ما هي مهام واختصاصات الجماعات المحلية ؟ 
فحسب المادة 35 من الميثاق الجماعي الجديد "يفصل المجلس بمداولاته في قضايا الجماعة.ولهذه الغاية، يتخذ التدابير اللازمة لضمان تنميتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية...يستفيد من مساعدة الدولة والأشخاص المعنوية الأخرى الخاضعة للقانون العام..." كما ان المادة 36 من نفس الميثاق تنص على: " يدرس المجلس الجماعي ويصوت على مشروع مخطط جماعي للتنمية، يعده رئيس المجلس الجماعي...يحدد المخطط الجماعي للتنمية الأعمال التنموية المقرر انجازها بتراب الجماعة لمدة ست سنوات، في أفق تنمية مستدامة وفق منهج تشاركي يأخذ بعين الاعتبار على الخصوص مقاربة النوع..." من خلال هاتين المادتين، يتضح أن المسؤولية التنموية للجماعة تتخذ ثلاثة أوجه :
مسؤولية اقتصادية: وتبرز في البرامج الاقتصادية المحلية التي يعدها المجلس بصفته شريكا في التنمية، إما كمساعد للدولة بتثبيته لبنيات استقبال لمشاريع وإما كفاعل محلي يسعى إلى أهداف اقتصادية تتماشى مع خصوصياته. فدائما حسب المادة 36 من الميثاق الجماعي، يضع المجلس كل التدابير التي من شانها المساهمة في الرفع من القدرات الاقتصادية للجماعة خاصة في مجالات الفلاحة والصناعة والصناعة التقليدية والسياحة والخدمات. يقوم المجلس كذلك بالأعمال اللازمة لإنعاش وتشجيع الاستثمارات الخاصة، ولا سيما انجاز البنيات التحتية والتجهيزات وإقامة مناطق للأنشطة الاقتصادية وتحسين ظروف المقاولات...
مسؤولية اجتماعية: بما أن المجلس الجماعي هو المعبر عن إرادة الناخبين على المستوى المحلي، فهو بدلك الأقرب لمعرفة حاجيات المواطنين و ترتيب أولوياتها ومدى تأثير الاستجابة لها على نفسية سكان الجماعة. فالمجلس يضع برامج تجهيز الجماعة في حدود وسائلها الخاصة والوسائل الموضوعة رهن إشارتها...وتشمل هذه البرامج مجالات الصحة، التربية الوطنية والشبيبة والرياضة.
مسؤولية ثقافية: تتمثل في النهوض بالشأن الثقافي على المستوى المحلي ودعم الجمعيات الثقافية من اجل الحفاظ على التراث الثقافي المحلي وإنعاشه ...كما يساهم في انجاز وصيانة وتدبير المراكز الاجتماعية للإيواء ودور الشباب والمراكز النسوية ودور العمل الخيري ومأوى العجزة والمنتزهات ومراكز الترفيه...يساهم المجلس كذلك في انجاز وصيانة المركبات الثقافية والمتاحف والمسارح والمعاهد الفنية والموسيقية ويشارك في التنشيط الاجتماعي والثقافي والرياضي بمساعدة الهيئات العمومية المختصة.
إذا ومن خلال ما تقدم، يمكن أن نعتبر الجماعات المحلية مؤسسات للتنمية الاقتصادية و الاجتماعية والثقافية و السياسية إذا توفرت الشروط الدستورية و القانونية و الاقتصادية التي تساعد فعلا على قيام تلك الجماعات بدورها التنموي المحلي الرائد، و يتمثل الشرط الأساسي لإفراز مجالس جماعية تعبر عن إرادة الساكنة على المستوى المحلي و يعطي للجماعات المحلية سلطة القيام بالتنمية المتعددة الأوجه كما سبق تفصيله، في توفير الضمانات اللازمة لإجراء انتخابات حرة و نزيهة لإفراز مسؤولين جماعيين يعبرون قولا و فعلا عن إرادة الناخبين الذين اختاروهم للقيام بالعمل الجماعي. أما الشرط الاقتصادي، فيتمثل في ضبط الموارد القائمة، و البحث عن موارد جديدة بعيدا عن إثقال كاهل المواطنين بالضرائب المختلفة، وترشيد صرف تلك الموارد في مشاريع تنموية تساعد على نهوض الجماعة وتحقيق إقلاع اقتصادي متكامل...والتصدي ومحاربة المشاريع الوهمية، أو شبه الوهمية،التي يراد بها فقط على نهب الموارد الطبيعية للجماعة والإثراء السريع على حساب الساكنة المحلية وتفويت فرص التنمية على الجماعة...
