حروف القافية و الروي
حروف القافية التي إذا دخل أحدُها أولَ بيت في القصيدة لزم في بقية أبياتها، ستة:
أولًا: الروي:
ألا في سبيل المجد ما أنا فاعل ... عفاف وإقدام وحزم ونائل
الروي: حرف تبنى عليه القصيدة، وتنسب إليه، فيقال: قصيدة لامية أو ميمية مثلًا إذا كان حرفها الأخير لامًا أو ميمًا، ويتكرر بتكرار الأبيات.
ومعنى ذلك الابتناء: أن يختار الشاعر حرفًا من الحروف الصالحة للروي فيهيئ عليه بيتًا، ثم يلتزم تلك الهيئة إلى آخر قصيدته، فترى جميع أبياتها تبعت ذلك الحرف، وبُنيت عليه كاللام في البيت المتقدم وهو من الطويل، وسيأتي بيان الحروف التي تصلح لأن تكون رويًّا -إن شاء الله تعالى.
(القصيدة):
القصيدة: مجموع أبيات من بحر واحد مستوية في الروي، وفي عدد الأجزاء، وفي جواز ما يجوز فيها ولزوم ما يلزم وامتناع ما يمتنع.
فخرجت الأبيات المختلفة في الروي، والتي ليست من بحر واحد كأبيات بعضها من الطويل وبعضها من الرجز مثلًا، فلا تسمى قصيدة وإن كانت شعرًا.
وخرجت الأبيات التي من بحر واحد، لكن مع الاختلاف في عدد الأجزاء، كأبيات من البسيط بعضها من وافيه وبعضها من مجزوئه.
وخرجت الأبيات التي من بحر واحد المستوية في عدد الأجزاء، لكن مع الاختلاف في الأحكام من جواز، ولزوم، وامتناع كأبيات من الطويل بعضها ضربه صحيح وبعضها ضربه محذوف.
والقصيدة: سبعة أبيات فصاعدًا، والقطعة: ثلاثة أبيات أو أربعة أو خمسة أو ستة، على القول الراجح في تعريفهما. وقيل: أقل القصيدة ثلاثة أبيات، وقيل: عشرة، وقيل: أحد عشر، وقيل: ستة عشر، وقيل: عشرون، والقطعة: ما دون القصيدة على كل قول فيها.
وهكذا نرى أن حرف الروي هو أبرز حروف القافية، حيث تفقد القصيدة موسيقاها بدونه أو الجزء الأساسي الذي تقوم عليه موسيقاها إن فقد الروي. وحرف الروي نوعان: مطلق ومقيد، فالروي  المطلق هو المتحرك، والروي المقيد هو الساكن.
مثال المطلق قول الشاعر:
إن الشباب، والفراغ, والجدهْ ... مفسدة للمرء أيّ مفسدهْ
فالروي هو الدال وهو محرك.
ومثال المطلق أيضًا قوله:
استقدر الله خيرًا وراضيَنَّ به ... فما لدى غيره نفع، ولا ضررُ
ومثال المطلق أيضًا قول شوقي:
والنفس من خيرها في خير عافيةٍ
والنفس من شرها في مرتع وخمِ
ومثال المقيد:
نقِّل ركابك في الفلا ... ودعِ الغواني للقصورْ
ومثال المقيد أيضًا قول شوقي:
أمَّا الشباب فقد بعدْ ... ذهب الشباب فلم يعدْ
والروي هو قطب الرحى، ومركز الدائرة لما يحيط به من اللوازم.
ثانيًا: الوصل:
هو حرف مدّ ينشأ من إشباع حركة حرف الروي، كالألف من الفتحة، والياء من الكسرة، والواو من الضمة، أو هاء تعقب حرف الروي. وإذا وُجد في بيت فلا بد من وجوده في سائر الأبيات، والوصل لا يوجد إلا بعد الروي المطلق (أي: المتحرك).
- فالألف، كقول الأحوص الأنصاري:
إني لآمل أن تدنو، وإن بعدت ... والشيء يؤمل أن يدنو، وإن بعدَا
ما تذكر الدهر لي سعدى، وإن نزحت ... إلا ترقرق ماء العين فاضطردَا
فالألف في (بعدا، اضطردا) وصلٌ، نشأ من إشباع فتحة الدال التي هي حرف الروي.
- والياء؛ كقول شوقي:
هيفاء أهواها، وأعشق ذكرها ... لكن أداري, والمحب يداري
لي في الهوى سرّ أبيتُ أصونه ... والله مطلع على الأسرارِ
فالياء الناشئة من إشباع كسرة الراء في البيت الثاني وصل، وهي -وإن لم تكتب خطًّا- ملحوظة نطقًا، وعروضًا -على ما تعرف.
- والواو، كقول حسان:
أخلّاء الرخاء همُ كثير ... ولكن في البلاء همُ قليلُ
فلا يغررك خلة من تؤاخي ... فما لك عند نائبة خليلُ
فالواو المتولدة من مطلق ضمة اللام فيهما وصل.
