بعض قصص النجاح فى المنافسة العالمية
نستعرض فى هذا الجزء بعض التجارب الناجحة التي حققت قدرات تنافسية متميزة، وهى
دول : سنغافورة – ايرلندا - تونس، فقد تمكنت سنغافورة من الحفاظ على المرتبة الأولى
فى تقرير التنافسية العالمي ولعدة سنوات متتالية، كما استطاعت أيرلندا رفع مرتبتها
التنافسية من المرتبة (26) فى عام 1996 إلى المرتبة (10) فى عام 1999، واحتلت
تونس المرتبة (2) فى تقرير تنافسية دول إفريقيا. [1]


سنغافورة
لا تتجاوز مساحة سنغافورة عن 648 كم 2 ، ويبلغ عدد سكانها أربعة ملايين نسمة، وهى
من دول جنوب شرق آسيا، وقد واجهت سنغافورة العديد من التحديات بعد حصولها على
الاستقلال فى عام  1965، حيث كانت تفتقر إلى المياه والموارد الطبيعية، كما كانت تعاني
من معدلات بطالة عالية، ولكنها الآن تحتل مرتبة متقدمة فى سلم التنافسية، باعتبارها إحدى
الدول الأكثر قدرة على التنافس فى العالم .
وفيما يلى بعض ملامح قصة النجاح فى المنافسة العالمية لسنغافورة :
- 1   وجود رؤية قوية وفعالة وواقعية للقيادة تركز على النتائج وليس الشعارات .
   -2 تبنى سياسات اقتصادية مفتوحة شجعت التجارة والاستثمار، ونتيجة لذلك فقد :
 -                 ارتفع متوسط معدل النمو الاقتصادي السنوي إلى حوالي % 10
حتى عام 1980 وتجاوز % 7 فى جميع السنوات بعد ذلك،ويعتبر متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي من المتوسطات الأعلى فى العالم، حيث بلغ 32 ألف دولار أمريكي سنويًا .
 -              يبلغ حجم التجارة السنوية لسنغافورة حوالي ثلاثة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي، حيث ارتفع إجمالي صادرات سنغافورة من1 9.7 مليار دولار فى عام 1980 إلى حوالي 120 مليار دولار فى عام 1995
  -3 اتباع أسلوب تدريجي ومرن فى التحول الاقتصادي،وإعادة صياغة السياسات كلما
دعت الحاجة إلى ذلك، استجابة للظروف الدولية السريعة التغير .
  -4 تضم الهيئات " الحكومية " الرئيسية المعنية بالاستراتيجية الاقتصادية - مثل مجلس
التنمية الاقتصادية السنغافوري - ممثلين بارزين من القطاع الخاص فى سنغافورة، إلى
جانب المديرين التنفيذيين للشركات الأجنبية المتعددة الجنسيات .
-5   توفير بيئة اقتصادية تنافسية ومتحررة، حيث نجد أن المؤسسات الحكومية مكلفة
بتسهيل الاستثمارات وليس إعاقتها، وذلك من خلال :
-       تخفيض مستويات ضريبة الدخل للشركات من % 40 فى عام 1986 إلى   % 26فى الوقت الحاضر ويجري حالياً إعداد خطط لإجراء المزيد من التخفيضات .
-      فرض الضرائب على الشركات الأجنبية وفقاً لنفس الأسس التي تفرض فيها على الشركات المحلية .
-     لا يوجد حد أدنى للأجور، وقد أدى ذلك إلى زيادة التوظف ، وبالتالي إلى معدلات أعلى فى الأجور .
-        تتمتع حقوق الملكية الفكرية فى سنغافورة بالحماية، كما أنمعدلات القرصنة فيها تعتبر من بين الأدنى فى آسيا .
  -6 التركيز القوي على التعليم ، بما فى ذلك التعليم الفني حيث تم التركيز بشكل كبير
على رعاية رأس المال الفكري وإدخال التقنيات الأكثر حداثة، بما جعل سنغافورة
تحتفظ بالريادة فى الاقتصاد القائم على المعرفة .
  -7 التحسين المستمر للبنية التحتية الأساسية والتكنولوجية، مثل الموانئ والطرق
والمطارات والاتصالات السلكية واللاسلكية، حيث تتصدر سنغافورة بلدان آسيا فى
استخدام الحاسبات الإلكترونية والبريد الإلكتروني .
  -8 فيما يتعلق  بالتجارة الإلكترونية تعتبر سنغافورة من أوائل الدول التي ترتبط بشبكة
اتصالات متقدمة للغاية .


