التعاون الثَّقافي الدولي
يعد قطاع التعاون واحد من القطاعات المتنوعة التي تضمها وزارة الثَّقافة.  وبالمثل، فإن وزارة الخارجية تضم قطاعا للثقافة والتعاون العلمي داخل المديرية العامَّة للتعاون والاتفاقات المتعددة الأطراف. هذا القطاع يختص بكل ما له علاقة بالثَّقافة والتعاون العلمي مع بلاد أجنبية ومنظمات دولية.
ويختص هذا القطاع بالمهام التالية:
- ضمان تطوير وتنمية الثَّقافة والعلاقات الثَّقافيَّة في ما يخص التعاون على المستويين الثنائي والمتعدد الأطراف.
- ضمان التنسيق مع الإدارات المعنيَّة بالمديرية العامَّة تبعا لسياسة الخارجية التي تنتهجها الحكومة.
- إجراء المفاوضات والاتفاقات التي تدخل في نطاق اختصاصاتها ومتابعتها.
ومن ثم، ممارسة الاتفاقات الثنائية والمتعددة الأطراف يتابع من قبل الوزارتين. الأمثلة على ذلك توضح لاحقا. تم توقيع اتفاقات ثقافيَّة ثنائية وبرامج تعاون تنفيذية مع ماليزيا، تونس، الصين، لاوس، بوليفيا، إيطاليا، لبنان، فانواتو، المكسيك والبحرين.
ومن الأمثلة الحديثة، اتفاقية الثَّقافة والإعلام والصحة المبرمة بين المغرب وسلطنة عمان. وقع الجانبان اتفاقا للتعاون الثَّقافي يهدف إلى تطوير المباني التاريخية. كذلك تجدر الإشارة إلى التوقيع على البرنامج التنفيذي للتعاون الثَّقافي والتربوي والعلمي وفي مجال المعلومات العامَّة للسنوات 2008 و2009 و2010 و2011 بين المغرب والأردن.
الاتفاقات المتعددة الأطراف تنطوى على سبيل المثال على:
-         اتفاق الإنتاج المشترك للأفلام بين حكومة المملكة المتحدة وشمال أيرلندا والمملكة المغربية. الهدف من هذه الاتفاقية هو إيجاد إطار رسمي يستطيع بموجبه المنتجون في كلا البلدين الحصول على مصادر مادية وتكنولوجية وإبداعية اللازمة لصنع أفلامهم.

يعد المهرجان الدولى للجاز نموذجا ﺁخر للتعاون الثَّقافي بين المغرب وأوربا.
كما يشهد المغرب تزايدا مطردا في عدد المهرجانات الفنية واتفاقيات التعاون السينمائي المشترك.
غير أن عددا من الانتقادات توجه للتبذير الفاحش الذي يصاحب الإنفاق الباذخ على المهرجانات السينمائية الدولية، إضافة إلى ظاهرة عدم تقديم الحساب وغياب آليات المراقبة، ولهذا السبب تزكي الهيئة الوطنية لحماية المال العام معارضة هذا النوع من السياسة الثَّقافيَّة المتبعة. كما تتصاعد انتقادات أخرى تسائل مدى إسهام هذه الاستثمارات المالية الأجنبية الكبيرة في إنتاج صناعة سينمائية وطنية تتوفر على كل مقوِّمات الحقل السينمائي. ففي الوقت الذي يطلق البعض فيه على مدينة ورزازات لقب "هوليوود أفريقيا" فقد تم سنة 2008 إقفال أبواب آخر قاعة سينمائية في مدينة ورزازات بسبب ضعف الإقبال والمداخيل المالية.
                        التعاون المهني المباشر
تنشط عدد من المؤسَّسات الدولية المهنية العاملة في قطاع الثَّقافة في إقامة مشروعات ثقافيَّة تخص قطاعات الثَّقافة المختلفة وذلك بتعاون مع الهيئات الحكومية المغربية. ومن أمثلة هذه المشروعات:
·       الدعم المالي الذي قدمته المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثَّقافة "إيسيسكو" لإنجاز فهرس حول التُّراث الثَّقافي والطبيعي في المملكة المغربية، الذي أعده مركز الجرد والتوثيق التابع لوزارة الثَّقافة، بالتعاون مع اللجنة الوطنية المغربية للتربية والعلوم والثَّقافة.ويهدف هذا الفهرس إلى وضع تصنيف شامل لمكونات التُّراث الثَّقافي المغربي بشقيْه المادي واللا مادي، والتُّراث الطبيعي. ويساعد هذا الفهرس المنهجي المختصين والعاملين في مجال التُّراث على توحيد المصطلحات والتصنيفات والمناهج العلمية، لإنجاز أعمال الجرد والتوثيق سواء قبل الخروج إلى الميدان أو خلاله أو بعد الانتهاء منه.
