الـعـوامـل والأسـبـاب الـتـي أدت إلـى ضـرورة قـيـام الـدولـة ومـخـتـلـف الأنـظـمـة الـحـاكمـة. إذ يـتـمـيـز الإنـسـان عـن سـائـر المخـلـوقـات بـمـا وهـبـه الـلـه مـن مـواهـب رفـعـت مـن شـأنـه عن بـقـيـة المـخلـوقـات الأخرى " ولـقـد كرمـنـا بـنـى آدم وحمـلـنـاهـم في الـبـر والـبـحـر، ورزقـنـاهـم مـن الـطـيـبـات وفـضـلـنـاهـم عـلـى كـثـيـر مـمـن خـلـقــنـا تـفـضـيـلا ". الإسـراء، آيـة 70.
لـكـن الإنـسـان بـالإضـافـة إلـى الـعـقـل زوده الـلـه تـعـالـى بـالـعـواطـف والـغـرائـز، الـتـي تـحـفـظ كـيـانـه، وتـنـمّـى الـروح الاجـتـمـاعـيـة لـديـه، ومـن هـنـا فـالـفـرد لا يـعـيـش إلاّ داخـل مـجـتـمـع يـسـاهـم مـن خـلالـه بـمـا يـجـب عـلـيـه إتـجـاه نـفـسـه وجـمـاعـتـه الـتـي يـنـتـمـي إلـيـهـا ونـحـو الانـسـانـيـة عـامـة.
والإنـسـان مـهـمـا كـان بـحـاجـة إلـى غـيـره، ومـادام كـذلـك، فـلا بـد أن تـوجـد بـيـنـه وبـيـنـهـم عـلاقـات، تـسـتـلـزم تـقـابـل الـحـقـوق والـواجـبـات، وتـصـارع الـمـصـالـح وتـعـارضـهـا، الأمـر الـذي يـسـتـوجـب مـعـه وضـع الـحـدود وإقـامـة الأحـكـام.
فـالإنـسـان قـد يـسـاق وراء رغـبـاتـه وشـهـواتـه فـيـنـتـج عـلـى ذلـك الـظـلـم والـطـغـيـان والاسـتـبـداد، ويـنـطـبـق ذلـك أيـضـا عـلـى الـجـمـاعـة والأمـم والـشـعـوب الـتـي تـنـحـرف بـدورهـا عـن الـقـيـم الانـسـانـيـة.
الـمـجـتـمـع حـدث طـبـيـعـي تـفـرضـه انـسـانـيـة الإنـسـان اتـجـاه بـنـي جـنـسـه، فـهـو مـنـذ ولادتـه يـجـد نـفـسـه ضـمـن جـمـاعـة هـي الأسـرة أولا ثـم الـمـجـتـمـع حـيـث الـروابـط والـعـلاقـات الاجـتـمـاعـيـة، فـيـشـعـر غـريـزيـا أنـه مـشـدود إلـى هـذه الـروابـط، وبـقـدر مـايـنـمـو يـزداد الـشـعـور بـالارتـبـاط بـالـمـجـتـمـع.
كل هـذه الـعـوامـل تـفـرض وجـود مـجـتـمـع ووجـود هـيـئـة ( نـظـام ) يـتـولّـى تـنـظـيـم حـيـاة الأفـراد، أي وجـود ( دولـة ) ووجـود سـلـطـة تـعـمـل عـلـى تـحـقـيـق الانـسـجـام فـي الـحـيـاة الاجـتـمـاعـيـة، إذن فـالـدولـة لـيـسـت غـايـة وإنـمـا هـي وسـيـلـة.


