الصحوة البيئية للمجتمع :
البشري محتاج الى صحوة بيئية للمجتمع العالمي يلقى على عاتقه مهام أوسع وأشمل مما تم في جميع المراحل السابقة لتطور سلوك الانسان. ولكي تكلل الصحوة البيئية بالنجاح فلابد ان تتوافر لها ظروف معينة أهمها : 
1.    الحد من الزيادة السكانية وخلق توازن بين النظم البيئية التي يتواجدون فيها .
2.    نبذ الموارد الاحفورية والتقليدية التي تترك أثاراً مدمرة على البيئة والعمل على اكتشاف موارد بديلة لا يؤدي استغلالها الى اثار جانبية مدمرة .
3.    ان يكون ايقاع هذه المرحلة أسرع من أيقاع المراحل السابقة والتغيرات التي حدثت فيها، أي يجب ان تتم في بضع عشرات من السنين .
4.    العمل على اعادة تاهيل النظم البيئية المتدهورة وانشاء محميات المحيط الحيوي .
وأهم ما يميز هذه المرحلة و اداراك الانسان انه لا يصلح التطور تطور... بل سلوك حكيم، سلوك مبني على تواضع الانسان ووعيه لواجباته وما عليه. والانسان في أمس الحاجة الى مثل هذا السلوك بعد ان دخل الان عصر التطور التكنولوجي السريع وثورة المعلومات .
فكما كان معيار التقدم في الثورة الزراعية هو زيادة انتاج الحاصلات الزراعية حيث تم توفير فائض من الغذاء، وكذلك كان معيار التقدم الصناعي هو زيادة أنتاج المواد الاولية والسلع المصنعة، فاننا سوف نحكم على نجاح الثورة البيئية والتكنولوجية بقدرتهما على دفع الاقتصاد العالمي في طريق تنمية بيئية مستديمة .
وهذا الطريق يؤدي الى أمن اقتصادي وبيئي أكبر وأساليب صحية أفضل وتحسين ظروف تواجد الانسان على المستوى العالمي. ويجب النظر الى الصحوة البيئية في معناها الاساسي بانها ثورة اجتماعية نتاج قيم متغيرة ورؤيتنا أنفسنا وتطور سلوكياتنا مرة اخرى بحيث يكون الانسان جزءاً من الطبيعة بدلاً من ان يكون متميزاً عنها حيث ثبت ان التطور لا يصلح البيئة بقدر ما يدمرها. فالمسألة هي البحث عن سلوك اخر بحيث يعي الانسان ما له وما عليه .
وهكذا بدأ الانسان حياته على الارض وهمه الاكبر حماية نفسه من غوائل الطبيعة ولاسيما ما يعيشه مع حيوانات مفترسة وكائنات تسبب له المرض وظروف بيئية تؤدي به الى الهلاك، وانتهت علاقة الانسان بالبيئة في الوقت الراهن وهمه الاكبر حماية البيئة من أخطار تدخلاته المتعددة بعد ان نسى العلاقات الاساسية التي تربطه بالبيئة الطبيعية ظناً منه ان البيئة المصنوعة بفعل الانسان هي كل شيء. وقد نسى الانسان انه عنصر مكمل لعناصر البيئة واعتبرها مخزناً ضخماً للثروة فأطلق لقدراته العنان لاستغلال امكاناتها والسيطرة عليها، مما أدى الى ظهور مشكلات بيئية تكاد تذهب بحياته من على كوكب الارض. ومن هنا نجد ان بين حماية الانسان من غوائل البيئة وحماية البيئة من فعل الانسان يمتد معيار التخلف والتقدم .
وقد بنيت علاقة الانسان بالبيئة على ثلاثة فروض :
1.    الحتمية Determinism : حيث اعتمدت العلاقة على ان الانسان تؤثر فيه البيئة التي يعيش فيها وبالتالي يعد الانسان نتاج البيئة التي توجه فكره ونشاطه وطبيعة عمله، أي يتاثر الانسان بالبيئة اكثر مما يؤثر فيها .
2.    الامكانية Possibilism : حيث توفر البيئة للانسان عدداً من الاختيارات وعليه ان يختار ما يناسبه بما يتماشى مع امكانياته وتقاليده. ومعنى ذلك ان الانسان هو مهندس البيئة والمسيطر عليها بنوعية حضارته (زراعية، صناعية، تقنية.....) .
