تعريف الثقافة الإسلامية :
   يتضمن مفهوم الثقافة الإسلامية المعارف الشرعية ، والعلمية ، والفلسفية ،  واللغوية ، والأدبية ، والفنية التي نشأت وتطورت في الأقطار الإسلامية ، والتي من شأنها الانفتاح على الثقافات الأخرى ، والتفاعل معها أخذاً وعطاءً.(22)
    إن الدعوة الإسلامية قد انتشرت انتشاراً سريعاً في عدد من أقطار العالم ، وساعد على هذا الانتشار تلاقي شعوب مختلفة الأجناس ، واللغات والتقاليد استظلت جميعها براية الإسلام ، واطمأنت لرسالته الداعية إلى التوحيد ، والعدل ، ومكارم الأخلاق ، والتسامح ، وطلب الحكمة والمعارف التي تؤدي إلى صلاح الفرد والمجتمع . وهكذا صار الطريق ممهداً لانتقال الأفكار والتقاليد، ونمط العيش ، والسلوك في أنحاء العالم الإسلامي ، وأدى هذا في النهاية إلى نشوء ثقافة إسلامية حية ونامية . شارك في تنشيطها المسلمون  ، ومن ساكنهم ، وسالمهم من غير المسلمين.(23)
   وقد حاول المسلمون تبليغ رسالة الإسلام إلى كل البشر ، ولذا اعتنق الإسلام أقوام من الفرس ، والهنود ، والصينيين ، والأتراك والأفريقيين ، والأوربيين والأمريكيين ، وبذا أصبح الإسلام رسالة عالمية مبنية على أن كل الشعوب ، والقبائل البشرية تنتمي إلى أب واحد ، وأم واحدة ، " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم"(24)
موضوعات الثقافة الإسلامية :
      إن من أبرز موضوعاتها :
1-  نظام العقيدة الذي يعنى تدين البشر ، وتمسكهم بالعقيدة الصحيحة التي تحرر المسلم من الخرافات ، والتقليد حتى يصبح قادراً على مواجهة الأفكار الباطلة . فالتدين ضرورة اجتماعية ، وكل إنسان لا بد له من قيم وإيمان ، وعدم التدين يؤدي إلى موت الروح الذي يدفع الشباب المنعّم المرفه إلى الانتحار بعد أن يصيبه اليأس والاكتئاب .
2-      نظام العبادة من صلاة وصوم ، وإحسان ، ودعاء ، وخوف ورجاء ، وتوكل ، وخشوع..الخ .
3-  نظام المعاملات ، وهي الأحكام التي تنظم علاقات الناس مع بعضهم ، وتقيم بينهم الروابط على أساس العدل والرحمة ، والمحبة. من هذه المعاملات : البيع ، والشراء ، والرهن ، والإجارة ، والإعارة ، والشركة.. الخ .
4-  النظام الأخلاقي الذي هو أساس بناء الفرد والأسرة والمجتمع . يقول (r) في هذا المعنى : " بعثت لأتمم حسن الأخلاق".(25) وقد دعا الإسلام إلى كل خلق طيب ، ونهى عن كل خلق مذموم . ومن عناصر الأخلاق في الإسلام: الصدق ، والأمانة ، والإخلاص ، والحلم ، والتعاون ، والرحمة ، والتكافل الاجتماعي ، والعدالة . .الخ
5-      النظام الاجتماعي ، ويشمل : الأسرة والزواج ، ومقاصده ، وحقوق المرأة .
6-  نظام العقوبات التي قصد منها تهذيب النفس ، وتطهير القلب ، ويشمل : حد الزنا ، والقتل ، والسرقة ، والقذف وقطع الطريق .
7-  النظام السياسي ، ويشمل : أسس الحكم ، ونظرية السيادة ، ومفهوم الخلافة ، والحرية ، والتسامح الديني ، وحقوق الإنسان ، والقومية ، والديمقراطية ، والتعددية ، والمواطنة ، والتقارب بين الأديان ، ومعاملة غير المسلمين .(26)
     ولا شك أن قيم الإسلام أرقى من القيم الغربية ، فهي متفوقة فيما يتعلق بالجماعة ، والتكافل الاجتماعي ، واحترام مكارم الأخلاق، والحرص على ترك الموبقات التي عصفت بالحياة الغربية كالمخدرات ، والعنف وغيرها .
     وتتميز الثقافة الإسلامية بأنها :
1-  ربانية المصدر ، أي منسوبة إلى الرب ، أي أن مصدرها هو الوحي من الكتاب والسنة. وهذه الميزة تكسب الثقافة الإسلامية العصمة من التناقض والاختلاف " وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى "(27) وبذا تصير هذه الثقافة مبجلة من قبل الإنسان ، يقبلها بطاعة وانقياد ، لأن مصدرها يتسم بالخلود ، والصدق، والصحة .
2-      ومصدرها ثابت غير قابل للتغيير .