مـفـهـوم الـدولـة والأمـة :

يـعـتـقـد الـبـعـض أن الـدولـة كـلـمـة تـطـلـق عـلـى كـل تـنـظـيـم سـيـاسـي مـهـمـا كـانـت صـورتـه، حـضـاريـة كـانـت أو بـدائـيـة، لـكـن الـحـقـيـقـة هـي أن الـجـمـاعـات الـبـدائـيـة لا يـرقـى تـنـظـيـمـهـا إلـى مـسـتـوى الـدولـة، لأن الـدولـة لاتـقـوم إلاّحـيـث تـكـون الـجـمـاعـة الـسـيـاسـيـة قـد وصـلـت إلـى درجـة مـن الـتـنـظـيـم يـجـعـل وجـودهـا مـسـتـقـلا عـن أشـخـاص الـحـكـم الـذيـن يـمـارسـون الـسـلـطـة فـيـهـا.
إن الـدولـة لـيـسـت مـجـرّد سـلـطـة فـي يـد الـحـكـام تـزول بـزوال أشـخـاصـهـم، بـل هـي شـخـص مـعـنـوي دائـم ومـسـتـقـل عـن الـحـكـم ويـسـمـو عـلـيـهـم، ولـذلـك عـرفـت  الـدولـة بـأنـهـا " مـجـمـوعـة كـبـيـرة مـن الـنـاس تـقـطـن عـلـى وجـه الـدوام والاسـتـقـرار إقـلـيـمًـا مـعـيَّـنّـا وتـتـمـتـع بـالـشـخـصـيـة الـمـعـنـويـة والـنـظـام والاسـتـقـلال ".

أركـان الـدولـة :
تـقـوم كـل دولـة عـلـى دعـائـم أسـاسـيـة هـي :
أ - وجود جـماعـة مـن الـنـاس وجـودًا يـتّـسـم بـالـتـرابـط والانـسـجـام والوحدة.
ب -وجـود إقـلـيـم تـمـارس عـلـيـه الـدولـة سـلـطـتـهـا وسـيـادتـهـا.
جـ - وجود سلـطـة علـيـا يخـضـع لـها جمـيـع الأفـراد الـمـكـونّـيـن لـلـدولة.

مـفـهـوم الأمـة :
الأمـة لـغـة جـمـاعـة مـن الـنـاس تـربـطـهـم صـفـات وعـادات مـتـجـانـسـة، وإصـطـلاحـا هـي : " مـجـتـمـع بـشـري ذو تـقـالـيـد مـعـيـنـة تـحـقـق وحـدتـه، وقـد عـرفـهـا " ريـنـان" بـقـولـه " هـي مـبـدأ روحـانـي مـكـوّن مـن عـنـصـريـن هـمـا : الـتـراث والـذكـريـات المـاضـيـة، والاتفـاق الحـالـي مع الـرغـبـة فـي الـعـيـش مـعًـا، وإرادة مـواصـلـة إثـراء الـتـراث ".

الـفـرق بـيـن الـدولـة والأمـة :
أهـم مـا يـمّـيـز الـدولـة الـسـيـادة، والـشـخـصـيـة الـقـانـونـيـة، وأهـم مـايـمـيـز الأمـة وجـود ثـقـافـة مـشـتـركـة تـنـمـو عـلـى مـر الـزمـن وتـعـيـش بـأهـداف واحـدة، ثـم أنـنـا نـلاحـظ فـي الـواقـع أمَـمًـا تـتـكـون مـن عـدة دول كـالأمـة الـعـربـيـة مـثـلا، ونـجـد أيـضـا دولا تـتـكـون مـن عـدة أمـم كـمـا هـو الـحـال فـي الـولايـات الـمـتـحـدة الأمـريـكـيـة وسـويـسـرا كـل هـذه الـفـروق تـؤكـد تـمـايـز الـدولـة والأمـة عـن بـعـضـهـا الـبـعـض.


