مفهوم التدريب
        لقد تناول الكثير من الباحثين والكتاب  في مجال الإدارة تعريف مفهوم التدريب وذلك من زوايا مختلفة ولكنها جميعها اتفقت بالنهاية على دوره في رفع كفاءة العاملين والمنظمة ككل، حيث يرى خالد الهيتي بأن التدريب "عمل أو نشاط من أنشطة إدارة الموارد البشرية والذي يعمل على تقرير حاجة الأفراد العاملين في مختلف المستويات التنظيمية للتطوير والتأهيل، في ضوء نقاط الضعف والقوة الموجودة في أدائهم وسلوكهم خلال العمل"([1]).
        أما صلاح عبدالباقي فقد عرّف التدريب على أنه "نشاط مخطط يهدف إلى تزويد الأفراد بمجموعة من المعلومات والمهارات التي تؤدي إلى زيادة معدلات أداء الأفراد في العمل"([2]).
        ويرى عمر عقيلي أن التدريب "عملية مخططة تقوم باستخدام أساليب وأدوات بهدف خلق وتحسين وصقل المهارات والقدرات لدى الفرد، وتوسيع نطاق معرفته للأداء الكفء من خلال التعلم، لرفع مستوى كفاءته وبالتالي كفاءة المنشأة التي يعمل فيها كمجموعة عمل"([3]).
        ومن هنا يمكن القول بأن غالبية الباحثين والكتّاب قد اشتركوا في تعريف التدريب بأمور مشتركة أهمها بأنه يزود الأفراد بمهارات معينة تؤدي إلى زيادة معدلات أداء الأفراد، وبأنه نشاط يهدف إلى التحسين والتطوير بأساليب العمل داخل المنظمة.
        ويرى الباحث بضرورة وأهمية ربط التعلم بالتدريب حيث يعتبر التعلم وسيلة للتدريب ولا يمكن من دونه أن تتم عملية التدريب، حيث أن التعلم يهتم بتزويد الأفراد بالمعرفة العلمية وإيصالهم إلى التفكير السليم أما التدريب فيهتم بنقل المعرفة إلى تطبيق فعلي حيث أن التدريب هو ثمرة التعلم.
        ومن التعريفات السابقة للتدريب يستخلص الباحث بأن التدريب عملية مستمرة تهدف إلى:
·         تزويد وإكساب الفرد مهارات ومعلومات وخبرات ليست موجودة لديه أو تنقصه وتؤدي بالتالي إلى تحسين أدائه وبالتالي إلى تحسين أداء المنظمة ككل.
·         تزويد وإكساب الفرد اتجاهات وأنماط سلوكية جديدة.
·         تزويد وتحسين وصقل المهارات الموجودة لدى الفرد.
استراتيجية التدريب

- مفهوم استراتيجية التدريب
        إن المدخل الاستراتيجي لإدارة التدريب يقوم على إجراء تحليل للفرص والتهديدات في بيئة المنظمة الخارجية وعواملها المختلفة والمتغيرة سواء الاقتصادية أو السياسية أو التكنولوجية أو الاجتماعية، وكذلك تحديد نقاط القوة والضعف في بيئة المنظمة الداخلية سواء العوامل البشرية أو المادية أو المعلوماتية.
        إن المنظمات الناجحة في ظل العولمة والتغير المستمر تقوم بشكل مستمر بتعديل استراتيجياتها الحالية وتتبنى استراتيجيات جديدة وذلك من أجل المحافظة على ميزاتها التنافسية وهذا التغير يؤثر على الاستراتيجيات الوظيفية لكل وظيفة أو نشاط ومنها نشاط التدريب.
        وفي السنوات الأخيرة وفي ظل العولمة الاقتصادية وجدت منظمات الأعمال نفسها أقل قدرة على المنافسة، مما اضطر بعضها إلى الخروج من السوق أو السيطرة عليها من قبل منظمات أخرى. وفي أغلب الأحيان اضطرت إلى تخفيض قوة العمل لديها. وهذا التغير في البيئة الخارجية شكّل تهديداً للمنظمات التي تعمل في الأسواق الدولية، وهو في نفس الوقت يشكل فرصاً محتملة. الأمر الذي قاد المديرين في المستويات العليا في هذه المنظمات إلى النظر إلى إدارة الموارد البشرية من منظور استراتيجي اعتماداً على أهداف المنظمة ورسالتها (Mission) بحيث تكون قادرة على مواجهة المشكلات التي تنشأ مع استمرارها. وفي الوقت ذاته المحافظة على مكانتها التنافسية والجودة والفعالية. وكما بينت إحدى الدراسات وجود علاقة بين استراتيجية الموارد البشرية والمكانة العالمية للمنظمات، وأن المنظمات التي تستخدم استراتيجية موارد بشرية متكاملة يكون أداؤها أفضل في مجال تحقيق مستويات جودة عالية، وتحسين وتطوير أداء أفرادها العاملين([4]).