ماهي حدود ممارسة أعمال الوصاية على المجالس الجماعية والى أي حد يمكن اعتبارها آلية لتحكم في حركية المجالس والحد من استقلاليتها ؟
يقول مونتسكيو "من يملك السلطة، يميل إلى سوء استعماله" ومن خلال ما تم شرحه، يتضح أن المشرع أعطى للجماعات المحلية سلطات واسعة فيما يتعلق بتسيير الشأن المحلي، لهذا السبب ومن اجل منع انحراف وتخاذل وتعنت وإساءة استعمال الهيئات اللامركزية لسلطاتها، خول للإدارة المركزية ممارسة الوصاية على أعمال وأشخاص الإدارة اللامركزية.
الوصاية اذا هي مجموعة السلطات التي يمنحها المشرع لسلطة إدارية عليا لمراقبة أعمال المجالس المحلية بغية تحقيق مشروعية أعمالها وعدم تعارضها مع المصلحة العامة.
لقد حددت المادة 68 من ظهير 18 فبراير 2009 الغاية من الوصاية في الأهداف التالية:
- السهر على تطبيق المجلس الجماعي وجهازه التنفيذي للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل.
- ضمان حماية الصالح العام
- دعم ومساندة الإدارة.
غير أن ما تجدر الإشارة إليه في هذا المجال، هو أن هذه الوصاية ليست مطلقة بل هي مقيدة، مشروطة ومحدودة في الحالات المتضمنة في النص القانوني المؤطر لعمل الجماعات المحلية.
وتنقسم الوصاية الإدارية على المجلس الجماعي إلى وصاية على الأشخاص ووصاية على الأعمال.
أوجه الوصاية على الأشخاص هي:
- الإقالة التحكمية لعضو المجلس – توقيف وعزل رئيس المجلس ونوابه – الحلول محل رئيس المجلس الجماعي
أما أوجه الوصاية على الأعمال فهي:
- الوصاية على قرارات رئيس المجلس، فالقرارات التنظيمية لهذا الأخير لا تكون قابلة للتنفيذ إلا بعد أن تصادق عليها سلطة الوصاية – مراقبة المشروعية، بحيث ان المقررات المتخذة خلال مداولات المجلس يجب أن توجه نسخة منها لزوما إلى السلطة المحلية قصد المصادقة عليها....وهناك أيضا مراقبة الملائمة والتي لا تتخذ الإطار القانوني مرجعية لها بقدر ما هي سلطة تقديرية واسعة تسمح للسلطة برفض مقررات المجلس أو إعادة دراستها بحجة ما يترتب عنها من أعباء مالية أو خطورة على البيئة أو تهديدا للسكينة العامة...
4- ما هو الدور الذي يمكن أن يلعبه المنتخب (مستشار، رئيس،...) داخل الجماعة ؟ كيف ينكس ذلك الدور على النهوض بالجماعة وتحقيق التنمية الاقتصادية المنشودة ؟
يتكون المجلس الجماعي من مستشارين يتغير عددهم بحسب الأهمية السكانية للجماعة والمستشارون هم أعضاء بهذه المجالس يشاركون بقوة القانون، في تدبير أمور منطقتهم وهم مطالبون بالمساهمة في وضع خطط التنمية المحلية والعمل على إنجاحها.
هناك صنفين من المستشارين الجماعيين: الصنف الأول هم نواب الرئيس، يملكون تفويضا من فبل هذا الأخير من اجل ممارسة بعض مهامه التي تكون محددة في قرار التفويض، كتصحيح الإمضاء، توقيع بعض الرخص...وهم بذلك يساهمون في التخفيف من أعباء التسيير اليومية التي يتحملها الرئيس.
أما الصنف الثاني من المستشارين، فهم لا يملكون أي تفويض وتواجدهم بالجماعة يستند إلى انتدابهم من طرف السكان المنتخبين الذين يمثلونهم داخل الجماعة. فدور هذه الفئة من المستشارين في تسيير الشأن المحلي هو في الحقيقة جد محدود وينحصر غالبا في ممارسة دور المعارضة خلال دورات المجلس وعدم التصويت على القرارات التي يرون أنها قد تنعكس سلبا على ساكنة الجماعة.
