إنشاء البحث التاريخي
من خطوات المنهج التاريخي هي خطوة التدوين والتي تتضمن عمليتين يجب التفريق بينهما:
(1) عملية الصياغة التاريخية
يهدف المؤرخ من  الصياغة التاريخية الى التعبير عن نتائج بحثه. وهي تقابل في العلوم المجردة (القوانين) التي تصاغ أحيان (صياغة رياضية) أما في المنهجية التناريخية فالنتائج تصاغ (صياغة وصفية) وتكون بشكل مختصر دقيق. ولعل أهم مشكلة تعترض الباحث التاريخي عند صياغة نتائجه مشكلة تقدير الأهم من النتائج والحقائق التاريخية التي توصل إليها. ولعل تقدير ألأهم من الحقائق في أغلب البحوث التاريخية يتاثر بعلاقة تلك الحقائق ببيئة الباحث وبعصره وبالهدف من بحثه.
إن مشكلة تقدير ما الأهم من الحقائق التاريخية له تفسيران: المهم في نظر الماضي والمهم في نظر الحاضر. وهذاى الاتجاه في تقدير أهمية الحقائق يعبر عنه بالموضوعية. أما التفسير الثاني في مجال تقدير الأهم من الحقائق التاريخية التي يتوصل إليحا المؤرخ  هو تفسير تحدى مفهوم الموضوعية في تقدير المهم في الحقائق التاريخية باعتبار أن الموضوعية غير ممكنة. وبالرغم من الاتفاق بين المؤرخين على أن الباحث الموضوعي يختار من الحقائق ما كان لها أكبر النتائج على التطورات التي أتت بعدها. أو ما يمكن التنبؤ منها لما سوف يحصل مستقبليا. فإن المؤرخين ميزوا بين ثلاثة أنواع من الحقائق:
 (أ) الحقائق العامة المشتركة بين مجموعة كبيرة من الناس وهي مجموعة العادات والنظم.
(ب) الحقائق الفردية الذاتية التي تختص بشخصية تاريخية معينة.
 (ج) حقائق الحوادث لأنها الحوادث تحصل مرة واحدة ومؤطرة بعامل الزمان والمكان.     
إن عملية الصياغة التاريخية عنصر من عملية التركيب التاريخي. لأنها عملية قد تقود إلى التعليل والذي يقود بدوره إلى الصياغة الصحيحة. فالصياغة التاريخية تركيز مكثف ومدون للحقائق التاريخية ومحاولة لوضعها في صيغة عامة واحدة تزول منها تلك الحقائق المتغيرة غير الثابتة وتبقى الحقائق الثابتة والمشتركة.
(2) عملية العرض التاريخي
تعني عملية العرض التاريخي إخراج الموضوع بصيغة وحدة متكاملة متماسكة. بحيث يكون التاريخ عملية إحياء للماضي يمكن للقاريء أن يتحسسه. ويتبين في العرض أمران مهمان ومتلازمان: أولهما اتباع المؤرخ الباحث مخططا واضحا. وثانيهما استخدام المؤرخ الباحث لأسلوب كتابي ملائم.
إن العرض التاريخي العلمي يشتمل في صورته التقليدية على المقدمة، المتن، النتائج، الهوامش، بحيث يحتوي على مشكلة البحث أو ظاهرته والفرضية الأساسية التي يقوم البحث عليها والفرضيات الثانوية التي تفرعت عنها ثم طرائق البحث في النقد والبحث والمتائج التي يتم التوصل إليها. وأخيرا قائمة مراجع البحث والملاحق والفهرسة الأبجدية ولافهرسة العامة.
إن عملية العرض في البحث التاريخي تتطلب من الباحث التعريف بالحقائق وفق الصيغة التي توصل إليها وبشكل مترابط ومنطقي موضحا الواقع التاريخي الماضي مع التأكيد على التعليل ومناقشة منطقية للآراء تستند على البرهان والحجة والدليل. وقد لا يستدل الباحث بمعنى مضمون الوثيقة فقط بل يقتبس من النص فقرة أو مجموعة فقرات. ومن المهم الإشارة هنا إلى أن الأسلوب الأدبي الصرف غير قبول على الإطلاق في كتابة البحث التاريخي. لأنه قد يتجاوز التعبير السليم عن الحقائق بما فيه من ألفاظ عامة او حاملة لصفة المبالغة إو الخيال. إذ أن الكتابة التاريخية بعيدة عن الإطناب والمبالغة.