2 – مـصـدر الـسـلـطـة وانـظـمـة الـحـكـم :

يـضـاف إلـى هـذا أن الـسـلـطـة تـتـراوح بـيـن الـقـوة والـضـعـف تـمـارس بـأسـالـيـب مـخـتـلـفـة، فـهـي مـطـلـقـة فـي الـنـظـام الـمـلـكـي، أو الـنـظـام الـفـردي، ولـم يـتـأت لـهـا ذلـك إلاّ بـعـد مـرورهـا بـشـيـخ الـقـبـيـلـة أو الأمـيـر أو الأقـطـاعـي، أو الأمـبـراطـور، وذلـك حـسـب سـلـطـة كـل واحـد مـن هـؤلاء، ومـدى اتـسـاع سـلـطـتـه، ولـكــن لـم تـدم طـويـلا، حـيـث رجـعت إلى الـشـعـب وهـذا مـا نـتـعـرض إلـيـه فـيمـا يـلي :

أ - أنـظـمـة الـحـكـم :
إذا نـظـرنـا إلـى مـخـتـلـف دول الـعـصـر الـحـديـث، تـجـد تـبـايـنـا جـوهـريـا بـيـنـهـا مـن حـيـث الـبـيـيـة، والـنـظـام الـسـيـاسـي، مـنـها : الـنـظـام الـمـلـكـي، الـنـظـام الـجـمـهـوري، الـنـظـام الاشـتـراكـي ولـكن رغـم ذلـك يـمـكـنـنـا تـقـسـيـم هـذه الأنـظـمـة إلـى قـسـمـيـن مـنـها :

أ - 1 - الـحـكـم الـفـردي :
وفـيـه تـتـركـز الـسـلـطـة بـيـد فـرد واحـد يـسـتـمـدهـا مـن قـوة خـارج الأفـراد ويـمـارسـهـا عـلـيـهـم، وهـذا الـمـصـدر سـلـطـتـه قـد تـكـون فـي قـوة نـفـوذه، أو بـأس أنـصـاره، أودهـائـه وقـد يـكـون بـحـكـم الـوراثـه، أو يـسـتـمـد سـلـطـتـه مـن الالـه، كـمـا كـان الـحـال فـي الـمـلـكـيـة الـمـطـلـقـة، وقـد سـاد هـذا الـحـكـم قـديـمـا فـي شـكـل مـلـكـيـة مـطـلـقـة، أوديـكـتــاتـوريـة، أوقـيـصـريـة، أو امـبـراطـوريـة.
مـنـاقـشـة :
 هـذا الـنّـوع مـن الـحـكـم يـمـنـح الـحـاكـم سـلـطـة مـطـلـقـة، ويـضـعـه فـوق الـقـانـون مـن جـهـة، ويـلـغـي حـريـة الأفـراد، ودورهـم فـي تـسـيـيـر شـؤون الـبـلاد مـن جـهـة أخـرى.
وإذا كـانـت الـدولـة قـد نـشـأت أسـاسـا لـحـمـايـة حـرّيـات الأفـراد وحـقـوقـهـم فـإنـهـا هـنـا لـم تـعـد تـقـوم بـهـذه الـوظــيـفـة، إنّـهـا حـادت عـن هـدفـهـا الأصـلـي، ولـعـلّ هـذا هـو الـسّـبـب الأسـاسـي الـذي أدّى إلـى ردّ فـعـل مـتـطـرف دعـا أصـحـابـه إلـى الـفـوضـويـة وإلـى إلـغـاء الـدولـة تـمـامًـا مـادامـت قـائـمـة عـلـى شـقـاء الـفـرد، ومـحـاربـتـه فـي طـبـيـعـتـه، بـدل أن تـكـون فـي خـدمـتـه.

