هل يمكن وضع تعريف شامل للانسان ولماذا
ان الإنسان كائن ثقافي منتج للثقافة و نتاج لها في نفس الوقت.  و تتجلى ثقافته في عدة مظاهر من أهمها اللغة و المؤسسات. هكذا يعتبر الإنسان كائنا لغويا يبتكر منظومة لغوية رمزية تتميز بالتمفصل، و بارتباطها بالوعي و العقل لدى الإنسان، و هو ما يجعلها لغة إبداعية و متطورة عكس اللغة الحيوانية التي تظل مجرد وظائف بيولوجية و غريزية. كما تتجلى ثقافة الإنسان في ابتكاره للمؤسسات التي ينظم من خلالها حاجاته عبر ميثاق و قوانين.
أنّ الإنسان لغز يستعصي حلّه على الإنسان نفسه . إذًا كان الإنسان يجهل حقيقته ، ولا يدرك من كيانه سوى ما ظهر له منه . في هذا السياق ثمّة نوعان من الأجوبة الشاملة المستقاة من خبرة الحياة عن السؤال : ما هو الإنسان ؟ مثال الجواب الأوّل نجده عند الشاعر اليونانيّ بينداروس ، حيث قال : “ إنّ الإنسان إن هو إلاّ حلمٌ راود الظلّ ” . ومثال الجواب الثاني نجده عند المفكّر الفرنسيّ باسكال ، حيث قال : “ ليس الإنسان سوى قصبة ، أي أضعف ما في الطبيعة ، لكنّه قصبةٌ تفكّر ... ولو اجتمع كلّ ما في الكون فسحق الإنسان ، بقى الإنسان أكرم من قاتِله ، لأنّه يعلم أنّه يموت ويعلم تفوّق الكون عليه ، في حين أنّ الكون لا يعلم شيئًا من ذلك ” . ويخاطب باسكال أيضًا عقل الإنسان الضعيف وطبيعته السقيمة قائلاً : “ اعلما أنّ الإنسان يفوق الإنسان للغاية ، وتعلّما من معلّمكما ما هي وضعيّتكما الحقيقيّة التي تجهلونها ، استمعا لله ” . ونجد عند المفكّر الروسيّ تولستوي جوابًا يجمع فيه فحوى المثالين المتقدّمين ، حيث قال : “ يعرف الإنسان أنّه إله ، وهو في ذلك على حقّ ، لكون الله ماثلاً فيه . ويعرف أنّه خنزير ، وهو في ذلك على حقّ ، لكون الخنزير ماثلاً فيه . لكنّه يقع في خطإ فادح متى اعتبر الخنزير إلهًا ” .
الإنسان غير قابل للتعريف !


هذه العبارة هي للفيلسوف الوجودي جان بول سارتر، وهي تعبر عن تصوره لماهية الإنسان ولحريته. فالمبدأ العام الذي انطلق منه سارتر هو القول بأن الوجود سابق على الماهية، والمقصود هنا هو وجود الإنسان باعتباره الكائن الوحيد الذي يسبق وجوده ماهيته. ومعنى هذا المبدأ أنه لا يمكن الحديث عن تعريف معين للإنسان قبل وجوده؛ فهو يوجد أولا ثم يحدد نفسه بنفسه فيما بعد، وأثناء وجوده الإنساني وليس قبل ذلك. ويترتب عن ذلك قول سارتر بحرية الإنسان في صنع نفسه واختياره لأفعاله؛ فلا وجود لتعريف نهائي وثابت للإنسان، بل يمكن فقط الحديث عن المشروع الإنساني الذي ينجزه الإنسان بشكل دائم ومستمر، من المهد إلى اللحد، ووفقا لاختياراته وإرادته الحرة.
وفي نفس السياق يذهب سارتر إلى أن الإنسان غير موجود بل الناس فقط هم الموجودون؛ ومعنى ذلك أنه لا يوجد تعريف واحد للإنسان بأل التعريف بل ما يوجد على أرض الواقع هم الناس باختلاف طبائعهم وأفكارهم وأفعالهم ...
انطلاقا من هنا يكون الفعل هو المحدد للإنسان؛ فهذا الأخير هو عين ما يفعل، أي أننا نعرفه انطلاقا مما ينجزه من أفعال وما يقوم به من ممارسات في وجوده الإنساني وليس قبل ذلك. ولذلك يمكن الحديث مع سارتر عن كوجيطو جديد : "أنا أفعل إذن أنا موجود".

المنظور الفلسفي
تغيرت النظرة الفلسفية إلى الإنسان تبعاً لتطور الفكر البشري. ففي الفلسفة اليونانية كان يفهم الإنسان على أنه مواطن للمدينة -الدولة (أرسطو).  وكان يقام حد بينه وبين الأشياء الخارجية بحيث أمكن تجريد الإنسان عن هذه المواقف الملموسة أو تلك (وخاصة في فلسفة أفلاطون). يتميز الوضع البشري بسمتين بارزتين تتجلى السمة الأولى في كون الوضع البشري متعدد المكونات والأبعاد وبذلك فهو وضع فريد من نوعه لأنه يتميز بالتعدد والغنى فالحواس والعقل والوجدان كلها قوى جبارة تضفي دلالة خاصة على الوجود البشري والنتيجة الحتمية لهذا التعدد والتنوع في قوى ومقدرات الإنسان. فالإنسان هو شخص أو ذات قادرة على احترام القانون والأخلاق، ومن جهة ثانية فهي ذات مبدعة وخلاقة بفضل امتلاكها لملكة العقل وعلى الرغم من هذا التحديد يبقى مفهوم الشخص أو الإنسان ناقصا نظرا لتدخل البعد الميتافيزيقي للذات الإنسانية بوصفها ذاتاً عاقلة وتمتلك الإرادة والوعي والحرية وتعيش بموجب الحق والقانون وتلتزم بالقيم الأخلاقية وتسعى باستمرار إلى السعادة وتحقيق الأفضل.
Previous Post Next Post