الرخصة :
الفرع الأول :  تعريف الرخصة لغة :
هي السهولة واليسر[1]. والرخصة في الأمر خلاف التشديد فيه  [2] .
ورخص السعر: إذا سهل وتيسر. وأرخصه الله : أي يسره ، فهو رخيص : أي ميسر.
وبذلك يتبيّن أن الرخصة تتسم بالمسامحة واللِّين .

الفرع الثاني : الرخصة اصطلاحاً
أما في الاصطلاح : فقد تعددت الأقوال في بيان حدّ الرخصة ومن ذلك :
قال أبو علي الشاشي : ( وفي الشرع صرف الأمر من عسر إلى يسر بواسطة عذر في المكلف ) [3]. بمعنى أن يكون الأصل مشروعاً على وجه العزيمة ، ثم تسقط شرعيته بواسطة عذر في المكلف .
   وقد بيّن السيوطي المراد بالعذر فقال  : ( هو : ما يطرأ في حق المكلف فيمنع حرمة الفعل ، أو الترك الذي دلّ الدليل على حرمته ، أو يمنع وجوب الفعل الذي دلّ الدليل على وجوبه ) [4] .

وقال السرخسي في تعريف الرخصة : ( والرخصة : ما كان بناء على عذر يكون للعباد ، وهو ما استبيح للعذر مع بقاء الدليل المحرم ) [5] .
 فهي الأحكام التي شرع الله سبحانه وتعالى بناءً على أعذار العباد ورعاية لمصالحهم مع بقاء السبب الموجب للحكم الأصلي .
ويمكن القول كذلك بأنها : الحكم الثابت على خلاف الدليل لعذر.
وقال الشاطبي : ( هي ما شرع لعذر شاق استثناءً من أصل كلي يقتضي المنع مع الاقتصار على مواضع الحاجة فيه ) [6] .
ومما تجدر ملاحظته أن الرخصة لا تشمل ما أباحه الله تعالى من الأكل والشرب وغير ذلك ، لأنه لم يثبت على المنع منه دليل [7] .
وقال الطوفي : ( فما لم يُخالف دليلاً ، كاستباحة المباحات ، من مأكول ومشروب وتنزه ونحوه ، وعدم صوم شوال لا يسمى رخصة لكونه لا يخالف دليلاً ، وشرط الرخصة مخالفة الدليل ) [8] . 
والعذر إما أن يكون مشقة بالغة [9] ، أو ضرورة [10]، أو حاجة [11].
أمثلة : التلفظ بكلمة الكفر عند الإكراه مع طمأنينة القلب بالإيمان ، والأكل من الميتة عند الضرورة ، وكشف العورة أمام الطبيب عند إرادة المعالجة .
ففي المثال الأول : العذر هو الإكراه ، وفي الثاني : ضرورة حفظ النفس ، وفي الثالث : الحاجة .
ويلاحظ أن الرخصة لا تلغي الحكم الشرعي ، بل إن الحكم الأصلي يبقى قائماً ، فهو في الأول : حرمة الكفر ووجوب الإيمان ، وفي الثاني : ضرر الميتة وحكمها التحريم ، وفي الثالث : وجوب ستر العورة وحفظ العرض .
فالرخصة : هي الأحكام التي شرعها الشارع بناءً على أعذار المكلفين ، ولولاها لبقي الحكم الأصلي ، فهي حكم استثنائي من أصل كلي . وسبب الاستثناء ملاحظة الضرورات والأعذار رفعاً للحرج عن المكلف ، وهي في أغلب الأحيان تنقل الحكم الأصلي من مرتبة اللزوم الى مرتبة الإباحة ، وقد تنقله إلى مرتبة الندب أو الوجوب [12] .

[1] ) ابن فارس ، معجم مقاييس اللغة 2 / 500 ،الأزهري ، تهذيب اللغة 7 / 62 ، الرازي ،  مختار الصحاح 1 / 101 ، الإسنوي ، نهاية السول 1 / 120 ، الشاشي ، أصول الشاشي / 385 0
[2] ) ابن منظور ، لسان العرب 7 / 40 ، الفيروز آبادي ، القاموس المحيط 2 / 156 ، الجوهري ، الصحاح 3 / 104
[3] ) الشاشي ، أًصول الشاشي / 385 0
[4] ) السيوطي ، الأشباه والنظائر / 88 0
[5] ) السرخسي ، أصول السرخسي 1 / 117 0
[6] ) الشاطبي ، الموافقات 1 / 301 0
[7] ) الإسنوي ، نهاية السول 1 / 120 0
[8] ) الطوفي : شرح مختصر الروضة 1 / 461 0
[9] ) أما المشقة المعتادة فلا تقتضي التخفيف لأنه ما من التزام فعلاً كان أو تركاً إلا وترافقه مشقة ، فالصلاة والصيام والحج ، والسعي للجمعة ، وترك المحرمات ، ومفارقة الأهل والمال والولد في الحج والجهاد ، وما شابه ذلك فيه مشقة ، وهذا لا يدعو للترخص بحجة المشقة ، ولكن إذا زادت عن حدها ، ورافق القيامَ بالأحكام الشرعية مشقةٌ أكبر من المعتاد كان ذلك داعياً إلى التخفيف عن المكلف ، كالصيام في السفر ، وقيام المصلي في صلاته مع وجود عجز عنده في قدرته على القيام 0
أما المشقة التي لا تنفك عنها التكليفات الشرعية : كمشقة الجهاد ، وألم الحدود ، ورجم الزناة ، وقتل البغاة ، وقطع السارق ، فلا أثر لها في التخفيف ، ولا جلب تيسير أو ترخيص ،
[10] ) يمكن أن يمثل لها بالتلفظ بكلمة الكفر عند الإكراه عليها بالقتل ، شريطة بقاء القلب مطمئناً بالإيمان ، وبأكل الميتة للمضطر ، فإن حفظ النفس واجب ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب 0
[11] ) ويمكن أن يمثل لها بجواز معالجة الطبيب لامرأة أجنبية عنه ، وجواز اقتراض الخبز بين الجيران مع تفاوت وزنه ، وإجراء العقود من البيع والسلم ، والاستصناع ، وغيرها ، وفي عرف الشرع تنزل الحاجة منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة 0
والحاجة العامّة : هي ما يحتاج إله الناس جميعاً : من زراعة وتجارة وصناعة ، مما يمس مصالح الناس جميعاً 0
والحاجة الخاصة : هي ما يحتاج إليه فئة من الناس ، أو أفراد محصورون ، كلبس الحرير للرجل الذي به حكة 0
[12] ) د، زيدان ، الوجيز في أصول الفقه /  51 0

Previous Post Next Post