أ - 2 - الـحـكـم الـجـمـاعـي :
1 - نـظـام الـحـكـم فـي الإسـلام :
الـولايـة فـي الـمـجـتـمـع الإسـلامـي لـيـسـت مـطـلـقـة، بـل هـي مـقـيـدة بـالـشـريـعـة الإسـلامـيـة وقـد جـاءت الـعـنـاصـر الـتـي تـحـدد شـكـل الـدولـة الإسـلامـيـة، فـي أول خـطـاب لأول خـلـيـفـة لـلـرسـول الأعـظـم حـيـث قـال : "أيّـهـا الـنـاس إنـي وُلّـيـتُ عـلـيـكـم ولـسـت بـخـيـركـم فـإن أحـسـنـتُ فـأعـيـنـونـي وإن أسـأت فـقـومـونـي، الـصـدق أمـانـة والـكـذب خـيـانـة والـضـعـيـف فـيـكـم قـوي عـنـدي حـتـى أربـح عـلـيـه حـقـه إن شـاء الـلـه والـقـوي فـيـكـم ضـعـيـف عـنـدي حـتـي أخـذ الـحـق مـنـه إن شـاء الـلـه، لايـدع قـوم الـجـهـاد فـي سـبـيـل الـلـه إلاّ ضـربـهـم الـلـه بـالـذّلّ ولا تـشـيـع الـفـاحـشـة فـي قـوم إلاّعـمَّـهـم الـلـه بـالـبـلاء.
أطـيـعـونـي مـا أطـعـت الـلـه ورسـولـه، فـإن عـصـيـت فـلاطـاعـة لـي عـلـيـكـم ". قـومـوا إلـى صـلاتـكـم يـرحـمـكـم الـلـه.
إذن فـالـقـراءة الـمـتـأنّـيـة لـهـذا الـخـطـاب تـجـعـلـنـا نـلاحـظ أن الـرئـاسـة فـي الـمـجـتـمـع الإسـلامـي لا تـمـنـع الـحـاكـم حـقًـا غـيـر عـاد فـوق حـقـوق أي فـرد مـهـمـا كـان، ويـمـكـنـنـا إسـتـنـتـاج ذلـك مـن قـولـه " إنـي ولـيـت عـلـيـكـم ولـسـت بـخـيـركـم ".
وفـي قـولـه " فـإن أحـسـنـت فـأعـيـنـونـي وإن أسـأت فـقـومـونـي وعـلـيـه فـإنـنـا نـلاحـظ :
أن الـنـقـد والـتـوّجـيـه مـن الـشـعـب عـامـل أسـاسـي وضـروري أمـا مـن نـاحـيـة إقـامـة الـعـدل ونـصـرة الـحـق، فـإن الإسـلام يـدعـوا الـحـاكـم إلـى الـتـمـسـك بـزمـام الـمـسـؤولـيـة لـجـعـل الـقـوة كـلّ الـقـوة لـسـلـطـان الـدولـة والـقـانـون، ويـحـثـهـم أيـضـا عـلـى عـدم تـرك الـجـهـاد فـي سـبـيـل الـلـه، لإن تـركـه يـعـنـي الـذل والـهـوان.
- أخـيـرًا : يـوضـح الـخـطـاب أن لاّ طـاعـة عـلـى الـشـعـب لـرئـيـس الـدولـة إذا خـرج عـن حـدود الـلـه والـشـريـعـة، وعـلـيـه يـمـكـن تـلـخـيـص دعـائـم الـحـكـم فـي الاسـلام فـيـمـا يـأتـي : - تـحـديـد سـلـطـات وواجـبـات رئـيـس الـدولـة فـي إطـار حـدود شـريـعـة الـلـه.
- قـيـام الـدولـة عـلـى الـشـورى تـطـبـيـقًـا لـقـولـه تـعـالـى : " وأمـرهـم شـورى بـيـنـهـم ".
- الـحـرّيـة بـالـمـفـهـوم الاجـتـمـاعـي ولـيـسـت الـحـريـة الـمـطـلـقـة.
- الـمـسـاواة الـنـسـبـيّـة فـي الـحـقـوق والـواجـبـات.
أمـا مـفـهـوم الـبـيـعـة فـي الاسـلام فـهـي تـعـنـي الـتـزام الـحـاكـم والـمـحـكـوم بـتـنـفـيـذ شـريـعـة الـلـه وعـدم الابـتـعـاد عـنـهـا عـكـس مـايـراه " هـوبـز " الـذي يـجـعـل مـنـه نـتـيـجـة لـتـنـازل الأفـراد عـن حـقـوقـهـم وحـريـاتـهـم لـلـمـلـك.