·       حماية تراث وادي درعة كجزء من مشروع: "صحراء الناس والثقافات" الذي تتبناه منظمة اليونيسكو، والذي يهدف إلى دراسة وتحليل الوضعية الراهنة للأغاني والرقصات الشعبية الخاصَّة بمنطقة درعة من أجل توثيقها والمحافظة عليها وتحسين إبرازها ضمن الأنشطة السياحية مِمَّا سينعكس إيجابا على رفع المستوى المعيشي للسكان الْمَحَلِّيّين بالمنطقة. وفي هذا الإطار تم توقيع اتفاقيتين مع جمعية Cravaneers للسياحة المستدامة ومع هيئة مَحَلِّيَّة حكومية للسياحة.
·       مشروع "حماية وإحياء وتهيئة ساحة جامع لفنا بمراكش" الذي شرعت فيه اليونسكو بتعاون مع وزارة الثَّقافة المغربية وشركاء مَحَلِّيّين، وبفضل تمويل حكومة اليابان. ويتبنى هذا المشروع خطة عمل تسعى إلى المحافظة على هذا الفضاء الثَّقافي الذي أعلنته اليونسكو سنة2001 "تراثا ثقافيا غير مادي لمدينة مراكش والمغرب والإنسانية". وقد نظم مكتب اليونسكو بالرباط احتفالا للاحتفاء بفن الحلقة، أحياه ثلة من حكائي الساحة. كما شهد الحفل توزيع كتاب عن الساحة وتوزيع جوائز للفائزين في مسابقة لرسم معالم الساحة تنافس فيها أربعون رساما أمام مفوضية الثَّقافة والأكاديمية الجهوية لوزارة التربية الوطنية. انعقد هذا الاحتفال يوم 27يونيو 2006 بثانوية أبو عباس السبطي بمراكش، بحضور ممثلي اليونسكو، وممثلي وزارة الثَّقافة، وممثلي وزارة التربية الوطنية، والسلطات الْمَحَلِّيَّة، وفعاليات جمعوية مَحَلِّيَّة، ومنشطو ساحة جامع لفنا، إضافة إلى تلاميذ الثانوية.
                        الحوار والتعاون عبر الحدود ما بين الثقافات
رجاء الاطلاع على فقرة 2.4.2
                        السياسات الثَّقافيَّة بالهيئات الخارجية
إلى جانب القطاعات الحكومية، توجد في المغرب البعثات الفرنسية والأمريكية والإسبانية، إضافة إلى المراكز الثَّقافيَّة الآتية:
·       المركز الثَّقافي المصري: وله فرع واحد في الرباط.
·       المركز الثَّقافي الفرنسي: وله اثنا عشرة فرعا متفرقا في مختلف مدن المملكة.
·       المركز الثَّقافي البريطاني: وله فرعان في الرباط والدار البيضاء.
·       المركز الثَّقافي الأمريكي: وله فرعان في الرباط والدار البيضاء.
·       المركز الثَّقافي الألماني: وله ثلاثة فروع في الرباط والدار البيضاء وطنجة.
·       المركز الثَّقافي الإسباني: له خمسة فروع في الرباط والدار البيضاء وطنجة وفاس وتطوان.
·       المركز الثَّقافي الإيطالي: فرع واحد بالرباط.
·       المركز العلمي الثَّقافي الروسي: فرع واحد بالرباط.
وتسهر البعثات الأجنبية على توفير التعليم بلغتها القومية، حيث تحافـظ علـى منهـاجهـا التعليـمي دون رقـابـة وزارة التربيـة الوطنيـة والتعليـم العالـي والبحـث العلمـي وتكويـن الأطـر، كما تشهد إقبالاً شديدًا من طرف المغاربة. أما المراكز الثَّقافيَّة فتنشط في تعليم اللغات وإقامة التظاهرات الفنية كالمعارض التشكيلية والحفلات الموسيقية والعروض المسرحية والأسابيع الثَّقافيَّة.
سيتم التطرق في هذا المبحث إلى السياسات الثَّقافيَّة للمؤسَّسات الثَّقافيَّة الفرنسية على اعتبار أنها الأقوى حضورا في الساحة المغربية من حيث كم الأنشطة والمؤسَّسات، ضخامة الميزانية وحجم الانتشار وكذا التغلغل في نسيج المجتمع.
