طبيعة الزمن الروائي:‏
الزمن في الرواية زمنان: زمن داخلي، وزمن  خارجي. أما (الزمن الداخلي) فهو تخييلي نفسي، يبدأ في الجزء الأول من الثلاثية بجملة "الظلام يلفّ العالم في ليلٍ مدلهم، حيث يصطلي عزيز ناراً أوقدها في جحرٍٍ بالجبل الذي يستصلح مسطبة فيه لزراعتها، فالتراب في الجبل أغلى من الذهب". وينتهي الجزء الأول من الثلاثية بعودة عزيز (قائد عسكر)، بعد أن شارك في الثورة العربية الكبرى، وفي تحرير بلاد الشام من الأتراك. وكان هذا هو مهر حبيبته (شمس) ابنة الشيخ نواف. كما انتهت الثلاثية بتحرير سورية من الاستعمار الفرنسي، وقام عزيز الذي أصبح مقعداً على كرسيه، فرحاً بارتفاع العَلَم العربي على سارية المبنى الحكومي.‏
وأما (الزمن الخارجي) فهو تاريخي فيزيائي مأخوذ عن الساعات، ويمثّل ذاكرة البشرية، وينطلق في اتجاه واحد، نحو المستقبل. مؤكداً حتمية الموت الذي هو مآل كل كائن حي. وهو يبدأ في الثلاثية بحرب (السفر برلك)، وينتهي في نهاية الثلاثية بطرد المستعمر الفرنسي.‏
وإذا كانت النظرة المأساوية قد غلبت على روايات الأجيال (أو الروايات النهرية، أو الانسيابية) التي كانت تصور حركة الاضمحلال، وتمثل مأساوية المصير الإنساني ونهايته المحتومة، فأبطال زولا مثلاً في (أسرة ماكار) مسوقون عبر الزمن نحو نهاية تحددها الوراثة والبيئة واللحظة التاريخية. وكذلك أبطال دستويفسكي في (الإخوة كرامازوف) وغيرها ممن تظهر في رواياتهم وطأة القدر الذي يعمل عمله في هذه الأسر العريقة، ويدفعها إلى التفكك والتشتت، ويأتي هذا الهدم من داخلها، ويتجلّى في صورة فساد وانحراف يلمّ بالأجيال الناشئة نتيجة لانحلال المجتمع الذي يعيشون فيه، ويشكّلهم على شاكلته، فإن ثلاثية (الطريق إلى الشمس) تُغلب النظرة التفاؤلية على أحداثها، وأبطالها يتحدّون البيئة واللحظة التاريخية: فـ (شمس) تخرج على شرطها البيئي كابنة شيخ البادية، وتحب عزيزاً ابن الفلاح الذي هو أدنى منها مستوى اجتماعياً في نظر قبيلتها. ولكن (عزيزاً) أثبت لها ولوالدها جدارته حين أصبح (قائد عسكر) في الثورة العربية الكبرى، ومناضلا ًوطنياً في عهد الاستعمار الفرنسي. كما أصبح ابنهما (الأخضر) طبيباً. وتزوجت ابنتهما (بدور). وقام عزيز ومشى بعد أن أصبح مقعداً بسبب العمليات الفدائية التي كان قد نفّذها ضد المحتلين الفرنسيين. وهكذا تبدو الأسرة في ازدياد وتنامٍ ونجاحٍ مطرد، على العكس من نهايات روايات الأجيال الغربية.‏
هل للمجتمع علاقة بهذا الأمر؟ وهل للمرحلة التاريخية علاقة بهذا النجاح؟‏
على العكس من ذلك فقد كان المجتمع قامعاً للفرد من قبل السلطة المحتلة، وكانت المرحلة التاريخية مرحلة صراع. وقد استجاب أبطال الثلاثية لهذه التحديات جميعاً، وتجاوزوا هذه المثبطات، وانتصروا على العوائق كلها، وحتى الشخصيات الثانوية قامت بدورها المنوط بها: (فالبطحيش) البطل الشعبي الذي كان يقوم بتنفيذ العمليات الفدائية في حوران أصبح أسطورة في البطولة في منطقته، و(عوّاد) الصبي الفقير الذي كافح بعصامية ودرس، أصبح محامياً...‏

Previous Post Next Post