الـديـمـقـراطـيـة:
 تـعـنـي كـلـمـة ديـمـقـراطـيـة ( حـكـم الـشـعـب بـالـشـعـب ) والـديـمـقـراطـيـة نـظـريـة تـحـاول الـتـوفـيـق بـيـن فـكـرة الـحـريـة الـشـخـصـيـة وبـيـن الـتـقـيـد بـنـظـام الـدولـة أمـا الـسـلـطـة فـهـي بـيـد الـشـعـب، ولـذلـك فـهـي تـمـجّـد حـريـة الـفـرد الـفـكـريـة والـسـيـاسـيـة وتـحـمّـلـه مـسـوؤلـيـة تـسـيـيـر شـوون الـدولـة، وتـؤكـد عـلـى أن الـدولـة لـيـسـت مـتـعـالـيـة عـلـى الإنـسـان، بـل هـي وسـيـلـة ضـروريـة لـتـحـقـيـق، أمـانـي الإنـسـان وطـمـوحـه.
         فـالـدولـة عـنـد " روسـو " لـيـس لـهـا مـن هـدف سـوى تـحـقـيـق وضـمـان الـحـريـة والـعـدالـة الـلـتـيـن تـعـتـبـران مـن الـحـقـوق الـطـبـيـعـيـة لـلإنـسـان، ولـلـنـظـام الـديـمـقـراطـي صـورتـان .


الأولـى :
مـن حـيـث اشـتـراك الـشـعـب فـي الـسـلـطـة، وتـكـون إمـا ديـمـقـراطـيـة مـبـاشـرة يـمـارس فـيـهـا الـشـعـب الـحـكـم بـنـفـسـه دون وسـاطـة نـواب أو مـمـثـلـيـن، أو ديـمـقـراطـيـة غـيــر مـبـاشــرة  يـمـارس فـيـهـا الـشـعـب سلـطـتـه مـن خـلال نـواب يـنــتـخـبـون لـتـمـثــيـلـه فـي الـسـلـطـة.

الـثـانـيـة :
مـن حـيـث رئـيـس الـدولـة وهـو : إمّـا مـلـكـيـة دسـتـوريـة أو حـكـم جـمـهـوري.

مـنـاقـشـة :
رغـم تـمـجـيـد الـديـمـقـراطـيـة لـحـريـة الـفـرد ودعـوتـهـا إلـى الـمـسـاواة بـيـن الأفـراد دون أي تـمـيـيـز إلاّ أن تـطـبـيـق الـنـظـام الـديـمـقـراطـي فـي الـواقـع أدّى إلـى إنـحـصـار الـسـلـطـة فـي يـد الـبـورجـوازيـة وسـيـطـرة أربـاب الـمـال عـلـى الـدولـة، كـمـا أدّت إلـى ظـهـور الاسـتـغـلال والاغـتـراب فـي الـحـيـاة الاقـتـصـاديـة إن الـديـمـقـراطـيـة اهـتـمـت بـالـجـانـب الـسـيـاسـي، وأهـمـلـت الـجـانـب الاجـتـمـاعـي الـتـطبـيـقـي.