        وتتضح الأهمية المتزايدة الممنوحة حالياً لمفهوم استراتيجيات التدريب في الأدبيات والطروحات النظرية العديدة، وفي الممارسات المختلفة نتيجة أسباب كثيرة كان أهمها الأثر المتزايد لممارسات وسياسات وظيفة التدريب على أداء الأفراد العاملين([5]).
        ومما سبق يمكن للباحث استخلاص التعريف التالي لاستراتيجية التدريب "بأنها عملية تهدف إلى اتخاذ القرارات الاستراتيجية المؤثرة على المدى البعيد فيما يتعلق بتنمية وتطوير أداء العاملين في المنظمة ومدى امتلاكهم للمهارات والمعارف والكفاءات والقدرات والمدخل الرئيسي لاستراتيجية التدريب هي الاستراتيجية العامة للمنظمة والتي تحدد الرؤى المستقبلية للمنظمة والأهداف التي يجب تحقيقها".
        ويركز المدخل الاستراتيجي للموارد البشرية على اعتبار أن الفرد هو أصل استثماري هام من أصول المنظمة وإدارة الموارد البشرية هي شريك حقيقي وهام في التخطيط الاستراتيجي الشامل وأن عملها لم يعد محصوراً فقط في إدارة الأعمال اليومية للأفراد من استقطاب وتوظيف وتدريب وتقييم…الخ، وإنما يجب أن يكون لها رسالة واضحة مشتقة من رسالة المنظمة ويجب أن يفهم الجميع هذه الرسالة ويعمل بمقتضاها، وكذلك يجب أن يكون هناك استراتيجية واضحة لإدارة الموارد البشرية في المنظمة بحيث يتم تحديد الأهداف الأساسية طويلة المدى للمنظمة في مجالات إدارة الموارد البشرية والتي تتجسد في مجالات العمل والممارسات التنفيذية اليومية.
        ويمكن أن نحدد بعض استراتيجيات الموارد البشرية كما يلي:
أ-   مركزية قرارات الاختيار والتعيين وذلك من أجل ثبات سياسة الاختيار والاستفادة من وجود الخبرات المتخصصة في مركز واحد.
ب-  التخلص من كل العوامل المحبطة لجهود العاملين أو المثبطة لروحهم المعنوية.
ج-  اعتماد سياسة الإغراءات المالية للكفاءات الرفيعة.
د-   اعتماد سياسة التقليل من معدلات دوران العمل من خلال أسلوب جيد وفعال في الاختيار والتدريب والتحفيز.
هـ- اعتماد العدالة في التعامل مع جميع العاملين في مجالات تقويم الأداء ونظام الحوافز والتدريب.
و-   اعتماد برامج التطوير والتدريب لجميع المستويات الإدارية وبما يضمن رفع مهارات العاملين لمقابلة مسؤوليات وواجبات الوظائف المختلفة بالمنظمة بحيث تكون استراتيجية التدريب التي يتم اتباعها منبثقة من الاستراتيجية الوظيفية لإدارة الموارد البشرية وتحقق أهدافها.
        ويتضمن المدخل الاستراتيجي لوظيفة التدريب خمسة ركائز أساسية وهي([6]):
1-  الاعتراف بأهمية تأثير البيئة الخارجية: حيث تقدم البيئة الخارجية مجموعة من الفرص والتهديدات، وتتجسد هذه الأمور بالقوانين والظروف الاقتصادية والسياسية والتكنولوجية، ولا بد لاستراتيجية التدريب من الاعتراف بهذه التأثيرات ومحاولة استثمار الفرص والتقليل من التهديدات.
2-  الاعتراف بأهمية المنافسة والطبيعة الحركية لسوق الموارد البشرية: تتنافس المنظمات على الحصول على الأفراد العاملين الكفؤين، حيث أن للقوى التنافسية في إغراء العاملين من خلال تنمية وتطوير مهاراتهم أثر مباشر على استقطابهم وبقائهم وولائهم للمنظمة.
3-  التركيز على تحقيق رسالة المنظمة في الأمد الطويل: أي لا بد أن تساهم استراتيجية التدريب في تحقيق ما تتمنى المنظمة أن تكون عليه مستقبلاً. وتعرّف رسالة المنظمة على أنها الخصائص الفريدة التي تميز المنظمة عن غيرها من المنظمات المنافسة الأخرى.