أما بالنسبة للرئيس، فهو في الحقيقة له اختصاصات جد واسعة وجد هامة، فهو المسؤول الأول والضامن لانسجام العمل بالإدارة الجماعية و تنفيذ جميع خطط التنموية الخاصة بالجماعة. لذلك يشترط فيه أن يكون ذا تكوين يؤهله لتحمل هذه المسؤولية بالكفاءة اللازمة. فرئيس المجلس يجب أن تتوفر فيه، بالإضافة إلى المميزات الأخلاقية، أن يكون ملما بكل ما يدخل في اختصاصه باعتباره مشرفا على مصالح مختلفة ومتنوعة(إدارية، اقتصادية، اجتماعية...) فمن المفروض أن يكون رجل تدبير بامتيازmanager لان مهمة القيادة لا يمكن تصورها دون وضع إستراتيجية تنموية محددة الأهداف والوسائل.
لكن التجربة في وطننا العزيز، نادرا جدا ما تعطينا مثل هذا النوع من الرؤساء، فالديمقراطية وللأسف لهل ثمن، وقد يكون هذا الثمن غاليا جدا ومكلفا للجماعة بحيث قد يفت عليها موعدها مع التنمية والإقلاع الاقتصادي المنشود... ففي هذه الحالة، وعلى الأقل من اجل الحد من الضرر، يجب على الرئيس أن يفوض جملة من الاختصاصات المخولة له قانونا إلى نوابه الاكفاء وبان ينسق بشكل كبير مع الكاتب العام للجماعة ومع رؤساء الأقسام والمصالح وبان لا يتردد في استشارة كل من له تجربة وخبرات في التدبير.
5- ما هي الاكراهات والمعيقات التي تواجه الجماعات المحلية وما هي الحلول المناسبة لتجاوزها ؟
الاكراهات والمعيقات التي تواجه الجماعات المحلية هي في الحقيقة كثيرة ومتنوعة، وتناولها بالتفصيل يتطلب شرحا مستفيضا من خلال وضع تقييم كلي لتجربة اللامركزية بالمغرب... لكنني و بالنظر لضيق المجال، سوف اكتفي بالإشارة فقط إلى بعض النقط بشكل عام ومقتضب.
أول الاكراهات التي تحد من حرية المجالس الجماعية، نجد الوصاية الإدارية والمراقبة المالية التي تعاني منهما الجماعات والتي وبالرغم من نداءات المناظرات المتعاقبة ودعوات الأحزاب السياسية الملحة، لم تعرف تطورا ايجابيا في اتجاه تخفيفهما...ففي ظل سيف الوصاية المسلط على رقاب المجالس الجماعية، يصعب الحديث عن حرية المبادرة أو الاستقلال المالي لهذه المؤسسات التمثيلية لتتمكن من تحقيق تنميتها المستدامة. لهذا نقترح تقويم الاختلال القائم حتى تملك المجالس استقلاليتها عن السلطة الوصية في تدبير الشأن الجماعي على مستوى التسيير والتقرير وعلى مستوى البحث عن موارد جديدة بعيدا عن إثقال كاهل المواطنين ، وسعيها إلى القيام بتنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية لتوفير شروط حياة أحسن لساكنة الجماعة.
هناك أيضا مشكل انغلاق المجلس الجماعي على ذاته وعدم انفتاحه على المواطنين ومكونات الرأي العام المحلي والمجتمع المدني، مما يسقطه في فخ القطيعة مع الهيأة الناخبة ويصبح بالتالي مجرد إدارة بيروقراطية إضافية لا تملك أية تمثيلية و لا أية شرعية سياسية .
من الأخطاء كذلك التي يمكن أن يسقط فيها المجلس الجماعي هو سلوك الغطرسة والعجرفة التي يقع فيها بعض المستشارين الجماعيين المقربين من الرئيس، فما أن تنبثق الأغلبية داخل المجلس حتى تهمش الأقلية وتصبح مضايقة ومحاصرة ومشلولة الحركة، لان كل ما يصدر منها، هو في رأي المجلس المسير مناورة للإيقاع به ونسف وحدته...فهذه السلوكات تزيد من عزلة المجلس عن محيطه وتجعله غير قادر على تحمل الانتقاد وسماع الفكر المخالف وطبيعي أن المجلس المتصف بهذا السلوك يعتقد أن كل ما يقوم به هو عين الصواب، ومن ثمة يصبح مستبدا لا يتوانى في فرض إرادته ويسقط في فخ البيروقراطية والانتهازية وخدمة المصلحة الخاصة ...
