات، على نطاق واسع، من قبل ضحايا الهجمات لوصف مهاجميهم. وبالتالي فقد استخدمت المصطلح أيضا منظمات دولية كثيرة ووسائط إعلام في تقاريرها عن الحالة في دارفور، واستخدمه مجلس الأمن في القرار 1564 (2004). وقد أوضح ضحايا الهجمات أن الجنجويد يعملون مع القوات الحكومية وبالنيابة عنها. وفي المقابل، فإن كبار مسؤولي السلطات الحكومية السودانية، في الخرطوم وفي ولايات دارفور الثلاث، أوضحوا للجنة أن أي انتهاكات يرتكبها الجنجويد لا صلة لها بالجهات الحكومية. ونظرا للدور الرئيسي المزعوم للجنجويد في الأعمال التي تحقق فيها اللجنة، ونظرا للاختلافات في فهم هوية الجنجويد وصلتهم المزعومة بالدولة، كان من الضروري للجنة أن توضح طبيعة ودور تلك العناصر التي يستعمل هذا المصطلح في وصفها.
99 -   ويوضح هذا الفرع مفهوم الجنجويد وآثار ذلك على تحديد المسؤولية الجنائية الدولية. وكما سيرد شرحه أدناه، فقد جمعت اللجنة مواد أساسية جدا ترى أنها توفر سندا لاستعمال مصطلح ”الجنجويد“ في الإطار المحدود لولاية اللجنة، بوصفه مصطلحا عاما لوصف المليشيات العربية العاملة تحت إمرة السلطات السودانية الحكومية، أو بدعم منها، أو التواطؤ معها أو التغاضي عنها، والتي تنتفع من الإفلات من العقاب عن أعمالها. ولهذا السبب اختارت اللجنة أن تستخدم مصطلح ”الجنجويد“ في التقرير بأكمله، واختارته لكونه أيضا المصطلح الذي استخدمه مجلس الأمن في مختلف القرارات المتعلقة بدارفور، والأهم من ذلك كله أنه المصطلح الذي يستخدمه الضحايا دائما.
         1 -     ظهور مصطلح جنجويد
100-  استُخدم مصطلح ”جنجويد“ في دارفور، في الماضي، لوصف اللصوص الذين يعتدون على سكان الأرياف بأشكال عديدة من بينها سرقة المواشي وقطع الطرق. وكلمة جنجويد كلمة عربية عامية من المنطقة، وتعني عامة ”(إنسان مثل (جان) على جواد)“. وقد استخدم المصطلح إبان النزاعات القبلية في التسعينات للإشارة بصفة محددة إلى مليشيات هي غالبا من قبائل عربية، كانت تهاجم وتدمر قرى القبائل غير الرحل.
101-  ووصْف الجنجويد بأنهم مليشيات عربية لا يعني أن جميع العرب يقاتلون في صف الجنجويد. وفي الحقيقة، فقد وجدت اللجنة أن كثيرا من العرب في دارفور يعارضون الجنجويد، وأن بعض العرب يقاتلون في صفوف المتمردين، مثل بعض القواد العرب ورجالهم من قبيلتي المسيرية والرزيقات( ). وفي نفس الوقت، هناك كثير من الأفراد من غير العرب يساندون الحكومة ويخدمون في جيشها. وبالتالي فإن مصطلح الجنجويد الذي يستعمله الضحايا في دارفور لا يعني قطعا العرب عامة، بل المليشيات العربية التي تهاجم قراهم وترتكب انتهاكات أخرى.
102-  وعلمت اللجنة أنه عند اندلاع التمرد الذي بدأته حركتان متمردتان، في دارفور، في أوائل عام 2003، طلبت الحكومة إلى عدد من القبائل العربية مساعدتها في القتال. وقام بعض زعماء القبائل الذين تربطهم علاقات بمسؤولي كل من الحكومات المحلية والحكومة المركزية، بدور رئيسي في تجنيد أعضاء المليشيات وتنظيمهم، والتنسيق مع المسؤولين الحكوميين. ووصف أحد كبار المسؤولين الحكوميين، على مستوى المحافظات، كيف أن الحكومة جندت أيضا، في المرحلة الأولى، محاربين من العرب الخارجين على القانون وجندت، بحسب تقارير أخرى، مجرمين صدرت عليهم أحكام. وتلقت اللجنة أيضا أدلة موثوقة على أن الجنجويد تضم في صفوفها محاربين من البلدان المجاورة، من تشاد والجماهيرية العربية الليبية بالدرجة الأولى.