4-  التركيز على وضع الأهداف وصناعة القرارات الكفيلة بتحقيقها: وتمثل الأهداف الوسائل الوسيطة التي تحتاجها المنظمة لكي تترجم رسالتها وغاياتها إلى إجراءات عمل محددة وملموسة يمكن قياسها، وفي هذا الإطار تواجه إدارة المنظمة العديد من الخيارات الاستراتيجية في مجال تطوير العاملين يستلزم اتخاذ قرارات واضحة بشأنها، منها مثلاً:
      * هل ندرب الأفراد من أجل تحقيق أهداف المنظمة فقط أم أهداف الأفراد أيضاً؟
      * ما هي المعايير المعتمدة في تقييم فاعلية البرامج التدريبية؟
      * من المسؤول عن التدريب في المنظمة؟
5-  تحقيق التكامل مع الاستراتيجية العامة للمنظمة وبقية الاستراتيجيات الوظيفية: من أجل أن تكون استراتيجية التدريب والتطوير ذات فاعلية جيدة لا بد أن تتكامل مع الاستراتيجيات الأخرى لإدارة الموارد البشرية في المنظمة، فإذا انصبت استراتيجية المنظمة على النمو والسيطرة على سوق معين، فلا بد لاستراتيجية التدريب أن تركز على إكساب الأفراد العاملين مزيداً من القدرات والمهارات اللازمة لهذا التحول، أما إذا ركزت استراتيجية المنظمة على تقليص نشاطاتها، فلا بد لاستراتيجية التدريب أن تقلص برامجها المقدمة للأفراد العاملين في مجال هذه الأنشطة([7]).
        ويرى الباحث بضرورة اهتمام الشركات الأردنية وخصوصاً الصناعية بالتخطيط الاستراتيجي وبضرورة وجود استراتيجية واضحة للموارد البشرية تنبثق عنها استراتيجيات واضحة للأنشطة المختلفة ومنها نشاط التدريب حيث أن البيئة التي تعمل فيها المنظمات سريعة التغير فالعوامل البيئية الداخلية سواء كانت بشرية أو مادية أو معلوماتية وكذلك العوامل البيئية الخارجية سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو تكنولوجية أو سياسية فهي في تغير متواصل وهذا الأمر بالتالي يفرض على منظماتنا ضرورة تبني استراتيجيات واضحة من أجل المحافظة على ميزاتها التنافسية، ولقد بينت الكثير من الدراسات وجود علاقة بين استراتيجية الموارد البشرية والمكانة العالمية للمنظمات وأن المنظمات التي تستخدم استراتيجية موارد بشرية متكاملة تؤدي أعمالها وتطورها بشكل أفضل وتحقق مستويات جودة عالية، لذلك لا بد من اهتمام شركاتنا الصناعية بالدرجة الأولى بالموارد البشرية وتطويرها وتدريبها واتباع الاستراتيجيات الوظيفية الأمثل وتطبيق الأساليب الفضلى في هذا المجال لكي تكون قادرة على مواجهة التحديات والتغيرات السريعة والتطور التكنولوجي في ظل العولمة.
        ونستنتج مما سبق أن الكثير من الباحثين الذين تناولوا المدخل الاستراتيجي للموارد البشرية بأنهم ركزوا على الشراكة مع هذا المورد في عملية التخطيط الاستراتيجي، حيث أن المدخل التقليدي المنحصر في أداء الأعمال اليومية الروتينية بدأ ينقرض ويتلاشى، وأصبح التركيز في الوقت الحالي للكثير من الشركات التي تطبق الممارسات العالمية بهذا المجال تتجه نحو وجود خطة استراتيجية واضحة للموارد البشرية ووجود الخطط الفرعية ومنها نشاط ووظيفة التدريب وذلك بما يضمن رفع مهارات العاملين من أجل القيام بالوظائف المختلفة بالمنظمة بكفاءة.
- خطوات إعداد استراتيجية التدريب
        إن عملية إعداد استراتيجية التدريب تمر بالمراحل التالية([8]):
1-  تحليل استراتيجية المنظمة وما تتضمنه من أهداف ومهام وسياسات وبرامج.
2-  تحليل ودراسة البيئة الخارجية للمنظمة من حيث الظروف والاتجاهات الاقتصادية، والتطور التكنولوجي، والعوامل الديمغرافية، والأنظمة الحكومية والمنافسة.
3-  تحليل ودراسة البيئة الداخلية للمنظمة من حيث: الوضع الحالي للمنظمة، ومعدل دوران العمل، وكفاءة القوى العاملة.
4-  إعداد وصياغة استراتيجية التدريب وما تتضمنه من سياسات وبرامج وموازنات بشكل يسهم في التكامل مع استراتيجية المنظمة.
5-  مراجعة الخطة الاستراتيجية للتدريب عند حدوث تغيرات في البيئة الداخلية والخارجية للمنظمة.
