أدوات الاقتصاد الإسلامي لتحقيق العدالة الاجتماعية والتخفيف من التفاوت
وكما تتوزع أدوات التوزيع على مساحة واسعة من الفقرات فإنها تتميز بالوسطية في الوقت نفسه من خلال تنوعها بين ما هو فرض أو سنة، وكذلك تتميز بالمرونة من حيث أنَّ الشريعة جعلت بعض أدوات تحقيق العدالة دائمة وواجبة التطبيق باستمرار كالزكاة وزكاة الفطر، وشرعت الاشتراك في ملكية بعض الثروات الطبيعية، ونظام الإرث. وتدابير أخرى إضافية إذا لم تَفِ التدابير الدائمة بالمطلوب، ومنها: استخدام الفيء لتصحيح التوزيع، والنفقات الواجبة بين الأقارب، وحق الحصول على الضروريات وكفالة بيت المال([1]).
وتنوع آليات تحقيق العدالة في الاقتصاد الإسلامي يؤدي إلى توازن المعونات من خلال  ([2]):
1.    زيادة عرض المعونات، وتنظيمها، بواسطة حضَّ الناس من خلال العقيدة وثواب الآخرة وسلطة الدولة على زيادة بذل المعونات.
2.    تخفيض الطلب على المعونات، وتنظيمها بواسطة ذم السؤال، وبيان الحالات التي يجوز فيها للفرد سؤال الناس.
والاقتصاد الإسلامي حديثًا يتمتع بموروث عظيم من الأدوات قامت عليها مؤسسات من فجر التاريخ الإسلامي، ويأتي في مقدمة هذه المؤسسات مؤسسة الزكاة التي قامت على فريضة الزكاة، ومن مؤسسات تحقيق العدالة الاجتماعية في الاقتصاد الإسلامي المعاصر: مؤسسة الوقف، ومؤسسات الضمان والتكافل والتأمينات الاجتماعية، ومؤسسة الضرائب، ومؤسسات التمويل الإسلامية (البنوك وشركات التأمين الإسلامية، ومؤسسات الإقراض الأصغر)، ومؤسسات الإقراض الأصغر لها دور كبير في تحقيق العدالة الاجتماعية، كونها تعتبر هي الواجهة المعاصرة للمؤسسات غير الحكومية في مكافحة الفقر. فالذي يخطط وينظم هذه السياسات ثم ينفذها هي الحكومات، ولكن لا بد من الاستفادة من المؤسسات غير الحكومية ضمن أدوات هذه السياسات، وذلك لما آل إليها من أدوار مهمة في تحقيق التوازن الاقتصادي والاجتماعي.
فالمؤسسات المعاصرة التي تقوم بخدمة تحقيق العدالة الاجتماعية في الاقتصاد الإسلامي كلها تستند في عملها على الأساس الشرعي لأداة من الأدوات، أو على أصل من أصول الاقتصاد الإسلامي، لتحقق كلها أهداف الأهداف الاقتصاد الإسلامي، وبالتالي مقصد الشريعة في تيسير الحياة على عامة الناس (رفع المشقة ودفع الضرر)، من خلال الانطلاق للتنمية الاقتصادية وفق القيم الإسلامية؛ حيث أنَّ تعزيز القيم الإسلامية لدى الناس توفر الحلقة المفقودة بين التنمية الاقتصادية والرفاه البشري على حد سواء في المراحل المؤقتة (الدنيا) والدائمة (الآخرة) للحياة البشرية ([3]).
وبالتالي لا مانع من استخدام أي مؤسسة اقتصادية أو اجتماعية حديثة في تحقيق التوزان بين التنمية والعدالة الاجتماعية ما دامت لا تتعامل بأي صورة ممنوعة في الشريعة الإسلامية من اربا أو القمار والغرر، والأصل في الأشياء الإباحة، ولذا تضيق دائرة الممنوعات من الأنشطة والمؤسسات، وتبقى دائرة الإباحة على اتساعها غير المحدود.
وكما أنَّ للعدالة الإجتماعية في الاقتصاد الإسلامي أدوات مباشرة، فهناك أيضًا وسائلٌ غير مباشرة تخدمُ تحقيق العدالة في الاقتصاد الإسلامي، وهي كل الأدوات التي تستخدمها الدولة لتحقيق التوازن الاقتصادي والاجتماعي، بشكل غير مباشر ومنها ([4]): تحريم الربا. منع الاحتكار. ومنع الحمى الخاص. وتحريم الاكتناز، والمنع المؤقت للادخار، وتحريم القمار والميسر، والنهي عن أعمال السمسرة كتلقي الركبان، أو بيع الحاضر لبادِ.