أيرلندا
تعتبر أيرلندا بلدا صغيرا فى أوروبا، ولا يتجاوز عدد سكانها 3.6 مليون نسمة، وفى
العقود القليلة الماضية عانت من ركود اقتصادي، وسيطر عليها شبح العنف والحرب
الأهلية، هذا إلى جانب أنها اشتهرت بتصدير القوى العاملة التى هاجرت بأعداد كبيرة
إلى أمريكا الشمالية وأستراليا والمملكة المتحدة نتيجة لعدم توفر فرص عمل لهم .
وعلى الرغم من ذلك فقد ارتفع النمو الاقتصادي لايرلندا من عام 1994 إلى عام
1997 بمعدل %8.9 سنوياً، ويقترب دخل الفرد فى ايرلندا من دخل الفرد فى المملكة
المتحدة،وقد انخفض معدل البطالة من حوالي % 16 فى عام 1993 إلى 6,6
% فى الوقت الحالى .
ومن أبرز السياسات التي كان لها دور حيوي خاص فى دعم القدرات التنافسية
لأيرلندا، ما يلى :
 - رؤية واضحة لتشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر، حيث تبنت الحكومة الايرلندية سياسات ناجحة لجذب الاستثمارات الأجنبية،وبخاصة فى مجال التكنولوجيا المتقدمة والصناعات التي تحتاج
إلى مهارات عالية .
  - ترسيخ بيئة تنظيمية واضحة لتشجيع التنافس والحد منالبيروقراطية .
  - فرض رقابة صارمة على الأموال العامة لخفض العجز فىالميزانية، والحد من التضخم وضمان الاستقرار الاقتصاديالإجمالي .
  - تحقيق مستويات عالية فى التعليم مع التركيز الشديد على المهاراتالفنية المناسبة وعلى البحث والتطوير الفعال .
  - توسيع العلاقات التجارية الدولية من خلال الانضمام إلى الاتحادالأوروبي ومنظمة التجارة العالمية والقيام بدور فاعل فيهما، حيث أصبحت أيرلندا نقطة انطلاق للاستثمارات الأمريكية إلى الأسواقالأوروبية .


تونس
يبلغ عدد سكان تونس تسعة ملايين نسمة، وهى واحدة من البلدان العربية التى حققت نجاحاً
سريعاً فى الأسواق الدولية، وعلى الرغم من صغر حجمها نسبياً وعدم توفر موارد طبيعية
فيه، إلا أنها اجتذبت استثمارات أجنبية مباشرة ارتفعت من (781) مليون دولار فى عام
1980 إلى (5.2) مليار دولار فى عام . 1997
وقد بلغ متوسط معدل النمو السنوي فى الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة من 1990
إلى 1997 حوالي %( 4.8) وقد بلغ النمو السنوى فى القطاع الصناعى ما يزيد على
%( 13 )خلال الفترة من 1 987 إلى . 1 997
ومن العوامل التي ساهمت فى الأداء التنافسى الناجح لتونس خلال عقد التسعينيات، ما
يلي :
  - الاستقرار الاجتماعي والسياسي وتحرير الاقتصاد والتجارة .
  - وجود بيئة مستقرة للاستثمار فى تونس ترقى إلى المعايير الدولية، والتحسين المستمر فى
الإجراءات الإدارية .
  - النظر إلى أصحاب المشروعات الريادية باعتبارهم أبطالاً وطنيين يستحقون الثناء
والاحترام .
  - التركيز على الإبداع والتكنولوجيا الحديثة والقدرة على المنافسة وعلى أهمية المشاركة فى الأسواق العالمية .
  - انخفاض معدل النمو السكاني بصورة ملحوظة ، ليصل إلى %( 1 .7) مما أسهم فى
تخفيض الضغط على الخدمات الاجتماعية وزيادة دخل الفرد فى جميع أنحاء البلاد .
  - دعم التكامل العالمي ، حيث تعتبر تونس عضو فى منظمة التجارة العالمية، كما أنها
الدولة الأولى الواقعـة على الساحل الجنوبي للبحـر الأبيض المتوسط التي وقعت على
" اتفاقية شراكة " مع الاتحاد الأوروبى ونتيجة لذلك أصبح القطاع الخاص فى تونس أكثر
قدرة على المنافسة .
-   حماية الاستثمارات من الازدواج الضريبي ومن انتهاك حقوق الملكية الفكرية
والصناعية، والسماح للمستثمرين الأجانب بتحويل أرباحهم ، ودخولهم بحرِية إلى الأسواق .
  - إعطاء أولوية كبيرة للتعليم، حيث تنفق تونس %25 من ميزانيتها السنوية على
التعليم والتدريب مما شكل عاملاً مهماً فى تحقيق النجاح .


تعكس قصص النجاح السابقة العديد من الخصائص التي تشترك فيها الدول الثلاث
المذكورة، فهي تشمل التركيز على التعليم، والسعي النشط لجذب الاستثمارات الأجنبية،
والجهود الكبيرة المبذولة لتحرير وتنظيم بيئات الأعمال التجارية، والرغبة المستمرة فى
الابتعاد عن الشعارات حول ضرورة الإصلاح والتوجه إلى التنفيذ الفعلي له، وقد تبين أن
هناك دور واضح للتدخل الحكومى فى دعم القدرات التنافسية لهذه الدول الثلاثة .


وبينما يفكر الفلسطينيون فى كيفية تأمين مستقبلها الاقتصادى فى ظل المعطيات القادمة التي قد تكون انسحابا من قطاع غزة أولا ، وأيا ما كان سيناريو هذا الإنسحاب فإنه من المفيد أن نتذكر مقولة رجل المال المعروف والتر ريستون "رأسمال يذهب الى المكان الذى يحتاج اليه، ويبقى فى المكان الذى يحسن معاملته". وقد دارت مناقشات موسعة ومطولة حول معنى المكان الذى يحتاج الى رأس المال ومعنى حسن معاملة رأس المال. ومنذ عدة سنوات قامت غرفة التجارة الأمريكية بوضع مسح حدد ما يطلق عليه "الوصايا الإثني عشر" أو مبادئ الاستثمار الدولى. وهذه الوصايا تعتبر دليل يمكن أن تتبعه الهيئات الحكومية للدول من أجل جذب رؤوس الأموال التى تحتاج اليها عملية التنمية الاقتصادية.

[1]   بركات ، نسرين : " مفهوم التنافسية والتجارب الدولية الناجحة في النفاذ الى الأسواق الدولية " ، المعهد العربي للتخطيط ، الكويت ، 2001 .

Previous Post Next Post