3.    الاحتمالية Probabilism : وهي علاقة قائمة على الاحتمالات التي من الممكن ان تكون حتمية نتيجة تغلب ظروف البيئة على الانسان، او امكانية حيث يتغلب الانسان على معوقات ومشاكل البيئة .
لقد مر الانسان باحقاب زمنية توالت على أسلافه منذ عشرات الاف السنين، وكان للبيئة نفوذ عليه، خاصة في المراحل الاولية، ولكن ليس معنى هذا ان سلطان البيئة سيد الانسان على الدوام او حتى العصور الحديثة. فالواقع ان الانسان تعرض للعديد من الظروف التي استطاع ان يتلائم معها فسيولوجيا وسيكولوجيا وسلوكيا، وكان ذلك بدرجات وفقاً للمعطيات الطبيعية من جهة، ولإمكانات الانسان وقدراته من جهة أخرى .
ولعل من أهم وسائل المحافظة على البيئة وحمايتها ما يلي :
1.    تقليل استنزاف الموارد الطبيعية عن طريق ايجاد وسائل تقنية حديثة، واعادة الاستفادة من الموارد والبحث عن موارد بديلة .
2.    معالجة التلوث الناتج عن أنشطة الانسان المختلفة الى درجة تمكن البيئة من التخلص من التلوث عن طريق التنقية الذاتية .
3.    رفع انتاجية الاراضي الزراعية والعشبية والرعوية، وذلك من خلال الحد من التوسع العمراني وانشاء الطرق في الاراضي الزراعية .
4.    المحافظة على الحيوانات والنباتات وتحسين النوعية ولاسيما المهددة بالانقراض .
5.    تحميل مسببي التلوث مسؤولية معالجة التلوث الناتج عنهم .
6.    ضرورة التوعية البيئية للمواطن والاهتمام ببرامج التربية البيئية لزيادة تحميل المسؤولية الفردية لحماية البيئة .
7.    اعتماد أساليب التخطيط البيئي الشامل في جميع الانشطة البشرية .
8.    زيادة التعاون وتبادل المعلومات والخبرات بين جميع الدول في مجال البيئة .
9.    أستعمال مصادر بديلة للطاقة كالطاقة الشمسية، طاقة الرياح وغيرها وذلك للحد من استنزاف الوقود الاحفوري والحد من التلوث .
10.         أستعمال المواد الكيميائية التي تتحلل بسهولة ولا تتراكم في البيئة .
11.         انشاء العديد من المعاهد العلمية والمنظمات والجمعيات والمؤتمرات البيئية والعمل على الالتزام بالاتفاقيات والمواثيق الدولية المتعلقة بحماية البيئة .
وقد أدت المشكلات البيئية المتزايدة الى ظهور وعي بيئي لدى حكومات ومواطني الدول المتقدمة، حيث تم انشاء العديد من المؤسسات والمعاهد العلمية لدراسة مختلف المواضيع البيئية، بالإضافة الى تأسيس الاحزاب السياسية التي جعلت من أهم أهدافها حماية وصيانة البيئة والانسان .
كما انعكست الاهتمامات العالمية للبيئة على منظمة الامم المتحدة التي عقدت أول وأهم مؤتمر عالمي للبيئة في استوكهولم- السويد سنة 1972 لبحث العديد من المواضيع التي تتعلق بالبيئة. وقد شاركت بعض الدول العربية بالمؤتمر، وقدمت دول العالم الصناعي تقارير عن أوضاع البيئة في بلادها، بالاضافة الى برامج للمحافظة على البيئة. ولم تشارك بعض دول العالم الثالث في هذا المؤتمر لاعتقادها في ذلك الوقت ان خطط حماية البيئة التي اعلنت عنها الدول المتقدمة ستؤدي الى تعطيل نمو الصناعات فيها، وان مشاكل البيئة عبارة عن قضايا ثانوية وهامشية. وقد تبع هذا المؤتمر العديد من المؤتمرات العالمية مثل مؤتمر بلغراد وتبليس والتي ركزت على ضرورة انقاذ البيئة من جميع أشكال التلوث، وحماية المصادر الطبيعية للاجيال القادمة .