ومن الأدوات الإيجابية غير المباشرة تقرير مبدأ الاشتراك في الثروات الطبيعية، وما تشتد إليه الحاجة منها: كالماء والنار والعشب والملح وما في حكمها من الثروات والموارد الطبيعية، وكذلك إقرار مبدأ المعاوضة الإجبارية في السلع والخدمات بسعر المثل (الثمن العادل)، كما أنَّ منها ما يَرجِع إلى الفرد نفسه كتحريم السؤال لغير حاجة حقيقية، وإرشاده إلى سلوك سبيل العمل لإشباع الحاجات، ومن أهم الوسائل النفسية غير المباشرة لتحقيق الكفاية تحريم الإسراف والتبذير الذي هو عدم تَوفر السلوك الاقتصادي الرشيد تجاه ما يدخل للفرد من أموال، فيكون تصرف الفرد في دخله محكومًا بعوامل وشهوات بعيدة كل البعد عن الرشد الاقتصادي([5])، ولكن بالمقابل فقد نهى الإسلام أيضًا عن التقتير والبخل، فدائرة الاعتدال هي الدائرة المثلى في الصرف والإنفاق، وهي الوسط بين الإسراف والتقتير. قال تعالى: )وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا( [الفرقان/67].
كما أن هناك عددًا من السياسات التنفيذية التي لها آثار بعيدة المدى لتقليل الفوارق في الدخل والثروة، وقد تطورت من خلال تنفيذ التدابير التوزيعية الواجبة والطوعية والمبررة شرعا ومنها ([6]):
1.     خفض تركيز الثروة في أيدي القلة من خلال إدخال إصلاحات على ملكية الأراضي واستئجارها وتوفير حوافز لبرامج المزارعة، وبدء تنفيذ برامج للتنمية الزراعية، وتوسيع قاعدة المساهمين في رؤوس أموال الشركات.
2.    وجوب دفع الزكاة، والعُشر، وتشجيع دفع الصدقات للفقراء، وإنشاء الوقف الخيري من أجل توفير السلع الاجتماعية بالإضافة للسلع الخاصة للفرد المحتاج، والتشجيع على تنظيم التأمين التعاوني، وفَرضُ ضرائبَ إضافيةٍ على الأفراد (التوظيف) بعد الزكاة والعُشُر من قبل الدولة الإسلامية لضمان العدالة في التوزيع.
3.    التشجيع على منح القرض الخيري الخالي من الفائدة (القرض الحسن)، والتشجيع كذلك على إعارة الأصول الإنتاجية (الماعون) دون ثَمَنٍ للذين هم في حاجة إليها. 
4.    تحريم الربا على كل من القروض الإنتاجية والاستهلاكية، وجعل استحقاق صافي الريع الاقتصادي (على سبيل المثال، الدخل المكتسب من دون أي جهد خاص من قبل أي شخص) لجميع أفراد المجتمع أو للدولة.
5.    تطبيق قوانين الميراث لضمان عدالة انتقال الملكية من جيل إلى جيل، ومنع استنزاف الموارد الناضبة من الجيل الحالي لغير صالح جميع الأجيال القادمة.
6.    تدابير قانونية ضد الخزينة العامة لإنفاذ الحد الأدنى المضمون لمستوى المعيشة، ومحدد من قبل الدولة الإسلامية وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية بالإضافة للواقع الاجتماعي والاقتصادي.


[1] - انظر: عدالة التوزيع والتنمية الاقتصادية، لأحمد منصور، ص28. ونظم التوزيع الإسلامية للزرقا، بتصرف، ص 47.
[2] - انظر: نظم التوزيع الإسلامية للزرقا، بتصرف، ص 46-48.
[3] - Economic Development in Islam. AbduHasan.H.M Sadeq, journal of Islamic economics, Kuala Lumpur: International Islamic University. No. 1, Vol. 1 (Aug-Sep, 1987), P:45.
[4] - انظر: نظم التوزيع الإسلامية للزرقا، بتصرف، ص42.
[5] - انظر: دراسة للفكر الاقتصادي عند أحمد بن علي الدلجي، وذلك من خلال كتابه الفلاكة والمفلكون أي الفقر والفقراء، حمدي بن عبدالرحمن الجنيدل، دار معاذ- الرياض، 1413هـ- 1993م، ص115.
[6] - انظر: Islam and Economic Development, Mohammed. U. Chapra,  Islamabad, Islamic Research Institute and International Institute of Islamic Thought, 1993, p. 73. & Guidelines for key issues in Islamic, by Mohammad Abdul Mannan,. pp10.

Previous Post Next Post