         2 -     استخدام المصطلح في سياق الأحداث الراهنة في دارفور
103-  يشير ضحايا الهجمات دوما إلى مهاجميهم بالجنجويد، فهؤلاء غالبا ما يهاجمونهم بدعم من القوات الحكومية. وعندما يُطلب إلى الضحايا تقديم مزيد من التفاصيل، يذكرون أن المهاجمين الجنجويد هم من القبائل العربية، ويهاجمونهم، في أغلب الحالات، على ظهور الخيل والجمال، مسلحين بأنواع مختلفة من الأسلحة الآلية.
104-  وباستثناء هذين الوصفين، يتعذر على الأرجح تعريف مصطلح الجنجويد كما هو معروف في دارفور اليوم، ككيان متجانس. وعلى وجه التحديد، فإن الأفراد الذين تنطبق عليهم التسمية، يمكن أن يوصفوا عادة بمصطلحات أخرى. فعلى سبيل المثال، وجدت اللجنة أن مصطلح الجنجويد، يستعمل في مناسبات عديدة، بواسطة الضحايا وبواسطة أفراد السلطة، لوصف رجال معينين قيل إنهم قادوا الهجمات على القرى التي قتل فيها مدنيون وارتكبت فيها جرائم اغتصاب. وتمكنت اللجنة فيما بعد من أن تستوثق من أن أولئك الرجال هم، في الحقيقة, من أفراد قوات الدفاع الشعبي. وأُبلغت اللجنة، بصورة مستقلة، أن أحد كبار أفراد السلطات المحلية وصف أحد الرجال بأنه قائد جنجويد محلي. وبالمثل، فقد تعرَّف أحد الضحايا على ذلك الرجل قائلا إنه قائد جنجويد قاد هجمات قتل فيها مدنيون. وبعد ذلك، حصلت اللجنة على رسالة رسمية من الحكومة أشارت فيها سلطات المحافظة، في دارفور، إلى نفس الشخص قائلة إنه عضو في جماعة ”الفرسان“. وفي النهاية، قدم هذا الشخص نفسه إلى اللجنة الدليل على أنه عضو في قوات الدفاع الشعبي. وكمثال آخر، تثبتت اللجنة من أن أفراد قوات الدفاع الشعبي في إحدى الولايات يشنون هجماتهم على ظهور الخيل والجمال، في تشكيلة انتشار معينة، ويستخدمون أنواعا معينة من الأسلحة. وكثير من ضحايا الهجمات في نفس المنطقة الذين تعرفوا على مهاجميهم واصفين إياهم بأنهم جنجويد، أوضحوا للجنة أن المهاجمين يرتدون نفس الزي الرسمي لقوات الدفاع الشعبي المحلية، ويستخدمون نفس طريقة انتشارهم أثناء الهجوم ويستخدمون نفس الأسلحة التي يستخدمونها. وفي حالة أخرى، طلبت اللجنة من أحد الضحايا أن يميز بين أفراد الجنجويد والجيش والشرطة الذين قيل إنهم هاجموا قريته، فأجاب قائلا إنهم بالنسبة له ولغيره من الضحايا هم نفس الأفراد لا فرق بين واحد وآخر.
105-  هذه بضعة أمثلة، من بين شهادات وأدلة مادية متعددة، تؤكد للجنة، أن مصطلح الجنجويد يستخدم، في الاستعمال، كمرادف لمصطلحات أخرى تستعمل في وصف قوات المليشيات العاملة مع الحكومة. وحينما يصف الضحايا مهاجميهم بأنهم جنجويد، فقد يكون هؤلاء الأشخاص من المليشيات العربية القبلية، أو من قوات الدفاع الشعبي أو من أي كيان آخر على النحو المبين أدناه.