وفي سنة 1992، أنعقد مؤتمر الامم المتحدة للبيئة والتنمية، او قمة الارض (كما سميت) في
مدينة ريودي جانيرو- البرازيل, بهدف اتخاذ الاجراءات المناسبة لتبني السياسات لايقاف التدهور البيئي على كوكب الارض ومعالجة الاضرار التي لحقت به، ويعد هذا المؤتمر أكبر تجمع عالمي عرفته الامم المتحدة منذ انشائها. ومن ابرز النقاط التي كانت مدار البحث، اعلان ريو واجندة القرن الحادي والعشرين، بالاضافة الى اتفاقيتين دوليتين تتعلقان بتغير المناخ والتنوع الحيوي .
لقد اتسع علم البيئة وتعددت فروعه ونشط الباحثون في كل أنحاء العالم وأنتشرت كذلك مراكز أبحاث البيئة والمحميات الطبيعية، ومع تفاقم مشاكل البيئة في عصرنا الحاضر تدخل الاقتصاديون والساسة كمحاولة للسيطرة على هذه المشاكل فأقاموا المؤتمرات البيئية العالمية والجمعيات البيئية التي تنادي بوقف التلوث واصلاح ما تم تدميره في النظام البيئي.
لذا فقد تكوّن عصراً ما يمكن تسميته بـ (عصر البيئة- The Ecology)، فقد أنتشرت المعلومات البيئية في كل وسائل الاتصالات المعروفة لتصل الى كل مواطن وتحثه على المشاركة في حماية ممتلكاتنا البيئية على كوكب الارض .
وكغيرها من الدول، اخذ العراق يهتم بشؤون البيئة، حيث ركزت الحكومات المتعقبة على هذا الجانب بشكل مقبول، ولكن ما حدث خلال المدة 1968-2003 هو تدمير ممنهج لبيئة العراق على يد اناس جهلوا اهمية وقيمة البيئة العراقية واثرها في المنطقة ككل، وفي عام 1986 تأسست دائرة حماية وتحسين البيئة والحقت بوزارة الصحة العراقية، كما تم تأسيس مجلس اعلى للبيئة والعديد من المؤسسات والجمعيات العاملة في مختلف المجالات البيئية، ولكنها لم تستطع العمل بسبب انفراد السلطة آنذاك بتنفيذ القرارات وفق ما تقتضيه مصلحتها الخاصة، وفيما بعد عام 2003 ، أدخلت المناهج والتخصصات البيئية في المعاهد والجامعات العراقية، وتأسست وزارة البيئة كوزارة تعنى بكافة الامور البيئية في العراق، وتم اقرار قانون البيئة العراقي سنة 2008، وساهمت الوزارة بدورها الرقابي في حماية البيئة العراقية بكل الامكانات المتاحة .


فرضية (جايا) The Gaia Hypothesis والحفاظ على كوكب الارض
لقد تمكن العلماء، بفضل التكنولوجيا الحديثة من اكتشاف ان المبيدات الحشرية وبقايا المواد شديدة السمية موجودة في أجساد الكائنات الحية في جميع بقاع الكرة الارضية من البطريق في قارة أنتركتيكا (القارة القطبية الشمالية) حتى لبن الام في اغلب دول العالم .
ولفظ " Gaia" في اللغة الاغريقية يشير الى المعبودة الاله " الارض الام Mother Earth"، وفي عام 1979 قدم "لوفلوك" ما يعرف "بفرضية جايا"، وينص الفرض على ان الغلاف الحيوي كيان ذاتي التنظيم وله القدرة على الحفاظ على كوكب الارض في حالة صحية عن طريق السيطرة على البيئة الفيزيائية والكيميائية، و بعبارة اخرى يمكن اعتبار الكرة الارضية نظام بيئي عملاق يتميز بالعديد من الوظائف المتداخلة والمتفاعلة واليات تغذية استرجاعية تلطف درجة حرارة الارض وتحفظ التركيب الكيميائي للغلاف الجوي والبحار في درجات ثابتة تقريباً، ويلعب مجتمع الكائنات الحية دوراً رئيسياً في الاتزان البدني للغلاف الحيوي، وقد بدأت الكائنات الحية في السيطرة على اتزان النظام بمجرد ظهورها منذ أكثر من ثلاثة الاف مليون عام .