3-  وتتصف بالشمول ، أي أنها لا تهمل جانباً من الجوانب الأساسية التي يحتاج إليها الإنسان في حياته ، فهي تجمع بين أمور الدنيا والآخرة ، وبين أمور الجسد والروح ، وبين الأمور العقلية والقلبية .
4-  وتمتاز بالتوازن والاعتدال والوسطية . فالإسلام لا يأمر بالزهد المبالغ فيه ، ولا بالرهبانية ولا يحرم زينة الله .(28)" ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم "(29)
"قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده … "(30)
     فالتوازن هو النظرة إلى الأمور نظرة وسطية من غير إفراط ولا تفريط " وكلوا وأشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين "(31) وقد وصفت أمة الإسلام بأنها أمة وسط بين اليهودية التي مالت إلى المادية ، وبين النصرانية التي مالت إلى الروحانية " وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً "(32)
5-      وبأنها ثقافة إيمانية تنبع من مراقبة الإنسان لله ، ومن إيمان الإنسان باليوم الآخر ، وما فيه.
6-  وتمتاز بأنها ثقافة عالمية تعترف بالآخرين ، ولا تفرض نفسها عليهم ، وبأنها تلائم الإنسان وفطرته . " وما أرسلناك إلا كافة للناس "(33) " فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها … "(34)
7-  وتمتاز بأنها ثقافة تكافل ، فالمسلمون في توادهم وتراحمهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالحمى والسهر .
8-  وتمتاز الأخلاق الإسلامية بالشمول ، أي أن مجال الأخلاق في الإسلام هو الكون كله ، ويشمل ذلك علاقة الإنسان بالله، وبالناس، وبالكائنات الحية الأخرى . وأهم مظهر لشمول الأخلاق الإسلامية هو علاقة الإنسان بالحيوان ، من إحسان ورحمة وشفقة . وبهذا سبقت الدعوة الإسلامية ما تنادي به جمعيات الرفق بالحيوان الحديثة في بعض البلاد الغربية بقرون طويلة .(35)
9-  وتتسم الثقافة الإسلامية بكونها عالمية ، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه العالمية " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"(36) وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيرا"(37) . وصفة العالمية هي التي أمالت إليه القلوب ، وجعلتها تؤمن به عن طواعية واختيار وقناعة ودون إكراه " لا إكراه في الدين "(38)
10- ومن ميزات الثقافة الإسلامية كونها منفتحة على العلوم ، والأفكار الصحيحة النافعة . ففي الإسلام الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها ، فالإسلام هو دين العلم ، ويقوم على التفكير السليم المؤيد بالوحي الصادق .(39)
11- وتتميز الثقافة الإسلامية بالمساواة الإنسانية ، فالناس  سواسية كأسنان المشط الواحد حسبما أشار إلى ذلك حديث الرسول (r)، وحسبما جاء في القرآن الكريم "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم"(40)
12- وهناك المساواة الطائفية ، فقد استوعب الإسلام كل انتماء بسماحته ، وعدالته . من ذلك حديث (r)" من آذى ذمياً فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله " .(41)
    وعلى الرغم من كل هذه الميزات الخاصة بالثقافة الإسلامية إلا أن الغرب مازال يسعى إلى تشويه صورة الإسلام ، وتشويه ثقافته ، وقيمه الحضارية ، ومازال يحاول منع الناس من احترام هذه الثقافة، والاستفادة منها . وهذا التشويه الغربي لصورة الإسلام لم يمنع وجود أصوات في الغرب بدأت تدعو الغربيين إلى إعادة النظر في المواقف المعادية للإسلام ، كما تدعو إلى إنصاف ثقافته ، والاعتراف بفضله على حضارة الغرب ، وإلى تفهم أحوال المسلمين ، وإلى الدعوة إلى التعلم من مدرسة الإسلام ، ومن قيمه السامية . ولعل من أهم تلك الأصوات المنصفة صوت ولي العهد البريطاني تشارلز الذي عدّ الإسلام جزءاً من التراث المؤسس لأوربا المعاصرة . وعبارته في هذا المعنى " إن هناك الكثير الذي يمكننا أن نقتبسه من العالم الإسلامي ليساعدنا على فهم الروحانية الأساسية في ديانتنا".(42)
    وبسبب الغزو الفكري الغربي على ثقافتنا الإسلامية فإن بعض مفاهيم هذه الثقافة قد تغيّرت ، وحلتّ محلها مفاهيم علمانية غربية ، أذكر منها :
1-      أصبح كثير من أفراد المجتمعات الإسلامية يقلدون الغربيين في عاداتهم، وتقاليدهم ، وسلوكم ، مثل عادات الطعام ، والشراب ، والزواج ، والأفراح ، واللباس ، وحفلات أعياد الميلاد .
2-  واصبح كثير من المسلمين ذوي أخلاق منحرفة ، كتعاطي المخدرات ، وشرب الخمور، وممارسة الجنس المحرم في ظل قوانين وضعية لا تردع المنحرفين .(43)
3-      وتدعي العلمانية أن الإسلام عبارة عن طقوس وشعائر لا تتلاءم مع الحضارة .