هناك أيضا فئة من المستشارين، ونضرا لجهلهم بالقانون ولحدود اختصاصاتهم، يضنون أن عملية الانتخاب كافية لإخضاع الموظف الجماعي لرغبتهم وقد يذهب به الجهل ورغبتهم في تلبية حاجيات الناخبين أو حاجياتهم الخاصة إلى أن يطلبوا من الموظف القيام بأفعال غير مشروعة قانونا... لهذا نحن نقترح في هذا المجال ضرورة تكوين المستشار الجماعي وتلقينه دروسا ولو شفوية من اجل معرفة حدود اختصاصاته والدور الموكول له كما يجب اشتراط الكفاءة العلمية والأدبية والقانونية في الترشيح لشغل عضوية الجماعة حتى لا تسقط الجماعة بين أيدي مجلس يتكون من أعضاء يفتقدون الكفاءة والقدرة على تدبير الشأن الجماعي .مما يبرر قيام السلطة الوصية، وفرض وصايتها على العمل الجماعي .
من المعيقات كذلك إثقال كاهل الجماعة بالديون المقترضة من صندوق الجماعات المحليةFEC للقيام بأمور لا علاقة لها بتنمية الجماعة أو للتسيير العادي ، مما يدخل الجماعة في عملية خدمة الدين .
من حيث عمل المجلس هناك مشكل غياب هيكل تنظيمي للجماعة يبين اختصاصات كل قسم أو مصلحة على حدة. فلا يمكن تصور عمل المصالح و تجنب تداخل الاختصاص إذا لم يتوفر هيكل إداري على ضوئه تضبط المسؤوليات ويقسم العمل داخل الجماعة...كما انه يجب أن يوضع على رأس هذه الأقسام موظفين في المستوى المطلوب بناءا على المؤهلات العلمية والتجربة وليس على اعتبار العلاقة والقرابة من المستشارين...
من الاكراهات كذلك غياب شروط العمل بالإدارة الجماعية، فالتحولات المجتمعية والتطورات السياسية تقتضي توفر بنيات جماعية في مستوى الدور المنوط بهذه المؤسسات الدستورية...غر أن واقع الحال بجل الجماعات بالمغرب هو غير ذلك (نموذج مدينة وجدة).
وهناك مشاكل أخرى من قبيل الاختلالات التي تعتري مشاريع التدبير المفوض، ونقص الموارد البشرية المؤهلة، وتدني أجور الموظفين الصغار، وبطء تنفيذ المشاريع التنموية بسبب النقص في التمويل وعدم القدرة على المواكبة...
وهذه العوائق وغيرها مما لم نأت على ذكره تجعل الدور التنموي للجماعات المحلية شبه منعدم و بالتالي فإن المجالس الجماعية لا يمكن أن تقوم إلا بدور تسيير بعض شؤون المواطنين مما يمكن أن تشرف عليه السلطة الوصية نفسها.
اخيـــــرا
التنمية المحلية لا تكون إلا بتوفير شروط محددة، من أهمها أن يكون المجلس الجماعي معبرا عن إرادة الناخبين في الدائرة الانتخابية بصفة خاصة، و عن إرادة المواطنين في تراب الجماعية بصفة عامة، أي أن تكون هناك ديمقراطية من الشعب و إلى الشعب ديمقراطية حقيقية تحرم شراء الضمائر في الانتخابات من قبل سماسرة الانتخابات الذين يستغلون جهل الناس و فقرهم، نظرا لما لذلك من اثر في إفساد الحياة السياسية بصفة عامة وإفشال تجربة العمل الجماعي .
كما يجب على السلطة المحلية أن تلعب دورها كاملا في الحرص على إجراء انتخابات حرة و نزيهة وتجريم كل أشكال التزوير المعروفة كالسماح بإقامة الولائم بمناسبات مختلقة، أو حتى بدون مناسبة، أو بغض الطرف عن شراء الضمائر، أو قيام المقدمين و الشيوخ بتوجيه الناخبين... هذه الممارسات التي لا تتماشى أبدا مع التوجه العام للسلطات العامة ببلادنا والتي تعطي انطباعا جد سلبي وتفقد المواطن الثقة في المؤسسات التمثيلية المحلية.

Previous Post Next Post