اما الفرض، المقابل لفرضية جايا، فيقضي بان العوامل الجيولوجية (غير الحية) هي التي أنتجت الظرف المناسب للحياة، وان وظيفة الحياة (الكائنات الحية) تقتصر على التكيف للظروف الفيزيائية وتغيراتها .
والسؤال الذي طرحه أودام Odum هل الظروف الفيزيائية هي التي تتغير أولاً ثم تتبعها تغيرات في الحياة (الكائنات الحية) ام ان التغيرات الفيزيائية والبيولوجية تتطوران او تحدثان بشكل متواز؟
يتفق أكثر العلماء على ان الغلاف الجوي تكون من قلب الارض شديد السخونة خلال البراكين في ظاهرة تعرف عند الجيولوجيين بظاهرة خروج الغازات. وبينما كانت البراكين مستمرة في التاثير على المناخ، تكون الغلاف الجوي الثانوي، الذي نعيش فيه الان عن طريق عمليات بيولوجية (الغلاف الجوي كان مختزلا، غير محتوي على الاوكسجين، ومع ظهور الكائنات الحية ذاتية التغذية- النباتات- بدأ الغلاف الجوي المؤكسد المحتوي على الاوكسجين نتيجة عملية البناء الضوئي، حتى اتزنت نسب مكونات الغلاف الجوي كما نعرفها اليوم) .
وبعد ظهور الاوكسجين في الغلاف الجوي بدأت الكائنات الحية هوائية التنفس (التي تتنفس الاوكسجين) في الظهور وانحسرت الكائنات اللاهوائية في مستويات التربة الخالية من الاوكسجين والمواد المترسبة لتواصل حياتها وتلعب دوراً أساسياً في الانظمة البيئية.
هذا بالإضافة الى انه من المحتمل ان تبريد الارض نتج من خفض تركيز ثاني اوكسيد الكاربون عن طريق الكائنات البحرية المكونة للحجر الجيري .
وبمقارنة الغلاف الجوي لكوكب الارض وكوكب الزهرة وكوكب المريخ، نجد ان كوكب الارض يتميز بتركيز شديد الانخفاض من ثاني اوكسيد الكاربون وتركيز مرتفع من النيتروجين والاوكسجين على عكس الكوكبين القريبين حيث تصل نسبة ثاني اوكسيد الكاربون الى 95% في المريخ و96.6% في الزهرة. ولما كانت عملية البناء الضوئي، وهي عملية حيوية هي السبب الرئيسي في تاكسد الغلاف الجوي للارض، واحتوائه على نسيب بسيطة جداً من ثاني اوكسيد الكاربون يرجع الى انشطة الكائنات البحرية، المكونة للحجر الجيري، فان هذا يرجح فرضية جايا في ان الكرة الارضية نظام بيئي عملاق وان الغلاف الحيوي لديه القدرة على الحفاظ على كوكب الارض في حالة صحية وانه (الغلاف الحيوي، والكائنات الحية) تؤدي وظيفة اساسية في تلطيف درجة حرارة الارض والحفاظ على نسب ثابتة تقريبا للمكونات الكيميائية في الغلاف الجوي والغلاف المائي .


-         النظام البيئي التكنولوجي Technoecosystem :
لقد أدى وجود المدن والمجتمعات الصناعية الحديثة الى تاثيرات واضحة على أنظمة دعم الحياة الطبيعية وأدى الى ايجاد ما يعرف بالنظام البيئي التكنولوجي. واعتبر (أودام Odum) ان الانظمة التكنولوجية "طفيليات" على الانظمة الطبيعية، وذلك من وجهة نظر بيئية محضة، فالانظمة البيئية التكنولوجية تشتمل على استخدام تقنيات متطورة وكم هائل من مصادر الطاقة .
