حزب التحرير:
التعريف:
حزب التحرير حزب سياسي إسلامي يدعو إلى تبني مفاهيم  الإسلام وأنظمته وتثقيف الناس به والدعوة إليه والسعي جديًّا لإقامة دولة الخلافة الإسلامية معتمدًا الفكر أداة رئيسية في التغيير. وقد صدرت عنه انحرافات كانت محل انتقاد جمهرة علماء المسلمين.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
* أسسه الشيخ تقي الدين النبهاني 1326- 1397هـ، 1908- 1977م: فلسطيني، من مواليد قرية إجزم قضاء حيفا بفلسطين. تلقى تعليمة الأولي في قريته ثم التحق بالأزهر ثم دار العلوم بالقاهرة، وعاد ليعمل مدرسًا فقاضيًا في عدد من مدن فلسطين.
- إثر نكبة 1948م غادر وطنه مع أسرته إلى بيروت.
- عُين بعد ذلك عضوًا في محكمة الاستئناف الشرعية في بيت المقدس، ثم مدرسًا في الكلية الإسلامية في عَمَّان.
- في عام 1952م أسس حزبه وتفرغ لرئاسته ولإصدار الكتب والنشرات التي تُعدُّ في مجموعها المنهل الثقافي الرئيسي للحزب. تنقل بين الأردن وسوريا ولبنان إلى أن كانت وفاته في بيروت وفيها دفن.
* بعد وفاة النبهاني، ترأس الحزب عبد القديم زلوم وهو من مواليد مدينة الخليل بفلسطين، وهو عالم من خريجي الأزهر، وصاحب كتاب (هكذا هُدِمَتْ الخلافة) وكتاب (الأموال في دولة الخلافة).
* بناءً على طلب تقدم به كل من: علي فخر الدين، طلال البساط، مصطفى صالح، مصطفى النحاس، ومنصور حيدر، فقد تأسس فرع للحزب في لبنان بتاريخ: 19/ 10/ 1978م.
* الشيخ أحمد الداعور: من قلقيلية بفلسطين وهو عالم من خريجي الأزهر، وكان مسئولًا عن فرع الحزب في الأردن، ألقي عليه القبض عام 1969م إثر محاولة الحزب الاستيلاء على الحكم، وحكم عليه بالإعدام ثم ألغي هذا الحكم.
* الشيخ عبد العزيز البدري من علماء بغداد وداعية إسلامي مشهور قتله حزب البعث.
* المحامي الأستاذ عبد الرحمن المالكي من دمشق وهو صاحب كتاب (السياسة الاقتصادية المثلى) وكتاب (نظام العقوبات).
* الأستاذ غانم عبده المقيم في عمَّان حاليًا وصاحب كتاب (نقض الاشتراكية الماركسية).
* في شهر أغسطس 1984م أعلن عن تقديم 32 شخصًا من المنتمين إلى حزب التحرير إلى المحاكمة في مصر، وذكر أن زعماء هؤلاء الذين وجهت إليهم تهمة العمل على قلب نظام الحكم هم: عبد الغني جابر سليمان (مهندس)، صلاح الدين محمد حسن (دكتوراه في الكيمياء) ويقيمان في النمسا، والفلسطيني كمال أبو لحية (دكتوراه في الالكترونيات) مقيم في ألمانيا الاتحادية آنذاك، وعلاء الدين عبد الوهاب حجاج (بجامعة القاهرة).
الأفكار والمعتقدات:
* تقوم غايتهم على استئناف الحياة الإسلامية عن طريق إقامة الدولة الإسلامية في البلدان العربية أولًا، ثم الخلافة الإسلامية، ويتم حمل الدعوة بعد ذلك إلى البلدان غير الإسلامية عن طريق الأمة المسلمة.
* الميزة الرئيسة التي يتصف بها الحزب هي التركيز الكبير على الناحية الثقافية والاعتماد عليها في إيجاد الشخصية الإسلامية أولًا والأمة الإسلامية أخرًا، ويحرص الحزب أشد الحرص على تنمية هذه الناحية لدى المنتسبين إليه.