         3 -     تنظيم وهيكل الجنجويد
106 - لا تنتظم الجنجويد في هيكل متسق وحيد. وقد تبين للجنة وجود ثلاث فئات رئيسية للجنجويد، تتحدد كلها بحسب تصنيفات انتسابها لحكومة السودان. وتندرج تحت الفئة الأولى المليشيات التي تنتسب إلى الحكومة بصورة فضفاضة لا أكثر وتتلقى من الدولة أسلحة ولوازم أخرى. ويعتقد أن هذه المليشيات تعمل أساسا تحت عباءة التنظيم القبلي( ). ويعتقد أنها تشن هجمات بإيعاز من سلطات الدولة، إلا أن اللجنة تطرق إليها شك بأن هذه المليشيات تعمل أحيانا بوازع من نفسها فتقوم بعمليات نهب صغيرة لفائدتها هي.
107 - وتندرج تحت الفئة الثانية مليشيات ذات أبنية تنظيمية شبه عسكرية تتوازي مع القوات النظامية، ومن ضمنها جماعات تعرف باسم ”القوة الضاربة“ والمجاهدين والفرسان. وقد تكون بعض هذه المليشيات تحت إمرة ضباط من الجيش النظامي ولكنها تخضع في الوقت نفسه لكبار زعماء القبائل. ويعتقد أن مليشيات هذه الفئة تعمل وفق تشكيل قيادي محدد ولكنها تفتقر تماما إلى الأسس القانونية.
108 - ويندرج تحت الفئة الثالثة من المليشيات أفراد قوات الدفاع الشعبي( ) ومخابرات الحدود( )، وكلتاهما لها أساس تشريعي من القانون السوداني. وتحارب قوات الدفاع الشعبي إلى جانب القوات المسلحة النظامية.
109 - وتوجد صلات بين هذه الفئات الثلاث جميعها. من ذلك مثلا أن اللجنة تلقت إفادات مستقلة مؤداها أن قوات الدفاع الشعبي تقدم الزي الرسمي والأسلحة والذخائر والمال إلى المليشيات القبلية العربية من الفئة الأولى. ويجتمع زعماء هذه القبائل بانتظام مع المنسق المدني لقوات الدفاع الشعبي، ويتولى المنسق نقل همومهم إلى لجنة الأمن في المنطقة المحلية.
110 - وتجمعت لدى اللجنة مواد أساسية تدل على اشتراك مليشيات من هذه الفئات الثلاث في ارتكاب انتهاكات للقانون الدولي لحقوق الإنسان وللقانون الإنساني الدولي. وفضلا عن ذلك، فقد خلصت اللجنة إلى أن ثمة ضحايا وشهودا آخرين تعرفوا على مهاجمين من الفئات الثلاث وقالوا إنهم من الجنجويد.

         4 -     الصلات بين المليشيات والدولة
111 - ثبت للجنة وجود صلات واضحة بين الدولة والمليشيات من الفئات الثلاث جميعها. وتكشف العلاقة الوثيقة بين المليشيات وقوات الدفاع الشعبي، التي هي مؤسسة حكومية منشأة بقانون، عن وجود صلة قوية بين المليشيات والدولة في مجملها. وبالإضافة إلى ذلك، فالمليشيات بفئاتها الثلاث تتلقى أسلحة ولوازم اعتيادية من الذخائر، يقوم بتوزيعها عليها الجيش وكبار المسؤولين المدنيين على مستوى المحليات، ويحدث أحيانا أن تقوم قوات الدفاع الشعبي بتقديمها إلى المليشيات الأخرى.
112 - وتتلقى قوات الدفاع الشعبي أوامرها من الجيش وتشن هجماتها على القرى تحت القيادة المباشرة لضابط من الجيش برتبة نقيب أو ملازم. وتكشف إفادات الضحايا دائما عن وجود تنسيق وثيق فيما يشن من الهجمات بين القوات المسلحة الحكومية وأفراد المليشيات، ويصف الضحايا هؤلاء الأفراد بأنهم من الجنجويد. وتوجد تحت يد اللجنة مواد أساسية جدا تدل على اشتراك المليشيات في جميع الفئات في شن هجمات على القرى بالتنسيق مع هجمات أو أعمال استطلاعية تقوم بها طائرات حربية سودانية. وأفادت مصادر متعددة باستعمال طائرات الحكومة السودانية لتزويد الجنجويد بالأسلحة.