توظف فرنسا وسائل مادية مهمَّة بالمغرب من أجل التعاون الثَّقافي، وتخصص فرنسا لهذا التعاون وسائل مالية مهمَّة:
5,5 مليون أورو (أي ما يقدر بـ22% من الغلاف المالي السنوي لمصلحة التعاون والعمل الثَّقافي). وتهدف بالأساس إلى:
·                      تعزيز التعاون القائم على التشاور والخبرة الموضوعة رهن إشارة المؤسَّسات الوطنية المغربية التي تكون قاعدة للتنمية الثَّقافيَّة.
·                      جعل توفير التكوين الفني للفنانين والمتخصصين في مجالات الثَّقافة المختلفة المحور الذي يؤطر النشاط الثنائي بالمغرب لأنه الرهان الأساسي للتنمية الفنية والثَّقافيَّة للمملكة.
·                      ضمان الحضور عن كثب فوق التراب المغربي بجعل المؤسَّسات الثَّقافيَّة الفرنسية فاعلاً من أجل التغيير، وذلك بتنويع العلاقات مع المجتمع المغربي، وبربط التبادل الثَّقافي مع السياسة الشاملة للتعاون لفائدة مختلف الفئات الشعبية وبالتنمية عن طريق شراكات بين المؤسَّسات لإثبات وجود كفاءتنا الثَّقافيَّة.
·                      الإسهام في تهيئة المجال الثَّقافي ومسايرته بإشراك الجماعات الْمَحَلِّيَّة وجعلها مسؤولة في الحقل.
لتحقيق هذه الأهداف تنتهج المؤسَّسات الثَّقافيَّة الفرنسية داخل المغرب السياسات التالية.
في مجال الكتاب والقراءة:
ثلاث مهام رئيسية يؤديها مكتب الكتاب ووسائل الإعلام لتنفيذ سياسة فرنسا في المغرب المتعلقة بالكتاب وهي:
1)     التنسيق بين شبكة وسائل الإعلام الفرنسية لضمان كفاية وجودة الخدمات في جميع هذه المؤسَّسات الفرنسية في ا لمغرب.
2)     تقديم الدعم لتنمية شبكة القراءة العمومية في المغرب والمساعدة على توفير التجهيزات الضرورية وفقًا لأعلى معايير الجودة.
3)     تشجيع المؤلفين والناشرين المغاربة، ودعم الكتاب وترويج الكتب وتشجيع الكتابة.

السينما والمجال السمعي البصري:
التعاون الفرنكومغربي في مجالات السينما والقطاع السمعي البصري والصحافة والوسائط المتعددة يهدف إلى الاستجابة لحاجات المعلومات والتكوين ودعم الإنتاج التي يعبر عنها المتخصصون والمؤسَّسات من ذات العلاقة من البلدين. إن هذا التعاون يتمظهر في أشكال متكاملة:
·          الحضور الفرنكوفوني داخل مختلف شبكات بث الصوت والصورة عبر قنوات ميديا الإذاعية والتلفزيونية، وعبر إدراج الأفلام الفرنسية ضمن المهرجانات والتظاهرات الثَّقافيَّة.
·          التعاون في توفير التكوين والتدريب المتخصص للعاملين في المجال السمعي البصري ودعم الإنتاج.
·          توفير منح دراسية وتدريبية في القطاع السمعي البصري، وعقد شراكات مع المهرجانات السينمائية في المغرب وفرنسا من أجل دعم التبادل المهني.
الفنون الحية:
·          تنهج السفارة الفرنسية سياسة نشيطة في توفير المنح الدراسية والتداريب للفنانين المغاربة الشباب في المجالات التالية: الموسيقى، الرقص، المسرح، الفن التشكيلي. كما تدعم السفارة الفرنسية تكوين الممثلين المغاربة الطلبة في المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثَّقافي. كما جددت دار الفنون بباريس منذ 2006 استقبالها للفنانين المغاربة بتنسيق مع وزارة الثَّقافة المغربية. ومنذ 2007 يشارك مكتب التعاون الثَّقافي التابع للسفارة الفرنسية في إعادة تأسيس التكوين الغنائي في المغرب.
·          تدعم السفارة الفرنسية عددا من معارض الفن التشكيلي، والموسيقى (الأُركسترا الفلهارمونية بالمغرب، وكورال الرباط، وبولفار الموسيقيين الشباب بالدار البيضاء)، والرقص المعاصر (عبر دعم المشروعات الإبداعية لمصممي الرقصات في مراكش والبيضاء.)