ومثله قول أبي ذؤيب الهذلي:
وإذا المنية أنشبتْ أظفارها ... ألقيت كل تميمة لا تنفعُ
فالعين الروي، والواو المتولدة من إشباع حركة العين وصل.
- والهاء الوصل تكون ساكنة، ومفتوحة، ومكسورة، ومضمومة:
- فالساكنة، كقول طرفة:
فكيف يُرَجِّي المرء دهرًا مخلدًا ... وأعماله عما قليل تحاسبُهْ
ألم تَرَ لقمان بن عاد تتابعت ... عليه النسور، ثم غابت كواكبُهْ
فالباء روي، والهاء الساكنة وصل.
ومثله قول شوقي:
إن الصلاة على شدة الزمان معينَهْ
فالنون هنا هي الروي، والهاء الساكنة وصل.
- والهاء المفتوحة، كقول أبي ماضي:
ليست حياتك غير ما صورتها ... أنت الحياة بصمتها ومقالهَا
ولقد نظرت إلى الحمائم في الربا ... فعجبت من حال الأنام وحالهَا
تشدو وصائدها يمد لها الردى ... فاعجب لمحسنة إلى مغتالهَا!
فاللام روي، والهاء المفتوحة وصل، أما الألف بعدها فهي (خروج) على ما يأتي.
- والهاء المكسورة، كقول طرفة:
وكم من فتًى ساقط عقله ... وقد يعجب الناس من شخصهِ
وآخر تحسبه أنوكًا ... ويأتيك بالأمر من قصهِ
فالصاد روي، والهاء المكسورة وصل، أما ياء الإشباع فخروج.
- والهاء المضمومة، كقول شوقي:
طويل الليل ترحمه ... هواتفه وأنجمهُ
إذا جدَّ الغرام به ... جرى في دمعه دمهُ
فالميم روي، والهاء المضمومة وصل، أما واو الإشباع فهي (الخروج).
وربما كان الوصل أصليًّا كالألف في (عصا) من قوله:
واللوم للحر، مقيم رادع ... والعبد لا يردَعُه إلا العصا
ثالثًا: الخروج:
وهو حرف مد ينشأ من إشباع حركة هاء الوصل، وسمي بذلك؛ لخروجه ومجاوزته الوصل التابع للروي، كالألف في (مقالها، حالها، مغتالها)، وياء الإشباع في (شخصهِ، قصهِ)، وواو الإشباع في (أنجمهُ، دمهُ) من الأبيات السابقة.
والخروج: آخر حرف يخرج به من القافية. وأمثلته كثيرة، كما في قول القائل:
يوشك من فرّ من منيته ... في بعض غراته يوافقُها
والخروج لازم لا يجوز تغييره، فيجب إيراده في جميع القصيدة على صورته في البيت الأول، كما في قول لبيد:
عفت الديار محلها فمقامها ... بمنًى تأبد غولها فرجامها
فإيرادها على الفتحة إلى آخرها.
رابعًا: الردف:
مأخوذ من ردف الراكب؛ لأن الروي أصل، فهو الراكب وهذا كردفه، والردف: ما كان الروي بعده بغير حاجز في المطلق والمقيد.
وهو حرف مد يقع قبل حرف الروي بدون فاصل بعد حركة مجانسة -وحروف المد: (الألف، والباء، الواو)- أو حرف لِين ساكن (واو، أو ياء) بعد حركة لم تجانسها، كما في (قوْم، وصوَت وعين ومَيْن).
- فالألف، كقول الحطيئة:
لعمرك ما رأيت المرء تبقى ... طريقته، وإن طال البقاء
على ريب المنون تداولته ... فأفنته، وليس لها فناء
فالألف قبل الهمزة ردف، والهمزة الروي، ولا فاصل بين الردف والروي.
- والياء، كقول جميل العذري:
لحا الله من لا ينفع الود عنده ... ومن حبله إن مُدّ غير متين
ومن هو إن تُحدِث له العين نظرة ... يقضّب لها أسباب كل قرين
فالياء قبل النون ردف، والنون روي، وتمثله في نظائره.
- والواو، كقول الفضل بن العباس:
مهلًا بني عمنا، مهلًا موالينا ... لا تنبشوا بيننا ما كان مدفونا
لا تطمعوا أن تهينونا ونكرمكم ... وأن نكف الأذى عنكم وتؤذونا
فالواو قبل النون ردف، والنون روي، وكذا ما أشبهه.
ولا تلزم الواو والياء بذاتهما إذا وقع كل منهما ردفًا؛ إذ يجوز الجمع بينهما فتقع الياء في بعض الأبيات، والواو في بعضها الآخر، وهو حسن، وإن كان الاتفاق أحسن منه. ومن الجمع بينهما قول الأحوص:
والشيب يأمر بالعفاف وبالتقى ... وإليه يأوي العقل حين يئول
فإن استطعت فخذ بشيبك فضلة ... إن العقول يرى لها تفضيل
فقد جمع بين الواو والياء ردفًا، وذلك وارد كثير، ولعل قصيدة ردفت بواو أو بياء لا تخلو من التعاقب بينهما، وذلك مقيد بضم ما قبل الواو، وبكسر ما قبل الياء، أو بفتح ما قبلهما، كقوله:
يا أيها الخارج من بيته ... وهاربًا من شدة الخَوْف
ضيفك قد جاء بزاد له ... فارجع تكن ضيفًا على الضيف
أما الألف فلا تعاقب الواو، أو الياء ردفًا، وأما ردف أحد البيتين دون الآخر فذلك عيب ردفٍ ستقف عليه في محله.