4-  وتربي العلمانية الأجيال تربية غير دينية مما يؤدي إلى اختلاط الرجال بالنساء على طريقة الأسلوب الغربي ، وإلى تبرج النساء .
5-      تقيم العلمانية حاجزاً سميكاً بين الروح والمادة ، وتفصل الدين عن السياسة .
    وبما أن الإسلام يتمتع بعناصر قوة واضحة كعقيدة التوحيد ، وبكونه دين علم وأصالة وتجديد فقد وقف سداً منيعاً أمام تيار العلمانية والاستشراق ، والتنصير والتغريب والعولمة التي تتكاتف كلها لمحاربته .
   وينبغي أن لا يخاف الغرب كذلك من الإسلام لأن الإسلام هو دين التسامح ، والتعايش السلمي ، وهو يعترف باليهودية والنصرانية . ومعلوم أن الغرب يناقض نفسه فهو يدعو إلى ضمان حقوق الإنسان ليعيش في عزة وكرامة في حين أنه يقف ضد تحقيق الشعوب مصيرها السياسي والثقافي في حرية تامة .
    ويرى فوكوياما أن على الغرب أن يتخلى عن فكرة ذوبان الحضارات الشرقية في الحضارة الغربية ، بينما يرى هانتجتـون أن الصراع بين الحضارات لن ينتهي أبداً لأن التحديث يعني اكتساب كل أسباب القوة الاقتصادية والإدارية والعسكرية التي كانت سبباً في تفوق الغرب على الشرق. وسوف يؤدي التحديث إلى تقوية الحضارات المنافسة لحضارة الغرب ، وخاصة الحضارة الإسلامية التي أخذت تقوى كثيراً بسبب ظاهرة الصحوة الإسلامية التي عمت كثيراً من بلاد الإسلام ، فهذه الصحوة هي تعبير حقيقي عن ثورة إسلامية شاملة تجتاح العالم الإسلامي ، وسوف تنتصر هذه الصحوة. ويدعو "هانتجتون "إلى الاستعداد لمواجهة الخطر الإسلامي ، وإلى ضرب مرتكزات القوة في الصحوة الإسلامية حتى لا يقوى الإسلام على منازلة الغرب .(44)
    ولابد في النهاية من ممارسة حق التنوع الثقافي على مستوى العالم ، ولا يتم ذلك إلا إذا انتعش الحوار بين الأديان والثقافات والحضارات ، وإلا إذا أدى هذا الحوار إلى ترسيخ قيم التعاون والتعايش بين أتباع الحضارات .

(22) محمد العربي الخطابي ، مجلة (الإسلام اليوم) ، مقال بعنوان : الثقافة الإسلامية ، ميزاتها وسبل تنميتها ، العدد (12) ، السنة 1994م ، ص 17 .
(23) المرجع نفسه ، ص 20 .
(24) سورة الحجرات /13 .
(25) انظر : الإمام مالك ، الموطأ ، كتاب حسن الخلق ، حديث رقم (8) ، ص 904 .
(26) انظر : د . محمد أبو يحيى وآخرين ، ثقافة المسلم وتحديات العصر ، ط2 ، دار المناهج ، الأردن ، سنة 2001م، ص 18 .  وانظر: محمد الجوهري حمد الجوهري ، العولمة والثقافة الإسلامية ، دار الأمين للنشر والتوزيع ، ص 118 – 120 .
(27) سورة النجم / 3-4 .
(28) انظر : د . نادية شريف العمري ، أضواء على الثقافة الإسلامية ، ط1 ، 1981م ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، ص 19، 22 . وانظر : عطا الله خضر أبو كف ، الثقافة الإسلامية ( الإسلام وقضايا العصر ) ، ط1 ، سنة 2002م، دار الصفاء للنشر والتوزيـع ،  ص 92 – 93 .
(29) سورة الحديد / 27 .
(30) سورة الأعراف / 32 .
(31) سورة الأعراف / 31 .
(32) سورة البقرة / 143 .
(33) سورة سبأ /28 .
(34) سورة الروم / 30 .
(35) أمير عبد العزيز ، دراسات في الثقافة الإسلامية ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، 1979م ، ص 25 .
(36) سورة الأنبياء / 107 .
(37) سورة سبأ / 8 .
(38) سورة البقرة / 256 .
(39) أمبر عبد العزيز ، دراسات في الثقافة الإسلامية ، ص 27 .
(40) سورة الحجرات / 13 .
(41) رواه الطبراني ، المعجم الأوسط ، ج2 ، ص 128 .
(42) د . زكريا بشير إمام ، في مواجهة العولة ، مصدر سابق ، ص 175 .
(43) عطا الله خضر أبو كف ، الثقافة الإسلامية ، مصدر سابق ، ص 125 .
(44)  د . زكريا بشير إمام ، في مواجهة العولمة ، ص 193 .

Previous Post Next Post