* يركز الحزب على إعادة الثقة بالإسلام عن طريق العمل الثقافي من ناحية والعمل السياسي من ناحية أخرى:
- العمل الثقافي: "ويكون بتثقيف الملايين من الناس تثقيفًا جماعيًّا، بالثقافة الإسلامية، وهذا يوجب على الحزب أن يتقدم أمام الجماهير ويتصدى لمناقشتهم وأسئلتهم وشكوكهم ليظفر بتأييدهم حتى يصهرهم بالإسلام".
- العمل السياسي: "ويكون برصد الحوادث والوقائع، وجعل هذه الحوادث والوقائع تنطق بصحة أفكار الإسلام وأحكامه وصدقها فتحصل الثقة لدى الجماهير بذلك".
* يفلسف الحزب طريقة وصوله إلى تحقيق أهدافه بما يراه من أن أي مجتمع إنما يعيش الناس فيه داخل جدارين سميكين: جدار العقيدة والفكر، وجدار الأنظمة التي تعالج علاقات الناس وطريقتهم في العيش، فإذا أريد قلب هذا المجتمع من قبل أهله أنفسهم فلا بد أن يركز هجومه على الجدار الخارجي (أي مهاجمة الأفكار) مما يؤدي إلى صراع فكري حيث يحصل الانقلاب الفكري ثم السياسي ويصر الحزب في دعوته على قاعدة "أصلح المجتمع يصلح الفرد ويستمر إصلاحه".
* يقسم الحزب مراحل عملية التغيير إلى ثلاث مراحل على النحو التالي:
- المرحلة الأولي: الصراع الفكري، ويكون بالثقافة التي يطرحها الحزب.
- المرحلة الثانية: الانقلاب الفكري، ويكون بالتفاعل مع المجتمع عن طريق العمل الثقافي والسياسي.
- المرحلة الثالثة: تسلم زمام الحكم، ويكون عن طريق الأمة، تسلمًا كاملًا.
- ويرى أنه لا بد له في المرحلة الثالثة من طلب النصرة من رئيس الدولة، أو رئيس كتلة، أو قائد جماعة، أو زعيم قبيلة، أو من سفير، أو ما شاكل ذلك.
* حدد الحزب أولًا مدة ثلاثة عشر عامًا من تاريخ تأسيسه للوصول إلى الحكم، ثم مددها ثانيًا إلى ثلاثة عشر عامًا للوصول إلى الحكم، ثم مددها ثالثًا إلى ثلاثة عقود من الزمان (30 سنة) مراعاة للظروف والضغوط المختلفة، ولكن شيئًا من ذلك لم يحدث على الرغم من مضي المدتين.
* يغفل الحزب الأمور الروحية وينظر إليها نظرة فكرية إذ يقول: "ولا توجد في الإنسان أشواق روحية ونزعات جسدية، بل الإنسان فيه حاجات وغرائز لا بد من إشباعها ". "فإذا أُشبعت هذه الحاجات العضوية والغرائز بنظام من عند الله كانت مسيَّرة بالروح، وإذا أُشبعت بدون نظام أو بنظام من عند غير الله كان إشباعًا ماديًا يؤدي إلى شقاء الإنسان".
* يرى الشيخ تقي الدين أن الصعوبات التي تعترض قيام الدولة الإسلامية هي:
- وجود الأفكار غير الإسلامية وغزوها للعالم الإسلامي (الغزو الفكري).
- قيام البرامج التعليمية على الأساس الذي وضعه المستعمر واستمرار تطبيقها.
- وجود نوع من الإكبار لبعض المعارف الثقافية واعتبارها علومًا عالمية.
- كون المجتمع في العالم الإسلامي يحيا حياة غير إسلامية.