113 - ويتلقى أفراد قوات الدفاع الشعبي راتبا شهريا من الدولة يدفعه الجيش لهم. ولدى اللجنة تقارير تقول إن أفراد المليشيات القبلية، أو قادتهم، يحصلون على مدفوعات نظير هجماتهم . بل إن أحد كبار المسؤولين الحكوميين المعنيين بتجنيد أفراد المليشيات أبلغ اللجنة أن زعماء القبائل يتلقون مدفوعات في شكل منح وهدايا تبعا لنجاح جهودهم في تجنيد الأفراد. وفضلا عن ذلك، فلدى اللجنة إفادات كثيرة بأن هناك اتفاقا صامتا بين هذه الفئة من المليشيات وسلطات الدولة بأن ينهب أفرادها ما يجدونه من ممتلكات ويكون هذا مكافأة لهم على ما يشنونه من هجمات. وتتخذ الهجمات منحى ثابتا هو النهب المنتظم لممتلكات القرويين، بما في ذلك الأموال النقدية والأشياء الشخصية القيمة، وقبل هذا وذاك الماشية. والحقيقة أن كل هذه المليشيات تعمل تقريبا دون أدنى خوف من المعاقبة على هجماتها على القرى وما يتصل بذلك من انتهاكات حقوق الإنسان. مثال ذلك أن اللجنة تلقت إفادات كثيرة يتبين منها أن ضباط الشرطة في إحدى المحليات تلقوا أوامر بعدم تسجيل أية شكاوى يقدمها ضحايا الجنجويد أو التحقيق في تلك الشكاوى.
114 - وفي تقرير مقدم من الأمين العام، مؤرخ 30 آب/أغسطس 2004 (S/2004/703)، ورد أن ”الحكومة أقرت أيضا بأن المليشيات الخاضعة لنفوذها لا تقتصر على تلك التي كانت تدخل في السابق في عداد قوات الدفاع الشعبي، بل تشمل أيضا المليشيات الواقعة خارج إطار تلك القوات والتي ارتبطت لاحقا بها أو جندت للخدمة فيها. ويعني هذا أن الالتزام بنزع السلاح يشير في آن واحد إلى قوات الدفاع الشعبي وإلى المليشيات التي عملت بالارتباط بها“.
115 - ووضعت في متناول اللجنة وثائق سرية تؤيد أيضا ما جاء أعلاه من استنتاجات بشأن وجود صلات بين المليشيات والحكومة، وتشير إلى بعض أفراد من الجهاز الحكومي ممن لهم دور محتمل في تجنيد المليشيات.
116 - ولا تتوافر للجنة أرقام دقيقة عن عدد أفراد الجنجويد الناشطين. ومع ذلك، فمعظم المصادر تقول بوجود ما لا يقل عن مجموعة كبيرة واحدة من الجنجويد وعدة مجموعات أصغر في كل ولاية من ولايات دارفور الثلاث. ووفق أحد التقارير، يوجد 16 مخيما على الأقل للجنجويد لا تزال ناشطة في كافة أنحاء دارفور تحمل أسماء بعض قادة الجنجويد. ووفقا لمعلومات حصلت عليها اللجنة، فميستيريا بشمال دار فور مخيم للجنجويد لايزال موجودا إلى الآن وبه مليشيا تعرف باسم ”حرس الحدود“. وقد أنشئ هذا المخيم كقاعدة لأفراد الجنجويد يتلقون منه التدريب والأسلحة والذخائر ويمكن في النهاية ضمهم لكيان قوات الدفاع الشعبي، أو الشرطة، أو الجيش. وتلقت اللجنة أدلة على تعرض مدنيين للخطف على أيدي قادة هذا المخيم و حجزهم بعدها داخل المخيم حيث يعذبون ويكلفون بأعمال شاقة. وجرى نقل هؤلاء المدنيين وإخفاؤهم أثناء ثلاث زيارات متابعة قامت بها قوات الاتحاد الأفريقي بعد إعداد مسبق لكل زيارة. وفي النصف الأول من عام 2004، كان عدد أفراد الجنجويد المقيمين بمخيم ميستيريا نحو 000 7 شخص. وفي أواخر 2004، سجل معظم هؤلاء الرجال باعتبارهم من قوات الدفاع الشعبي أو من قوات الشرطة أو من القوات النظامية للجيش. وقد كلف ضابط من رتبة عقيد بالجيش بالعمل في هذا المخيم طوال السنة وأسندت إليه مسؤوليات التدريب ومخازن الذخيرة ودفع مرتبات الجنجويد. وزارت المخيم مرة كل شهر تقريبا طائرتان عموديتان كانتا تنقلان إليه أسلحة وذخائر إضافية. وفي مناسبة واحدة على الأقل، زار المخيم ضابط من الجيش برتبة لواء.