·          تعمل سفارة فرنسا على تقوية القدرة الاقتراحية للمؤسَّسات الثَّقافيَّة الفرنسية في ما يتعلق بعرض الإنتاجات الفرنسية في الفنون الحية. كما تدعم السفارة عددا من المهرجانات الثَّقافيَّة المغربية الكبرى كمهرجان الموسيقى المقدسة بفاس، ومهرجان موسيقى العالم وكناوة بالصويرة، ومهرجان تيمتار بأكادير. ومنذ 2006، فإن السفارة تدعم ملتقيات الرقص الدولي بمراكش التي تنظمها جمعية أنانيا.
التُّراث:
إن التعاون المغربي الفرنسي في مجال التُّراث يرتكز أساسًا على توفير الخبرات والاستشارات إضافة إلى توفير التكوين للعاملين بالمجال.
1)     التكوين المتخصص للعاملين في قطاع التُّراث: عبر توفر منح للدراسات العليا لطلبة المعهد الوطني العالي للآثار والتُّراث. بالإضافة إلى عقد شراكة سنة 2004 من أجل تكوين مموني الأعمال الفنية، وكذا إعداد خطة للتكوين المستمر لمحافظي المتاحف المغربية منذ سنة 2008.
2)     التعاون في قطاعات مختلفة مرتبطة بالتُّراث:
3)     الأركيولوجيا: اتفاقية سنة 2008 تهدف إلى تحسين إدارة وتدبير المواقع الأثرية، وذلك بتعاون مع مديرية التُّراث في وزارة الثَّقافة والاتصال الفرنسية.
4)     المتاحف: الاتفاقية مع مديرية التُّراث بوزارة الثَّقافة المغربية تم توسيعها لتشمل قطاع المتاحف وتجهيز المشروعات الجارية: متحف الأركيولوجيا ومتحف الفنون المعاصرة بالرباط، متاحف فاس، مكناس ومراكش.
5)     الجرد: الإعلان سنة 2008 عن برنامج للبحث يهدف إلى جرد وتوثيق وحماية الفنون الشعبية مع التركيز على التُّراث غير المادي.
   السياسات الثَّقافيَّة داخل القطاعات المستقلَّة
علاوة على القطاعات الحكومية التي أشرنا إليها سابقا، فإننا نجد مؤسَّسات عمومية ثقافيَّة مستقلَّة منها ما يعمل تحت وصاية وزارة الثَّقافة ومنها ما هو خاضع مباشرة للدولة وهي:
- المسرح الوطني محمد الخامس (ظهير رقم 1.72.293 بتاريخ 22 فبراير 1973 ج.ر. عدد 3151 لـ21 مارس 1973 كما تم تغييره بمرسوم رقم 1.74.326 ج.ر. عدد 3283 لـفاتح أكتوبر 1975) الذي يعمل تحت وصاية وزارة الثَّقافة ويقوم بمختلف الأعمال التي تساعد على ازدهار المسرح وتطوره بما في ذلك التكوين الفني والتقني.
- المكتبة الوطنية للمملكة المغربية (قانون رقم 67.99 ج.ر, عدد 5171 لـ22 ديسمبر 2003) التي تعمل مباشرة تحت وصاية الدولة ومن بين مهامها جمع ومعالجة وحفظ ونشر الرصيد الوثائقي الوطني، التكفل بتلقي وتدبير الإيداع القانوني.
- المعهد الوطني لعلوم الآثار والتُّراث (مرسوم رقم 2.83.705 بتاريخ 31 يناير 1985 ج.ر. عدد 3677 لـ13 مارس 1985) التابع لوزارة الثَّقافة ويقوم بتكوين أطر في علوم الآثار والتُّراث وعلم المتاحف وكذا في مختلف الميادين المتصلة بالمعالم التاريخية والمواقع.
- المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثَّقافي (مرسوم رقم 2.83.706 بتاريخ 18 يناير 1985 ج.ر. عدد 3773 لـ20 فبراير 1985) التابع لوزارة الثَّقافة والذي يعهد له تكوين الأطر المسرحية في مختلف التقنيات التي لها ارتباط بالميدان المسرحي وتكوين الأطر للأنشطة الثَّقافيَّة والفنية وكذا القيام بالبحث العلمي في هذه المجالات.
- المعهد الوطني للفنون الجميلة (مرسوم رقم 2.93.135 بتاريخ 29 أبريل 1993 ج.ر. عدد 4203 لـ19 ماي 1993) التابع لوزارة الثَّقافة الذي يناط به تكوين الأطر العليا قي مجالات الفنون التشكيلية والتطبيقية.
