النظر إلى التوقف عن الدفع من زاوية عدم القدرة على سداد الديون المستحقة :
لا يكفي في تحقق واقعة التوقف عن الدفع كون المدين أو المقاولة غير قادرة على تسديد ديونها الحالة كما جاء في مقتضيات الفصل 560 من مدونة التجارة المغربية. بل يجب النظر إلى هذه الديون من زاويتين : (الفقرة الأولى) يجب تحديد مدى كفاية أصول المقاولة لسداد خصومها (الفقرة الثانية) تحديد مدلول عدم القدرة على سداد الديون المستحقة على المقاولة المعنية
ü   الفقرة الأولى : تحديد مدى كفاية أصول المقاولة لسداد خصومها
  المستحقة :
لقد حدد القضاء الفرنسي وبالتحديد محكمة النقض الفرنسية سنة 1978 موقفها من التوقف عن الدفع وذلك بمقارنة خصوم المقاولة بأصولها. بمعنى أن عدم قدرة  المقاولة على مواجهة الخصوم المستحقة عليها بالأصول المتوفرة لديها هو الذي يجعلها في حالة التوقف عن الدفع المبرر لفتح مسطرة التسوية أو التصفية القضائية[1]. وهذا الموقف تم تكريسه من طرف المشرع الفرنسي عند تعريفه للتوقف عن الدفع في الفصل الثالث من قانون 25/01/1985. ولتحديد مدى كفاية أصول المقاولة لسداد خصومها المستحقة يتم الإعتداد بالأموال الموجودة في خزينتها، سواء كانت مبالغ مالية سائلة Liquides، أو باعتبارها تقبل التحول إلى مبالغ سائلة في أي وقت، ودون أجل كما هو الشأن مثلا بالنسبة للأموال المسجلة في الرصيد الدائن للحساب البنكي أو في أوراق تجارية أو قيم منقولة قابلة لاستخلاص بمجرد الإطلاع[2]. ولتحديد مدى كفاية أصول المقاولة لسداد خصومها المستحقة، فالجاري به العمل على مستوى القضاء. أن المحكمة التجارية المرفوعة إليها الدعوى والتي يتعين عليها أن تشير في حكمها، بصريح العبارة إلى أنها عاينت ذلك من خلال ما راج أمامها من مناقشات وما قدم إليها من وثائق بهذا الخصوص.
ü   الفقرة الثانية : مدلول عدم القدرة على سداد الديون : 
لقد أشار المشرع المغربي في المادة 560 من مدونة التجارة إلى عدم القدرة على سداد الديون بعبارة «ليس بمقدورهم سداد الديون المستحقة عليه عند الحلول» وهنا ترك المشرع الباب مفتوحا للفقه والقضاء للتأويل. فالمشرع الفرنسي استعمل عبارة عدم القدرة على تغطية الخصوم المستحقة بالأصول المتوفرة[3].
ò     موقع عدم القدرة على سداد الديون بين العجز عن الأداء والإمتناع عنه :
للوهلة الأولى يستشف من قراءة المادة 560 من المدونة المغربية للتجارة بأن المغزى من عبارة القدرة على سداد الديون المستحقة يتمثل في عجز المقاولة من الناحية المالية عن أداء ديونها المستحقة الأداء. وقد يترتب على مثل هذا التفسير أن المقاولة المعتبرة في حالة توقف عن الدفع المبرر لافتتاح مساطر معالجة صعوبات المقاولة، إلا المدين الذي لا يستطيع أداء ما عليه من ديون وذلك على خلاف الذي لا يريد أداء ديونه.
فعبارة «عدم القدرة على سداد الديون المستحقة» الواردة في المادة 560 من مدونة التجارة فلا يمكن حصرها في المدين الذي لا يمكنه أداء ديونه نظرا لعجزه المالي. وذلك راجع بالأساس للحلول دون تطبيق مساطر المعالجة على المدين الموسر سيء النية. مما يفقد هذه المساطر طابعها الترهيبي في مواجهة المدينين المخاطبين بأحكام المادة 560 وكذا طابعها الوقائي أو الحمائي المقرر لفائدة الدائنين[4]. فالمحكمة التجارية المرفوعة إليها الدعوى الرامية إلى فتح مسطرة معالجة صعوبات المقاولة يمكنها أن تعتبر المدين في حالة توقف عن الدفع كلما كان هناك عدم أداء دين تتوفر فيه الشروط المذكورة سابقا، وذلك من دون الإكتراث لنية هذا المدين، وهل هو عاجز عن الأداء أم ممتنع عنه بسوء نية.