         5 -     موقف الحكومة
117 - من الملاحظ، وبخاصة بعد تنبه المجتمع الدولي إلى وقع أعمال الجنجويد، أن ردود فعل حكومة السودان إزاء استعمال هذا الاسم أخذت تتجه فيما يبدو إلى إنكار وجود أية صلات بين الدولة والجنجويد؛ واعتاد معظم المسؤولين على عزو أعمال الجنجويد إلى ”قطاع طرق مسلحين“ أو إلى ”عناصر مارقة“ أو حتى إلى جيش تحرير السودان أو حركة العدل والمساواة. ومع ذلك فلم يكن موقف الدولة متسقا مع نفسه، فكان بعض المسؤولين علي المستوى الوطني ومستوى دارفور كليهما يعطون تفسيرات متفاوتة لوضعية الجنجويد وصلاتها بالدولة.
118 - ففي مؤتمر صحفي عقد في 28 كانون الثاني/يناير 2004، دعا وزير الدفاع وسائط الإعلام إلى التفريق بين المتمردين، والجنجويد، وقوات الدفاع الشعبي، ومليشيات القبائل أمثال مليشيات قبيلة الفور، وناهايين الزغاوة. وقال إن قوات الدفاع الشعبي هم متطوعون يعاونون القوات المسلحة ولكن الجنجويد ”عصابات قطّاع طرق مسلحون“ لا علاقة لهم مطلقا بالحكومة( ). وقصد الرئيس البشير بتعهده في 19 حزيران/يونية2004 فيما يخص نزع سلاح الجنجويد أن ينطبق فقط على قطاع الطرق، وليس على قوات الدفاع الشعبي أو شرطة الشعب أو رجال القبائل الآخرين الذين تسلحهم الدولة لمحاربة المتمردين( ).
119 - وعلى عكس ما جاء أعلاه، تؤكد بعض البيانات الرسمية وجود علاقة بين الحكومة والمليشيات. ففي تعليق أذيع على نطاق واسع وجه إلى مواطني قرية كلبص التي فشل المتمردون في دخولها في كانون الأول/ديسمبر 2003، قال الرئيس ”نضع في قمة أولوياتنا من الآن القضاء على التمرد، وسوف نتعقب كل خارج على القانون... وسنستخدم الجيش والشرطة والمجاهدين والفرسان للقضاء على التمرد“( ). وخاطب وزير العدل الوفد الخاص للجنة التنمية والتعاون التابعة للبرلمان الأوروبي أثناء الزيارة التي قام بها الوفد في شباط/فبراير 2004 فقال إنه ”كانت للحكومة علاقة ما بالجنجويد. والآن فقد أساء الجنجويد إلى هذه العلاقة. وإني واثق من أن الحكومة تأسف كثيرا لوجود أي نوع كان من الالتزامات بين الجنجويد والحكومة. فنحن نعاملهم الآن باعتبارهم خارجين على القانون. فلا سبيل مطلقا إلى السماح بما ينزلونه من التخريب“( ). وفي 24 نيسان/أبريل 2004، أعلن وزير الخارجية أن ”الحكومة ربما غضت الطرف عن المليشيات“. ”وهذا صحيح لأن المليشيات تواجه التمرد“( ). وقد طلبت اللجنة إلى الوزير رسميا في ثلاث مناسبات موافاتها بالبيان المذكور أو بأي بيان يتعلق بالمليشيات، ولكن لم يصلها شيء.
120 - ورغم البيانات التي تعلن فيها الحكومة أسفها لأعمال الجنجويد، فقد تواصلت هجمات مختلف المليشيات على القرى في أثناء عام 2004، بدعم مستمر من الحكومة.

Previous Post Next Post