        وتسهم استراتيجية التدريب في صقل مهارة الأفراد من ذوي القدرات الإبداعية العالية، وكذلك المساعدة في نفس الوقت على رفع مستوى الأفراد من ذوي القدرات الإبداعية المعتدلة إلى مستوى مقبول من الإبداع، وخصوصاً في حالة مواكبة المعطيات التكنولوجية الحديثة([9])، حيث تلعب استراتيجية التدريب دوراً هاماً في تحديد احتياجات المنظمة من المهارات والسلوكيات والمعارف المطلوبة من حيث العدد والكم وبشكل يتناسب مع التطلعات الاستراتيجية للمنظمة.
- معوقات تطبيق استراتيجية التدريب في المنظمات
        هناك مجموعة من المعوقات والتي يمكن أن تؤثر في عدم وجود رؤية واضحة وبعيدة المدى لأهمية الدور الاستراتيجي للتدريب في هذه المنظمات وبالتالي تعيق وتحد من تطبيق هذه الاستراتيجية، وأهم هذه المعوقات:
1-  عدم وضوح الاستراتيجية العامة للمنظمة وبالتالي عدم وضوح أهدافها التي تسعى لتحقيقها.
2-  عدم وجود الدعم الكافي من قبل الإدارة العليا وعدم اهتمامها بصياغة الاستراتيجية العامة للمنظمة والاستراتيجيات الوظيفية الأخرى.
3-  جمود القوانين والتشريعات.
4-  عدم توفر الثقافة التنظيمية الداعمة للتدريب.
5-  عدم توفر النظم التكنولوجية الحديثة الداعمة للتدريب.
6-  ضعف إيمان الإدارة العليا بالدور الاستراتيجي للتدريب.
7-  ضعف نشاط تحليل الوظائف في المنظمة.
8-  ضعف الإمكانيات المالية المتاحة للتدريب.
        ويرى الباحث بأن اتباع التخطيط الاستراتيجي السليم وحسب الأسس العلمية الواضحة ووجود رؤية واضحة المعالم وبعيدة المدى تؤدي بالتالي إلى تطبيق استراتيجية ناجحة وفعالة للمنظمة وهذا ينعكس بالتالي على الاستراتيجيات الوظيفية ومنها استراتيجية الموارد البشرية ونشاطاتها المختلفة ومنها استراتيجية التدريب، لذلك يجب أن تؤمن الشركات الصناعية الأردنية بأهمية اتباع الإدارة الاستراتيجية والأساليب العلمية الحديثة في الإدارة وبضرورة فصل الملكية عن الإدارة بحيث يتم تعيين الكفاءات الإدارية القادرة على التخطيط الاستراتيجي وتؤمن بأهمية الدور الاستراتيجي للموارد البشرية وأهمية الدور الاستراتيجي لوظيفة التدريب والتي تحاول وبشكل دائم توفير الوسائل التكنولوجية الحديثة التي تدعم هذه الوظيفة وتحاول إيجاد ثقافة تنظيمية توضح أهمية التدريب للمنظمة بشكل عام.

([1])  خالد عبدالرحيم الهيتي، إدارة الموارد البشرية: مدخل استراتيجي، عمان: دار وائل للنشر، 2004، ص89.
([2])  صلاح عبدالباقي، إدارة الموارد البشرية من الناحية العلمية والعملية، القاهرة: الدار الجامعية، 2000، ص69.
([3])  عمر عقيلي، إدارة القوى البشرية، عمان: دار زهران للنشر، 1996، ص233.
([4])   Appleby, A, and Marvin, S., Innovation Not Limitation: Human Resource Strategy & the Impact on World Class Status. Total Quality Management, Vol. 11, No. 415, 2000, pp.554-561.
([5])   Denis Leonard, Rodney McAdam, The Strategic Impact and Application of the Business Excellence Model: Implications for Quality Training and Development, Journal of European Industrial Training, Vol. 26, Issue 1, 2001, pp.4-13.
([6])  مؤيد السالم، وعادل صالح، مرجع سابق، 2002، ص13-15.
([7])  جمال أبودولة، ورياض طهماز، واقع عملية الربط والتكامل ما بين استراتيجية المنظمة واستراتيجية إدارة الموارد البشرية، أبحاث اليرموك، مجلد 20، العدد 4-أ، 2004، ص1975.
([8])  أحمد القطامين، الإدارة الاستراتيجية: حالات ونماذج تطبيقية، عمان: دار مجدلاوي للنشر والتوزيع، 2002.
([9])   Kasia Zdunczyk, John Blenkinsopp, Do Organizational Factors Support Creativity and Innovation in Polish Firms? European Journal of Innovation Management, Vol. 10, Issue 1, 2007, pp.25-40.

Previous Post Next Post