3 - الاشـتـراكـيـة :
دعـا أنـصـار الاشـتـراكـيـة إلـى الـمـسـاواة فـي الـجـانـبـيـن الاجـتـمـاعـي والاقـتـصـادي، وشـجّـعـوا الـمـلـكـيـة الـعـامـة لـوسـائـل الانـتـاج بـهـدف تـحـقـيـق الـعـدالـة الاجـتـمـاعـيـة، وألـقـوا بـذلـك عـلـى الـدولـة مـهـمـة تـحـقـيـق الـديـمـقـراطـيـة الاجـتـمـاعـيـة، ومـحـاربـة الاسـتـغـلال ونـشـر الـعـلـم والـعـلاج، وتـحـقـيـق الـتـوزيـع الـعـادل لـلـمـنـتـوجـات والـخـدمـات، لـكـن ذلـك تـطـلـب جـهـدًا كـبـيـرا مـن الأجـهـزة الـتـنـفـيـذيـة، واقـتـضـى قـيـام جـهـاز تـنـفـيـدي تـركـزت فـي يـده سـلـطـات واسـعـة.
مــنــاقــشــة :
ألـغـت الاشـتـراكـيـة حـقـوق الـفـرد الـطـبـيـعـيـة، وأدى تـطـبـيـقـهـا إلـى جـعـل الـديـمـقـراطـيـة وقـفـا عـلـى الـعـمـال دون غـيـرهـم، كـمـا جـاء إلـغـاء الـمـكـلـيـة الـخـاصـة مـنـاقـضـا لـلـفـطـرة الإنـسـانـيـة، ومـجـمّـد  لـلـمـبـادرات الـفـرديـة، ونـتـج عـن تـركـيـز الـسـلـطـات بـيـد الـجـهـاز الـتـنـفـيـذي نـشـوء وظـهـور الـكـثـيـر مـن الأمـراض الاجـتـمـاعـيـة والأخـلاقـيـة كـالـرشـوة والـمـحـسـوبـيـة والإهـمـال والـتـبـذيـر.
وهـكـذا نـجـد أن الـديـمـقـراطـيـة فـكـرة تـنـاقـض نـفـسـهـا سـواء قـامـت عـلـى الـمـبـدإ الـسـيـاسـي أو عـلـى الـمـبـدإ الاجـتـمـاعـي.


الـسـيـاسـة والأخـلاق والـمـجـتـمـع الـدولـى :

عـالـجـنـا فـي الـمـطـلـبـيـن الـسـابـقـيـن مـخـتـلـف الـصـور لأنـظـمـة الـحـكـم وعـلاقـة الـحـاكـم بـالـمـحـكـومـيـن.
وإذا تـصـفـحـنـا الـتـاريـخ الـبـشـري، نـجـد أن أغـلـب الـحـكّـام يـلـجـأون إلـى وسـائـل لـيـسـت أخـلاقـيـة بـهـدف الـسـيـطـرة وتـثـبـيـت الـسـلـطـة والاحـتـفـاظ بـهـا، ويـمـكـن مـلاحـظـة ذلـك فـي طـبـيـعــة الـعـلاقـة بـيـن الـدول، حـيـث تـخـضـع لـقـانـون الأقـوى الـذي بـمـوجـبـه يـفــرض الـقـوي سـيـطـرتـه عـلـى الـضّـعـيـف، الأمـر الـذي تـهـون مـعـه الـقـيـم الأخـلاقـيـة، وكـأن عـالـم الـسـيـاسـة عـالـم تـنـعـدم فـيـه الـقـيـم الأخـلاقـيـة، وهـذا مـا ذهـب إلـيـه " مـيـكـافـيـلـي " الـذي يـرى أن فـسـاد الـسـيـاسـة وتـدهـور الـعـمـل الـسـيـاسـي وانـحـلال الـدولـة يـعـود إلـى تـدخـل الـقـيـم الأخـلاقـيـة والـديـنـيـة وأن قـيـمـة الـفـعـل فـي الـمـجـال الـسـيـاسـي فـي نـتـائـجـه.
والـمـلاحـظ أيـضـا أن مـانـتـج عـن انـعـدام الـقـيـم الأخـلاقـيـة والـديـنـيـة فـي كـافـة الـمـجـالات بـمـا فـيـهـا الـمـجـال الـسـيـاسـي، إنـمـا هـو الـحـروب والـخـراب والـدّمـار وانـعـدام الأمـن والإسـتـقـرار.

والـنـتـيـجـة :
أنّـه لايـمـكـن الـحـديـث عـن الـمـجـتـمـع الـصّـالـح إلاّ إذا كـانـت الـعـلاقـة بـيـن الـحـاكـم والـمـحـكـوم تـقـوم عـلـى الـقـيـم الأخـلاقـيـة الـتـي تجـعل الـفـاعل يـقوم بالـفـعل وفـقًـا لـلـقـيـم الأخـلاقـيـة والـدّيـنـيـة.

Previous Post Next Post