- معاهد الموسيقي وفنون الرقص (مرسوم رقم 2.82.416 بتاريخ 18 يناير 1985 ج.ر. عدد 3810 لـنوفمبر 1985 كما تم تغييره بمرسوم رقم 2.92.609 بتاريخ 26 ماي 1993 ج.ر. عدد 18 أغسطس 1993) التابعة لوزارة الثَّقافة ويعهد إليها التأهيل في ميادين الموسيقى العالمية والموسيقى التقليدية والرقص بجميع أنواعه.
                   7.2. السياسات الثَّقافيَّة داخل القطاع الخاص
التطرق إلى السياسة الثَّقافيَّة داخل القطاع الخاص يدفعنا حتما إلى الحديث عن مسألة الرعاية. إن الرعاية (mécénat) في التشريع المغربي تخضع إلى القوانين المنظمة لاعتمادات الاستثمار من الناحية الضريبية إذ لا تعتبر مساعدة مهدورة بل تدخل في إطار الاستثمار المنتج بالنسبة إلى المؤسَّسات المانحة (الراعية). لذا، ما يسمى أحيانًا بـSponsoring يبقى في الاستعمال المغربي فقط كمصطلح إشهاري للدعاية والتسويق (Marketing) بدلا من استعمال كلمة Mécénat.
إن الرعاية بالمغرب ليست وليدة السياق الحالي بل ترجع إلى قرون ولت مع ظهور ما يسمى بنظام الأحباس (انظر الفصل الأول) (Habous) - أحد مكونات السلطة - حيث كان يحصر "الرعاية" في الهبات (Dons) المقدم من طرف الخواص لدعم مؤسَّسات دينية التي تحولت مع مرور الزمان إلى مؤسَّسة راعية حقيقية تتدخل في صيانة النافورات العمومية أو تزويدها بالماء، وصولا إلى العمل على التقليل من حدة الفقر، مرورا بمحو الأمية. أما بالنسبة إلى مجال الثَّقافة، فإن مؤسَّسة الأحباس هذه، كانت تهتم بتكوين المكتبات، وهكذا نجد السلطان أبو عنان المريني قد أقام في القرن الرابع عشر بالقرويين قاعة لاحتواء المئات من المخطوطات المأخوذة من قصره وفي بداية القرن الخامس عشر وهب أبو الحسن الأشعري من ماله الخاص من أجل بناء مكتبة بمدينة سبتة، الموجودة على ساحل المتوسط بشمال المغرب، كما زودها بكتب نادرة كهبة للأحباس. في سنة 1630 بنى الشيخ محمد ابن الناصر على أرضه مكتبة بقرية تامغروت (Tamgrout) قرب مدينة زاكورة (Zagora) بجنوب المغرب، والتي اشتهرت باحتوائها لـ4200 مخطوط ليهب كل هذا إلى الأحباس.
أما حاليًّا فإن رعاية الثَّقافة (mécénat culturel) تدخل في مهام قسم التعاون بوزارة الثَّقافة كما ينص على ذلك القرار الوزاري رقم 1522.06 بتاريج 11 نونبر 2006 (ج.ر. عدد 5486 لـ28 ديسمبر 2006). فالرعاية تشكل حاليًّا وسيلة ذات أهميَّة كبرى في تمويل الأنشطة الثَّقافيَّة وتتيح في نفس الوقت للمؤسَّسة الراعية ترجمة سياستها التواصلية. وتعتبر الفنون التشكيلية بالمغرب الأكثر استفادة من رعاية المؤسَّسات الخاصَّة وتليها الموسيقى وبخاصَّة عندما يتعلق الأمر بالمهرجانات، أما الكتاب فقليلا ما يحظى من أعمال الرعاية.
رغم وجود رعاية العمل الثَّقافي بالمغرب فإن الرعاية الثَّقافيَّة تعاني من فراغ قانوني وضريبي يحمي الثَّقافة من تجاوزات بعض الراعين يحول دون تسخيرها لأغراض محض تجارية تفرغها من قيمتها الحقيقية وأهدافها النبيلة.
في ما يخص الإنجازات الثَّقافيَّة الخصوصية خارج الرعاية فإن القطاع السوسيو اقتصادي المغربي يزخر بعديد من المؤسَّسات (Fondations) الثَّقافيَّة الخاصَّة بنكية منها، صناعية أو أشخاص، تملك فضاءات خاصَّة للتنشيط الثَّقافي من متاحف وأروقة العروض ومكتبات وفاعلين خواص في قطاع السمعي البصري إلخ، انظر الفصل السادس، فقرة 6.6 و7.6.

Previous Post Next Post