ومن المعروف ان انسان ما قبل الثورة الصناعية كان جزءاً من النظام البيئي ولم يكن معزولاً أو مميزاً عن النظام البيئي الطبيعي. والمجتمعات الزراعية – مجتمعات ما قبل الصناعة- والتي لا تزال متواجدة في بعض اجزاء العالم، ما زالت متوائمة مع أنظمة البيئة الطبيعية الى حد بعيد بل انها أحيانا تثري المسطحات الطبيعية، هذا بالاضافة الى دورها الاساسي في الامداد بالغذاء.
ومع تزايد استخدام الوقود الاحفوري (البترول، الفحم، الغاز الطبيعي) والوقود النووي كمصادر للطاقة ومع نمو المدن والتحولات في تاريخ الاقتصاد البشري تغيرت الصورة تماماً، ومن ثم، أدخل العالم Naveh عام 2000 مصطلح " النظام البيئي البشري- Total Human Ecosystem"  . ويوضح الشكل (4) نموذجا لهذا النظام الجديد حيث يظهر المدخلات من طاقة (الوقود الاحفوي، اليورانيوم، المصادر الطبيعية الاخرى) الى المدن في النظام البيئي البشري ومخرجات هذا النظام (مجتمعات صناعية عمرانية وبضائع وخدمات) وأخيراً مخرجات من ملوثات الماء والهواء ومخلفات صلبة وطاقة .
ان المدن الحديثة تعتبر مكون أساسي من النظام البيئي التكنولوجي وهي ايضا نقاط طاقة ساخنة في النظام، وهي تحتاج لكم هائل من الطاقة والمنتجات الزراعية لتلبية احتاجاتها. فالمدن الحديثة لا تنتج غذاء، ولكنها تضخ كميات كبيرة من النفايات التي تؤثر على المسطحات القروية والمسطحات الطبيعية وكتل او متجمعات المياه. ان المدن تضخ الاموال لشراء بعض المصادر الطبيعية، ولكن المدينة تحتوي أيضاً على العديد من الاشياء غير المتاحة للمجتمع القروي مثل الجامعات والمراكز العلمية والمتاحف الضخمة وغيرها، واذا استمر الوضع كما هو عليه وظلت المدينة "كالطفيل" فسوف يؤدي هذا حتماً الى تدهور شديد، فالطفيل الذي يستهلك عائلة حتى اخر قطرة سوف يقضي على عائلة وسوف يموت هو ايضاً في النهاية .

نموذج لبيان العلاقة بين النظام البيئي التكنولوجي والنظام البيئي الطبيعي متضمناً حركة الاموال $، ويوضح الشكل ان النظام التكنولوجي يحتاج الى البضائع والمواد الاولية من الانظمة الطبيعية حتى تستمر بيئة الانسان بالحياة

-         النظام البيئي الصناعي العمراني التكنولوجي Urban Industrial Technoecosystem :
يمكن اعتبار المدن والمناطق السكنية ومناطق النمو الصناعي أنظمة بيئية تكنولوجية. انها بالفعل مناطق صغيرة بالنسبة لمساحة الكرة الارضية، ولكنها جزء لاستهلاك وانتاج الطاقة في مسطحات الانظمة الطبيعية والزراعية. ومن وجهة نظر مصادر دعم الحياة، وكما ذكرنا سابقاً يمكن اعتبار المناطق الصناعية "طفيليات" على المحيط الحيوي او في عبارة اخرى- تلك المدن طفيليات على مصادر دعم الحياة.
من سوء الحظ ان العديد من المدن اليوم غير منظمة وعشوائية ويهاجر اليها الناس للبحث عن حياة اقتصادية وخدمات أفضل. ويتسع نمو المدن بمعدلات عالية في الدول النامية، فنجد ان تعداد السكان وصل الى 25 مليون فرد في مدينة ساوباولو ونفس التعداد في مدينة مكسيكو سيتي عام 2000 . اما القاهرة فبلغ عدد سكانها نحو 11 مليون عام 1996 ، منهم نحو 3.7 مليون يعيشون في تجمعات عشوائية وأحياء مهملة.
ومن المدن الصناعية شديدة الازدحام طوكيو ونيويورك، ويرى بعض العلماء أنه بحلول عام 2010 سوف يعيش ما بين 50% الى 80% من سكان العالم في المدن (طبقاً الى تقرير الامم المتحدة عن نمو المدن العملاقة والمستقبل- الصادر عام 1994) . ان النمو السريع وغير المخطط للمدن سوف يؤدي الى المزيد من تردي الوضع البيئي.