خامسًا: التأسيس:
وهو مأخوذ من "أسست البناء", وهو: ألف يكون بينها وبين الروي حرف واحد متحرك، كقول لبيد:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل ... وكل نعيم لا محالة زائِل
فالألف تأسيس، واللام روي، والهمزة التي بين التأسيس والروي حرف متحرك ويسمى: (دخيلًا) على ما  يأتي.
ومنه قول الشاعر:
ولست براءٍ عيب ذي الودّ كلّه ... ولا بعض ما فيه إذا كنت راضيا
فعين الرضا عن كلّ عيبٍ كليلة ... ولكن عين السخط تبدي المساويا
وألف التأسيس قد تكون من كلمة الروي، كما في قول لبيد والبيتين بعده، وقد تكون من كلمة أخرى؛ كقول ابن حمام العبسي:
ولست بهياب لمن لا يهابني ... ولست أرى للمرء ما لا يرى ليا
فألف التأسيس من كلمة أخرى، وذلك مشروط بما إذا كان الروي ضميرًا -كما ترى- والتأسيس إن وقع في نحو ما سبق لزم، أما تأسيس بيت دون آخر فذلك من عيوب القافية التي ستقف عليها في موضعها.
فإن لم تكن ألف التأسيس من كلمة الروي، أو من غيرها بشرط كون الروي ضميرًا؛ فلا تلزم إن وقعت، كقول عنترة:
ولقد خشيت بأن أموت، ولم تدر ... للحرب دائرةٌ على ابنَيْ ضمضم
الشاتمَيْ عِرضي، ولم أشتمهما ... والناذرَيْن إذا لقيتهما دمي
فالألف في (لقيتهما) ليست تأسيسًا؛ لكونها ليست من كلمة الروي، ولا من غيرها مع كون الروي ضميرًا، فهي عرض؛ ولذا لم يؤسس في بقية معلقته.
ومثله قول عبد المنعم قنديل:
ألقى بنوك على الطغاة فواجعا ... كفواجع القدر الذي لم يرحم
خطب الرصاص لهم بألسنة الردى ... والموت عربيد يصيح بلا فم
فأتى بالألف في قوله: (بلا فم)، وهي ليست تأسيسًا لفقد شرطه؛ ولذا لم يلتزمها في القصيدة.
سادسًا: الدخيل:
وهو ذلك الحرف المتحرك الذي يقع بين ألف التأسيس وحرف الروي، كالهمزة واللام في (زائل، يرى ليا) من الأبيات المارة في التأسيس، وكالدال في (صادق) من قول الشاعر:
فلا تقبلنْهم إن أتوك بباطل ... ففي الناس كذاب، وفي الناس صادقُ
والفاء في (المسافر) من قول الشاعر:
فألقت عصاها واستقر بها النوى ... كما قر عينًا بالإياب المسافرُ
واعلم أنه قد خرج بقيد المتحرك الردف؛ فإنه ساكن، وأن التزام الشاعر الدخيل يعني التزامه لحركته من فتح أو ضم أو كسر، وليس التزامًا لحرفه؛ إذ الدخيل تعاقبه جميع الحروف.

المراجع والمصادر

1-   الأسعد، عمر الأسعد، أهدى سبيل إلى علمي الخليل، معالم العروض والقافية، الوكالة العربية للتوزيع، 1984م.
2-   ابن عصفور، ضرائر الشعر، تحقيق: السيد إبراهيم محمد، دار الأندلس - بيروت 1980م.    
3-   التبريزي، الخطيب التبريزي، الكافي في العروض والقوافي، دار الكتب العلمية - بيروت 2002م.      
4-   سالم، أمين عبد الله سالم، عروض الشعر العربي بين التقليد والتجديد، 1985م.
5-   السيرافي، ضرورة الشعر، تحقيق: رمضان عبد التواب، دار النهضة 1985م.
6-   الضبع، يوسف الضبع، الرِّياض الوافية في علمي العروض والقافية، دار الحديث - القاهرة 1998م.
7-   المبرد، القوافي، تحقيق: رمضان عبد التواب، مطبعة جامعة عين شمس - القاهرة 1972م.
8-   مناع، هاشم صالح مناع، الشافي في العروض والقوافي، دار الفكر العربي - بيروت 1993م.
9-   الهاشمي، السيد أحمد الهاشمي، ميزان الذهب في صناعة شعر العرب، دار الكتب العربية - بيروت 1990م.
10-    الهاشمي، محمد علي الهاشمي، العروض الواضح وعلم القافية، دار القلم، 1991م.


Previous Post Next Post