إن من يقول فكرا يقول قبل كل شيء وعيا .لكن ما الوعي ؟ انك تعتقد تماما أنني لن أعرف  شيئا يتسم بمثل هذا الطابع الملموس ,وبمثل هذا  الحضور الدائم في تجربة كل واحد منا .
ولكن استطيع دون إعطاء تحديد للوعي أقل وضوحا منه ,أن أميزه بأكثر سماته بروزا:
يعني الوعي قبل كل شيء الذاكرة ,قد تفتقر الذاكرة إلى الاتساع ,وقد لا تشمل إلا قسما من الماضي ,وقد لا تحفظ إلا ما حصل من قريب .ولكن الذاكرة تكون موجودة ,وإلا فلن يكون الوعي موجودا فيها .فالوعي الذي لا يحفظ شيئا من ماضيه ,وينسى ذاته باستمرار يتلف ثم يعود في كل لحظة ..
ان كل وعي هو ذاكرة ,أي احتفاظ  بالماضي وتراكم في الحاضر,ولكن كل وعي هو استباق للمستقبل .انظر إلى توجه فكرك في أية لحظة ,وستجد انه يهتم بما هو قائم ,لكن من اجل ما سوف يكون, إن الانتباه هو انتظار ولا يوجد وعي بدون انتباه لحياة المستقبل . انه يوجد هناك ,وهو يدعونا ,بل انه يجرنا إليه .وهذا الجر لا ينقطع , يجعلنا نتقدم على طريق الزمن ..
لنقل إذا ,إن شئتم ,الوعي هو وصل بين ما كان وما سيكون ,بين الماضي والمستقبل 

من لا يحس لا يتعلم أي شيء ..
 ولأن المعنى المعقول هو عين الشيء الذي يدركه الحس في المحسوس ,يكون ضروريا ألا يتعلم أي شيء من لا يحس بأي شيء من جهة المعرفة والتفكير بالعقل ..
وهذا بالذات هو السبب الذي من أجله لو رأى العقل الذي هو فينا   شيئا ما  وفهمه لما فهمه في ذاته إلا مقترنا بخياله ,إذ إن الخيالات هي ضروب من المحسوسات للعقل ,وهي إليه في مقام المحسوسات ,عند غياب المحسوسات ولكنها لا هيولانية .

   أول موضوعة تدعونا لتفكيك تجربة حرية الإرادة واعتبارها مجرد وهم هي موضوعة اللاشعور.فالإحالة إلى اللاشعور معناه الإحالة على مستوى نفسي يفلت من وعينا ويعبر عن نفسه إما تعبيرا مرضيا (بعض الأمراض النفسية) أو في الحياة العادية (الأحلام ,فلتات اللسان ..) في خلسة من الوعي .
هكذا يكون سلوكنا ..خاضع لتأثير وفعل دوافع لاشعورية وليس لإرادة حرة يعتقد أنها تلقائية .
  الموضوعة الثانية هي اللاشعور الجماعي .. ومعناها أن سلوكنا خاضع ومتأثر أيضا ,دون وعي منا,بتربيتنا ووسطنا الاجتماعي ,فاللاوعي الاجتماعي هو ذلك القسم من حياتنا الذهنية الذي تخترقه قوى جماعية فاعلة في المجتمع .. وهو يخلق لدى عموم الناس ميولا وأذواقا وعادات استهلاكية ...
   والموضوعة الثالثة هي أن الحتمية تجعل من حرية  الاختيار والإرادة وهم تولده فينا بيولوجيتنا . نحن نعرف اليوم أكثر فأكثر أن بعض المواد الكيماوية التي تصنعها فينا جيناتنا ,يمكن أن تؤثر على مزاجنا وعلى سلوكنا.. التجارب تؤكد  أن العوامل والشروط البيولوجية يمكن أن تؤثر فينا وتشرط عضويتنا  ,بل  حتى تلك السلوكات التي تبدو  لنا في الظاهر أنها أكثر سلوكاتنا حرية . 

Previous Post Next Post