ومن فيجب اشراك المواطنين في التخطيط لمدن المستقبل. ان النظرة الغالبة الى المدن تنظر اليها فقط من وجه نظر البنية التحتية ومعدلات البطالة والجريمة والفقر والشكل المعماري للمدن، ...... وما الى ذلك، ولكن علماء البيئة يؤكدون على ان مدن المستقبل يجب ان تنشأ على أسس متضمنة، بل ومحتضنة لما يقره ويفرضه علم بيئة المسطحات، وليست مجرد انشاءات وبنية تحتية فقط .
توضح النماذج التطبيقية اليوم  كيفية تكامل الجوانب الاقتصادية مع رأس المال الطبيعي (الثروة الطبيعية) في منطقة عمرانية. ان التوسع العمراني وتجديد المدن سوف يعتمد في المستقبل أكثر وأكثر على اعادة ربط المدينة بمناطق وبيئات دعم الحياة الطبيعية حيث ان الطفيل (ويقصد هنا المدينة) يمكن ان يستمر وينمو وينتعش طالما ان عائلته (البيئة الطبيعية) مستمر في حالة جيدة.

-         الانماط البديلة  Alternative Styles:
وهكذا، أصبحت القضية البيئية، بعد توضيح العلاقة بين مختلفة اطرافها، هي ايجاد أنماط انمائية بديلة تضمن استمرار التنمية بدون احداث تدهور بيئي وطرأ تغير كبير على التفكير الانمائي، فظهرت سلوكيات ومصطلحات جديدة مثل الانماط البديلة في التنمية، التنمية الايكولوجية، التنمية بدون تدمير ، واخيرا التنمية المستدامة وغيرها تعبيراً عن ادراك ان التنمية والبيئة مسألتان مترابطتان ترابطاً وثيقاً، وتدعم احداهما الاخرى والتحسن الذي يحصل للاولى يحصل للثانية، وتحسن وتطور المسألتين يعود بالمنفعة والخير على الانسان والمجتمع ، ومن هذا المنطلق تعزز مبدأ " الوقاية خير من العلاج" للتعامل مع القضايا البيئية الاخذة في الظهور، وبموازاة ذلك تحتم سلوك طريق التغيرات الجذرية في التخطيط للتنمية، بادماج الابعاد البيئية في عمليات التخطيط والانشاء. عبر اعتماد مبدأ الاثار البيئية للمشاريع والمنشأت وممارسته على الدوام، الى جانب التدقيق والمراجعة، واعادة التقييمات، لتعزيز الايجابيات ولتلافي المشكلات البيئية قبل حدوثها .
وبذلك أصبحت مشكلة البيئة والتنمية مشكلة المجتمع كله، الامر الذي يتطلب العمل من قبل جميع أفراد المجتمع ومؤسساته على احداث تغييرات في السلوكيات لترشيد استخدام الموارد الطبيعية المختلفة، وحماية البيئة من التلوث، وصون الطبيعة والحياة البرية، والحفاظ على الملكية العامة، واحترام حقوق الاخرين في العيش في بيئة هادئة ونظيفة .

واليوم ، فان مفهومي البيئة والتنمية لا يمكن فصلهما، بل يعتبران مرتبطان أرتباطاً لا يقبل التجزئة لأن التنمية لا يمكن ان تستمر على قاعدة موارد بيئية متدهورة، كما لا يمكن حماية البيئة واهمال الامور التنموية. ومن الضروري بمكان التركيز على أنه لا يمكن لاي جهة او هيئة دولية او محلية معالجة كل من هاتين المسألتين على حدة بمؤسسات وسياسات جزئية، بل على العكس، يجب النظر على انهما مرتبطتان في شبكة معقدة من الاسباب والنتائج فلا يمكن باسم المحافظة على البيئة ان نقف في وجه مشاريع التنمية، كما لا يمكن ان نعزو التلوث الى التنمية العقلانية، التي تراعي متطلبات الحفاظ على البيئة. ولكن المطلوب ان نحقق التنمية بلا تدمير للبيئة الانسانية .

Previous Post Next Post