تعريف المشاكلة لغة واصطلاحا
     الشكل  في اللغة : الشبه والمثل والجمع أشكال وشكول، وتشاكل الشيئان وشاكل كل واحد منهما الآخر أي : شابهه وماثله، ويقال : هذا على شكل هذا أي مثاله، فالمشاكلة تعني في اللغة: الموافقة، والمماثلة، والمشابهة والتشاكل مثله، وفي قوله تعالى :
((قل كلّ يعمل على شاكلته))1  أي : على جدليته وطريقته وجهته ومذهبه، والمشاكل من الأمور من وافق فاعله ونظيره 2.
     و ذكر الزمخشري (538 هـ) في مراد الآية السابقة : ((أي : على مذهبه وطريقته التي حاله في الهدى  والضلالة من قولهم : طريق ذو شواكل، وهي الطريق التي تتشعب منه، والدليل عليه قوله : (فربكم اعلم بمن هو أهدى سبيلا)3 أي :أسد مذهبا وطريقة))4.
     ومن هذا يتضح أن لفظة المشاكلة تتصرف إلى معنى الموافقة أو المماثلة أو المشابهة ومن هذا يمكن إطلاق لفظة المشاكلة في اللغة العربية على الظاهرة التي يراعى فيها توافق أو تشابه أو تماثل شيئين، أيا ما كانا صوتين أو لفظين أو لفظا ومعنى أو غير ذلك، فيجرى احدهما مجرى الأخر وان كانا مختلفين.
فمثال الصوتين : اظلم والأصل اظتلم، صراط وسراط، صيام والأصل صوام، ست والأصل سدس....
     ومثال اللفظين : كقوله تعالى : ((وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم)) 5، وقول العرب : هذا حجر ضبّ خرب.
     ومثال اللفظ والمعنى كقوله تعالى : ((إن مثل عيسى عند الله كمثل ادم خلقه من تراب)) 6 وذكر الزركشي (ت 794هـ) انـه : ((ولم من (طين) كما اخبر سبحانه في غير موضع : (إني خالق بشرا من طين)7 إنما عدل عن الطين الذي هو مجموع الماء والتراب إلى ذكر مجرد التراب لمعنى لطيف،وذلك انه أدنى العنصرين وأكثفها لما كان المقصود مقابلة من ادعى في المسيح الإلهية أتى بما يصغر أمر خلقه عند من ادعى ذلك ؛ فلهذا كان الإتيان بلفظ التراب أمس في المعنى من غيره من العناصر)) 8، وفي قوله تعالى: ((وان من شئ ألا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم))9 ولم يقل (لا تعلمون) ؛ لان في الفقه زيادة على العلم 10.
     وقد بدت ملامح مصطلح المشاكلة على أيدي البلاغيين، فأطلقوه على لون من ألوان البديع ويعني: ذكر الشئ بلفظ غيره لوقوعه  في صحبته تحقيقا 11، نحو قوله تعالى : ((تعلم ما في نفسي ولا اعلم ما في نفسك)) 12،  فأطلق النفس على ذات الله ؛ لوقوعه في صحبتي   (نفسي)
     على سبيل مشاكلة اللفظ للفظ ،وقوله تعالى :((نسوا الله فأنساهم أنفسهم)) 13،أي : أهملهم ذكر الإهمال هنا بلفظ النسيان لوقوعه في صحبته.
     او تقديرا :نحو قوله تعالى : ((صبغة الله)) 14، فصيغة مصدر مؤكد لقوله تعالى : ((آمنا بالله)) 15 قبله،والمعنى : تطهير الله ؛ لان الإيمان بطهر النفوس فعبر عن الإيمان بالله  :   (صبغة الله) أي : دين الله أو فطرته التي فطر الناس عليها، لوقوعها في صحبة الإيمان.
أما علماء العربية المتقدمون فلم توصف (المشاكلة) عندهم على أنها ظاهرة عامة بل جاءت متفرقة في كتبهم مقصورة على أمثلة لهذه الظاهرة ومعبرة عنها بمسميات أخرى :
ففي الصوت نجد المضارعة و الإدغام الأصغر و المناسبة و الإتباع الحركي و الإمالة و المجاورة، وفي الصرف نجد الفواصل القرآنية و علة المشابهة (حمل النظير على النظير) و ظاهرة الإتباع و المحاذاة، وفي النحو نجد المجرور بالمجاورة و حركة الإتباع (إتباع المستثنى و المستثنى منه) و باب الاشتعال.
إن علماء العربية عبروا عنها بمصطلحات منها : فعند سيبويه (ت 180هـ) عبر عنها بالمضارعة 16،  وابن جني (ت392هـ) عبــر عنها بمصطلح الإدغام الأصغر 17،وابن فارس (ت395هـ) عبر عنها بمصطلح المحاذاة و المزواجة 18،
ولا بد من الإشارة إلى أن الزركشي عقد بابا واسعا في كتابه (البرهان في علوم القران) لما يجيء في التنزيل من مشاكلة اللفظ للفظ، ومشاكلة اللفظ للمعنى19.

Previous Post Next Post