المنهج التاريخي: بين التأييد والإنتقاد
لقد دار النقاش شديدا بين المؤرخين حول المصداقية العلمية في البحث التاريخي  من حيث طبيعة المادة التاريخية ومناهج التوصل إلى الحقائق التاريخية بصيغة علمية مجردة وثابتة. فمن من يرى في البحوث التاريخية الجدوى العلمية ومنهم من نفى أن يكون هناك منهج علمي تاريخي.
إن مبررات من انتقدوا المنهجية العلمية في البحث التاريخي هي:
1. إن عالم التاريخ لا يمكنه على الدوام التعميم على أساس الأحداث الماضية لأن الأحداث الماضية غالبا غير مخطط لها ولم تنشأ نتيجة تخطيط مسبق وذلك بسبب وجود كثير من العوامل التي لايمكن التحكم فيها. وبسبب نفوذ فرد أو مجموعة أفراد تصاغ الكتابة التاريخية. كما ليس بالإمكان على الإطلاق تكرار انواع وأنماط العوامل نفسها.
2. إن عالم التاريخ يعتمد على الملاحظات التي سجلها آخرون وهذا ما يجعل الشك يتسرب إلى مصداقيتها وموضوعيتها. لأن مصدر الباحث التاريخي لا يعتمد على الملاحظة المباشرة. كما أن مصادر معارفه غير مباشرة لاعتماده على الآثار والسجلات والأشخاص الذين قد يشك في قابليتهم في الحفاظ على الحقائق بعد فترة زمنية. كما أن المؤرخ لا يمكنه من الوصول إلى كافة الحقائق المتصلة بموضوع البحث مما يعيقه من اكتشاف كافة الأدلة واختبارها فتكون المعرفة بذلك جزئية وليست كاملة.    
3. إن التاريخ لا يحدث في نظام مغلق مثل النظام الذي يتوفر في مختبرات العلوم المجردة فلا يتمكن المؤرخ من السيطرة على شروط الملاحظة. كما لا يمكنه من معالجة المتغيرات ذات الدلالة. فالحقائق التاريخية لا يمكن اخضاعها لطرائق العلم الوصفي الحديث المعتمد على الملاحظة المباشرة والتجربة واستنباط القوانين وحتمية تلك القوانين.
4. صعوبة تطبيق المنهجية العلمية لتغيير الأحداث التاريخية. هذا بالإضافة لى صعوبة إخضاع الحدث التاريخي للتجربة. كما من الصعب في البحث التاريخي وضع فرضيات قائمة على أسس نظرية متينة. لأن العلاقة بين السبب  والنتيجة في تحديد مسار الأحداث التاريخية ليس بالإمكان تطورها بشكل دقيق لتعدد الأسباب في الإلمام الكافي بالمادة التاريخية ومن مصادرها الأولية مما يجعل من الصعوبة بمكان التوصل إلى نتائج ممكنة التعميم. 
أما المبررات التي ساقها مؤيدوا المنهج التاريخي فهي:
1. إن الباحث التاريخي يعتمد المنهجية العلمية في بحثه فهويخطط ويعين مشكلة تاريخية ما. ويضع الفروض والتساؤلات المناسبة لها. ثم يقوم بجمع وتصنيف البيانات الأولية ويختبر الفروض بمعنى اتساقها أو عدم اتساقها مع الدليل من أجل الوصول إلى النتائج والتعميمات. وعند التوصل إلى الاستنتاجات يستخدم عالم التاريخ المباديء الإحتمالية المشابهة لتلك التي تستخدم في العلوم الآخرى.
2. إن عالم التاريخ ربما لم يكن شاهدا على الحدث التاريخي أو يكون قد جمع بياناته بصورة مباشرة. وهذه لا يمكن عدها نقطة ضعف في البحث التاريخي لأن الباحث التاريخي يقوم بوضع معلوماته وبياناته للنقد والتحليل والتمحيص.
3. توصف نتائج وملاحظات البحوث التاريخية بمصطلحات كيفية وليست كمية. ولكن غياب القياس الكمي في البحث التاريخي لا يلغي تطبيق المنهجية العلمية في النشاط التاريخي. لأن تطبيق الوصف الكمي والكيفي يستخدم بصورة ملائمة في البحوث العلمية.   
4. المعرفة التاريخية معرفة جزئية وليست في الغالب وليست معرفة كلية. إلا أن هذا لا يمنع من اتباع الباحث التاريخي  في بحثه كافة الطرق والمناهج العلمية. متخذا كافة الاحتياطات الموضوعية
مما تقدم يمكن القول بان المنجية التناريخية منهجية علمية وضرورية في دراسة وبحث الاحداث التاريخية وزصصولا إلى المعارف التاريخية التي لها دور كبير في تفسير الحدث المعاصر وفي التنبؤ بما يمكن ان يحصل في المستقبل.
Previous Post Next Post