- بُعْد الشقة بين المسلمين وبين الحكم الإسلامي حيث لا تنفذه أي دولة تنفيذًا كاملًا لا سيما في سياسة الحكم وسياسة المال، حيث يؤثر هذا البعد فيجعل تصور المسلمين للحياة الإسلامية ضعيفًا.
- وجود حكومات في البلاد الإسلامية تقوم على أساس ديمقراطي وتطبق النظام الرأسمالي كله على الشعب وترتبط بالدولة الأجنبية وتقوم على الإقليمية.
- وجود رأي عام منبثق عن الوطنية والاشتراكية بعيدًا عن مفاهيم الإسلام.
* يحرم الحزب على أعضائه الاعتقاد بعذاب القبر وبظهور المسيح الدجال ومن يعتقد هذا في نظرهم يكون آثمًا.
* يرى زعماء الحزب عدم التعرض للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأن ذلك لديهم من معوقات العمل المرحلي الآن، فضلًا عن أن الأمر والنهي إنما هما من مهمات الدولة الإسلامية عندما تقوم.
* للحزب دستور مؤلف من 187 مادة معدٌّ للدولة الإسلامية المتوقعة، وقد شُرح هذا الدستور شرحًا مفصلًا، ورغم أن هذا الدستور لم يطبق تطبيقًا فعليًّا فقد وجه إليه النقد بأنه لا يفي بتصور واحتياجات دولة الإسلام المعاصرة.
هذا ويأخذ الدارسون على الحزب عدة أمور منها:
أولًا: قضايا دعوية:
- تركيزه على النواحي الفكرية والسياسية وإهمال النواحي العقدية و التربوية.
- انشغال أفراد الحزب بالجدل مع كافة الاتجاهات الإسلامية الأخرى.
- إعطاء العقل أهمية زائدة في بناء الشخصية وفي الجوانب العقائدية.
- اعتماد الحزب على عوامل خارجية في الوصول إلى الحكم عن طريق طلب النصرة، والتي قد يكون فيها تورط غير متوقع.
- تخليه عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حاليًّا حتى تقوم الدولة الإسلامية التي تنفذ الأحكام بقوة السلطان.
- يتصور القارئ لفكر الحزب أن همه الأول هو الوصول إلى الحكم.
- المحدودية في الغايات والاقتصار على بعض غايات الإسلام دون بعضها الآخر.
- تصوُّر أن مرحلة التثقيف ستنقلهم إلى مرحلة التفاعل فمرحلة استلام الحكم، وهذا مخالف لسنة الله في امتحان الدعوات، ومخالف للواقع المحفوف بآلاف المعوقات.
- معاداة جميع الأنظمة التي يتحركون فوق أرضها مما ورطهم بحملات اعتقالات دائمة ومستمرة، ولعل السرية الشديدة وطموحهم للوصول إلى الحكم هو السبب في تخوف الأنظمة منهم وملاحقتهم دون هوادة. وإن كانت الملاحقة قد شملت كل التوجهات الإسلامية في معظم بلدان العالم الإسلامي.
ثانيًا: القضايا الفقهية:
- قام الحزب بإصدار فتاوى وإعطاء أحكام فقهية غريبة عن الفقه والحس الإسلاميَّيْنِ وألزم أتباعه بتبني هذه الأحكام والعمل على نشرها، ومن ذلك:
- قوله بجواز عضوية غير المسلم، وعضوية المرأة في مجلس الشورى.
- إباحة النظر إلى الصور العارية.
- إباحة تقبيل المرأة الأجنبية بشهوة وبغير شهوة فضلًا عن مصافحتها.
- قوله بجواز أن تلبس المرأة الباروكة والبنطلون، وأنها لا تكون ناشزًا إذا لم تطع زوجها في التخلي عن ذلك.
- قوله بجواز أن يكون القائد في الدولة المسلمة كافرًا.
- قوله بجواز دفع الجزية من قبل الدولة المسلمة للدولة الكافرة.
- قوله بجواز القتال تحت راية شخص عميل تنفيذًا لخطة دولة كافرة مادام القتال قتالًا للكفار.