ò     إثبات عدم القدرة على سداد الديون :
الواقع أن الفقه لم يعر أي اهتمام لإثبات التوقف عن الدفع لأنه لم يكن يرى واقعة التوقف عن الدفع سوى واقعة مادية تتمثل في رفض أداء الديون في مواعيد استحقاقها. ومن ثم فإن إثبات التوقف عن الدفع ممكن بجميع وسائل الإثبات ومنها القرائن[5]، بما في ذلك إقرار واعتراف رئيس المقاولة عند تصريحه بالتوقف عن الدفع أو بمناسبة دعوى أخرى موجهة ضده، لكن هذا الإقرار ليس كافيا لاعتبار المقاولة في حالة التوقف عن الدفع، بل يتعين على المحكمة إجراء الأبحاث اللازمة من خلال المقارنة بين أصولها وخصومها.
ويمكن للدائن أن يثبت توقف مدينه عن الدفع، وإن كانت هذه المهمة في غاية الصعوبة على اعتبار أن الدائن لا يتوفر على العناصر الداخلية للذمة المالية للمقاولة، وكل ما يتوفر عليه هو بعض المظاهر الخارجية لوضعية المقاولة، ومتى تمكن من إقامة الدليل على هذه المظاهر يكون قد حقق مبتغاه، وكمثال لهذه المظاهر : عدم احترام المدين للآجال الممنوحة، وعدم أداء الديون الضريبية، وديون الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي والتوقف عن الإستغلال[6].
هذا وأنه في جميع الأحوال فإن المحكمة تبقى لها السلطة التقديرية الواسعة لاعتماد هذه الوسائل أم لا؟ وذلك حسب كل حالة على حدة. كما أن المحكمة تخضع في تكييفها لهذه الوقائع لرقابة المجلس الأعلى. أما بخصوص عبء إثبات واقعة التوقف عن الدفع فيقع على عاتق الدائن الذي يطالب بفتح مسطرة المعالجة، ما لم تكن المطالبة صادرة من رئيس المقاولة نفسه، إذ في هذه الحالة تبقى للمحكمة الصلاحية الكاملة في استنباط[7] واقعة التوقف عن الدفع.
يمكن القول أن كل مقاولة تجارية كيفما كانت قد يعترض سير عملها اختلالات من شانها أن تودي إلى توقفها عن الدفع في التاريخ المحدد لذالك. مما يؤدي الى نتائج سلبية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي ,باعتبار أن المقاولة عبارة عن وحدة إنتاجية هامة ,مما حث المشرع على التدخل من اجل ضمان استمرارية هذه المقاولة عن طريق الوقاية الداخلية أو الخارجية, وفي حالة عدم نجاعتها يتم اللجوء إلى مسطرة المعالجة عن طريق التسوية أو التصفية القضائية في حالة اختلالها بشكل لا رجعة فيه.
المراجع المعتمدة
1.   الدكتور أحمد شكري السباعي : "الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة"، الجزء الثاني، مطبعة المعارف الجديدة الرباط، الطبعة الثانية 2007.
2.   امحمد لفروجي : "صعوبات المقاولة والمساطر القضائية الكفيلة بمعالجتها"، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، الطبعة الأولى 2000.
3.   أحمد شكري السباعي : "الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة ومساطر معالجتها"، الجزء الأول، الطبعة الثالثة.
4.   عبد الرحيم القريشي : "تدابير الوقاية من صعوبات المقاولة بين التشريع والتطبيق"، مطبعة دار أبي رقراق للطباعة والنشر، الطبعة الثانية.
5.   حنان البكوري : "محاضرات في مادة صعوبات المقاولة سنة 2013.
6.   نور الدين لعرج : "قانون صعوبات المقاولة"، مطبعة سليكي إخوان طنجة، الطبعة الثانية.
7.   عبد الرحيم شميعة : "نظام معالجة صعوبات المقاولة"، مطبعة سجلماسة مكناس، طبعة 2013.
8.   عبد الواحد صفوري : "التوقف عن الدفع بين الفقه والقانون والقضاء"، مطبعة ابن سينا، الطبعة الأولى 2008.
9.   أحمد شكري السباعي : "الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة ومساطر معالجتها"، الجزء الثالث، مطبعة المعرفة الرباط، طبعة 2009.
10.                     امحمد لفروجي : "التوقف عن الدفع في قانون صعوبات المقاولة، دراسة تحليلية نقدية بعينات من عمل القضاء في الموضوع، دراسات قانونية معمقة"، عدد 1 مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء.
11.                     محمد كرم : "الوجيز في مساطر صعوبات المقاولة في التشريع المغربي"، الجزء الأول، المطبعة الوطنية مراكش، الطبعة الأولى 2010.