- قوله بسقوط الصلاة عن رجل الفضاء المسلم.
- قوله بسقوط الصلاة والصوم عن سكان القطبين.
- قوله بالسجن عشر سنوات لمن تزوج بإحدى محارمه حرمة مؤبدة.
- قوله بأن الممرات المائية بما فيها قناة السويس ممرات عامة لا يجوز منع أية قافلة من المرور فيها.
- قوله بجواز الركوب في وسائل المواصلات (البواخر والطائرات..) التي تملكها شركات أجنبية مع تحريم هذا الركوب إن كانت مملوكة لشركات أصحابها مسلمون؛ لأن الأخيرة ليست أهلًا للتعاقد في نظره.
- تفسيره ملكية الأرض بمعنى زراعتها، والذي يهملها ولا يزرعها لمدة ثلاث سنوات تؤخذ منه وتعطى لغيره، ولا يجوز تأخير الأرض للزراعة عندهم إطلاقًا.
- يرون أن كنز المال حرام ولو أخرجت زكاته.
الجذور الفكرية والعقائدية:
- كانت للمؤسس أفكار قومية إذ أصدر سنة 1950م كتابًا بعنوان (رسالة العرب)، وانعكس هذا على ترتيب أولويات إقامة الدولة الإسلامية في البلدان العربية أولًا ثم الإسلامية.
- كان النبهاني في بداية أمره على صلة بالإخوان المسلمين في الأردن، يلقي محاضراته في لقاءاتهم، ويثني على دعوتهم وعلى مؤسسها الشيخ حسن النبا، لكنه ما لبث أن أعلن عن قيام حزبه مستقلًا فيه تأسيسًا وتنظيرًا.
- ناشده الكثيرون العدول عن هذه الدعوة، ومن أولئك الأستاذ سيد قطب حين زيارته للقدس عام 1953م، فقد ناقشه كثيرًا ودعاه إلى توحيد الجهود لكنه أصر على موقفه.
- وكانت حجته دائمًا ردًّا على المطالبين بتوحيد الحركات الإسلامية: أن الاختلاف هو الأصل في فهم النصوص الظنية الدلالة في الإسلام وأن الوحدة التي فرضها الإسلام هي الوحدة السياسية في كيان واحد وليست الوحدة في الرأي.
الانتشار ومواقع النفوذ:
- ركز الحزب نشاطه في البداية على الأردن وسوريا ولبنان، ثم امتد نشاطه إلى مختلف البلدان الإسلامية، وأخيرًا وصل نشاطه إلى أوروبا وخاصة النمسا وألمانيا.
- كانت للحزب صحيفة أسبوعية تصدر في الأردن اسمها (الراية)، ثم صودرت وأعقبها صدور (الحضارة) في بيروت وقد توقفت أيضًا.
- يسمي الحزب الأقطار التي يعمل فيها باسم الولايات، ويقود التنظيم في كل ولاية لجنة خاصة به تسمى لجنة الولاية وتتشكل من 3- 10 أعضاء.
- تخضع لجان الولايات لمجلس القيادة السري.
ويتضح مما سبق:
أن حزب التحرير حزب سياسي إسلامي يدعو إلى إقامة دولة الخلافة الإسلامية، ويرى أنه لا يمكن تغيير المجتمع وقلبه إلا من خلال مهاجمة فكره؛ حيث يحدث الانقلاب الفكري ثم السياسي.
ويؤخذ على هذا الحزب مخالفة عقيدة ومنهج أهل السنة والجماعة في تقديم العقل على النصوص الشرعية موافقة لأهل الكلام من المعتزلة وغيرهم، مما دفعه لإنكار عذاب القبر وظهور المسيح الدجال، بالإضافة إلى إهماله الجوانب التربوية وتخليه عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى أن تقوم الدولة الإسلامية، وإصداره فتاوى غريبة عن الفقه الإسلامي....

Previous Post Next Post