12.                     عبد الواحد صفوري : "التوقف عن الدفع بين الفقه والقانون"، المجلة المغربية للقانون والإقتصاد والتدبير، العدد 53-2008.
13.                     خديجة مضي : "محاضرات في مادة صعوبات المقاولة"، الموسم الجامعي 2012/2013 كلية الحقوق أكادير.

الــفــهـــرس :
مقدمة :...........................................................................
1
المبحث الأول : موقع التوقف عن الدفع ضمن الصعوبات التي تعترض المقاولة :.
3
المطلب الأول : مختلف درجات الصعوبات التي يمكن أن تعترض المقاولة :......
3
الفقرة الأولى : الصعوبات المتمثلة في وجود وقائع من شأنها الإخلال  باستمرارية استغلال المقاولة :................................................................
3
أولا : الوقاية الداخلية إجراء  أولي لمواجهة الصعوبات التي تعترض المقاولة :.....
4
ثانيا : التصدي لصعوبات المقاولة عن طريق مسطرة الوقاية الخارجية :..........
13
الفقرة الثانية : الصعوبات المتمثلة في عدم أداء الديون المستحقة :.................
21
أولا : معنى الصعوبات المتمثلة في عدم أداء الديون المستحقة :...................
21
ثانيا : كيفية التصدي للصعوبات المتمثلة في عدم أداء الديون المستحقة :...........
22
الفقرة الثالثة : الصعوبات المتمثلة في اختلال المقاولة بشكل لا رجعة فيه..........
28
أولا : مفهوم الصعوبات المتمثلة في اختلال وضعية المقاولة بشكل لا رجعة فيه :.
28
ثانيا : المصير الذي تؤول إليه المقاولة ذات الوضعية المختلة بشكل لا رجعة فيه :
30
المطلب الثاني : تحديد الوقت الذي تكون فيه المقاولة في حالة التوقف عن الدفع المبرر لفتح مسطرة المعالجة :....................................................
36
الفقرة الأولى : معنى التوقف عن الدفع لفتح مساطر معالجة صعوبات المقاولة.....
36
أولا : المعيار القانوني للتوقف عن الدفع :........................................
37
ثانيا : المعيار الإقتصادي للتوقف عن الدفع :......................................
38
الفقرة الثانية : حالة عدم تنفيذ الإلتزامات المالية الواردة في الإتفاق الودي.........   
40
المبحث الثاني : عناصر التوقف عن الدفع المبرر لافتتاح مساطر معالجة صعوبات المقاولة :.........................................................................  
43
المطلب الأول : النظر إلى التوقف عن الدفع من زاوية الديون المستحقة على المقاولة :.........................................................................
44
الفقرة الأولى : عدم ضرورة تعدد الديون غير المؤداة، وعدم ضرورة أن يكون الدين غير المؤدى تجاريا :....................................................... 
44
أولا : عدم ضرورة تعدد الديون غير المؤداة :....................................
44
ثانيا : عدم ضرورة أن يكون الدين غير المؤدى تجاريا :..........................
45
الفقرة الثانية : أن يكون الدين ثابتا ولا نزاع فيه، وأن يكون مستحقا ومعين المقدار
47
أولا : أن يكون الدين محققا ولا نزاع فيه :........................................
47
ثانيا : أن يكون الدين مستحق الأداء ومعين المقدار :..............................
48
المطلب الثاني : النظر إلى التوقف عن الدفع من زاوية عدم القدرة على سداد الديون المستحقة :................................................................
51
الفقرة الأولى : تحديد مدى كفاية أصول المقاولة لسداد خصومها المستحقة :......
51
الفقرة الثانية : مدلول عدم القدرة على سداد الديون :.............................. 
52
المراجع المعتمدة :................................................................
55


[1] - خديجة مضي : "محاضرات في مادة صعوبات المقاولة" ألقيت على طلبة الإجازة الموسم الجامعي 2012/2013 كلية الحقوق أكادير، ص: 22.
[2] - امحمد لفروجي : التوقف عن الدفع، مرجع سابق.
[3] - La notion de cessation des paiements en substonçe , l’état de cessation des paiement est le fait d’avoir une dette que l’on ne peut pas payer, l’également l’état de cessation des paiements est selon le code de commerce « l’impossible de faire façe au passif exigible avec actif disponible ».
- WWW.avocats-picovshi.com  أطلع عليه 05/12/2014  
[4] - امحمد لفروجي : مرجع سابق.
[5] - عبد الواحد الصفوري : المجلة المغربية للقانون والإقتصاد والتدبير، ص: 53.
[6] - خديجة مضي : مرجع سابق، ص: 24.
[7] - عبد الواحد الصفوري : مرجع سابق، ص: 55.

Previous Post Next Post